كدت أعنون في الرؤية المسيحية لو لم تكن بيننا بعض الفروق التي لا تمس جوهر السر مثل تأكيد الكنيسة الكاثوليكية على صحة العقد شرطا للزواج ومثل صمت العلماء الأرثوذكسيين عن العقد وإيغالهم في الحديث عن السر. وكذلك عدم اعتبار الإنجيليين الزواج سرا من أسرار الكنيسة. على ذلك كله لا أجد فرقا في العمق بين المسيحيين اذا خرجوا من القوالب التعبيريّة الى رؤية الزواج كما نستطيع ان نستخرجها من العهد الجديد. قد يعيش الكثير من المعاصرين بلا رؤية. هذا شأنهم. غير ان الكتاب الذي على أساسه يتزوجون في الكنيسة يجب ان ينكشف في حقيقته. وفي هذه السطور سوف أحاول ترجمته.
اذا استعرت كلاما من رابعة العدوية وهي تخاطب الله: «أحبك حبين حب الهوى وحب لأنك أهل لذاك». أرى ان الرجل يمكن ان يقول لزوجته: «احبك حبين حب الهوى وحبا اذا جعلني الرب قادرا ان أعطيه وسماه بولس حب المسيح لكنيسته اي للأمة المقدسة التي تؤمن به».
حب الهوى هو الذي يصدر عمن سماه بولس الرسول الإنسان الطبيعي كما هو مركب بناء على رؤية الله للإنسان على انه ذكر وأنثى كما ورد في بداءة سفر التكوين. «ذكرا وأنثى خلقهم» وفي ايضاح لهذا الكلام «يترك الانسان أباه وأمه ويلزم امرأته ويكونان كلاهما جسدا واحدا». ورجوعا الى المفهوم الانجيلي يصير كلاهما كيانا واحدا.
هل هذا هو مجرد حب الهوى؟ في الرسالة الاولى الى اهل كورنثوس فوق الانسان الطبيعي (وفي النص اليوناني الانسان النفساني) الذي هو على صورة آدم يأتي الإنسان الروحاني الذي هو على صورة آدم الثاني اي المسيح الذي نشأت منه الانسانية المتجدّدة بنعمة الله.
فالانسان المنحدر من آدم الاول جدنا جميعا بما فيه من قوة لجذب الجنس الآخر قادر ان يحب حب الهوى بما يستطيع ذلك من مجانسة بين الرجل والمرأة. مرة جاءني رجل يشكو علاقته مع زوجته وقال لي: ليس بيننا مجانسة. ما كنت اعرف قبل ذلك استعمال هذه اللفظة في هذا الباب حتى فهمت في هذا الحديث ان حب الهوى منقطع بينهما ففهمت توا ان الزوجية الراقية روحيا لا تنتهي عند حب الهوى وانها تحتاج الى قوة من العلى.
ثم بت أكتشف حقيقة ذلك لما صرت أسمع: انا اريد الطلاق اذ بطل الحب بيننا. حب الهوى لا يكون وحده اساس علاقة يجب، حسب الاتجيل، ان تبقى. ان تبقى تعني يجب ان تبقى بسبب الأمر الإلهي بحيث تتجاوز انت حب الهوى الى المحبة التي أحبنا المسيح بها لما بذل نفسه هنا وجعلنا خلائق جديدة اي نتكوّن به.
هذا ما نسميه في رتبة الإكليل عند الأرثوذكسيين «العرس السري الطاهر» لأن الاندفاع الجنسي القائم في كياننا يجب ان يرتفع الى نعمة الله الجامعة لكائنين وبدونها لا يجتمع مؤمن بمؤمنة ويجتمعان على صورة محبة الآب لابنه وهي متبادلة منذ الأزل حتى نتسامى على الترابية التي فينا الى عيش روحي يصحح النقص الذي تحمله كل علاقة بشرية محضة معرضة للهشاشة بسبب الأنانية او الانغلاق او سؤدد الشهوة والاغراء الذي يدفعنا الى كسر الوحدة الزوجية.
مرة دخل علي رجل وزوجته وبادراني بالقول: نريد ان نطلّق. أجبتهما لا يكفي ان ترغبا في ذلك لأن الزواج ليس عقدًا ثنائيا. قالوا: من هو اذًا الطرف الثالث. اجبتهما بل الطرف الاول هو الله الذي أكلّمكما باسمه ويجب ان نعرف فكره في الحالة التي انتما فيها. لم يفهما شيئا من هذا الكلام ولكنه عندنا نحن المسيحيين هو كل الكلام.
لهذا نقول ان الزواج ليس مجرد عقد وان كان لا بد من العقد انطلاقا. ليس عقدا. انه عهد والعهد الله واضعه والعهد الذي تقطعه انت لامرأة مبني على كلمة الله ولك ان تقرأها بدءا من حب الهوى. والحياة في الله تبدأ بالسيطرة على الشهرة وما قلت بإزالتها اذ بها تكتمل المجانسة ولكني قلت السيطرة عليها بالنعمة التي تنزل من فوق فتتحمّل بهذه النعمة مشقات الحياة واختلاف الطبائع والخيبات التي تكشفها لك حياة زوجية هي ناقصة بواقعها ومتلفة احيانا كثيرة للصبر بحيث يتعذر ان تأتي المجانسة النفسية كاملة في اي بيت واذا كان رفيقك الحقيقي هو الله تحمله في قلبك وتقدمه كل يوم لهذه المشاركة التي ارادها الله ان تبقى بينك وبين الزوجة التي أمرك ان تحبها حتى الموت. ان تحب يعني انه يجب ان تحب. بهذه المحبة التي وهبك الله اياها لما آمنت بمحبة المسيح لكنيسته وذلك عملا بقول بولس: «ايها الرجال احبوا نساءكم كما أحب المسيح الكنيسة وبذل نفسه عنها». بكلام آخر يجب ان نحب حتى الموت شخصا عاهدته على ان تبقى رفيقا له طوال حياتك ورفيقا به ورحيما وغفورا لأنك قبلت ان ندخل في حلف ثلاثي معه ومع الرب.
مرة كتب إلي شاب: انا قررت ان أترك خطيبتي. أجبته. «بنات الناس لسن قطع غيار في سيارة». بعد هذا تصالحا. الزوجية اهم من الخطوبة وانت لا ترمي زوجتك في الشارع وتعذر نفسك ان المحكمة الروحية مستعدة لتحكم لها عليك بتعويض مالي او ما يشبه ذلك. لا ترميها لكونك التقيت بحسناء فتية او لأي سبب آخر. تكون، اذ ذاك، قد فهمت الزواج على انه رابط يبقى ما بقيت الرغبة وعندنا انه يبقى في مشيئة الله الذي قال: «ما جمعه الله لا يفرقه انسان». اساس ذلك ان الزواج قرار إلهي وتاليا عيش إلهي لا يأخذ بعين الاعتبار الجانب البشري فيك او في الآخر.
# #
#
افهم ان هذا غاية في الصعوبة عند التأزم الكبير. ولكن المعلم قال: «من اراد ان يتبعني فليكفر نفسه ويتبعني» وأفهم ذلك انك مدعو ان تتبعه حتى الصليب لأنه الموضع الأخير الذي وصل اليه المسيح في حياته في البشرة.
الزواج ليس اختبارا تختبره واذا اخفق ترميه جانبا. عند الكثيرين الحياة العائلية صليب ثقيل وعليك ان تتحمّله لتصل هنا الى قيامة «بالروح والحق». انت روح تحيي به شريكتك في هذا الوجود الأرضي وذلك في تجاوز دائم لحب الهوى وإدراكك ان الآخر أهل لذاك الحب الإلهي الذي ينزله الله عليكما.
واما ان ترى المحكمة الروحية نفسها مضطرة الى تسوية الاوضاع او الفصل بينكما -وهذا قائم في كل الكنائس- فهذا ما يراه الارثوذكسييون من باب التدبير وليس يتضمّن نكرانا للمبدأ القائل «ان ما جمعه الله لا يفرقه انسان». هناك أمور حياتية صعبة لا بد من مواجهتها بتدبير عملي. وعلى افتراض انك لم تتزوج ثانية وصالحت امرأتك وعادت اليك فنحن لا نقيم اكليلا آخر وكأننا قلنا انه على رغم قرار المحكمة فالزوجية قائمة وتود المساكنة بناء على البركة الاولى.
لا تنكر اي كنيسة مبدأ ديمومة الزواج مع وجود احكام هي من باب هذه الدنيا يختلف بين كنيسة واخرى لإيماننا بأن الزواج حركة إلهية قامت لتمجيد الله في هذا العالم وتطبيق قراره الأزلي بالحب الزوجي وتكاثر الجنس حتى يأتي ملكوت الله.
Continue reading