1995, مقالات, نشرة رعيتي

الرداء والقميص/ الأحد 26 تشرين الثاني 1995/ العدد 48

    “من انتَزع منك رداءك فلا تمنعْه قميصك” (لوقا 6: 29). كلام السيد هنا قاله “في مكان منبسط”، في سهل، وله ما يقابله في العظة على الجبل كما أوردها متى. نقف عند لوقا لنعرف فكر المسيح في عمقه. جاء هذا الكلام بعد قول الرب: “احبوا اعداءكم، وأحسنوا الى مبغضِكم”. ومِن بغْض عدوِّك لك ان ينتزع منك رداءك. والرداء هو الثوب الفوقاني المستعمل غطاء في الليل كالجبة الشرقية او العباءة. وفيه قالت الشريعة الموسوية: “اذا استرهنت رداء قريبك، فعند مغيب الشمس رده اليه، لأنه ستره الوحيد وكساء جلده، ففيم ينام” (خروج 22: 25). ويؤكد هذا سفر تثنية الاشتراع القائل انك ان رددت الى الإنسان رداءه يباركك. مع هذا ينوجد ناس اشرار لا يردونه. ونعرف اهمية الرداء عند العرب الذين ليس عندهم إحرام صوف ولكنهم يغطون انفسهم بالعباءة.

    فاذا انتزع منك رداءك يبقى لك قميصك وهو الثوب الذي يُلبس على اللحم وبدونه انت عارٍ. مع ذلك يقول السيد: “من انتزع منك رداءك فلا تمنعه قميصك” فتكون مجردا من كل شيء. يتبع هذا قول المخلّص: “كل من سألك فأعطه”.

    ان تكون بلا سلاح امام الآخرين سوى سلاح حبك لهم. هم يستضعفونك فيجردونك ويظنون انهم جعلوك حقا بلا مأمن. انت تقول لهم: انا لست متمسكا بأي شيء يعتبره كل الناس اساسيا ورمزه في الحضارة التي عاش فيها يسوع العباءة. تقول: لا اريد شيئا انتم تعتبرونه حماية لي من برد الليل وهو عندي ليس بشيء. تقول: تريدون القميص الذي اذا انتزعتموه تجعلونني بلا حماية إطلاقا، في العراء الكامل، سخرية للناس. اسخروا ما شئتم لا يزد ذلك على قامتكم شبرا واحدا. هذا يضعف طاقتكم على الحب. انا الله قميصي اذ اقول له مع صاحب المزامير: “انت ستر لي”. يسخر عدوك من مبادئك اي من عقلك. هذا لا يزيده كبرا ولا يجعل قناعاته صحيحة. انت حر من الناس لأنك تسكن في قلب الله.

    في بلادنا كلمة تُسْكر جميع الناس وهي كلمة كرامة. انت تثأر لكرامتك لأنك تظن انها للنفس مثل القميص للجسد. إنْ احد انتزعها لا يبقى لك شيء. الحق انك لابس كرامة الله. عدوك يظن انه يطعن في كرامتك. في الحقيقة انه يطعن نفسه. إنْ وضع الله كرامته عليك لا يقدر احد ان يجردك منها. فليسبّ ما شاء وينم قدر ما يشاء. يجعل نفسه في الأذى. لا يطالك. لا يصيبك.

    ان انت ثأرت لما حسبته كرامة لك ماذا تفعل؟ تشتمه. تصرخ في وجهه. تحاول ان تقنعه بكرامتك. هذا دفاع عما تظنه حقا لك. الحقيقة انك عارٍ. أقلّه ان احدا لا يستطيع ان ينتزع منك هذا الغنى العظيم الذي هو عراؤك. انت في الحقيقة لبست ثوب المحبة. سَتَرَك الله بنوره. انت مُضاء. انت اذاً مضِيء.

Continue reading