Category

2001

2001, جريدة النهار, مقالات

2002 / السبت 29 كانون الأول 2001

تنطوي السنة ولا تنطوي مآسيها. ولكن “ألف سنة في عينيك يا رب كيوم أمس الذي عبّر أو كهزيع في الليل”. هلا اعطيتنا يا سيد ان نرى في ماضينا جمالات يوم في عينيك وأن نذكر النعمة التي سكبتها علينا والتعزيات لأحبائك الفقراء فان الكثير من البهاء فاض من قلوب طيبة وتناولناه وتنقينا. وأخطأنا كثيراً وتبت علينا فتبنا. ومع ذلك تنثني في نفسي ضعفات ارجو ان تزول قبل ان تقبضني. “لا تصرف وجهك عن عبدك فاني حزين” وأنا اعلم انك توجدني بومضات عينيك يا ايها الضابط الكل المحب البشر.

غير اني لا استطيع ان ارتاح والفقراء يموتون في بلدان كثيرة والمرضى يتلوون على فراشهم والمهمشون في الارض ينسون ان لهم رباً يفتقدهم بحنانه على هذا التهميش. متى ندرك اننا نتأسس وننمو إذا انت احطتنا برعايتك؟ لكن الانسان يشلح الانسان. ولعل هذه الكرة الارضية تدور هكذا حتى قيام الساعة. ومع ذلك نرجو ونحب.

غير ان الوطن تعب جداً ويهمني الذين لا يقدرون على ان يكملوا اقساط المدارس وهم صادقون وكل هذه النسبة الرهيبة من العاطلين عن العمل. وأخشى على لبنان من البطء في تسديد الديون وعلى ان التعصب ليس حكراً على أحد وأنا شيخ عايشت لبنان من قبل استقلاله ولا اذكر اننا سقطنا في حقبة كهذه الحقبة وزغنا كما نحن زائغون. وليس المجال مجال ذكر الخطايا ولكن لا ملمح توبة عند بعض من الماسكين بالأمر. ماذا نحن قادرون عليه وفي عادات الشعوب ان الرعية إذا فسدت يصلحها الراعي أو إذا فسد الراعي تصلحه الرعية. من اين نبدأ نحن؟ من يهدينا؟

لست اظن ان شعبنا يعوزه علم السياسة او ان اهل الحكم غير عارفين بالحلول. هذه امة ذكية في كل صعدها وفي مراتبها جميعاً. إذا كنت اعشى فمن يهديني سواء السبيل؟ اتوسل الى كل الفاهمين ان يقولوا قولاً حلالاً في ما يعرفون او ننتظر كوارث اخرى لا يشتهيها الله لنا لعلنا نعقل.

عيدنا لله. متى نعيد للبلد؟ حل الفطر وفرح الناس بالرب ولم يفرحوا لأنفسهم. وجاء الميلاد وفرح المؤمنون بالههم مخلصاً، وفرح الاولاد لأن بعضهم تلقى هدايا والاكثرين لم تبلغهم هدية لأن ذويهم ما كان لهم الا ان يطعموهم طعاماً عادياً. صلوا على علمهم بأن البلد لن يتغير فيما يتقادم الزمان القريب. وخوفهم ان يغذوا رجاء ليس بآت. على رغم ذلك نصلي على رجاء ان يسلم البلد على الأقل في امنه وألا يصل الينا الجوع او نرمى على الارصفة.

والينا فلسطين او نحن اليها. لا نوطن او هكذا نرجو. هناك، في الاراضي المقدسة يموت الاطفال ويقتلهم هيرودس جديد ويمعن في التقتيل وليس في الدنيا من يبكي الاطفال كأنهم ليسوا من طراوة هذا الوجود. مع ذلك قلنا نحن العرب: “لا فضل لعربي على اعجمي الا في التقوى”. ان تراثنا يقول ان ابناء إبراهيم واحد ويقول ان العنصرية لا تليق بالإنسان. مع ذلك لا يريد العالم حقا ان يكون الفلسطيني حرا في هذه البقعة الصغيرة التي تركت له من بلده. ويعلموننا حقوق الانسان. اي انسان؟ ايريدون ان يكبوا اهل فلسطين في الصحراء او ما وراء البحر؟ كيف احيا انا والظلم عميم؟

اما الاطفال الافغان فأية خطيئة ارتكبوا؟ والصوماليون الجائعون لماذا يهددونهم؟ والعراق؟ ولماذا حلقت طائراتهم فوق رؤوسنا فخفنا؟ ولماذا كتب علينا ان نخاف ومن نهدد نحن؟

اية مساهمة لنا نحن اللبنانيين ان نقدم؟ نحن نستطيع اعطاء القدوة بحيث نرفع الظلم عن كل من ابنائنا ونقيم العدل الحق والطريق اليه هو الحرية فليس من يهدد الدولة عندنا تهديدا حقيقيا. ويقوم نظامنا اصلا على تنوع الفكر وعلى تعدد المشارب. هذه هي الديموقراطية وهي تصلح نفسها بأساليبها. وقد يغرينا القمع والدنيا كلها قمع. وليس من المؤكد اننا لا نسقط فيه. ولا شيء يدل على اننا على هذه الاخلاق المتينة التي تجعلنا في مأمن عن التحول الى نظام بوليسي او في مأمن من ان نعامل الشرائح الطائفية كلها تعاملا واحدا. وإذا اخذت الدول الكبرى تقع في العنصرية فلا عصمة لنا. فاذا أردنا حقا ان نبقى على ما كنا عليه من حب للحرية فلا يغرينا ما يفعله الغير ظنا منه انه يحافظ على نفسه.

تطل السنة الجديدة ونحن على هشاشة كبرى وعلى يقين قليل. فلا ينفع التبجح بماضينا لأن ما ينقذك هو الحاضر الذي تريده كريما. الكرامة لا تنزل عليك الا إذا آمنت بها والسماء لا ترفعك ما لم تحاول رفع نفسك وما لم ترد ان ترفع الناس معك.

هذا يعني ان تسعى الى تطهير نفسك. هذا خير ما تفكر فيه وخير ما تسعى اليه. فاذا سميت السنة المقبلة جديدة فهذا مجرد تقلب ازمنة لا شأن لك به. انت ابدأ بنفسك وطهرها. وقد تكون في ذلك وحدك. لا تخف. القديسون كانوا وحدهم فيما كانوا يبصرون تدهور العالم. هم وحدهم الى الله “الا يكفي العبد ربه؟”. ابدأ بنفسك تشع وقد يغير نورك العالم. في الحقيقة ليس من سنة جديدة الا إذا ملأتها انت جدة. والجدة ان تصير خليقة بهية تصنع بهاءها الفضائل. قد تجد نفسك بلا سند. لكن الانسان الطاهر لا يحتاج الا الى سند من فوق. لعلك لم تبك أو لم تجاهد بعد حتى الدم. وهذا يتطلب نسكاً كبيراً وان تعاشر ربك لحظة بعد لحظة. أنا أفهم ان تضعف وحولك كاذبون وسارقون وشتامون. هؤلاء تذريهم خطيئاتهم من أمام وجه الرب اذ يسكنون خطيئاتهم. انت الرب مسكنك وإذا اتكلت عليه فهو يعولك من دنياك ويعولك من نعمته. وإذا فسد الجميع فلا تضطرب لأنك، اذ ذاك، تصير وحدك الكون الذي الله يرتضيه. في الادب المسيحي قيل عن واحد: “اثناسيوس ضد العالم” لأنه في الايمان المسيحي كان وحده العالم. انت ربك مغنيك. وإذا نظر الناس اليك فذهلوا يعرفون انهم لا يصيرون شيئا الا إذا صاروا اليك.

لا تحسد أحدا على ماله أو على نفوذه. هذان شيئان فانيان. أما جمالك الروحي فلا يزول. تابع الصدق والناس يكذبون. تابع الامانة مهما كلف الامر من مضايقات. احفظ نفسك والايمان الذي انسكب عليك فهو يحييك من موت ويطعمك من جوع. لا تخشَ زلة ترتكبها وسط الاغراء المتفشي لأن الذي أحيا الموتى يحييك. لا تنتظر ان تتغير الأزمنة فقد تبقى على فسادها أو تسوء رجاؤك ليس الى ما يأتي من زمان الناس ولكن من رب الناس.

وأمام هذا المشهد المرعب أحببهم جميعا لان هذا وحده يشفيهم. هذا وحده يشدهم الى فوق. أحبب كثيراً وبلا انقطاع ولا تردد لأن غير ذلك يفسدك. أحبب لأن الله محبة. ليس لك مبيت الا فيه. وان ثبت انت فيه تبدو عائشا هنا وفي الحقيقة تكون ملازما للعرش الالهي.

وقد تشاهد الدم يهراق عندنا وفي بلدان اخرى. وقد يراق دمك. ليست المصيبة في هذا. انها في الحقد إذا حقدت وفي الكذب إذا كذبت. الشر لا يأتيك من خارجك. انه الشهوة الرديئة فيك. فاذا حالفتها تموت روحك ولو بقي هذا الجسد النتن عندك. واصطبر. ان الصبر آخر المطاف لانه انتظارك لله.

اذذاك تمتد انت في السنة الآتية وتملأها من تلألئك الداخلي. ويكتب الضياء الذي حل عليك تاريخا للقديسين. غير هذا ثرثرة ومظاهر كيان وليست بالكيان. شد حقويك واسلك الطريق التي رسمها الأبرار في كل جيل. انهم وحدهم يعرفون الطريق ليس الى سنة يدعوها الناس جديدة ولكن الى تلك الجدة الداخلية التي تفرح لها الملائكة.

لا شيء يغريك الا ان تكون حقيقيا. هذه الحقانية تكتب الوجود الذي لا تتخيله الكثرة. ما همك والكثرة. انت، وحيداً، قادر على ان تكون ملء الله.

Continue reading