Monthly Archives

March 2002

2002, مقالات, نشرة رعيتي

خواطر في الزواج المسيحي/ الأحد 31 آذار 2002 / العدد 13

الزواج مشروع حياة طاهرة، ملتزمة، محبة، ومشروع تربية مسيحية للاولاد اذا جاؤوا. ولذلك أصر بولس على ان من تزوج فليتزوج بالرب اي بحضور يسوع في البيت الناشئ. العائلة هي حضور الله الجامع شخصين اساسا والجامعهما الى بنيهما وبناتهما. هي مكان إشعاع للإيمان. العائلة تسمى عندنا كنيسة صغيرة بناء على قول الكتاب: «انا وبيتي نعبد الرب».

لذلك لا يخطر على بال مسيحي ملتزم ان يقترن بامرأة غير معمّدة، ولاسيما ان الترتيب الكنسي الحالي يمنع هذا بسبب ما فيه من خطر ولاسيما على الاولاد. ويقول القانون الكنسي انه اذا خرج احد الزوجين عن المسيحية يصح فسخ هذا الزواج. والمحزن منذ بضع من السنين ان بعضا من المسمّين ارثوذكسيين المتزوجين يتركون الإيمان للتزوج بامرأة ثانية، واذا انكروا الإيمان يتبعهم اولادهم القصَّر. وهذا الترك يحصل احيانا عند الخيانة الزوجية وولادة طفل يضطر معها الزوج الارثوذكسي ان يتركنا ليُشرعِنَه.

هذا أمر يحصل في خفة كبيرة وعن طيش كبير. احيانا كثيرة يعودون الى احضان الكنيسة بعد ان يكون حصل طلاق مع المرأة الثانية ويكون الخلل دخل الى العائلة.

اما زواج الشاب او الشابة بفريق غير ارثوذكسي فمن نتائجه الواقعية ان الفتاة في الواقع تنضم الى كنيسة اخرى. بعض الفتيات متمسكات بايمانهن الارثوذكسي ولكنهن مضطرات احيانا او دائما الى الممارسة في كنيسة اخرى بسبب العقلية الشرقية التي تقول ان المرأة تتبع زوجها. والمشاهدة تدل على ان هذه الزوجة في كثرة الأحيان تصل الى الاعتقاد ان الارثوذكسية والمعتقد المسيحي الآخر واحد. وهذا غير صحيح.

اما اذا كان الرجل ارثوذكسيا والمرأة ليست كذلك، ففي بعض الأحوال تنضم الى كنيستنا بقناعة او غير قناعة، وذلك لشعورها بأنها دخلت عائلة ارثوذكسية. في اكثر الأحوال هي لا تعرف شيئا عن عقيدتنا. واحيانا تميل الى الذهاب مع اولادها الى كنيستها. وهذا أفهمه لكونها نشأت على ما نشأت عليه. في هذه الحالة الوحدة العائلية فيها خلل. نحن لسنا وحدنا على هذا الفكر. الكنائس الأخرى ايضا لا تحبذ هذه الزيجات المختلطة.

طبعا المجتمع مختلط والشاب يحب من يحب. كيف نعالج وضعا كهذا بلا تعصب ولا تشنج؟ في الغرب يتعاون الكاهن الارثوذكسي والكاهن غير الارثوذكسي على تدبير الأمور، وفي الغرب لا يعتقدون ان احدا يجب ان يتبع الآخر بلا قناعة ولاسيما ان النظام العلماني عندهم يترك الناس على حريتهم.

يبدو ان الزيجة المختلطة باقية والناس معا في الجامعة وفي العمل والحياة الاجتماعية. ما لا نستطيع ان نتنازل عنه هو ان يبقى الفريق الارثوذكسي على مذهبه رجلا كان ام امرأة. والاولاد يتبعون والدهم حتى سن الرشد ويعمَّدون في كنيسة أبيهم. وهذا ما اتفق عليه البطاركة الشرقيون كلهم. ومن باب حسن المعشر ووحدة العائلة ان يكون الأمر هكذا.

يبقى ان نشدد الإيمان الارثوذكسي في الإنسان حتى يفضّل قرينا له من كنيسته. يبقى ايضا ان نشجع الاختلاط بين عناصرنا في الكنيسة وحركات الشباب فيها وأنديتها. ولذلك نصرّ على ان تكون لنا في كل كنيسة قاعة يتعرف فيها المؤمنون والمؤمنات بعضهم على بعض.

اذا خسرنا العدد قد تضعف الشهادة وتخور قوى الأرثوذكسيين امام تقلص العدد.

السلوك الذي أتبعه في هذه الأبرشية هو اني أُعلّم الفتاة غير المسيحية. بلا تعليم لا أعمّد واحدة. هذا احتقار للسر. فلا يأتني اذًا احد ويقول انا «خطفت» فلانة، تعال وعمدها. هذا لن يكون. يجب ان يفهم شبابنا ان التنصُّر امر صعب ويتطلب وقتا، والإيمان المسيحي لا يأتي به التعليم آليا.

الفتاة المسيحية غير الارثوذكسية لا نمارس عليها اي ضغط. فنحن في حالة حوار وصداقة مع الكنائس الأخرى. ولكن اذا كشفت ايمانها الارثوذكسي من بعد الزواج وأصرت على اعتناق الارثوذكسية فكيف نردها؟

هذه امور دقيقة يجب ان نعالجها برصانة وتفهم، وقصدنا الا تضعف كنيستنا بزيجات ما كان القانون الكنسي يقبلها ولا هو يقبلها صراحة اليوم. ما يحصل الآن ليس قانونيا ولكن نواجه الأمور الواقعية بشيء من التدبير رحمة بالناس وإنقاذا لما يمكن إنقاذه.

ما تمناه آباؤنا هو ألاّ يختلط احد بعنصر آخر في ميدان الزواج. وهذا يبقى الهدف في رعايتنا. ولا أحد يستطيع ان يوآخذنا على حفاظنا على الرعية الموكلة الينا.

Continue reading
2002, جريدة النهار, مقالات

العرب / السبت 30 آذار 2002

أرسلت هذه السطور إلى الطباعة قبل صدور بيان القمّة. لذلك ليست المقالة كتابة في السياسة. هي كتابة في الرجاء. وإذا كانت كرامة العرب يصنعها الشباب الفلسطينيّ بدمه فكلّ شيء آخر يأتي شهادة لهذا الدم أو لا قيمة له. ما من ضحيّة أهرقت إلاَّ واقتبلها الله خطابًا بينه وبين أحبّته في الأرض. ليس السؤال استمرار الانتفاضة أو التوقّف عنها. المسألة هي أنّنا نحتاج في فلسطين إلى لغة وقد تكون الذبيحة اللغة الوحيدة المؤدّية إلى السلام.

يجب أن يعرف العرب ماذا يريدون من السلام. ليست إسرائيل جمعيّة خيريّة. تريد ثمنًا للسلام. نعرف ما لا تريده في ظلّ الفلسفة الصهيونيّة والممارسة الصهيونيّة. بالتأكيد لا تريد شعبًا فلسطينيًّا عظيم التطلّعات، كامل الحرّيّة، كامل النماء. تريده معنويًّا في قفص شبيه بالقفص المادّيّ المرموز إليه بتطويق مقرّ الرئيس عرفات. وتريده شعبًا بلا هذا الرمز الأساسي الذي هو جيشه. ولم يظهر حتّى الآن كيف أنّ رقعة الأراضي المقطّعة الأوصال يمكن أن تلتحم أوصالها وألاَّ تكون رهينة لمستوطنات يهوديّة كثيرة كبيرة. صورة فلسطين المرجوّة لم تظهر بعد. ثمّ أيّ سلام يرجى بلا تعديل الدستور الإسرائيليّ الذي يقضي بأن تكون الدولة العبريّة غير محدّدة حدودها. إذا هذا لم يحسم في المفاوضات فمعنى ذلك أنّ هذه الدولة مرشّحة للامتداد إذا حان ظرفه.

لماذا باتت قضيّة فلسطين أساس كلّ بحث عربيّ وطموح عربيّ؟ ليس لأنّ القدس وما حولها هي جرحنا فحسب، ولكن كون الحلّ الكريم العادل امتحانًا لصدق العرب. هذا يقودنا إلى السؤال: ماذا يمكن أن نعطي ليس على سبيل مفاوضات يبدو أنّه لا مفرّ منها ولكن على صعيد القناعات؟ الموضوع الفلسطينيّ عندي موضوع خلقيّ أساسًا. من بعد هذا يغدو مسألة سياسيّة. «أخلاقيًّا» قلتها منذ سنوات في المحافل المسيحيّة في الغرب. قلت: «إسرائيل حبل بها بالإثم وولدت بالخطيئة». هناك، إذًا، رفض في العمق روحيّ لهذا الكيان، رفض للظلم ولا مصالحة والظلم. هناك أمل في إنهائه وليس، ضرورة، بالسلاح. ما يسوغ للعرب إعطاؤه هو حالة وضع حدّ للحرب أي عهد عدم قتال.

عندما كان المغفور له الرئيس حافظ الأسد يقول بعلاقات عاديّة لم يوضح مرّة أنّه كان يرغب في تبادل ديبلوماسيّ. السؤال يبقى ما هو العاديّ وما هو غير العاديّ؟ أنا أريد حياة للشعب اليهوديّ وامتلاءً حضاريًّا وازدهارًا. ولكنّ هذا لا يفرض تعاملاً يوميًّا، اقتصاديًّا وثقافيًّا بيننا. فالشعب اليهوديّ يمكن أن يعيش دون أن يتعامل وإيّانا. له مخرج إلى البحر وإلى الجوّ وإلى إقامة علاقات مع شعوب غير شعوبنا إلاَّ إذا كان يحلم بثرواتنا نفطيّة كانت أم غير نفطيّة.

#   #   #

هو يتكلّم على التطبيع أي على التداخل في ما بيننا. غير أنّ فلسفته كلّها هي ألاّ يعيش بالمساواة في الكرامة بيننا وبينه. ولذلك كان مضمون التطبيع عنده أن يبقى مسيطرًا، أي إِنّ رغبته الحقيقيّة الظاهرة في كلّ النصوص الصهيونيّة أن يسخّرنا لمجده، لتفوّقه، لاستغلاله إيّانا، ويستعمل كلمة حضاريّة «التطبيع» وهي كلمة حقّ عنده يُراد بها باطل.

هناك حالة يمكن التطبيع معها هي حالة سقوط الفلسفة الصهيونيّة. ولا شيء حتّى الآن – ما خلا ما تكتبه قلّة عزيزة عندهم – يدلّ على أنّ سقوط الصهيونيّة قريب. فإذا تهاوت هذه الفلسفة نكون أمام مشكلة تعايش شعوب تدين بالديموقراطيّة وترغب صادقة في أن تعيش متساوية في الكرامة. عند ذلك فقط تكون الدولة العبريّة قد تابت عن الإثم الذي حبلت به والخطيئة التي وُلدت فيها. فإن لم تسقط الصهيونيّة تكون الدولة العبريّة على موقفها الإقصائيّ الصميميّ للعرب، وتكون العلاقات بيننا وبينها حلولاً ترقيعيّة هي نهايتنا نحن على المستوى الحضاريّ والإنسانيّ ولو بقيت على الخريطة رقعة تسمّى فلسطين. والهزالة التي تكون عليها فلسطين هذه ستنتشر سرطانًا في كل الجسم العربيّ. اليوم هو امتحان العرب.

#   #   #

يبقى السؤال: في أيّة روحيّة وعلى أيّة همّة سيكون العرب بعدما انصرفوا عن قمّة بيروت؟ لست أعلم، فيما أكتب، إذا كانوا سيغادروننا موحّدي الكلمة أو غير موحّدين. المهمّ أن تكون شعوبنا مصمّمة على أن تحيا معًا وأن تصعد معًا، لأنّ هذا الصعود المشترك هو الذي يبني فلسطين في الآتي ويبنينا كلّنا. لقد أراد الشيخ إبراهيم اليازجي أن يستنهض العرب في قصيدته الشهيرة، وأرجو أن يكونوا قد فهموا أنّ أوان النهضة الحقيقيّة قد حان وأنّ بلدًا واحدًا لا يقدر منذ اليوم على أن يعظّم إلاَّ إذا رام أن يعظّم العرب جميعًا ومعًا بحيث يفهمون أنّ نموّ كلّ بلد من بلدانهم في استقلاله وخصائصه شرط للانبعاث الشامل.

يزيّن لي أنّه علينا أن نسعى إلى وسائل تقارب حقيقيّ نتجاوز فيه مشروع وحدة مذيبة للكيانات. ما كنا نسمّيه، احتقارًا، وضعًا كيانيًّا لكلّ بلد بات أمرًا تسلّم به الشعوب. الإيديولوجيّا الانصهاريّة لم تنجح ولن تنجح ولا نفع فيها في زمن التبادل التجاريّ الكبير والتناضح الفكريّ والتعاون الوثيق. يكون من الحماقة أن نهدر وقتًا في حلم الاندماج الكيانيّ. نحن نريد ازدهارًا لا سقف فوقه لكلّ عربيّ وتطبّعه بالحرّيّة وانصبابه على المعرفة واكتسابه العقل العلميّ واحترام تعدّد الأديان والتمايز الإثنيّ حتّى نشعر بأنّ العروبة بيتنا جميعًا ليس مؤلّفًا من غرف واسعة وغرف ضيّقة أي عائلة لا استعلاء فيها لبعض من أعضائها على البعض الآخر ولا منافسة فيها بل تكون عائلة تتكامل فيها المواهب وتتضافر الجهود لعزّة الجميع.

وقد يكون لبنان على صغر حجمه، وإذا أملنا ان يحيا حرًّا كما كان، صورة للعيش العربيّ الواحد. لأوّل وهلة أقول إنّ لا غنى عن الليبيراليّة الاقتصاديّة ولا غنى عن التلاقح الفكريّ في كلّ بلد وبين البلدان. وحتّى إدراكنا هذه الحال هناك علامات إبداع في الفنّ والفكر في معظم بلداننا حتّى في تلك التي لم تتفتّح كلّيًّا على الديموقراطيّة. إنّ النعمة الإلهيّة تحلّ حيث تشاء وتنبت رجالاً ونساءً عظيمة قلوبهم ورهيفًا إحساسهم بحيث ترى أنّ ثمة أساسًا للرجاء العربيّ. أصبو إلى يوم تزول فيه مناطق من ديار العرب متخلّفة بحيث نلتحق بركب الحضارة العالميّة ونستمدّ منها ونعطيها. أرجو يومًا أن تنفتح عيوننا على كلّ الآفاق حتّى نقهر المقهوريّة ونقول الكلام الجذّاب على أعلى ما يكون الكلام في العالم.

هذا كلّه يتطلّب عقلاً نقديًّا. والعقل النقديّ الكبير لا يخشى فيه على المقدّسات ولو خشي منه على المتحجّر في ما نسمّيه تراثًا ولكنّه ليس بتراث. وهذا لن نحقّقه إلاَّ إذا تآخى الرجال والنساء في الكرامة والفكر. إنّ ما أقرأه الآن من أدب النساء يدلّ على أنّ المرأة العربيّة تكتب الآن كما ترسم وتعزف على مستوى الرجل تمامًا. إنّ رهافة الثقافة عند النساء تدلّ على أنّنا يجب أن نعترف بالمرأة إنسانًا كاملاً لا يُضاف إلى الرجل إضافة. للمرأة ذاتيّة وفرادة وذوق يخشى العربيّ الاعتراف بها إنقاذًا لذكوريّة يظنّها في نفسه امتيازًا.

إلى هذا، الإنسان العربيّ خائف من كلّ شيء، من «مادّيّة» الحضارة الأوروبيّة، وهو مادّيّ بامتياز لأنّه استلذاذيّ بامتياز. يخاف تحدّيات الحاضر لأنّه حفيظ للماضي لظنّه أنّه يجد فيه الدفء الذي يقيه أعاصير العقل وخطر العقل. يخشى أن يعيش الكون المتطوّر ابدًا الذي يقتضي منه مشاركة في هذا التطوّر تنفي التواكل وتراكميّة التراث واجتراره. إله العربيّ لا يتحرك.

إذا ظهر الإنسان العربيّ الجديد لا تبقى فلسطين ضعيفة. قدس غير حرّ داخليًّا إنسانها من هواجسه ليست عاصمة مقدّسة. هي حجارة. الإنسان العربيّ الجديد لن يبقى حجرًا.

Continue reading
2002, مقالات, نشرة رعيتي

أحد الأرثوذكسية/ الأحد 24 آذار 2002 / العدد 12

يسمّى الأحد الأول من الصوم أحد الأرثوذكسية وهي استقامة الرأي اذ أعلن في مثل هذا الأحد السنة الـ 843 انتصار الأيقونة بعد ان شنّت عليها الامبراطورية البيزنطية حربا طاحنة دامت حوالى 120 سنة واستشهد فيها ألوف مؤلفة من الرهبان.

         كان المجمع السابع (787) اعلن عقيدة تكريم الأيقونة. وحدثت انتكاسة فيما بعد حتى ثبت إكرام الأيقونة في الاستعمال. وجاء انتصارها نصرا للعقيدة كلها. لذلك سمّي هذا الأحد أحد الأرثوذكسية.

         نحن نكرّم الأيقونة ولا نعبدها. إكرامنا يذهب الى الشخص الممثل عليها (السيد، والدة الإله، القديسون). وهي تحمل الينا حضرتهم في أعماق النفس المصلية. ما تمتاز كنائسنا وبيوتنا أنها مجمّلة بالأيقونات التي هي تعليم مصوّر الى جانب التعليم المكتوب وفي تصويرها خشوع كبير. ويساعد على هذا انها ليست نافرة وانها “مكتوبة” لكي توحي تعليما. ولذلك نستند كثيرا الى التراث الأيقوني لتفسير أعيادنا. وما من شك انها ساعدت على نقل إيماننا الى الأجيال الى جانب الصلوات. بها نرى ان السماء مفتوحة كما يقول انجيل اليوم.

         عندما ينتقدنا آخرون قائلين كيف تصورون وقد حرّم الله ذلك في العهد القديم، في الوصية الثانية، جوابنا ان التحريم آنذاك كان يخشى منه جعل صورة أو تمثال للإله. نحن لا نصنع هذا. لا نمثّل جوهر الله. فبعد ان اتخذ ابن الله جسدا صار بإمكاننا ان نظهره بإنسانيته المنظورة. فلا خوف من الوقوع بالوثنية بعد ان ألححنا في المجمع السابع ان ليس عندنا للأيقونة عبادة ولكن عندنا تكريم.

         هذا التكريم جزء من الأرثوذكسية الكاملة. ولهذا نكرر اليوم تمسكنا بكل العقيدة التي يختصرها دستور الإيمان في المجمعين الأول والثاني. ثم جاءت العقائد الأخرى مثل طبيعتي المسيح في المجمع الرابع توضح دستور الإيمان. وأخيرا جاءت العبادات والممارسات تترجم العقيدة.

         ولكون العقيدة الأرثوذكسية سليمة لا شائكة فيها فلا نساويها بالعقائد الأخرى ولا نحضر اجتماعات البدع الجديدة المنحرفة التي تدعي ان لها معرفة صحيحة للإنجيل. نحن حفظنا الإنجيل بهذه العقيدة ولا يستطيع غريب ان يعلمنا إياه.

         ومن باب الإخلاص لإيماننا الكامل نذهب يوم الأحد الى كنيسة ارثوذكسية ولا نتصرف كالكسالى الذين “يستقربون” كنيسة اخرى في حيّهم. كل الطقوس وراءها لاهوت معين واعتقادات معينة. فلا نستطيع ان نؤمن بالاثوذكسية ونستمع باستمرار الى أقوال كنيسة اخرى اذ لا يجوز ان يتضارب إيمانك الذي في قلبك مع كلمات تختلف كثيرا او قليلا عمّا تؤمن انت به.

         لنا محبة كاملة لغير الأرثوذكسيين. العقيدة شيء ورثناه ونتمنى ان يأخذه الآخرون. ان تحب الآخرين لا يعني ان تقيم شعائرهم وطقوسهم. الأرثوذكسية التي في الذاكرة وحدها ولا تعاش في طقوسها لا بد لها ان تذبل.

         إيمانك تعلنه باصطفافك مع اخوتك الأرثوذكسيين في كنيسة واحدة صباح كل أحد.

Continue reading
2002, مقالات, نشرة رعيتي

عشيّة الصوم/ الأحد 17 آذار 2002 / العدد 11

الأحد الأخير قبل الصيام هو اليوم الذي نستغفر فيه بعضنا بعضا في صلاة الغروب لأن المحبة الأخوية ان لم تنوجد بيننا يكون الصيام كله شيئا متعلقا بالجوف الذي قال بولس الرسول ان الله سيبيده، يجب ان ننفذ اذا من النظام النباتي في الأكل الى روح النظام. لذلك نقرأ من لوقا كلام الرب: “إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم ابوكم السماوي ايضا”.

         في بدايات المسيحية في روما كانوا يمسكون عن الطعام من وقت الى آخر لإطعام المساكين. الآخر هو الأساسي في رياضات الصوم. والصدقة جزء منه اساسي. لقد فقدنا في الواقع هذا البعد من أبعاد صيامنا. يبقى ان الذي لا حياد عنه هو الغفران الذي يتم في الطقوس نفسها على رجاء ان يكون قد تم في القلوب. فاذا كنت حاقدا على أخيك فلن يستر لك الصيام هذه الخطيئة. اخوك هو المسيح المترجم لك في الظاهر. المسيح موجود في ذات اخيك كما قرأنا الأحد الماضي: “كنت جائعا فأطعمتوني”. فاذا أساء اليك لا تتكبر. انه جرح نفسه بالمعصية وانت لا يجرحك احد لأن يسوع يضمد دائما جراحاتك.

         الشيء الثاني الذي يريده هذا الفصل الإنجيلي ألاّ نكون معبسين كالمرائين، ألاّ نظهر متعبين من الجهاد، ألاّ نفتخر على الذين لا يصومون، ألاّ نظن أننا صرنا بالصيام ابرارا. ولكن اذا انوجدنا في مكان وقُدم الينا زفر نتمسك بانضباطنا ويمكن ان نقول اننا صائمون. ليس في هذا رياء.

         هناك التزام بقواعد الصوم كما وضعها آباؤنا. ان كنت سليم البنية تعمل كما تعمل الجماعة. اما المريض فقد حرره القانون من الصيام. هذا اذا اوجب عليك طبيبك ان تأكل لحما او مشتقاته. ولكن الأطباء – في كثير من الأحوال – لا يرون نظامنا ضد الصحة. ومن حسن التصرف ان تناقش الأمر مع الكاهن او ابيك الروحي.

         هناك حالات تفرض عليك الحكمة. المرأة الحامل قد تكون في حاجة الى الزفر او المرأة المرضعة، لست اعلم. هذا امر يناقش مع الطبيب. ولكن الولد الذي في حالة النمو ويحتاج الى بروتيين حيواني او حليب هو حر من ترتيب الصيام. هناك مراعاة لبعض الأحوال. واذا اضطر احد في العائلة الى الزفر بسبب المرض فقد يتعذر على العائلة ان تهيئ اطباقا مختلفة. هذا تتدبره العائلة في حكمتها وليس على احد في هذا حرج.

         وينتهي القسم الأخير من هذا الفصل الإنجيلي بالتحريض على عدم عشق المال بقوله: “حيث تكون كنوزكم هناك تكون قلوبكم”. المعنى ان السيد لا يريدنا ان نعتبر المال كنزنا الحقيقي لأنه، اذ ذاك، يسيطر على القلب ويستعبده.

         ضع يسوعَ في قلبك واجعله هو كنزك الحقيقي فيسيطر هو على نفسك وعلى إرادتك. اذا صُمت عندئذ تكون عشير المسيح. المطلوب من كل هذا التمرين – والإمساك مجرد تمرين – ان تجعل بينك وبين المعلم الإلهي قربى لأن هذه القربى هي التي تقودك الى القيامة.

Continue reading
2002, مقالات, نشرة رعيتي

احد مرفع اللحم/ الأحد 10 آذار 2002 / العدد 10

تعتبر كتبنا الطقوسية هذا الأحد عيدا، آخر الأعياد بانتظار الفصح. ولكنه عيد يقوم على تنبيه شديد: “ان الرب يوافي فمن ذا يحتمل خوفه او من يظهر امام وجهه. لكن ايتها النفس كوني مستعدة لاستقباله”. الخدمة (غروب وسحر) تشدد على الرهبة عن حق لئلا يستهين الإنسان بالرحمة ولا يبقى جديا في مكافحة الخطئية. مع ذلك نستغيث ونعود الى الاسترحام.

         في التصنيف الأدبي هذا النص مثل، اذ يشبّه متى الأبرار الى خراف وهي بيضاء في بلادنا، ويشبّه الأشرار الى ماعز وهي سوداء عندنا.

         يبدأ المثل بعبارة: “متى جاء ابن البشر على عرش الآب”. ابن البشر هو المسيح الممجد بالصليب والقيامة والجالس على عرش الآب. العرش الإلهي الذي هو مطـرح المجـد يصير في مقابلـة البشـر والمسيـح مطـرح الدينـونـة. ما الدينـونـة؟ هي المواجهة الأخيرة، بين الله والإنسان كما يعرف الله الإنسان. اي هي المواجهة مع الحقيقة حيث لا نقـدر ان نتوهم (والخاطئ يميل الى تبرئـة نفسه اي الى الوهم). وهي مواجهة للأبرار لأنهم ايضا لا يعرفون عظمتهم لكونهم متواضعين. وهذا ما سيقوله المثل.

         على اي شيء ندان في هذا النص؟ النص لا يستغرق كل موضوع الدينونة لأننا سندان ايضا على الوزنات كما ورد في المثل السابق توا لإنجيل الدينونـة بحيث يأتي فكر متى اننا ندان على استعمال الوزنات وندان ايضا على المحبـة. يقول يسوع للأبرار: “اني جعت فأطعمتـوني الخ…”. هنا يدمج السيد نفسه بالجائع والعطشان والغريب والعريان والسجين اي بكل محتاجي الأرض.

         قلب المثل ان الله في هؤلاء بحبه اياهم. هذا شيء جديد كليا في تـاريخ الأديان. انت اذا كنت مع الجائع لا تكـون فقط معـه، انت مع يسوع. وتاليا تعامل المحتاج كما لو كنت تعامل المسيـح اي في كل قدرتك على محبته. المفروض ان المؤمن يحب المعلـم الإلهي حبا جما. اذًا تحب الجائع والسجين والمريض وغيرهم حبا جميعا.

         الأتقياء ينتظرون ان يسألهم السيد عن صلواتهم وأصوامهم. هذا السؤال غير وارد في إنجيل الدينونة ليس لأن الصلاة والصوم غير مهمـين ولكن ان لم يقودا الإنسان الى الالتحام بأخيه الإنسان لا يكونان عميقين او صادقين. حجر المحك لحقيقتنا الروحية المحبة.

         رد الأبرار على يسوع: متى رأيناك جائعا فأطعمناك الخ… رد صحيح بمعنى ان الذي يفعل الخير لا يفكر دائما انه يعامل يسوع الماكث في هذا المحتاج. يسوع لا يطلب ان نراه بوعي كامنا في كل محتاج. هو دمج نفسه بالمحتاج. وهو تقبل العطاء الذي قمت انت به. التعليم الجديد هنا هو التعليم عن وحدة المسيح بكل فقير ومريض وسجين وغريب وبوحدتهم جميعا بيسوع، كأن المعلم يقول ان هؤلاء المتروكين، المرميين خارج عاطفة البشر هم زملائي او جماعتي بامتياز.

         جواب الأشرار عن سؤاله متى رأيناك جائعا ومريضا ومحبوسا الخ… ولم نخدمك هو هذا: لأنكم لم تفعلوا ذلك بأحد هؤلاء الصغار فبي لم تفعلوه. وكأنه يقول: انا لم اطلب اليكم ان تحبوني مباشرة اذ لم تروني. أنا طلبت اليكم ان تحبوا المهمشين والمستضعفين الذين ليس احد يحبهم ولم تنفتح قلوبكم لهم. كنتم بلا قلوب. الملكوت ملكوت القلوب.

Continue reading
2002, مقالات, نشرة رعيتي

الابن الشاطر/ الأحد 3 آذار 2002 / العدد 9

اذا كان مثل الابن الشاطر هو مثل التوبة الكبرى، فلا شك انه يتبع منطقيا مثل الفريسي والعشار الذي هو إنجيل توبة ايضا اذ لا توبة ان اعتبرت نفسك عظيما فتكبرت. في اللغة “الشاطر” من نزح عن اهله وانفصل. فاذا عاد يعود الى أبيه.

         فالحديث الحقيقي ليس عن شاب ضال بقي ملازما لبيت اهله. انه كلام اساسي على من ترك المنزل الوالدي وجرح شعور ابيه، ثم انضم اليه بعد توبة. فكرة الابن الشاطر هي فكرة علاقة بين والد وولده. تبدأ بالانفصال وتنتهي بالرجوع. نحن اذا اخطأنا لا نفسد انفسنا فقط. نصدم الله ذاته.

         الخطيئة كانت في الاغتراب الذي طلبه الفتى. قسمة المال التي ارادها ناتجة عن حبه للابتعاد. الكتاب يقول ان هذا الابن “سافر الى بلد بعيد”. هناك بذر ماله عائشا في الخلاعة. هل الخلاعة هي فقط الزنى؟ لماذا اختار لوقا هذه الخطيئة؟ عندما اتهم الأنبياء بني اسرائيل، انهم زنوا مع آلهة اخرى ارادوا ان يقولوا انهم تركوا التصاقهم بالإله الوحيد الذي هو عريسهم.          الخلاعة في اللغة ان تنخلع عن واحد. في هذه الحال انخلع الولد عن والده. هذه في العمق كانت خطيئته. الباقي تفاصيل او نتائج.

         يفصّل لوقا ان هذا الشاب اصابه العوز. الجوع الذي تعرض له شيء يدل على ان الشبع الذي يقابل الحاجة انما سيجده عند أبيه. يحتاج الى الرجوع. يقول الإنجيل “رجع الى نفسه”، الى وعيه نفسه محطَّما، فأخذ يفكر انه لما كان في البيت كان منتعشا، ممتلئا بالخيرات وبالعطف.

         يجب ان يعود على الطريق نفسها التي سلكها من بعد ترك. ليس من طريق اخرى. فاذا قرأنا المثل الإنجيلي في خط الصيام المقبل يكون الرجوع خلال اربعين يوما الى المسيح القائم من بين الأموات. بعد حركة الوعي التي صارت له، كان عليه ان ينفذ توبته اذ لا يكفي ان يعي انه اخطأ. يجب ان يعترف ليتم صدقه. “اقوم وأمضي الى ابي واقول له يا ابت اخطأت الى السماء وامامك”.

         اذا انت اخطأت الى انسان، لا يكفي ان تعترف بذلك لله. يجب ان تعترف للشخص الذي صدمته او جرحته، لأنك بذلك فقط تتواضع وتكون صادقا معه ومع نفسك.

         واذا تبت فلك الغفران. لاحظوا قول الإنجيل: “وفيما هو غير بعيد رآه ابوه فتحنن عليه وألقى بنفسه على عنقه وقبّله”. الله دائما ينتظر عودتنا. هذا معنى قول لوقا عن الوالد انه رآه. اي اعتبره ابنه وتحنن لأن الحنان شيء من طبيعة الله. فكما ان الوالد هو الذي كان ينتظر وهو الذي غفر قبل ان يستغفره ابنه هكذا الآب. انه يضمنا الى صدره ولا يسألنا عن شيء.

         لم يعاقب الوالد وليده. لم يسأله: لماذا ذهبت؟ ماذا حل بك في البلد البعيد؟ كيف عشت؟ هل اعوزك شيء؟ رآه امامه حيا وفهم انه سيتمتع بما في البيت الأبوي من دفء. وفي الواقع سيظهر الفرح. فهذا الفتى “كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد”.

         ذبح له العجل المسمن. المسيح هو الحَمَل الذبيح من اجلنا في الفصح الآتي. امام انتظارنا اياه هل نبقى على الضلال ام نكره الخطيئة لنحبه ونحيا معه؟

Continue reading