1995, مقالات, نشرة رعيتي

من العالم الى الحب الإلهي /الأحد 5 شباط 1995 /العدد 6

مقاومة المسيح تقوى وتنتشر. ان ربط أقطار العالم أحدها بالآخر بالسفر ووسائل الإعلام والإنتاج الأدبي يساعد على تعميم الأذى. هذه الأدوات نافعة لاستفحال الشر كما تنفع لإذاعة الخير ولا شكوى لنا من وجودها. انمّا هذا يفسر تفشي الخطيئة. وهنا لا بدّ من مراقبة الانسان لنفسه ولأولاده. انهم لا يستطيعون الخروج من العالم وتشكيل تجمعات طاهرة لأن وسائل العيش هي في هذه الدنيا وبالاختلاط مع الأشرار والخطأة. انت تبني دنياك مع البشرية الموجودة وهي تحاول بثّ فسادها وانت تسعى بالقدرة الحسنة والكلام الطيّب ان تنقلها الى معرفة الرب. هذا صراع أبدي بين النور والظلمة. ويتم الصراع في مكان عملك وفي بيتك وفي التكتلات الاجتماعية التي انت فيها بحكم مسؤولياتك.

    ولكن هذا لا يعني انك مضطر ان تعاشرأهل السوء في سهراتهم وكل لقاء لهم ولا ان تتبنّى نمطهم الاجتماعي. لك ان تختار أصدقاءك وان تناقش مع اولادك معشرهم ومطارح نزهاتهم. وترى على شاشة التلفزيون البرنامج الذي تريد ولا تصبح ضحية الشاشة. ذلك ان للعَين طهارتها وللأذن طهارتها. ولك ان تُلزم زوجتك وبناتك بالحشمة ولا سيما اذا كنت تنفق عليهن.

    وانت مدعو في الطعام والشراب الى التواضع واجتناب البذخ والى ذلك ايضا في كسائك وأثاث بيتك. فالمجد العالمي يأتي ايضا من هذه فإذا اشتهيت المجد وانتفخت تفرغ من الوجود الحق الذي يقوم عليه الصامدون. وكلما مارست هذا اللون من الشهوات تتحكم هي في فكرك وتصير مبتغاك وتسقط الى جحيم الغيرة والتباهي فتستكبر لأنك تملك وسائل العيش ووسائل النفوذ اكثر من سواك وتظلم نفسك بعد ان استنارت بالمسيح. واذا كان الرجل يتعظّم بماله وقوته فمَيل المرأة ان تتبختر بسبب من تبرجها وأثوابها وسيارتها وما الى ذلك من أباطيل. ويقود هذا الى الاستعلاء والى رصف العائلة مع المترفين فإلى الترفع عن الفقراء الذين هم بالدرجة الاولى أحباء المسيح.

    ولا يخدعنَّ أحد نفسه اذا ظن انه يقدر ان يعرض كل بهائه وان يكون شغوفا بالتواضع بآن. هذا سلوك ينافي المشاركة. فطلب الأبهّة يزيدنا تعلقا بها وينميها ليس فقط بلا فائدة ولكنه يؤذي الضعفاء ويزرع فيهم التشهي لهذه العيشة المنخورة.

    لا نعزينَّ أنفسنا بالقول ان معظمنا ليس كذلك. فقد يبدو الانسان عفيفا من عجز ولكن قلبه مفعم بالمطربات. ان تكون حرا من غناك بالعطاء الكبير وحرا من فقرك بالغنى الإلهي الذي فيك ذلك هو ما يجمع المؤمنين.

    امام هذا الانحلال العميم -ولم أصف كل مظاهره- لا يسعني ان آتي بوصفات. فأنت لا تتحرر من الانتفاخ بالتقليل من وسائل الانتفاخ. القصة ليست قصة كمية. انت تنعتق داخليا في نفسك اذا طهرت. “بالنعمة انتم مخلّصون”. كل شيء يجب ان يتحول فيك. لا بد لك من استحسان وجه الله لأنه هو وحده الحسن وانت تتيه عنه بوجوه الشياطين المخبأة تحت الشهوات المتنوعة. ان انقضاضها لعظيم ومواجهتها تحتاج الى قوة أعظم منها. يوم تصير فيه مقتنعا ان الفرح الإلهي أعظم من كل لذة فيك وان السيد يمنحنا تعزيات فينا، اذ ذاك تنتقل من متع دنياك الى النشوة الروحية لأنها باقية. تلك كانت خبرة الأطهار.

Continue reading