Category

1994

1994, مقالات, نشرة رعيتي

الصبر المقدس /الأحد 16 تشرين الأول 1994/ العدد 42

الصبر ليس التخاذل امام الموجود والحياد تجاه النواقص. فالمؤمن يسعى الى تغيير العالم. غير ان بشارته قد تطول وقد لا يستمع اليه الناس اذا شهد وتكلّم. فهناك عنصر الزمان ولا نقدر ان نملي على الآخرين  الحقيقة املاءً. لماذا يصرّ من نحاول هدايته على خطيئته؟ هناك ما يسمّيه بولس «سر الإثم» اذ لا يعرف احد متى تحل النعمة او متى يتقبلها هذا الذي نصلي نحن من أجله. ففي النفس «حنطة وزؤان» وليس بمقدورك دائما ان تقتلع الزؤان.

والملحوظ ان أكثر الناس يبقى على الشر الذي ترعرع فيه وان التوبة النصوح نادرة وأقصى ما تستطيعه انت ان تنتظر وتحب. ومعنى ذلك انك تعايش في الرعية او في الدنيا بشرا متفاوتين في التقوى وفي الإخلاص وانه عليك ان تتقبلهم لكونهم اخوة لك ولعل حظهم الوحيد في الاهتداء ان يروا إخاءك لهم واحتمالك لما يغيظك فيهم ولما يصدمك. وقد يجرحك هذا او ذاك كل يوم بسبب من عداوة متأصلة وغيرة مريضة. وإذا رأوك يتوترون وقد يريدون إذلالك بغضا وظلما. فإذا تضجرت او رددت لهم الكيل كيلين، فهذا يزيد عداءهم وتشنجهم وأنت قادر ان تشفيهم بالحلم وطول الأناة. وقد عيّنك الله طبيبا لهذا الذي يؤذيك لأنك انت تعرف الجرح الذي فيه. الله هو الشافي الأكبر لأنه الصابر الأكبر. انه ينتظر عودتنا، يدعونا اليها ولا يغتصبنا الى الفضيلة ويمدنا بالزمان لعلنا «نقرف» من الخطيئة او نحبه عليها ونرى راحتنا عنده. والصبر مرتكز على الرجاء ففي المواجهات تحتاج الى رفق وسلام لتتقبل قلة التهذيب وسوء المعاملة والكيد وإرادة القهر. ان تقبل الآخر في علته وعيبه يبدأ بأنك تعترف انك لا تقدر على تبديل شيء في الناس ما لم يغيروا هم ما في نفوسهم. العهد الجديد يعلّم عن صبر المسيح وصبر القديسين. هذا هو الصبر في يسوع. ان كنت في المسيح فلا نكاية عندك ولا نكد ولا نقمة ولا صفع ولا ردة فعل وتتراجع وتسلّم بالحق لتخرج من الظلمة التي فيك.

وليس الصبر ان تقول انا محكوم علي ان أعيش مع هذا وذاك ولكنك تقول في نفسك اني أحمد الله أني أحيا مع من أحيا معهم لأني ان صبرت عليهم جميعا انجّي نفسي وأنجّيهم وألطف بهم علهم يشاهدون الله. لقد جعل الله زمانا لخلاص البشر وبعده الملكوت وجعل لكل منا ممرا ليخلص به. انت تمشي مع الآخر كل الخطى التي يحتاج اليها لكي يفهم ويفرح.

Continue reading
1994, مقالات, نشرة رعيتي

الأزياء العارية /الأحد 17 تموز 1994 /العدد 29

كتبت عن الاحتشام في الكنائس ولا سيما في الأعراس. ولكن «لا حياة لمن تنادي». اتساءل اليوم عما اذا كانت صبايانا والكهلات اصبحن غير حساسات الى هذا الجانب من عفتهن الذي يقضي بالحشمة في كل مكان. فالطهارة ليست ملزمة في المعابد فقط ولكن في المجالس كلها والطرقات، والذريعة طبعا ان طقسنا حار، ولكن الحر واقع على الرجال ايضا ولم يمت احد من الحر. وعندما نسأل: لماذا كل هذا العري يصفعنا الجواب: هذه هي الموضة، وكأن المرأة محكوم عليها بالعبودية للزي.

نحن لسنا ضد ان تبدو المرأة جميلة ولكن هل يقضي الجمال ان تكون المرأة مثيرة لمن وقع نظره عليها؟ لا يقنعني احد انها غير واعية لمفاتنها عندما تبرزها وانها لا تفتش عن ان تلفت النظر الى محاسنها بما فيه التخيل الفاسق عند الرجال. أليست المرأة مسؤولة عن رفيقها الرجل؟ انا اعرف بما سمعته من بعض الشابات ان الوالدات تحضهن احيانا على هذا التعري. وضعنا الأخلاقي اسوأ اذن مما تصورت.

القضية ليست قضية ازياء لأن الحديث في الصالونات ان الموضة هذه السنة هي في اتجاه آخر. المقصرات ثيابهن اذًا على موضة السنة الفائتة. التقصير بالتالي قائم على إرادة الإغراء وعلى اعتبار ان الإثارة الجنسية شيء طيب يعطي الفتاة كبرياء جسدها ويطوع الشاب لها لتشعر بعبوديته لها. هل في هذا انتقام من العفة التي اراد الرجل منذ التاريخ القديم ان يخضع المرأة لها ليتسنى له السيطرة عليها؟ الدراسات تدل على ان الرجل اراد الهيمنة على المرأة فارادت هذه ان تغير المعادلة وان تسيطر هي بدورها. هل محكوم على البشر ان تكون علاقاتهم علاقة السيد بالعبد؟ هل احست المرأة انها في استعباد فارادت ان تجعل الرجل اليوم عبدا لها؟

انا افهم الا تفكر المرأة بكل هذه الفلسفة. ولكن أليست هذه الفلسفة كامنة فيها؟ أليست تقوم بهذا التحدي وكأنها تقول: اردتَ استعبادي وانا اريد اليوم استعبادك. قاوم ان كنت رجلا. واذا قالت الصبية او الكهلة: أنا لا افكر بهذا فهذه مصيبة، وان فكرت وصممت فالمصيبة اعظم. الكارثة هي هذه ان الجسد بات عند الكثيرين منعزلا عن الشخصية بمعنى انه لم يبقَ تعبيرا عن علاقة انسانية وصار موضعا لاحتكاك اللحم باللحم او العيون باللحم.

والكارثة العظمى هي اننا نسمع بعض المواطنين غير المسيحيين يقولون: ان النساء نصف العاريات هن المسيحيات وان خصوصية المرأة المسيحية انها لا تبالي بالحشمة. اين بعض نسائنا من قول السيد: «ان من نظر الى المرأة ليشتهيها فقد زنى معها في قلبه»؟ كيف تريد صبايانا «المخشلعات» الا يزني الرجال بعيونهم؟ أليس عندنا فتاة او سيدة  لتقول: انا شخص واحد مؤلف من روح وجسد واتصالي بالبشر هو اولا واساسا اتصال روحي وان هذا الاتصال تعطله إثارة الغرائز. انا ان كانت روحي حلوة، عظيمة يمكن ان اصير محبوبة. اذ ذاك، اعرف ان من تعلق بي يكون قد تعلق بمزاياي ويكون قلبه قد انجذب، واذا التقى قلبانا فجسدانا لا بد ملتقيان في علاقة طهور نسميها نحن المسيحيين زواجا. والزواج عندنا ليس استسلاما لجسد، انه قبول لجسد فتاة ارتبطنا بها في عهد ابدي.

الجمال توطئة  للقاء ولكن الفسق ليس بلقاء. من اراد جسدا فقط يعرف ان هناك دائما جسدا اجمل منه. اما من ابتغى اتحادا قائما على فرادة، على بهاء داخلي فعلى ارتباط صادق ووحيد فهذا أثبت على العهد. كل الأجيال ذاقت الجمال ولكنها ذاقت معه الروح. هل حُكم على هذا الجيل ان يتلهى فقط بالأبدان والأقمشة التي تسترها قليلا؟ هل انطفأت الروح ولم يبق لأحد صبر على انتظار لقاء عظيم؟ ما يزيد دهشتي واستغرابي ان المرأة المتزوجة ليست اكثر عفة من العازبة. هذه التي نذرت ان يكون جسدها لغة تخاطب بها زوجها اي ان يكون هذا الجسد معروفا فقط لديه لأنه يريد القلب الكامن فيه، المرأة المتزوجة لماذا تضع نفسها في حالة استعراض للعيون الشرهة وكأنها مباحة للجميع وليست شريكة واحد أحد؟ انا اريد ان اقتنع.

Continue reading
1994, مقالات, نشرة رعيتي

الأكثرية والأقلية /الأحد 19 حزيران 1994 /العدد 25

هناك من يحب ان ينوجد في عيون الناس، في تعزيزهم له والقلة تسعى ان تنوجد في عيني الرب وفي رضاه. هناك من يلح على ان يحترمه الناس في ما يظهر، في ما ينفق وهناك من يسعى الى ان يحترم هو الناس في تهذيبه وانتباهه اليهم وخدمة لهم لا يبغي منها اجرا ولا شكورا. هناك من يصدم ومن يجرح ويتعالى ويفرض جاهه وسلطانه وهناك من يتوارى حتى يعبر غضب الرب ويحمل الآخرين في دعائه عندما يلاحظ انه لا يستطيع النصح. هناك من يعطي عاطفة وهناك من يطلب عاطفة ويعاتب ويقاطع ويعاقب اذا ظن في الآخرين تقصيرا.

من الناس من ينوجد اذا نسوه واكثرهم ينوجد اذا وقروه ومدحوه والتفوا حوله. بعضهم يخاف الله واكثرهم يخيف. بعضهم يمارس سلطان الحب واكثرهم يمارس سلطان القوة. بعضهم غني بفقره واكثرهم فقير بغناه. بعضهم يحس ان اختفاءه اقتراب من الله واكثرهم يحس ان ظهوره يمكنه من الوجود.

من الناس من يأكل كثيرا ويشرب خشية من الموت، والقليل لا يأكل ولا يشرب خوفا من الله. قلة تصلي لايمانها بالخلاص واكثرهم لا يصلي حقيقة وعميقا لاكتفائه بذاته. قلة ترى الجمال في كل مكان والأكثرون يرون القباحة عميمة. اكثرهم يكشف عورات الناس هربا من رؤية عوراته وقلة تستر العورات لأنها تعرف نفسها مفضوحة عند الرب. القلة عفيفة اللسان خوفا من النميمة واكثرهم ينم لأنه لا يريد إصلاح نفسه. اكثرهم يغضب لأنه لا يحب والقلة صامتة اذا أحبت. والغضوب لا سلام فيه والوديع تنقّت نفسه. هناك من يعيش بثورة عارمة يظن فيها انه يثبت حقوقه وهناك من يعيش بلطف دائم لاعتقاده ان اللطف يشفي النفس ويشفي الآخرين من توتر اعصابهم.

الأكثرية تفلش نفسها اذ ليس عندها عمق والعميقون يصمتون سعيا منهم الى التوبة. الأكثرية تغري لتتسلط والقلة تعف التماسا للرضا الإلهي. الأكثرية تريد ان يتحلق القوم حولها والقلة تهرب من المجد. الكثيرون ينظمون الموائد السخية ليقال عنهم انهم كرماء والقلة قليلة الولائم لأنها تكره الانتفاخ. الكثيرون يحسبون ان البذخ يعلي من شأنهم ومن لا يبذخ يوفر ماله للمحتاجين. الكثرة تعطي لتُعرف والقلة تعطي ليعرفها الله.

الكثيرون يناقشون ليقال عنهم اذكياء والأذكياء الحقيقيون يجادلون قليلا. الكثيرون يبسطون معارفهم ليقال عنهم انهم يقرأون ومن يعرف كثيرا ادنى الى الحشمة من الكلام.

الأكثرون يفتخرون بعائلاتهم والقول انها عريقة والقليل يعرف فضل الله عليه وعلى عائلته. الأكثرون يتحزبون لعيالهم لأنهم يتحزبون لأنفسهم والقلة تقول ان نسبها وضيع. معظم الناس قبائل ولها حزازات القبائل والقلة تلتمس اللطف الإلهي. الأكثرون يريدون علو مقام في الدنيا والقلة ترجو الصفح الإلهي لتنوجد في الملكوت فقط. الأكثرية مسطحة والأقلية عميقة. الأكثرية تحيا بالوهم والقلة تطلب الراهن. معظم الناس يحركها وهج دنياها والقلة تطلب وهجا في السماء. الأكثرية أجساد والقلة وجوه. الأكثرية تغتذي من الشهوة والقلة تغتذي من التقشف. الأكثرية تافهة والقلة تعيش في عالم المعاني. الأكثرية من الدنيا والقلة من الله.

Continue reading
1994, مقالات, نشرة رعيتي

الأسبوع السادس من الصوم /الاحد 24 نيسان 1994 /العدد 17

هذا الأسبوع الأخير من الصوم نستعد فيه لأحداث ثلاثة: سبت العازر وأحد الشعانين والأسبوع العظيم. نستبق هذا الأسبوع المقدس بذكر العازر وصعود المسيح الى اورشليم بعد إقامته صديقه. يمرض العازر الثلاثاء. اختاه تبعثان برسل الى المعلم الثلاثاء. يموت الرجل الاربعاء. عرف المعلم ذلك ليس برسل آخرين ولكن بسبب من علمه الإلهي ويتقدم الرب الى بيت عنيا والقوم حزانى. السبت يقام الميت “الذي أنتن”. يدمع الرب ولكنه يقيم بصوته صديقه.

تأخذ العبادة الحدث وتفهمه هكذا: “ايها المسيح الإله لما أقمت العازر من بين الأموات قبل آلامك حققت القيامة العامة”. اذا كانت إقامة هذا الرجل ممكنة صارت إقامتنا معقولة. ولكن الترتيل يقول شيئا آخر: “قد سبقت يا مخلصي فحققت قيامتك المجيدة لما اعتقت من الجحيم لعازر” اي هيأت بالأعجوبة صورة عن قيامتك. الفرق ان لعازر قام بجسد عادي ثم مات في حينه واما المسيح فقد قام بجسد نوراني غير قابل الموت.

ثم اتخذت الكنيسة حدث بيت عنيا وذكرتنا انه علينا بالصيام ان نترك “صداقة الجسد” لنصير أصدقاء المسيح. “نحن كنا راقدين رقاد اللذات وقلبنا تخترقه سهام الشياطين. نحن كنا في قبر الكسل وعدم الإحساس، المغلق بباب اليأس. الرسل الذين بعثت بهم اختا العازر هما العمل والتأمل اللذان يحييان العقل الراقد في القبر كالعازر آخر”. وهكذا يمكن ان نرى انفسنا قائمين بالتوبة والتقشف.

ثم يأتي احد الشعانين الذي نرتل فيه الطروبارية نفسها التي رتلناها في سبت العازر كأن هذين العيدين عيد واحد ويظهران المسيح الواحد، يظهران ألوهيته في إقامة صديقه وناسوته في ركب الجحش. فاذا طفنا بسعف النخل يوم الأحد نصوّر صعودنا مع المسيح الى اورشليم. يا ليت البالغين وليس فقط الأطفال يحملون الشموع المزينة بالزهور. سعف النخل وأغصان الزيتون هي لقاؤنا مع المسيح بالفضائل التي نلناها في الصوم. واذا لم نحصل على اية فضيلة في الصيام نكون قضيناه فقط كأنه حمية طعامية.

ينتهي الصوم الأربعيني يوم الجمعة مساء من الأسبوع السادس. بين سبت العازر وسبت النور نحن في صوم آخر. ننتقل من صوم نسكي الى صوم مركّز على سر الشكر، على جسد المسيح ودمه. نحن في انتظار العريس. نرجو الى الله ان يؤهلنا لرؤية آلامه.

ثم يأتي أحد الشعانين. في فلسطين كان النساك يعودون الى اديرتهم بعد ان يكونوا قضوا الأربعين في البرية. العلمانيون لهم ايضا بريتهم في النفس. هكذا يتوحد العالم كله برجوع كل واحد منا الى قلبه الذي هو المسيح. نمشي لمقابلة السيد حاملين الصليب وممجدين الرب بالفضائل حتى يأتي يوم الدينونة الذي نجتمع فيه في حضرة المسيح الأخيرة.

هكذا يحل الأسبوع العظيم. نذكر فيه آلام الرب تاريخيا ونحققها في الخدمة الإلهية ونجعلها دربا الى الحياة الأبدية.

قد نكون قضينا الصوم كله بتهاون لا نبالي بالعمق الروحي الذي كان لنا في الصوم. ممكن “نلحق حالنا” في الاسبوع العظيم. فلنمسك، اذ ذاك، عن الزفر ونجمع حواسنا وفكرنا في المصلوب ولنشارك في الصلوات المسائية. واذا تبنا حقيقة ندنو من جسد الرب لنصبح بشرا جددا حتى لا يداهمنا العيد عن غير استحقاق اذ كيف تنشد شفاهنا والقلب لا ينشد؟ المسيح قام ما في ذلك ريب. ولكن كيف نستفيد نحن من فصحه ان لم نشدد عزائمنا لنقوم معه؟

Continue reading
1994, مقالات, نشرة رعيتي

التقمص/ الأحد 17 نيسان 1994/ العدد 16

فكرة التقمص نجدها في مصر القديمة واليونان عند فيِثاغوراس والهند وافريقيا وبالإجمال حيث الخلود هو ببقاء النفس وفناء الجسد. تعبر النفس او الروح الى حيوان او انسان في العائلة نفسها في بعض الحضارات. عند افلاطون تقوم الفكرة على ان النفس تتطهر وتخلد إذا مرّت بأجساد متتالية حتى تنعتق من الجسد اخيرا فتصل الى المنطقة السماوية التي جاءت منها في البدء.

سمعت بضعة من الناس ينسبون هذه العقيدة الى الإنجيل حيث يقول السيد عن يوحنا المعمدان انه يسير امام الرب “بروح ايليا وقوته” (لوقا 1: 17). الحق ان الرب يسوع شبه المعمدان عدة مرات بإيليا بمعنى ان سلوك يوحنا ونهجه وشجاعته وأخلاقه جعلته على مثال ايليا. ففي فترة العهد الجديد لم يكن اليهود يعتقدون اطلاقا بالتقمص.

المسيحية تؤمن ان النفس البشرية والجسد كيان واحد وان هذا الكيان الانساني الكامل ينبعث في اليوم الأخير وتؤمن ان الانسان يتطهر بالتوبة في لحظة. فعندما قال يسوع للص اليمين: “اليوم تكون معي في الفردوس” أبان ان هذا الرجل الخاطئ خلص بتوبته ولم يكن في حاجة الى ان ينتقل من جسد الى جسد. فرحمة الرب كافية لتجعل كلاً منا انسانا جديدا وذلك دفعة واحدة.

نحن نؤمن بقيامة المخلص وهي كافية لإعطاء كل منا القيامة في اليوم الأخير. ذلك ان الجسد ليس قميصا نرميه عند الموت لنعبر منه الى جسد آخر. جسدنا ليس شيئا يضاف عندنا على الروح. ما هو بشيء نملكه. جسدي هو أنا كما ان روحي هي انا. والرب يحييهما كليهما. بنعمة الرب والفداء يجعل الرب لكل منا استمرارا ما وبكلام ابسط يحيي الروح بعد سقوطها بالخطيئة ويعيد الجسد اليها باليوم الأخير. ذلك ان ليس لأحد منا روح مجردة. انها روح ملازمة لجسد وهذا يبعثه الله في اليوم الأخير مجيدا، حرا ويقيمه في المجد.

نحن نؤمن بأن من تناول جسد الرب ودمه لا يمكن ان يفنى الى الأبد. لذلك قال السيد: “ان كل من رأى الابن وآمن به كانت له الحياة الأبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير” (يوحنا 4: 40) أي اني أبعث هذا الكيان البشري كله، هذا الذي لم يتجزأ ولم يتبعثر الا إلى حين، ولم يقل اني اقيم روحه ولكن اقيمه هو. “من أكل جسدي وشرب دمي فله الحياة الأبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير” (يوحنا 6: 54).

يؤكد بولس هذا التعليم ويؤسس قيامتنا على قيامة المخلص ولذا يقول: “فإذا كان الأموات لا يقومون، فالمسيح لم يقم أيضا” (1كورنثوس 15: 16). ويوضح المعنى نفسه بقوله: “ان المسيح قد قام من بين الأموات وهو بكر الراقدين” (1كورنثوس 15 :20). وبعد هذا يوضح الرسول كيفية القيامة إذ يقول: “يكون زرع الجسم بفساد والقيامة بغير فساد … يزرع جسم بشري فيقوم جسما روحيا اي محيًى بالروح القدس. يقول بعد هذا ان الفاسد (أي الإنسان الفاسد) يلبس عدم الفساد. لا يقول النفس الفاسدة ولكنه قال ان الكائن الفاسد (أي النفس والجسد معًا) يلبس عدم الفساد.

نحن لا نؤمن بثنائية الروح والجسد ولكن نؤمن بوحدتهما. الوحدة قائمة في رعاية الله عند موتنا. هي لا تبدو ويبديها الله في اليوم الأخير. ان انتظارنا للقيامة يجعلنا نقدس مدفنا للمسيحيين ولا نهتك حرمة الأجساد ولا نحرقها والانسان عندنا قادر ان يدنس جسده او ان يقدسه بالأسرار الإلهية. ونحن نؤمن ان القرابين الإلهية تعطى “لصحتي النفس والجسد”. نؤمن ان الجسد هو لله وانه هيكل الروح القدس وان المسيح تجلى بجسده وان اتباعه يمكن ان يتجلوا بأجسادهم ويسطع في القديسين نور غير مخلوق.

كل هذا يجعلنا نعتقد ان التقمص ينافي المسيحية بصورة اساسية.

Continue reading
1994, مقالات, نشرة رعيتي

الرشوة/ الأحد 9 كانون الثاني 1994/ العدد 2

ان القوانين المقدسة صارمة جدا بحق الذي يشتري رسامته بالمال «جاعلا من النعمة التي لا تباع سلعة للمتاجرة فيُرسم اسقفا او خوراسقفا او قسا او شماسا … فالذي يثبت عليه انه قام بمثل هذه الرسامة او التعيين يجرَّد من وظيفته. واما الذي يُرسم او يُعيّن بهذه الصورة فلا يحق له التمتع بدرجته او وظيفته بل بالعكس يُعزل منها لحصوله عليها بالمال» (القانون 2 من مجمع خلقيدونية السنة 451).

القاعدة الأخلاقية ان الانسان لا يحصل على وظيفة الا اذا كان مستحقا لها. والقاعدة الثانية ان من كان في وظيفته يقوم بها ويكتفي براتبه. واما من كان راتبه ضئيلا فهو في عهدة المجتمع ككل وفي عهدة المحسنين ولا يشترط للقيام بوظيفته على احد مبلغا من المال لأن إداء الوظيفة واجب نابع من خدمة المواطنين الذين لهم حق على اصحاب الوظائف ولا يجوز تعطيل هذا الحق. من قَبِل مسؤولية في الدولة -صغيرة كانت ام كبيرة- يجعل نفسه خادما للكل ولا سيما للفقراء الذين لا يجوز ابتزازهم او التغاضي عن مصالحهم.

كل خدمة مجانية والمجتمع السياسي كفيل بإعاشة من جعلهم في خدمته. قد تكون الدولة مقصرة ولا سيما في الضائقات. هذا الوضع يتطلب منها جهادا لرفع الرواتب او للجم رفع الأسعار. المجتمع يقوم على العدالة ومنها إنصاف الذين جعلناهم في المسؤولية. لقد عرفنا قبل هذه الحرب قضاة عاشوا بالفقر وماتوا ولم يتركوا شيئا. وعرفت الانسانية قديما حكاما كبارا ماتوا ولم يورثوا عائلاتهم شيئا. عظماء في الكنيسة وفي الدنيا عاشوا في تقشف رهيب ولم يتدنسوا بمال حرام.

اذا واجهت موظفا يتقاعس دون ان يلبي لك طلبا مشروعا فيجب ان تلح عليه او على رئيسه ليؤدي الواجب. لا مانع ان تنتظر ولكن لا تلطخ يديك بالخطيئة. ليس اسوأ من الموظف الكبير او الصغير من اتكالُه على الهدايا لأن الهدية تضعف إرادة المسؤول الذي يتقبلها وتجره الى القيام بعمل غير مشروع. فالعمل الذي ينهى عنه القانون في اي حقل من حقول الحياة المجتمعية لم يُمنع الا لأنه يؤذي احد المواطنين. فالموظف الذي يتساهل بعمل غير قانوني يعرف انه يضر احد الناس او يضرالدولة التي تمثل المجتمع في جملته.

القاضي الذي يرجو هدية او يلوح له بها يصدر بالضرورة حكما يظلم فيه طرفا من الطرفين المتقاضيين. والطبيب الذي يعطي تقريرا كاذبا انما يؤذي المؤسسة التي ينتمي اليها المتمارض ومن اعطى إفادة كاذبة يؤذي بالأقل نفسه لأنه يقزمها ويصير جبانا ولا يعلم الناس الصدق.

الوزير او النائب او السياسي بعامة اذا ارتشى فليس يحب وطنه لأنه يقول ما أرادوه ان يقوله ويسكت عن قانون مجحف او عن موقف سياسي ظالم. ان من اشتهى المال يذهب الى حد الخيانة الكبرى.

من يدافع عن المظلوم اذا زالت العفة؟ من يحمي الوطن من التعديات ان لم تقم جماعات من الناس طاهرة لا يغريها مال؟ من يقول في الكنيسة نريد اسقفا صالحا طاهرا، معلما كبيرا اذا تفشت الرشوة عند من لهم حق الربط والعقد. اي ارثوذكسي يضمن سلامة عائلته اذا كان القضاة الروحيون يضعفون امام الهدايا؟ كيف يفحص القاضي دعوى فحصا دقيقا بموجب القوانين اذا وعده احد المتقاضيين بمال؟

ان «محبة المال اصل كل الشرور» كما يعلمنا بولس. هي خراب للمجتمع والكنيسة والدولة والضمير. اذا انت تنزهت فبإمكانك ان تجعل المسؤولين يميلون الى النزاهة. لبنان لن يقوم الا بالطاهرين. اللبنانيون لن يكونوا على شيء الا اذا تعلّموا ان هناك اشياء لا يجوز عملها واشياء «ما لها دبّار». الحق الذي نلح عليه في كل مسؤولية هو الله نفسه.

Continue reading