بدءًا من الميلاد/ الأحد 28 كانون الأول 2003 العدد 52
الابن الإلهي جعل نفسه صغيرًا حتى لا تبقى تتعامل أنت مع إلـه جبار، حتى يظلّ الرب عرضة لكفر البشر وظلمهم له وتعدياتهم عليه. وهكذا سمح لعسكر الرومان أن يلطموه ويكللـوه بشوك وسمح للانسانية كلها ان تصلبه. هذا الضعف الذي أراده يسوع لنفسه اذا قبلته يصير فيك قوة. هنا ينطرح السؤال كيف يقول بولس في رسالتـه الأولى الى اهل كورنثوس: “وضعف الله أقوى من الناس”. هو لم يقل ما بدا ضعفًا. هو قال: “ضعف الله”. ذلك ان المسيح تبنّى الضعف والضعفاء، وقَبِلَ الآية القديمة: “ملعون كل من عُلّـق على خشبة”. انه اقتبل ان يوحد نفسه مع الملعـونين، وفي المُصطلـح العبري الملعون هو من انقطع عن الحياة. مع ذلك يصرّ بولس على اننا “نكرز بالمسيح مصلوبًـا لليهود عثرة ولليونانيين جهالـة”.
وحتى يمهّد لضعف الصليب الذي استحال قوة أراد أن يولد برفقة أحطّ المخلوقات اي البقرة والحمار. ورفاقه الآخرون كانوا رعاة بيت ساحور قرب بيت لحم اي ناس أميّون وفقراء لا يفتخر أحد بصحبتهم.
ثم جاء المجوس الذين “فتحوا كنوزهم وقدّموا له هدايا ذهبًا ولبانًا ومرّا”. وهذا كلّه رمز تكلّمت عنه المزامير. لم يبقَ من هذه الهدايا في حياته الا المرّ. هذا صورة عن الخلّ الذي قدّموه له على الصليب ولم يشربه.
اللافت في سجود المجوس له انهم كانوا من عظماء القوم، ملوكًا او علماء. ان احتسبوك أنت كبيرًا في قومك او كنتَ مثقّفًا عميقًا فلستَ على شيء ان لم تكتسب تواضع المسيح، ان لم تقتنع انك به تتكوّن، ان لم تحاول أن تبلغ “فكر المسيح”. ما عداه غواية ولو كانت مجدًا ساطعًا او علمًا غزيرا او جمال جسد. كل شيء يفنى أمام هذا الطفل الصغير المرمي في مذود. انه صنع مجده بدءا من هذا الوضع الحقير. وقد شرح ذلك الملائكة للرعاة: “المجد لله في العلى”. ما عدا ذلك أمجاد يصطنعها الناس ليعظموا في عيون الذين يشبهونهم او من كانوا أدنى منهم.
بهذه الروحية تقتحم السنة الجديدة. أنتَ إن ملأتها بمجد يسوع الذي فيك تصبح هي جديدة. ليس من عام مكتوب جديدا. الأزمنة كلها فارغة إن لم تمتلئ بكلمة الله. العام أحداث معظمها عنف وشر وخطايا. أنتَ وحدك تفتدي العام الجديد. ما تزرعه حولك من وداعة وطيب وإخلاص وخدمة للفقراء، “جدّة الحياة” التي فيك تجعل السنة الـ 2004 جديدة. الناس هم جدد او عتاق. واذكر ان اول يوم من السنة نعيّد فيه لختانة الرب يسوع. وهي تعني لنا اننا نختن حواسنا كلها عن الشر: عن رؤية الشر او سماعه او لمسه وما الى ذلك، وبهذا تتجدد فينا المعمودية.
وإذا مرّت عليك الأيام في السنة المقبلة فخذ من أعيادها ما فيها من مجد الله وحلاوته وسلامه وغفرانه. وكانت الأعياد لتتجدد انتَ بها وتصبح هدية للمسيح. انت قربان اي معطى له، ولست ملِكا على أحد ولا مالكًا لشيء. أنت دائمًا فقير الى يسوع الفقير. عند ذاك تصبح حاضنًا له ويصير هو غناك ومعنى وجودك.
ولن تدخل سرّ المسيح ما لم تنزل عليك مزاياه. فإذا تمسحَن قلبك تدرك ما في قلبه، وعند ذاك يصير فكرك مسيحيا اي انك تصير في حدود بشريتك مستضيفا المسيح. بهذا تعرف انك وُلدتَ من السماء. فإذا ظهر عليك بمجده ورأى الناس وجهك مضاء بنعمته يحسّون وكأنهم رأوا وجه المسيح. ان أردت ذلك كان لك ميلاده ميلادا لك كل يوم، وكانت كل سنة لك سنة جديدة.
Continue reading