Monthly Archives

August 2007

2007, مقالات, نشرة رعيتي

أن نحب ربنا يسوع المسيح/ الأحد 26 آب 2007/ العدد 34

رسالة اليوم آخر مقطع في الرسالة الاولى الى اهل كورنثوس يحتوي على كلمات تشجيع وعلى تحيات وبركة.

الكلمة الاولى اسهروا انتظارًا للمجيء الثاني للمسيح. وريثما يجيء السيد يشجع الرسول المؤمنين على الثبات في الايمان الذي كان قد شرحه في مطالع الرسالة وفي هذا الثبات الأهمية للمحبة. وهي تتطلّب ان نكون أشدّاء فيها.

بعد هذا يذكر أعوانه: استفاناس وفرتوناتوس واخائكوس وهم مسؤولون في كنيسة كورنثوس بدليل انه يطلب الطاعة لهم.

اما بيت استفاناس او أهله فقد خصصوا أنفسهم لخدمة القديسين وهي تعني المسيحيين في أورشليم الذين كان بولس معتنيا بهم ويجمع لهم إعانات من الكنائس في الانتشار، وكان يرى الرسول ان المشاركة في الأموال علامة من علامات الوحدة.

من حيث يكتب يقول للكورنثيين ان هؤلاء المندوبين «قاموا مقامكم في غيابكم». هذا ما عناه في هذه الترجمة: «ان نقصانكم (اي غيابكم) هؤلاء قد جبروه».

«تسلّم عليكم كنائس آسيا» تدل على الإقليم الروماني في آسيا الصغرى (في تركيا الحالية).

«أكيلا وزوجته برسكلة يسلّمان عليكم» ولا سيما انهما أسهما في تأسيس كنيسة كورنثوس وسلّماها الى بولس. الكنيسة التي في بيتهما تشير الى المؤمنين الذين كانوا يجتمعون عندهما لإقامة القداس الإلهي.

«سلّموا بعضكم على بعض بقبلة مقدسة». القبلة المقدسة مذكورة في عدة مواضع من رسائله. القديس يوستينوس الفيلسوف الشهيد الذي كتب حوالى مئة سنة بعد هذه الرسالة يقول ان القبلة بين المؤمنين جزء من القداس الإلهي (للأسف ضاعت عندنا) ولم تبقَ الا القبلة بين الكهنة في الهيكل وتأخذ في غير كنائسنا شكلا خاصا (مصافحة بالأيادي او تسليما بانحناء الرأس).

«السلام بيدي انا بولس» تعني انه اخذ القلم من الكاتب الذي كان يملي عليه وأكمل الرسالة ليعرفوا خطه وانه هو حقًا صاحب الرسالة.

ماذا كتب؟ «حرا ان كان أحد لا يحب ربنا يسوع المسيح فليكن مفروزًا» اي مقطوعًا من شركة الكنيسة. هو لا يفترض ان في كنيسة كورنثوس من لا يحب الرب يسوع ولكنه يحذر. ثم يتمنى ان تنزل على جميعهم نعمة ربنا يسوع المسيح. ويزيد «محبتي مع جميعكم في المسيح يسوع». هنا ينسكب قلب الرسول، ولكنه يوضح ان هذه محبة في المسيح اي تنزل عليه من المسيح ويوزعها على كل المؤمنين في كنيسة كورنثوس. الذين هم في المسيح بسبب من إيمانهم ومحبتهم.

Continue reading
2007, جريدة النهار, مقالات

لبنان اليوم وغدا / السبت ٢٥ آب ٢٠٠٧

ماذا يعني لك ان تعيش في بلد كثير المعطوبيّة؟ في المبدأ انت منه وهو اليك. واذا أردنا بأنك منه وهو اليك ان الجماعات أمست في هذه المحنة أقرب بعضها الى بعض فحقيقة ذلك نسبيّة لأنها ناتجة من حالات طارئة. هي كذلك بسبب الضديّة وما هي كذلك في العمق بسبب من القناعات المؤسسة على شعور وحدة قائمة او وحدة نبنيها. فالجماعات عندنا هي ما يبدو منها فقد قال الخبير الأب لوبره Lebret قديما: «لبنان ليس عالم الكيان، انه عالم الظهور».

                     وهاجس اللبناني غير الاستثنائي ان يبدو امام الآخر. لذلك يصطنع لنفسه الصورة التي يريد الآخر الذي يهمّه ان يراها: مجتمعنا تتشابك فيه الصور، الأقنعة ولا تتلاقى فيه الوجوه اذا اردنا بالوجه صورة النفس.

                     هل التجمّعات اللبنانية تعد نفسها دائما لتخطي ذاتها وتاريخها ومكاسبها وطموحاتها للقاء الجماعات الأخرى التي تقوم بعمليات مماثلة علنا ندرك شيئا من الوحدة بحركة الواحد الى الآخر فتلتقي في وحدة الحركة ان لم ناتقِ على ارض واحدة.

                     وهذا يعني ان كل شريحة دينيّة او سياسيّة راغبة في إعادة النظر في ما مارسته قبل تفحص ذاتها اليوم لتلقي مما تعتبره تراثها ما يجب استبعاده عن رؤيتها لنفسها. هل ترتضي كل شريحة ان الأخرى تسائلها سرا او جهرا اذ يعرف كل فريق منا على وجه الدقة ما يفكّر به الآخر ويعرف آلامه ويجب ان يعرف اذًا ان الآخر مجروح وانه هو قد يكون الجارح ولكنا نختبئ وراء المقولة السطحيّة التي أشيعت منذ القرن التاسع عشر: «الدين لله والوطن للجميع». اعرف ان النيّة عند كاتبها كانت طاهرة ولكن المقولة تتضمّن التباسات كثيرة وقد تعني اللامبالاة بالأديان التي لا يمكن ان ننساها ونعرف انها تترك في النفس صدمات نجهر بها او نسكت عنها ولا نحب ان نذكر ما يصدمنا في الدين الاخر ونشرح الصدمات في حلقات خاصة، الأمر الذي يستدعي، بالضرورة، الحوار ايضًا وايضا والدراسة المعمّقة ونزولا الى أعماق المحبة. هذا من اجل الحق الذي يحررنا وان نحيا في سلام في معيّة صادقة ولا نقع في تلك الدهرية التي تعني إقصاء الايمان عن الفكر والسلوك.

#            #

#

                     ان تجاوز الطائفيّة الى الوطنيّة لا يتمّ على مستوى الدعوات الكلاميّة التي نقرأها في الأدبيات اللبنانيّة منذ ما قبل الحرب العالميّة الاولى ولا نتوجّه الى الأسباب السيكولوجيّة او الايديولوجيّة التي تجعلنا ورثة العتيق العتيق. ليس صحيحا ان اوربا حرة من الطائفيّة الدينيّة ولو تحرّرت من ترجمتها السياسيّة بالعلمانيّة. ففي الحياة الوجدانيّة وحتى تاريخ قريب كان ثمة مجتمع كاثوليكي ومجتمع بروتستنتي وقد كان هذا واضحا في المانيا بعد ان وحّدها بسمارك واشتد هذا في فرنسا مع حركة شارل موراس الشوفينية ومع كل القوميات الملتصقة بمذهب مسيحي في البلقان. ولعلنا لم نكن على هذه الحدة في العلاقات الإسلامية المسيحية.

                     غير اننا نحن اللبنانيين نحب الاختباء ونخشى المصارحة في الحياة اليوميّة، في البيت وفي الاجتماع الوطني وكأن معظم القوم «خشب سندة» اي كأن الحديث لا يصل الناس بعضهم ببعض وكأن الحقيقة في ما لا نصرح ولهذا كثرت عندنا محاكمة النيات. يكون الأمر كذلك عندما يكون المقول هو غير المعني بحيث انك تحتاج الى تحليلات مفذلكة لتصل الى الباطن المكتوم الذي يقيم الآخر علاقته بك، كأنك لا ترى سوى الشجرات الأمامية (اي الحكي) التي تخفي أدغالا مظلمة.

                     لذلك كان العيب المنتشر بصورة مريعة التذاكي الذي هو الالتماع بالكلام بالكلام الذي يصبح، عند ذاك، قناعا.

#             #

#

                     لست أعلم اذا كانت هذه الطبائع التي عليها الكثيرون هي التي تلد اهل السياسة عندنا ام ان ثمّة تفاعلا بيننا وبينهم يذهب على الخطين. لست هنا ارجم أحدا بحجر ولكن لا مفر من السؤال: هل ان الدولة هشّة لأنها صورة شعبنا ام انها هي المثال الذي نحتذي به. ما من شك ان الانسان العادي والخائف بسبب فقره او عدم أمانه ينجذب الى القوي ليقلّده. وما من شك ان الناس على دين ملوكهم ويقولون عند تعبهم اذا كان أمراء السياسة هم هكذا فكيف نكون افضل منهم ولهم في الدنيا متع ونفوذ والبعض عندهم مال ويعطى النواب تعويضات يرثها اولادهم وأراملهم من بعدهم مع ان  الكثير منهم يجني اموالا من مكتبه او المصارف.

                     واذا رأيت العظيم في قومك يهدر ما يهدر حتى استعمل المصطلح الجاري فأنت مغرى بالتشبيه بالعظام، والمعتبرين كذلك. فاذا كان الجالسون على الأرائك لا يحاسَبون فتحاول انت ان تستشفعهم لئلا يحاسبك أحد. في القانون الكنسي الذي يعود الى القرن الرابع عندنا ما مفاده ان الاكليريكي الذي لا يعرف بمخالفته الأسقف يجب ان يكشف خطيئته للأسقف ويطالب محاكمته عنها. بسبب التغاضي الكبير في لبنان عن الارتكابات ينمو عدم التقيد بالقانون او المطالبة بتطبيقه ليأس الناس من المراجع الادارية او القضائيّة ولإيمانهم بأن التعامل  يكون على قاعدة التفريق بين الست والجارية.

                     هناك قناعة بأن اهل الحكم طبقة مميّزة وان الطبقيّة عندنا ليست بين الفقير والغني ولكنها بين الحاكم والمحكوم.

                     على رغم كل ذلك نحن شعب مسكين وفينا طيّبون كثيرون. انا شاهد على فترات زمنيّة تعود الى ما قبل الحرب العالميّة الثانية حيث كنت تجد الكثير من المستقيمين والطاهرين وحيث كنت تستدين مبالغ طائلة بالليرة العثمانية الذهبيّة بلا كتابة سند وكنت ترد الدين. انا شاهدت ذلك في الاوساط التي كنت أعيش فيها وكنت أرى الدقة والاستقامة في العمل الصناعي وقلة الرشوة في الدوائر وقناعة الناس بنزاهة القضاء. واتكلّم هنا ايضا كشاهد ما يعني ان الشعب اللبناني ليس فاسدا في جوهره وان خطايا دخلت اليه ويمكنه التخلّص منها ان ساعده اهل الحكم.

                     طبعا تتطلّب هذه الطهارة اليوم شجاعة كبيرة وتقشفًا كثيرا اذا تألفت حلقات من الطاهرين وضغطوا على الوضع السياسي وحضهم على التقوى العميقة المسؤولون الروحيون في كل الأديان.

                     الحث على نقاوة القلب والعيش امر لا يحتمل ارجاء ان لم نتوقّف حصرا على الأزمة السياسيّة الحالة فينا اليوم. فلكل زمان صعوباته وما يبدو مآزقه. ولكن الانسان ليس أسير المأزق. ماذا ينفع الإنسان لو حللنا كل المشاكل العابرة مهما قست وخسرنا نفسنا. انت تحيا بالله في الضيق والفرج، تحيا مصلوبا او قائما  من بين الأموات. ونرجو الرب ونحن في الجراح ان يرفع عنا النير الذي وضع على اعناقنا ليزداد تعلقنا بالكلام الذي نزل على من اصطفاهم ربهم فكان بهم  الينا وكنا اليه.

                     نحن جميعا ومعا خلاص لبنان اذا اردنا ذلك  فالله يريد ذلك. متى نتعلّم ان الباطل باطل وان الحق حق. مرة قالت لي امرأة عجوز: «ان كان الكذب ينجّي فالصدق ينجّي اكثر وأكثر». هلا سمعنا الى هذه الحكيمة المصطفاة!

Continue reading
2007, مقالات, نشرة رعيتي

الإنجيل الذي بشّرتكم به/ الأحد 19 آب 2007/ العدد 33

الإنجيل الذي يذكره الرسول هو تعليمه وليس الأناجيل الأربعة التي لم تكن كُتبت بعد. رسائل بولس تاريخيّا هي أوّل ما عندنا من العهد الجديد. ثم يشدّد على ان اهل كورنثوس قائمون في إنجيله بمعنى انه هو الذي يحميهم. كم من مسيحيّ اليوم يحيا بالإنجيل او بالعهد الجديد؟ مَن منّا قرأه كاملا ويقرأه كل يوم؟ ويصرّ الرسول على اننا نخلص بهذا الإنجيل اي ننجو من خطايانا، وتَدخلنا حياةُ المسيح.

بعد هذا التأكيد يبدو ملخِّصا لهذا الإنجيل ويقول ان ما يسلّمهم اياه قد تَسَلّمه هو من آخرين اي من التقليد المعروف بالكنيسة وبخاصة من الرسل الذين التقاهم في اورشليم.

أوّل تأكيد له من مضمون هذا التعليم انّ «المسيح مات من اجل خطايانا حسب الكتب». حسب الكتب اي تحقيقًا للنبوءات ولا تعني كتب العهد الجديد التي لم تظهر بعد عندما كتب الرسالة. هو لا يشير الى سِفْر معيّن.

ثم يذكر انه قُبر وقام «على ما في الكتب» بالمعنى نفسه. بعد هذا يقول ان الرب ظهر لصفا اي لبطرس.

يؤكّد هذا انجيل لوقا في قوله ان الرب «ظهر لسمعان» (24: 34). كذلك يتفرّد بولس أنّ الرب ظهر لخمسمئة أخٍ دفعة واحدة. غالبًا ما كان هذا في الجليل. ايضا بولس هو الشاهد الوحيد على ان المخلّص ظهر ليعقوب أخي الرب الذي صار أوّل أسقف على أورشليم. أخيرا يقول: «وآخر الكل تراءى لي انا ايضا كأنه للسقْط». يستعير هذه الكلمة التي تدلّ على الولد الناتج عن إجهاد ليوحي انه لا شيء لكونه اضطهد كنيسة الله. ومع انه اعتبر نفسه كلا شيء، فوّضه يسوع مسؤولية الرسالة. «لكي بنعمة الله انا ما أنا»، اي جعلني المسيح مجانًا رسولا. وعندما يقول «تعبتُ أكثر من جميعهم» يؤكّد انّ هذا ليس من فضله وبسبب من جهوده ولكنه فضل النعمة عليه. هذا هو أقصى التواضع عند الرسول.

ثم يعود الى ما أكّده قبل ان يتحدّث عن نفسه، يعود الى مضمون التعليم عن موت يسوع وقيامته ويقول: هذه هي الكرازة سواء حملتُها انا إليكم ام حَمَلها سواي من الرسل، فهكذا نكرز ونعلّم، وهكذا أنتم آمنتم.

هكذا يكون الإيمان المستقيم الرأي. الرسل علّموا وسلّموا التعليم الى من جاء بعدهم. واي تعليم خارج عن هذا الذي تسلّمناه يكون انحرافا او هرطقة. ويقيننا نحن ان كل ما قالته المجامع المسكونية السبعة وما قاله آباؤنا وما نؤدّيه من عبادات انّما جاء من هذا الإنجيل ينبوعًا. بعد هذا تفسّر او تحدّد العقيدة لينأى المؤمنون عن الأضاليل او تترجم التعليم الأوّل صلوات وتراتيل التي جوهرها جميعا في الإنجيل.

نحن ما زدنا شيئا عن الإنجيل ولكنّا أوضحناه لنكافح الفكر الضال الذي نشأ هنا وهناك. هذا هو عمل الروح القدس الذي ألهم الإنجيليين وألهم آباءنا ايضا ويلهم الكنيسة دوما حتى نبقى في حدود الكلمة الإلهيّة.

Continue reading
2007, جريدة النهار, مقالات

الكذب / السبت ١٨ آب ٢٠٠٧

قالت العرب: «أعذب الشعر أكذبه». هل المراد بهذا الكلام ان الشعر هو الهروب من العادي الذي يجسّده النثر الى إحساس ينشئ كلمات اخرى. الشعر ليس كذبا لأنه ليس تشويها. انه بناء آخر ولو كانت الحجارة واحدة. هو في الحقيقة محاولة نجاة من واقع يؤلمك ولا ترتضي السكنى اليه اذ تكون، اذ ذاك، قابعا في ما يشبه الموت.  تخرج من الألم او تحاول في الإبداع الذي يعطيه التماس الفرح. ما من إبداع في الكذب الأدبي. الزخرف هو الكذف. القلق الذي لا بعده سلام يجعلك مختبئا فيه. هذا في الأدب.

                     أما في الحياة فالكاذب كثيرا ما ينجح بالاختفاء ولكنه لا ينجح بالاستمرار. بهذا المعنى قال فولتير: «اكذب، اكذب يبق دائما شيء من هذا». قد يصدقونك الى حين ولكن لا يصدقك كل الناس. لذلك كان الكاذب في الأخير محكوما عليه بالوحدة فيعتزله القوم الذين يلتمسون الشفافية لكون الكذب يؤذيهم او يؤذي مصالحهم ويرون كيف تمزقت شبكة العنكبوت وكيف انهار صاحبها ليس لأنهم بالضرورة أصدق. الكذوب لا يحب ان يكذب عليه لأن فيه إرادة الحياة. ليس هناك جماعة كذابين. الكذب لا يربط كاذبا بآخر.

                     الكذب يغري للكسب، لتغذية النفوذ. ولذلك يعرّض له الإنسان اية كانت مهنته او موقعه في العائلة. ولكن لا ضرورة له في اية حرفة. الديبلوماسي نفسه يحمل رسالة من دولته ويفاوض ويدافع عن موقف بلده ولكن لا شيء يضطره الى مجافاة الحق ولاسيما اذا امتهن ديبلوماسيّة مكشوفة كما هي الحال احيانا في ايامنا. كذلك المحاماة يعيشها الكثيرون في صدق كامل. المحامي يدافع عن وجهة نظر وعن الجانب القوي في موقف موكله واذا جانب الحقيقة يفضحه الخصم او القاضي. لا تستطيع انت ان تنفي واقعا ثبت او يمكن إثباته. تستعين القانون او تشرح الظروف بحيث ينجلي الوضع.

                     المبالغة في وصف الحسن للبضاعة وأساليب أخرى في التجارة كتحريف سجلات المحاسبة كل هذا يقع تحت عنوان الكذب الى جانب السرقة. انهما متلازمان.

#                 #

#

                     في بلدنا لا بد من ان يطرح السؤال حول الصدق عند رجال السياسة. أجيب توًا اني اؤمن بأن منهم من كان صادقا وكذا في بقية انحاء العالم. طبعا هذه فضيلة صعبة المنال حيث السياسة شأن الزعيم او النافذ الذي يشتهي ان يجدد قعوده على مقعد بعد ان احتله فترة طويلة او قصيرة. هذه شهوة السلطة التي ترهبني اكثر من اية شهوة اخرى. تضعف الرغبة فيها في وجود الأحزاب التي تختار هي مندوبيها الى مجلس النواب. ولكن في القبلية التي تتخذ اسم الديموقراطية – والقبيلة فردية- حظنا في الصدق قليل.

                     هناك أنظمة سياسيّة او تركيبات مجتمعية تضعف حظ الصدق. المؤكّد ان من انتهك العفة في الانتخابات يكون قد ارتكب الرشوة التي هي استغلال حب الناس للمال وتاليا قبول إفسادهم. من ينقذنا من هذه الآفة.

                     مرة سألت أحد أبنائي الروحيين ان كان يكذب. أجابني: نعم ولكني لا اؤذي احدا. قلت له: على الأقل تؤذي نفسك لأنها تقزّمها بخسارتك الشجاعة. المواجهة هي حق لمن تتعامل واياه. له حق في الصدق. ان تواجه هو ان تجعل وجهك اي داخلك امام وجهه اي داخله لأنك تقوي شخصيتك بالصدق وهو ينميها بمعرفة الحق الذي قال الناصري انه يحرر. بالصدق تتقبّله وهو يتقبّلك واذا اخطأ فله عليك حق عتابك ولعلك تشفيه من خطأ وقع فيه. اخرج دائما من نفسك لأن الآخر بات هو مركزك وانت توجد به وفيه ويحل النور عليك وعليه.

                     انه لمقلق جدا الا تكون متأكدا ان الآخر لا يصدقك. يختل التعامل اذًا ولا تعرف اين تقف واين يقف الآخر ويبدأ الشك بالنيات وتتهدد مصالحك وقد تصل الى اليأس من الآخر وربما تعمم شكك على جميع الناس وتعوزك اذ ذاك، قوة كثيرة ونعمة الهية فائقة لتستمر في الطهارة وتشعر ان الطهارة تؤذيك في حياتك الخاصة او العامة.

                     السؤال الذي يطرح نفسه احسب ان لنا جوابا عنه في ما قاله صاحب الرسالة الى العبرانيين حيث قال: «فاذ قد تشارك الاولاد (اي البشر) في اللحم والدم اشترك هو (اي المسيح) كذلك فيهما لكي يبيد بالموت الذي له سلطان الموت اي ابليس ويعتق اولئك الذي خوفا من الموت كانوا جميعا كل حياتهم تحت العبودية» (2: 14 و15).

                     القصة كلها هي الخوف من الموت وهذا الخوف هو العبودية. فالسارق يسرق خوفا من جوعه وجوع اطفاله او في ظنه ان ما عنده لا يكفي وانه يعيش على مستوى الموت. كذلك الكذاب يكذب خوفا مما يشبه الموت. التلميذ مثلا يخالف الواقع الذي يسأله عنه المدرس خشية عقابه. الذي يخون زوجته هو دائما غارق في سرد حكايات لا أساس لها لكي تطمئن وترضى عنه. يخشى عقابها كائنة ما كانت صورته. قبولنا للموت هو اعلى مستوى روحي يمكننا بلوغه. اما اذا وصلنا فمعنى ذلك اننا احرار من الخطيئة.

                     انها اذًا لحرب دائمة نخوضها على الخوف بحيث لا نخشى تأديب احد في اية مؤسسة نحن فيها ونرضى بالطرد من اجل الحقيقة. وليس من نصف صدق وقد عبّر عن ضرورة كماله المسيح المبارك بقوله: «ليكن كلامكم نعم نعم ولا لا وما زاد عن ذلك فهو من الشرير» (5: 37) فلا تسوية بين النعم واللا. وهذا المعنى يؤكّده بولس الرسول بقوله. «امين هو الله ان كلامنا لم يكن نعم ولا» (٢كورنثوس 1: 18).

                     اجل لك ان تتكتم والا تكشف الحقائق لفضوليين ليس لهم الحق بمعرفتها. اما حيث يقضي التواصل او المسؤولية في مؤسسة انت فيها فهناك المكاشفة وعند ذاك تبدي ما يجب ابداؤه. اي اخفاء يضر بصيت واحد من الناس او مصلحته فهو من الشرير. هناك حكمة تربوية احيانا في الإخفاء اتقاء صدمة عنيفة. هناك ارجاء حكيم لكشف امور. ولكن روح التصرف يبقى ان الحقيقة هي حياتك وحياة الآخرين ليكتمل كيان الجماعة الشاهدة الله.

Continue reading
2007, مقالات, نشرة رعيتي

الروحيات والجسديات في الكنيسة/ الأحد 12 آب 2007 /العدد 32

في هذا المقطع من الرسالة الأولى الى أهل كورنثوس مناخ جدال حول شخص بولس في هذه الرعية. في بدء الرسالة إشارة الى أحزاب في الكنيسة اذ يقول أحدهم انا لبولس، وآخر انا لأبولّس، والثالث لصفا. في هذا الجو المحموم يقول بولس هنا للمؤمنين: «انتم خَتْم رسالتي». لفظة خَتْم مستعملة في سفر الرؤيا والرسالة الى اهل رومية. ثم استعملت بمعنى موهبة الروح القدس كما نستعملها اليوم عند إقامة سر الميرون.

بعد هذا يعبر الى القول: «ألعلّنا لا سلطان لنا أن نأكل ونشرب؟». مع ذلك كان بولس يرفض ان تسنده الكنيسة ماليا ويعمل عامل خيام ليأكل. هذا كان رده على اعتراض أول.

ثم يقول: «ألعلّنا لا سلطان لنا ان نجول بامرأةٍ أختٍ كسائر الرسل؟». المرأة الأخت طبعا هي الزوجة وتسمّى أختا لإيمانها. تؤكّد الرسائل انه أثناء تبشيره الكنائس لم يكن متزوّجا. هل تزوّج ثم ماتت امرأته فكان في رحلاته التبشيرية بلا امرأة؟ لا نعلم على وجه التأكيد.

ثم يبدو من الكلام على إعاشة بولس انه جرت مناقشة حولها. فجاء يؤكّد من العهد القديم والأعراف اليهوديّة وكلام السيّد نفسه انه يحق له ان يعتاش من الكنيسة ولكنه هو الذي رفض (لم نستعمل هذا السلطان بل نحتمل كل شيء لئلا نسبب تعويقا ما لبشارة المسيح).

ماذا نستنتج من هذا في حالتنا الحاضرة في حياة الكاهن؟

اولا- ان كانت له مهنة ما (تعليم، زراعة، الخ…) وكان الدخل منها كافيا، فله ألاّ يتقاضى شيئا من الكنيسة ويمكن ان يتقاضى مبلغا رمزيا؟

ثانيا- معظم الكهنة ليس لهم دخل من بيوت يؤجّرونها او مهنة يحترفونها. فلهم على الرعية حق. من هنا قول الرسول: «ان كنا قد زرعنا لكم الروحيات أفيكون عظيما ان نحصد منكم الجسديات (المال)؟»

هذه المسألة لم تُحَلّ حتى الآن في بعض الأماكن حَلاّ مرضيا لنقصان في محبة المسؤولين العلمانيين (مجلس الرعية) للكاهن. ولعلّ السبب أحيانا فقر الرعية لصغرها. ولكن في كل حال يجب ان يدير المطران الأمور بحيث لا يبقى الكاهن معوزا كما لا ينبغي ان يكون مترفا. هناك ترتيب لا بد منه رسمي وهذا جارٍ في معظم الرعايا.

غير ان الراتب لا يمنع العطاء الفردي للكاهن بمناسبة خدمة إلهيّة وهذا معروف. ولكن الأجمل من هذا أن يعطي المؤمنُ المسؤولَ الروحي هدية مالية من وقت الى آخر دون ان يكون قام له بخدمة ما (كالإكليل او العمادة). لا شيء يمنع أن نعبّر عن محبّتنا له بهذا الإهداء من وقت الى آخر. ولا يظننّ أحد ان المال يتدفّق على الأسقف او القس او الشماس تدفّقًا. فلا تُحرِج احد الإكليريكيين أن يلتمس منك المال التماسا. لا تجعل الاكليريكي متسوّلا. انت تعبّر عن محبّتك بالعطاء على قدر إمكانك وتعبّر عن شكرك للعطاء الروحي الذي يأتيك منه.

Continue reading
2007, جريدة النهار, مقالات

الحسد / السبت ١١ آب ٢٠٠٧

دائما في مطالعاتي للآباء النساك كنت أتساءل انى كان لهم ان يكتبوا عن رذائل لم يرتكبورها ويصنّفونها وبعد تحليلهم الداء كانوا يقدمون الدواء فتأخذ منهم ما تستطيع وتستشفي. غير ان الآباء عالجوا ناسا كثيرين جاؤوا اليهم مسترشدين. ولعل الفضيلة ترشدك الى معرفة الرذيلة بسبب من التناقض.

                      انا لست ناسكا ولكني سأحاول فيما احلل نفسي واوغل في رؤية الشر ان أفهم شيئا من رذيلة الحسد والتدقيق فيه لا يطرحك فيه ولكنه يساعدك على الخروج منه ولعل دوري ان اذيقك مرارته لتتقيأه ان لذعك بعض الشيء او لامسك كثيرا.

                      فيما كنت اسعى الى تحديد الحسد او مصدره في النفوس المصابة فيه لفتتني الآية القرآنية في سورة النساء: «ثم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله» (الآية ٥٤). هذا هو جوهر هذا الإثم، انت لا تطيق الخير في سواك فتتحرق لوجود مواهب فيه أجمالا كان ام ذكاء ام تقوى ام غنى ام وجاهة  في الدنيا. لا تتحمّل نفسك فقيرا الى هذا ولا تتحمّل الآخر موفور البهاء بأي فضل من العلي.

                      تعليل ذلك انك كاره للآخر ولا تريد له حسن الوجود وحسن الطلعة الروحية او الفكرية وكان عليك ان تسر بحسناته لأن الحق المنتشر او الجمال او الفطنة تنبئك بمجد الله فيه وبكرمه العميم والله حر في ان يوزع نعمه حيث يشاء ولعل له قصدا باختيار هذا او ذاك وان يخصه بعطاء منه واذا سطعت عليك  أنوار الموهوبين فخذها. قد لا تنزل عليك من فوق رحمة تستنزلها. ماذا يمنع  ان تؤتاها بالوسطاء الذين فوضهم ربهم توزيع المغانم الروحية؟

                      الا ان «لسان العرب» يتوسع بتبيان المضمون للحسد «الحسد ان تتمنى زوال نعمة الحسود اليك» ثم يوضح الناموس الحسد ان يرى الرجل لأخيه نعمة فيتمنّى ان تزول عنه وتكون له دونه؟ مجموعة مشاعر متقاربة فتارة ترى في الآخر حسنة وتغتاظ لسكناها اليه. وطورا تغتاظ لكونك عاجزا ان تحصل عليها. وفي كل حال انت رافض للبركات التي عند الآخر بسبب من كرهك له او بسبب من انغلاقك دونه او من انغلاقك دون كل الناس او معظمهم.

#              #

#

                      هنا ندخل في آلية الحسد. هو قرين الغضب او النميمة او كليهما اذ يجب ان تقتل الآخر في صيته او صورته عند الناس فتلفق ما ينفعك تلفيقه لتدمر المحسود اذ المهم الا تظهر حسناته لئلا تزول انت وينتج من ذلك انك تفتش عن اصغر ضعف فيه او بعض من نقص تافه لتركب عنه «صورة منحوتة» فتذيعها وتحاول إقناع الناس بها اذ القاعدة ان يجتمع الحساد في عصبة رهيبة. غايتها ان تقتل الموهوب. لا يجوز ان تقف انت امام العصابة.

                      لذلك كانت النميمة عنصرا في القتل المعنوي هاما. تذهب احيانا بصورتك الحقيقيّة الى الأبد ويثبت النمّام كلامه ويظن انه به يحيا غير ان غباءه اقنعه انه اكتشف الحقيقة اذ ابادك ولم يبدك واستطاع ان يجمع حوله بعض الأغبياء. الحسد دائما يفضح والمرتكب لا يريد ان يفتضح فيهاجم ويظن انه قوي لأنه أخذ يضربك بلسانه او التعامل.

                      لا يزول الحسد الا باهتدائنا الى اننا جميعا واحد وبأني لا أستطيع ان أقول انا الا اذا قلت لك انت. اي لا يزول الحسد الا بالـ «نحن». اجتماعي اليك هو حقيقتي، هو كياني بل الكيان هو كيان الجماعة المتحابة التي يعترف كل واحد فيها بحرية الله ان يهب ما شاء لمن شاء. والمواهب موزّعة بالمحبة الإلهية الحرة ابدا. وحتى تعترف بالآخر لا بد لك من ان توقن انه حبيب الله وانه يحيا كما تحيا انت بالاختيار الإلهي وما اعطي لك ان تعرف شيئا عن حركة الله الى خلائقه حتى يبين الأبرار فتقبل اليهم واذا رأيت الله فيهم تراه بعدئذ فيك. واذا اهتديت ترى الحسد منافيا للعلاقة الشركوية التي تربطك بالبشر وبالكون. وتفهم، عند ذاك، ان مجد الشمس شيء ومجد القمر شيء وكلاهما فيهما مجد.

                      الحس الشركوي الذي أشرت اليه ادركه بولس في رسالته الى اهل غلاطية لمّا دعاهم الا يغاضبوا بعضهم بعضا ولا يحسد بعضهم بعضا. قبل ذلك حذّر العهد القديم من الحسد الأفراد. العهد الجديد بلسان بولس يخشى على الكنيسة ان تتصدّع اذا تعاطينا الغضب والحسد وفي قراءة شاملة للعهد الجديد الكلمات المعطوفة بعضها على بعض هي الحسد وفي قراءة شاملة للعهد الجديد الكلمات المعطوفة بعضها على بعض هي الحسد والقتل او الحسد والخصام فتجتمع هذه المفردات بشكل عضوي في النفس. فاذا كان الغضب في النفس قرين البغض فما من شك ان الانسان الحاسد لا يعرف المحبة.

#           #

#

                      لذلك قال الرسول: «المحبة لا تحسد» (١كورنثوس 13: 4). يستتبع هذا القول ان الحسود يعشق نفسه عشقا آثما وانه يتعذّر عليه ان يتحرّر من وطأتها ليتقبّل عطاء نفس اخرى اليه فاذا سادته النفوس الطيّبة يحيا بها. وان لم يتقبّل القلب القلوب الأخرى بترحاب يقسو  حتى التحجّر.

                      طبعا قد لا يحسد احدنا باستمرار شخصا آخر اذا ادرك ان هذا الشعور يعطبه. وقد يعرف الشوق. هذا الصعود والنزول يجتمعان في قلب واحد ويذهب الإنسان مع كل ريح. ولكن هذا يعني ان المحبة الكبيرة الشاملة لم تسكن هذا القلب وانه لا يعبد الله عبادة خالصة.

                      فالله وحده يعصمك عن القنل المعنوي الذي قد يلازمك طوال حياتك. غير ان النعمة ممكن حصولها في كل حين. ان زوال الحسد مستحيل بلا عبادة لله كاملة فلا تملأ القلب بالأصنام. فإن لم يكن لك إله غيره يكون كل الناس محبوبين لديك. وقبل ان يكون هذا تكون مثل اليهود الذين أسلموا المسح حسدا. انت دائما تسلم من لا تحب. فاذا اخذك الله في حنانه وكشف لك ان بهاء الآخرين هو منه تعود من الله الكاشف الى حقيقة احتضانك الناس بلطف وفرح بما اغدق الله عليهم من عطايا.

Continue reading
2007, مقالات, نشرة رعيتي

التجلّي/ الأحد 5 آب 2007/ العدد 31

غدًا نقيم عيد تجلّي الرب، وجرى ذلك حسبما قال معظم القدماء على جبل ثابور ووفق ما قال آخرون انه تم في جبل حرمون وهو جبل الشيخ عندنا.

سرد الحادثة ورد في الأناجيل الثلاثة الأولى والنصوص متشابهة جدا. اصطحب الرب التلاميذ الثلاثة الذين اصطحبهم غير مرة وهم بطرس ويعقوب ويوحنا لكي يشاهدوا مجده قبل ان يشهدوا آلامه، ويعبّر متى عن حادثة التجلّي بقوله: «وتغيّرت هيئته قدامهم واضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور».

ما هي هذه الظاهرة؟ تعليم الكتاب أن النور الإلهي في المسيح كان محجوبا عن الناس والتلاميذ لأنه اتخذ مظهر بشر ليتم الاختلاط الطبيعي بينه وبين الناس. كان يجب ان يعرفوه واحدا منهم. لذلك جاء اليهم ليس ذا مظهر استثنائي.

غير انه، هذه المرة، أراد ان يكشف نور الألوهية الذي كان فيه فأخرج هذا النور على وجهه وعلى ثيابه. حتى بعد القيامة لم يظهر لتلاميذه بشكل نوراني. وإنجيل يوحنا المختص بالكلام عن مجد يسوع رأى مجده هو بالموت على الصليب. النور غير المخلوق الذي كان في المسيح ظهر فقط هذه المرة ليعبّر عن ألوهيته بصورة ساطعة.

هنا يظهر ايليا وموسى، ويقول تراثنا ان ايليا هو النبي النموذج، وان موسى هو ناقل الشريعة الإلهية، وتاليا ان النبوّة والشريعة تحققتا في المسيح. هذان اللذان اشتهيا ان ينظرا مجد الله شاهداه في الحقيقة في شخص يسوع، ولما ظلّلتهم السحابة وهي رمز المجد الإلهي في العهد القديم سُمع صوت الآب: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررتُ. له اسمعوا». هذا هو الكلام عينه الذي قاله الله عند معمودية يسوع. هذا كان تأكيدًا لكون الابن الحبيب هو من طبيعة الآب كما نقول في دستور الايمان. وهذا التأكيد اقتضى ان يظهر المسيح في المجد.

وأخيرا ذهب عنه ايليا وموسى ولم يرَ التلاميذ الا يسوع وحده. واذا اردنا المعنى العميق فليس مجرد وصف يحدث ولكن ليدعونا الكتاب ان نرى المخلّص دائما وحده، لا نمزجه بشيء آخر ولا نعادله بكائن آخر، وان كنا نحب أصدقاءه القديسين والمقربين إليه هنا. وعلى رغم ان القديسين تشبّهوا بالمسيح، يبقى المسيح وحده فلا يكون له شبيه.

واذا رأيناه وحده، ينسكب علينا نوره في القلب وفي الفهم الروحي بحيث تتغيّر حياتنا اذا رأيناه فريدا، فوق الجميع.

عندئذ يكون كل شيء لكل مؤمن به ويدعونا الى ان نلتحم به فنحس منذ هذا العالم اننا آتون منه.

Continue reading
2007, جريدة النهار, مقالات

الزواج في رؤية مسيحية / السبت ٤ آب ٢٠٠٧

كدت أعنون في الرؤية المسيحية لو لم تكن بيننا بعض الفروق التي لا تمس جوهر السر مثل تأكيد الكنيسة الكاثوليكية على صحة العقد شرطا للزواج ومثل صمت العلماء الأرثوذكسيين عن العقد وإيغالهم في الحديث عن السر. وكذلك عدم اعتبار الإنجيليين الزواج سرا من أسرار الكنيسة. على ذلك كله لا أجد فرقا في العمق بين المسيحيين اذا خرجوا من القوالب التعبيريّة الى رؤية الزواج كما نستطيع ان نستخرجها من العهد الجديد. قد يعيش الكثير من المعاصرين بلا رؤية. هذا شأنهم. غير ان الكتاب الذي على أساسه يتزوجون في الكنيسة يجب ان ينكشف في حقيقته. وفي هذه السطور سوف أحاول ترجمته.

                      اذا استعرت كلاما من رابعة العدوية وهي تخاطب الله: «أحبك حبين حب الهوى وحب لأنك أهل لذاك». أرى ان الرجل يمكن ان يقول لزوجته: «احبك حبين  حب الهوى وحبا اذا جعلني الرب قادرا ان أعطيه وسماه بولس حب المسيح لكنيسته اي للأمة المقدسة التي تؤمن به».

                      حب الهوى هو الذي يصدر عمن سماه بولس الرسول الإنسان الطبيعي كما هو مركب بناء على رؤية الله للإنسان على انه ذكر وأنثى كما ورد في بداءة سفر التكوين. «ذكرا وأنثى خلقهم» وفي ايضاح لهذا الكلام «يترك الانسان أباه وأمه ويلزم امرأته ويكونان كلاهما جسدا واحدا». ورجوعا الى المفهوم الانجيلي يصير كلاهما كيانا واحدا.

                      هل هذا هو مجرد حب الهوى؟ في الرسالة الاولى الى اهل كورنثوس فوق الانسان الطبيعي (وفي النص اليوناني الانسان النفساني) الذي هو على صورة آدم يأتي الإنسان الروحاني الذي هو على صورة آدم الثاني اي المسيح الذي نشأت منه الانسانية المتجدّدة بنعمة الله.

                      فالانسان المنحدر من آدم الاول جدنا جميعا بما فيه من قوة لجذب الجنس الآخر قادر ان يحب حب الهوى بما يستطيع ذلك من مجانسة بين الرجل والمرأة. مرة جاءني رجل يشكو علاقته مع زوجته وقال لي: ليس بيننا مجانسة. ما كنت اعرف قبل ذلك استعمال هذه اللفظة في هذا الباب حتى فهمت في هذا الحديث ان حب الهوى منقطع بينهما ففهمت توا ان الزوجية الراقية روحيا لا تنتهي عند حب الهوى وانها تحتاج الى قوة من العلى.

                      ثم بت أكتشف حقيقة ذلك لما صرت أسمع: انا اريد الطلاق اذ بطل الحب بيننا. حب الهوى لا يكون وحده اساس علاقة يجب، حسب الاتجيل، ان تبقى. ان تبقى تعني يجب ان تبقى بسبب الأمر الإلهي بحيث تتجاوز انت حب الهوى الى المحبة التي أحبنا المسيح بها لما بذل نفسه هنا وجعلنا خلائق جديدة اي نتكوّن به.

                      هذا ما نسميه في رتبة الإكليل عند الأرثوذكسيين «العرس السري الطاهر» لأن الاندفاع الجنسي القائم في كياننا يجب ان يرتفع الى نعمة الله الجامعة لكائنين وبدونها لا يجتمع مؤمن بمؤمنة ويجتمعان على صورة محبة الآب لابنه وهي متبادلة منذ الأزل حتى نتسامى على الترابية التي فينا الى عيش روحي يصحح النقص الذي تحمله كل علاقة بشرية محضة معرضة للهشاشة بسبب الأنانية او الانغلاق او سؤدد الشهوة والاغراء الذي يدفعنا الى كسر الوحدة الزوجية.

                      مرة دخل علي رجل وزوجته وبادراني بالقول: نريد ان نطلّق. أجبتهما لا يكفي ان ترغبا في ذلك لأن الزواج ليس عقدًا ثنائيا. قالوا: من هو اذًا الطرف الثالث. اجبتهما بل الطرف الاول هو الله الذي أكلّمكما باسمه ويجب ان نعرف فكره في الحالة التي انتما فيها. لم يفهما شيئا من هذا الكلام ولكنه عندنا نحن المسيحيين هو كل الكلام.

                      لهذا نقول ان الزواج ليس مجرد عقد وان كان لا بد من العقد انطلاقا. ليس عقدا. انه عهد والعهد الله واضعه والعهد الذي تقطعه انت لامرأة مبني على كلمة الله ولك ان تقرأها بدءا من حب الهوى. والحياة في الله تبدأ بالسيطرة على الشهرة  وما قلت بإزالتها اذ بها تكتمل المجانسة ولكني قلت السيطرة عليها بالنعمة التي تنزل من فوق فتتحمّل بهذه النعمة مشقات الحياة واختلاف الطبائع والخيبات التي تكشفها لك حياة زوجية هي ناقصة بواقعها ومتلفة احيانا كثيرة للصبر بحيث يتعذر ان تأتي المجانسة النفسية كاملة في اي بيت واذا كان رفيقك الحقيقي هو الله تحمله في قلبك وتقدمه كل يوم لهذه المشاركة التي ارادها الله ان تبقى بينك وبين الزوجة التي أمرك ان تحبها حتى الموت. ان تحب يعني انه يجب ان تحب. بهذه المحبة التي وهبك الله اياها لما آمنت بمحبة المسيح لكنيسته وذلك عملا بقول بولس: «ايها الرجال احبوا نساءكم كما أحب المسيح الكنيسة وبذل نفسه عنها». بكلام آخر يجب ان نحب حتى الموت شخصا عاهدته على ان تبقى رفيقا له طوال حياتك ورفيقا به ورحيما وغفورا لأنك قبلت ان ندخل في حلف ثلاثي معه ومع الرب.

                      مرة كتب إلي شاب: انا قررت ان أترك خطيبتي. أجبته. «بنات الناس لسن قطع غيار في سيارة». بعد هذا تصالحا. الزوجية اهم من الخطوبة وانت لا ترمي زوجتك في الشارع وتعذر نفسك ان المحكمة الروحية مستعدة لتحكم لها عليك بتعويض مالي او ما يشبه ذلك. لا ترميها لكونك التقيت بحسناء فتية او لأي سبب آخر. تكون، اذ ذاك، قد فهمت الزواج على انه رابط يبقى ما بقيت الرغبة وعندنا انه يبقى في مشيئة الله الذي قال: «ما جمعه الله لا يفرقه انسان». اساس ذلك ان الزواج قرار إلهي وتاليا عيش إلهي لا يأخذ بعين الاعتبار الجانب البشري فيك او في الآخر.

#             #

#

                      افهم ان هذا غاية في الصعوبة عند التأزم الكبير. ولكن المعلم قال: «من اراد ان يتبعني فليكفر نفسه ويتبعني» وأفهم ذلك انك مدعو ان تتبعه حتى الصليب لأنه الموضع الأخير الذي  وصل اليه المسيح في حياته في البشرة.

                      الزواج ليس اختبارا تختبره واذا اخفق ترميه جانبا. عند الكثيرين الحياة العائلية صليب ثقيل وعليك ان تتحمّله لتصل هنا الى قيامة «بالروح والحق». انت روح تحيي به شريكتك في هذا الوجود الأرضي وذلك في تجاوز دائم لحب الهوى وإدراكك ان الآخر أهل لذاك الحب الإلهي الذي ينزله الله عليكما.

                      واما ان ترى المحكمة الروحية نفسها مضطرة الى تسوية الاوضاع او الفصل بينكما -وهذا قائم في كل الكنائس- فهذا ما يراه الارثوذكسييون من باب التدبير وليس يتضمّن نكرانا للمبدأ القائل «ان ما جمعه الله لا يفرقه انسان». هناك أمور حياتية صعبة لا بد من مواجهتها بتدبير عملي. وعلى افتراض انك لم تتزوج ثانية وصالحت امرأتك وعادت اليك فنحن لا نقيم اكليلا آخر وكأننا قلنا انه على رغم قرار المحكمة فالزوجية قائمة وتود المساكنة بناء على البركة الاولى.

                      لا تنكر اي كنيسة مبدأ ديمومة الزواج مع وجود احكام هي من باب هذه الدنيا يختلف بين كنيسة واخرى لإيماننا بأن الزواج حركة إلهية قامت لتمجيد الله في هذا العالم وتطبيق قراره الأزلي بالحب الزوجي وتكاثر الجنس حتى يأتي ملكوت الله.

Continue reading