Monthly Archives

January 2002

2002, مقالات, نشرة رعيتي

أن نحمل الآخَر/ الأحد 20 كانون الثاني 2002 / العدد 3

«احملوا بعضكم أثقال بعض وهكذا أَتِمّوا شريعة المسيح» (غلاطية 6: 2). في مواضع كثيرة يتكلّم بولس على المحبة. أما في هذه الآية فإنه يوضح ان المحبة تقودنا إلى ان نأخذ على عاتقنا الصعوبات التي يعانيها الآخر ونساعده على تجاوزها. وإذا وقع الآخر في أي مأزق علينا أن نعمل لإخراجه منه. «إنها إعادة التقويم لشؤون القريب وأن نهتم لمصالحه» (يوحنا الذهبي الفم في شرحه لسفر التكوين).

فليس من محبة، إن رأينا الآخر واقعا، أن نطيّب خاطره و«نعزّيه» بكلمات معسولة ولو جاءت من الكتب المقدسة. فقد يكون عارفًا بالكتاب. ولكن إذا اكتفينا بذكر الآيات وأن نؤكد له ان الله معه فلا نكون قد شاركناه أوضاعه وأخذنا بإعادة ترتيبها وإصلاح ما اعوجّ فيها. لا نكون قد سندنا هذا الإنسان عمليا.

النصيحة المدروسة، غير المرتجلة كي يسلك الطريق القويم، هذا أضعف الإيمان. فمن المسائل المطروحة علينا أن نجد عملا لهذا الرجل أو لهذه المرأة. وقد نكون على صلة بأرباب العمل أو يكون صديق لنا على صلة بهم. وقد يكون هذا الإنسان في حاجة إلى مشورة قانونية فنحاول ان نحصل عليها من محامٍ مجانًا. وقد يكون في حاجة إلى مساعدة في أقساط أولاده المدرسية، أو يريد رأيًا روحيا وهو في أحوال زوجية سيئة فنسعفه لاختيار فهيم في هذا الحقل.

التعداد كثير. جل ما أوردتُه من الرسول والقديس يوحنا الذهبي الفم معناه ان المحبة هي أن تفعل شيئًا في سبيل الآخر لا أن تتفرج على حاله وتبكي عليها. هو لا يحتاج إلى من يبكي معه. هو طالب رأي على الأقل وطالب سعي إلى حلول. قد لا يكون في يديك حل ولكنك تكون قد فكرت بوضع محدد. وبذلت جهدك لحلحلة الوضع كما لو كنت أنت واقعا.

وهذا ينطبق بنوع خاص على أولئك الذين يعيشون في الكنيسة معا ويلتفّون بعضهم حول بعض. هؤلاء يلتزم احدهم الآخر بنوع خاص، وكل منهم ينتظر الانتباه من الذين يشاركونه الصلاة لأن الصلاة ان لم تَصِرْ خدمة قد يحسبها أخوك غير صادقة.

ان التعاضد الذي نتكلم عليه يجب ان نترجمه حَضنا للآخر. بادئ بدء ان تسأل عن الوضع الذي صار عليه وتفتقد تطورات المسألة التي تعرف عنها. ليس من صداقة الا إذا تتبعت مشاكل الصَّديق. فإن لم تقدر على حلّها فعلى الأقل تتحسس مصاعب الصديق. ولكن ما يريده الله ان تعتبر قضية الآخر قضيتك وتوليها الاهتمام الكامل لئلا تكون محبتك كلامية.

ليس احد منا يحب ان يبقى وحده. كل إنسان في حالة الضيق الشديد المعنوي أو المادي يفتش عن دفء بشري. قد يكفيه هذا وقد لا تستطيع أنت أكثر من ذلك. وقد يكون جانب كبير من الحياة العائلية شعورا بأن الفريق الآخر يقف إلى جانبنا في الحزن أو الأزمات.

فعندما يقول بولس: «احملوا بعضكم أثقال بعض»، لم يفكر بأن ذلك ينتهي بأن تسأل عن صحة صديقك أو المؤمن الآخر، ولا تنتهي وصية بولس بأنك تناقش الآخر مناقشة فكرية. هذا كله حسن. ولكن المبتغى ان تضع كتفك تحت العبء الذي يحمله الآخر. ان رفع هذا العبء مسؤوليتك كمحب.

والشيء الآخر قول بولس: «وهكذا أَتِمّوا شريعة المسيح»، ذلك ان شريعته هي المحبة، والمحبة التي يريدها المعلم مترجمة بالأفعال.

نحن أعضاء في جسد المسيح الواحد. هذا نترجمه في اننا نجتمع لنأكل جسده ونشرب دمه معا. ولكن المناولة ليست نهاية. هي بدء، والنهاية ان نكون واحدا حقا في الحياة الاجتماعية وان نبدو للناس واحدا في الحب.

Continue reading
2002, مقالات, نشرة رعيتي

الأحد بعد الظهور/ الأحد 13 كانون الثاني 2002 / العدد 2

اللافت كثيرا ان الكنيسة تقرأ خلال سبعة ايام بعد الظهور الإلهي (الغطاس) كل يوم فصلا انجيليًا يتعلق بالمعمودية. ومعمودية السيد مناسبة لظهور الله آبا وابنا وروحا ما يجعل إنجيل اليوم ايضا مشدودا الى الظهور الإلهي اذ يتحدث مقطع اليوم عن النور ايضا وعن التوبة التي يستدعيها هذا النور.

         السيد يترك الناصرة غالبا لأنه رأى مقاومة له فيها، ويختار مدينة كفرناحوم مقرا له. وكان له في ذلك استراتيجية لأن المدينة كانت ملتقى يهود ووثنيين وتاليا منطلقا للبشارة. وبما ان هذه المنطقة وهي واقعة على الشاطئ الشمالي الغربي من بحيرة طبرية وموطنا لسبطي زبولون ونفتاليم، اورد متى قول اشعياء: “ارض زبولون وارض نفتاليم… الشعب الجالس في الظلمة أبصر نورا عظيما…”. وكأن الإنجيلي اراد ذلك النور الذي سيأتي المسيح به بواسطة انجيله.

         منطلقًا للإنجيل في الجليل كان قول السيد: “توبوا فقد اقترب ملكوت السموات”. التوبة في اللغة العربية هي الرجوع (اي الرجوع الى الله). وكما يفيد الأصل اليوناني هذا الرجوع يتم بتغيير العقلية كلها بحيث يحل الله فكره فيك فتفكر في كل شيء كما الله يفكر. فالناس ليس فقط يرتكبون الخطايا، ولكن الكثير منهم يبرر فكره بالخطيئة ويقبل بالسرقة او الكذب وما اليهما. اما المؤمن فهو الذي انقلب على تفكير الدنيا، ولذلك نصف الإيمان بأنه مستقيم الرأي. فكّر حسنا ومستقيما وبعد ذلك تصرَّف.

         توبوا اذ اقترب الملكوت. الله لا يريد ان يكون فقط ملكا في السماء ولكن ان يسود قلوب الناس هنا. “لتَكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”. عامة الناس تظن ان الملكوت نرثه في السماء في اليوم الأخير. صحيح ان الملكوت يكتمل بعد القيامة عند زوال الشر. اذ ذاك يسطع الله امام البشر جميعا ملِكا بقبول البشرية المفتداة سيادته عليها. غير ان الملكوت بدأ هنا في فلسطين بمجيء يسوع. فالملكوت يأخذ بالسطوع بظهور الملك. ان الملك يعطيه.

         فاذا قلنا في الصلاة الربية: “ليأت ملكوتك”، نقصد ليأت علينا وفينا يوما فيوما وليحل على الإنسانية جميعا. هناك بشر متمردون. كل خاطئ متمرد ولا يريد الله ملِكا عليه.

         اما اذا قبلت انت سيادة الله على قلبك وفي تصرفاتك تتوب اليه. وتأخذ مكانك تحت سيادة الرب.

         الوضع الطبيعي للمهتدي ان يحب اليعيش مع يسوع وفكره وان يغرق في ذكره وفي التحدث اليه، ان يعاشره بدالة وحميمية كما يعاشر الإنسان رفيقه والا يشتهي ان ينفصل عنه لحظة حتى لا يدخل الوسخ اليه ولا يحزن بالخطيئة.

         قد يتخبط التائب احيانا وقد يشك بعطف الله عليه وقد يسقط. اذ ذاك، يجب ان يفحص قلبه ليرى اذا تاب حتى الأعماق ام كانت توبته مجرد رغبة عابرة ناتجة من تأثره بصلاة او بكلمة إرشاد. الزرع الإلهي، اذ ذاك،  لم يتأصل فيه.

         التائب من اقتنع بالمسيح وبحلاوة معايشته في داخل النفس ومن آمن ان المسيح تعزيته ويكفيه، فلا يحن الا الى ما يرضى عنه المسيح. هكذا يكون السيد هو الملك حقا وتكون النفس مسكنا له مع الآب والروح.

         الظهور الإلهي الذي تم على نهر الأردن يصير، اذا ذاك، ظهورا في القلب ومحوّلا له.

Continue reading
2002, مقالات, نشرة رعيتي

الظهور الإلهي على هذه السنة/ الأحد 6 كانون الثاني 2002 / العدد 1

السيد يعتمد، والآب يقول: هذا هو ابني الحبيب، والروح يبـدو بهيئة حمامة. هذا هو ظهور الله ثالوثًا على نهر الأردن وعلى العالم ليقول للعالم انه سيخلص بمحبة الله المنسكبة بدم يسوع. هذا هو ابن الله وابن الانسان معًا. فبدخولـه الماء وخروجـه منـه صورة مسبقة للموت والقيامة. هذه ظهر الله بها في شكل فصيح في العالم.

         هذه كانت البداءة وكانت الأساس حتى يبقى الله ظاهرًا على العالم ولا يبقى العالم وحده، ورجاؤنا ان يعاين البشر ربهم في السنـة الجديدة حتى تكون حقا جديدة. في اليوم الأول من السنة أقمنا عيد الختانة لنستمد منـه لا ختانـة جسديـة أبطلهـا المسيـح ولكـن ختانـة روحية بقطع النفس والحواس عن كل ما يؤذي القلب. وعيد اليوم يكشف لنا ان الخطيئة وحدها تدمر القلب وانه يجب ان نغرقها في ماء المعمودية لنصعـد من الماء احرارا منها الى وجه الآب. ذلك ان المعموديـة عمليـة مستمرة. نحن دائمًا نميت الخطيئـة ونرتفع في الرجاء الى الله ابي ربنا يسوع المسيح.

         واذا تجددنا بالإخلاص للسيد اي في إيمان معمق وصلاة غير منقطعة نستطيع ان نطيعه فيصير كل منا خليقة جديدة. الرب يظهر بسلوكنا الطاهر ويخاطب الناس به. من كان هكذا يكون شاهدًا من شهود الله اي كاشفًا محبة الله للناس وجمال الله وقدرة تعليمه وسلطانه على حياتنا وقبولنا اياه بفرح.

         المسيحية ليست تحريك أفكار ولا جدلا فلسفيا. انها بساطة الانسان النقي الذي يعرف كيف يتجلى الله في هذا الخلق وفي القديسين.

         ما من شك ان دون تجلي الرب صعوبات. هناك حروب وأمراض فينا اذا كانت شديدة قد تحجب وجه الله عن المصابين بها. هناك فقر مستمر وموت أعزّة. قد تنتشر الحرب ولا تنقطع بسرعة. كل المؤشرات تدل على ان هذه السنة التي ابتدأنا حزينة واننا سنواجه تجارب كثيرة. نحن لنا كلمة الله نواجه بها كل العقبات. واذا عانينا في نفوسنا وأجسادنا سوف نلجأ الى الكلمة والى الصلاة غير المنقطعة ونغتذي بجسد الرب ودمه.

         السنة الـ 2002 ستكون لنا زمانًا من هذا الدهر العابر. ضمن هذا الزمان ستكون لنا أحداث الخلاص، أعيادنا والمحبة الأخوية.

         سنبقى مجاهدين مع يسوع في زمان الناس، في عائلاتنا ومهنتنا وحياتنا الاجتماعية. الله يظهر هنا ايضا من خلال الآلام، في محنة كل واحد وفي حزنه وليس فقط في فرحه. حسن أن يجتمع المحبون ليسوع ليعزوا بعضهم بعضا في المحنة ويتماسكوا. نحن نتابع المسيرة وراء المسيح ولا نمل. “إلى أين نذهب. كلام الحياة الأبدية عندك”. من ينقذنا من الشدة؟ من يمد الينا يد العون لو وقعنا في الجب؟

         دائمًا كان المؤمنون الكبار قلّة. ولكنه قال: “لا تخف ايها القطيع الصغير”. “أنا معكم حتى منتهى الدهر” وسأكون حاضرًا معكم في السنة هذه وأضعكم على صدري وستكونون أقوياء.

Continue reading