الصبر المقدس /الأحد 16 تشرين الأول 1994/ العدد 42
الصبر ليس التخاذل امام الموجود والحياد تجاه النواقص. فالمؤمن يسعى الى تغيير العالم. غير ان بشارته قد تطول وقد لا يستمع اليه الناس اذا شهد وتكلّم. فهناك عنصر الزمان ولا نقدر ان نملي على الآخرين الحقيقة املاءً. لماذا يصرّ من نحاول هدايته على خطيئته؟ هناك ما يسمّيه بولس «سر الإثم» اذ لا يعرف احد متى تحل النعمة او متى يتقبلها هذا الذي نصلي نحن من أجله. ففي النفس «حنطة وزؤان» وليس بمقدورك دائما ان تقتلع الزؤان.
والملحوظ ان أكثر الناس يبقى على الشر الذي ترعرع فيه وان التوبة النصوح نادرة وأقصى ما تستطيعه انت ان تنتظر وتحب. ومعنى ذلك انك تعايش في الرعية او في الدنيا بشرا متفاوتين في التقوى وفي الإخلاص وانه عليك ان تتقبلهم لكونهم اخوة لك ولعل حظهم الوحيد في الاهتداء ان يروا إخاءك لهم واحتمالك لما يغيظك فيهم ولما يصدمك. وقد يجرحك هذا او ذاك كل يوم بسبب من عداوة متأصلة وغيرة مريضة. وإذا رأوك يتوترون وقد يريدون إذلالك بغضا وظلما. فإذا تضجرت او رددت لهم الكيل كيلين، فهذا يزيد عداءهم وتشنجهم وأنت قادر ان تشفيهم بالحلم وطول الأناة. وقد عيّنك الله طبيبا لهذا الذي يؤذيك لأنك انت تعرف الجرح الذي فيه. الله هو الشافي الأكبر لأنه الصابر الأكبر. انه ينتظر عودتنا، يدعونا اليها ولا يغتصبنا الى الفضيلة ويمدنا بالزمان لعلنا «نقرف» من الخطيئة او نحبه عليها ونرى راحتنا عنده. والصبر مرتكز على الرجاء ففي المواجهات تحتاج الى رفق وسلام لتتقبل قلة التهذيب وسوء المعاملة والكيد وإرادة القهر. ان تقبل الآخر في علته وعيبه يبدأ بأنك تعترف انك لا تقدر على تبديل شيء في الناس ما لم يغيروا هم ما في نفوسهم. العهد الجديد يعلّم عن صبر المسيح وصبر القديسين. هذا هو الصبر في يسوع. ان كنت في المسيح فلا نكاية عندك ولا نكد ولا نقمة ولا صفع ولا ردة فعل وتتراجع وتسلّم بالحق لتخرج من الظلمة التي فيك.
وليس الصبر ان تقول انا محكوم علي ان أعيش مع هذا وذاك ولكنك تقول في نفسك اني أحمد الله أني أحيا مع من أحيا معهم لأني ان صبرت عليهم جميعا انجّي نفسي وأنجّيهم وألطف بهم علهم يشاهدون الله. لقد جعل الله زمانا لخلاص البشر وبعده الملكوت وجعل لكل منا ممرا ليخلص به. انت تمشي مع الآخر كل الخطى التي يحتاج اليها لكي يفهم ويفرح.
Continue reading