Monthly Archives

March 2015

2015, جريدة النهار, مقالات

مريم المصرية / السبت في ٢٨ آذار ٢٠١٥

لست أعرف لماذا الكنيسة الأرثوذكسية تحب هكذا القديسات العائدات من التوبة ولا تبدو مسحورة بالقوة نفسها بالذين كانوا دائمًا تائبين. هل ان الأرثوذكس خطأة تائبون؟ ربما ليس عندنا تعريف عن المؤمن الكبير أقوى من قولنا انه جاء من التوبة. المسألة انك لا تقدر ان تتكلم عن البر ما لم تتكلم عن الخطيئة. هذا أسلوبنا من أجل الهداية. ثم لماذا هذا الكم من القديسين الذين كانوا خاطئين؟ هل لأن الكنيسة لا تعرف كثيرًا عن ناس كانوا دائمًا تائبين؟ أنت لا تستطيع ان تتعاطى الكنيسة الأرثوذكسية بسهولة. هي صعبة المنال وأصعب ما فيها انها لا تصدق ان الناس الذين كانوا طوال حياتهم أطهارا كثيرون. أجل هذا صحيح ولكن يبدو لي أيضًا انها تريد ان تعزي الذين كانوا خطأة بتصوير ان مصيرهم في حنان الله وتوبتهم في الخلاص. أجل نعرف من سيرة القديسين ان بعضهم كان طاهرًا منذ شبابه ولكن ما في أذهان الناس ان كثرة من الأبرار جاؤوا من الخطيئة. ويلفتك في العبادات الأرثوذكسية انها لا تتكلم كثيرا عن طهارة دامت عند بعض بقدر ما تتكلم عن التائبين. هل لأننا نعرف واقع الحياة أم نريد ان نرى أنفسنا خطأة لئلا نستكبر؟

ثم يلفتني في سيرة القديسين عندنا اننا نقول عن بعض من آبائنا انهم كانوا زناة. لماذا اللفتة إلى الخطيئة دائما؟ هل لأننا نخاف الغلو ان لم نصف الأبرار بأنه كانت لهم شوائب؟ لماذا الإلحاح على مريم المصرية ومريم المجدلية؟ لا يوجد غير هذين الاسمين في الخاطئات؟ ثم لماذ هذا الإكثار من ذكر خاطئات وليس من ذكر خاطئين؟ هل لأن من كتب السيرة هم الرجال؟ ثم لماذا انتقاء الخاطئات من مصف الفاسقات التائبات وليس فمن كنّ يتعاطين خطايا أخرى؟ هل الكنيسة ترتجف أولا من الزنى ولا نرى مثلا انها ترتجف من الكذب؟

هل الكنيسة تكثر من الكلام عن العفة لاحتسابها اننا من حيث الكم نخطئ أولاً اليها؟ لم اعثر في الأوساط التقية عمن تكلم جهارا ضد الكذب. هل لأن من تحصيل الحاصل قول الكتاب ان «كل إنسان كاذب».

لست أعلم لماذا الانتباه الشديد إلى عفة النساء في الأدب المكتوب لا إلى عفة الرجال؟ هل المضمون ان الرجل مباحة له أشياء وأشياء لأنه قوي أو معه مال والمرأة مقيدة بالعفة ليعرف ان أولادها هم أولاد زوجها.

ثم لماذا الخاطئات اسمهن مريم؟ هل كان المسيحيون الأوائل قليلي الخيال في اختيار اسماء لبناتهن أم انهم يحبون كثيرا أم يسوع فيرون ان في هذا الاسم دعوة إلى توبة صاحبته؟ لافت ان الكنيسة لتتكلم عن التوبة اختارت كثيرا نساء وركزت على انهن آتيات من الفسق. هل ان الرجال قليل فيهم الزنى أم لإحساسها ان المرأة العفيفة هي الكائن الذي يدعونا إلى الطهارة؟

أنا لست عالما في الطقوس المسيحية المقارنة ولكن لفتني ان الكنيسة الأرثوذكسية تتكلم كثيرا عن العفة بمعناها الجسدي. هل هذا التركيز أتى من ان كتاب الطقوس عندنا كلهم رهبان وما يجذبهم في الفضيلة أولا هو العفاف. هل لأنه صعب حتى على الذين في الدير ولا يمسون امرأة؟

في غرفتي ايقونة هامة لمريم المصرية. لماذا؟ من أتى بها؟ هل لكون التوبة معجزة، قريبة من المستحيل؟ بمعناها الكامل باللغة اليونانية هي تحويل كل ما في عقلك إلى الله. هل من إنسان له ان يصبح إلهيا إلى هذا الحد؟

لماذا بقيت مريم المصرية نموذجا لي جاذبا ولم اختر قديسا عاش القداسة طوال حياته؟ لماذا يعجبنا التائبون أكثر من الذين كانوا دائما طاهرين؟ تروقني الكنيسة الأرثوذكسية لأنها عرفت ان تختار قديسين ممن خطئوا. ربما لتقول للمؤمنين انهم جميعا قادرون على التوبة ان رغبوا.

كل يوم نحتفل بقديس. لماذا في الأيام المكثفة التقوى نحتفل بالقديسين الذين خطئوا؟ أظن ان هذا تربية لنا جميعا أي القول بالتوبة مهما عظمت معاصينا. أظن ان أهم ما في التوبة ارتياح التائب مع معرفته لضخامة خطاياه ان الله محاها له بلحظة.

لماذا المؤمن الكبير تجذبه توبة الآخرين؟ الأنه رأى فيهم ان مراسهم أبعدهم كثيرًا عن الحق وان رجوعهم إلى الرب صعب المنال ومع ذلك يرجعون. الرجعة الكبيرة إلى الله هل هي ممكنة؟ أنا أعرف انها صعبة ولكن ليس عند الله فينا مستحيل.

هل كل منا يريد ان يكون مريم المصرية في طور توبتها؟ هل يؤمن بأن هذا ممكن لله اعطاؤه لنا؟ لماذا تريد الكنيسة ان يكون التائبون والتائبات نماذج لنا؟ هل هي تصدق اننا راغبون في الصورة؟ تؤمن على الأقل اننا بالنعمة قادرون عليها.

Continue reading
2015, جريدة النهار, مقالات

ان نبقى مع الله / السبت في ٢١ آذار ٢٠١٥

ان نبقى مع الله ان أعطى وان خذل أو حسبنا انه خذل هذه طاعتنا للإيمان. أنت فقير اليه ولا تشترط عليه شيئا ان أمدك بنعمة ولا تتذمر اذا حرمك منها. في ما تأخذ وفي ما لا تأخذ أنت فقير. أنت لست في تجارة مع الله. ان اعطى فهذا من محبته وان خذل فهذا أيضًا من محبته لأنه مربيك. واذا لم يجربك أحيانا كيف تعرف انه أب لك في الحقيقة؟

هو لم يشترط عليك شيئا فتكون معه. في غناك الروحي وفي فقرك هو معك. تجرد من علاقة التجارة معه. أفهم دفعة واحدة انه اذا اغناك بنعمة أو أفقرك هو معك. لست معه في عقد ثنائي. العلاقة بحبه لك. أنت تقبل حبه وتشكر. أنت ان أحببته لا تزيده شيئا.

لازمه لتحيا. وحدك أنت تافه. كن معه لتجد ان لك معنى. الإنسان وحده بلا إله صحراء. كيف يغتذي؟ مصلحتك ان تبقى معه. هو لا يستفيد منك بشيء. معه لك كيان لأنك وحيدا عنه فيك فراغ أو كلك فراغ. ولكن ان تبقى معه هو ان تبقى له أي مخصصا نفسك له، مندفعا اليه بكل قواك، ناسيا ملذاتك الضارة ومنافعك الخسيسة. ان تكون له هو ان تنسى انك مركز الوجود وان تنبسط أمام الناس بالخدمة. الله في الناس. ان لم تجده فيهم لن تجده في السماء. تبدأ السماء بالحب هنا، أحب الناس جميعا بالإخلاص الكامل.

السماء أولا فيك وفي الناس لأنها في الله والله فيك وفي الناس. كيف تعرف انك مع الله؟ في جواب أول اذا رفضت الرذيلة وآمنت بالبر وفي جواب ثان ان حققت البر بالمحبة. وهذه لا يزاد عليها لأنك بها تصل إلى الله.

أنت مع الله أولا ان آمنت وان تؤمن تعني ان تعتبر الله مأمنا لك وملجأ أي انك لم تبق في احساسك خارجا عنه. هذه المعية هي كل الإيمان ان لم تكتف بالإيمان كلاما.

ان تؤمن عملية في غاية الصعوبة ان فهمتها لأنك تعني انك اقتنعت بعقلك وسلوكك معا ان الرب هو كل الحياة وكل حياتك. معنى ذلك انك خرجت من ذاتك، من الأنا لتصبح عنده وله. في الأخير معناها انك أمتّ كل ما فيك من شهوات ليصبح الله شهوتك الوحيدة. الإيمان ترهب وانقطاع لتحقيق الحب بينك لترتفع قليلا أو كثيرا فوق المخلوقية.

اذا مكثت عند الله ماذا يبقى لك من نفسك؟ ماذا تشاهد منها؟ ان صرت حقا له لا تشاهد الا وجهه فتعود اليك الوجوه التي تحب مستنيرة بنوره وبينه. اذا تربيت عليه تلحظ يوما بعد يوما انك صرت تتكلم بكلامه وتطلب إرادته وتدرك ان شهواتك أخذت تتساقط.

ان تبقى وجوديا مع الله يعني انك تحب وان تحب كل إنسان حولك بلا نظر إلى حسناته. الحب مجاني كليا أي لا يطلب ردا. تعطيه بأمر من الله ولا تنتظر تعزية بان تبقى مع الله في فرحك وفي وجعك طالبا وجهه فقط لأنك اذا أدركت ان وجهه يكفيك تكون فهمت كل شيء.

ان تشعر ان الرب يكفيك لا تعني انك شعرت بالاستغناء عن خلائقه. تعني انك تراها من خلاله، ان ترى ملامحه على وجوههم. ان ترى وجوههم وحدها بلا ملمح منه هو ان تعبدها وهذا شرك. ان تراه على وجوههم تعني ان هذه تجلت وانك أنت تجليت بها. لا إله فيك ما لم يكن ناسه فيك.

Continue reading
2015, جريدة النهار, مقالات

أين أنت من الحقيقة؟ / السبت في ١٤ آذار ٢٠١٥

أين الناس من الله أو من الحقيقة؟ أنت تكتب فقط ليقترب القارئ من الحقيقة لأن الكاتب يريد ان يكون الناس مع الله. الكاتب يد الله وأنت، كاتبًا، لا تزيد عليه شيئا. تبلغ فكره بطريقتك. ذلك ان الله تكلّم بالأنبياء ونحن نترجمهم. لما كتب يوحنا الرسول: «في البدء كان الكلمة» كان يريد ان الله أيضا يكون في النهاية. ومعنى ذلك انه في المدى بين البدء والنهاية. انك في رؤية الله إيّاك وانك قائم بمقدار ما تريد رؤيته هذه. ومعنى هذا أيضا انك لا تقدر ان ترى الناس أو ان تجد فيهم شيئا الا اذا كانوا مشاهدين لله.

لذا انقسم الناس بين من رآه ومن لم يستطع ان يراه. والذين لم يستطيعوا ان يشاهدوه أعموا عيونهم لأنهم آمنوا بأنفسهم فقط ولم يؤمنوا به اي ماتوا بعشق أنفسهم. هكذا العشق اما ان تحب الرب فيجدك أو تحب ذاتك وحدها فتموت.

الكثيرون من الناس يظنون انهم يعرفون الله لأنهم ينتمون إلى ديانة من الديانات. اما هو فلا يعترف الا لمحبيه انهم له. البقية تقول كلاما. كل القصة بيننا وبين الرب ان نتأكد محبتنا له وهذا ليس بالأمر السهل. المحبة تحجبها أحيانا كثيرة اننا نمارس الدين في العبادات. هذه لا تكفي. السؤال الحقيقي الذي تطرحه على نفسك هو هل أنا محب لله في طاعتي له. قد لا تكون صلواتك مؤداة حقيقةً من القلب. المعيار الذي ورد في كتابنا هو ان تحب الرب الهك وان تحب قريبك أي الآخر كما تحب نفسك.

أين أنا من الله سؤال صعب لأن الله وحده يعرف. أنت تعرف فقط ان كنت تحب الله. المعيار الوحيد لمحبتك له – وهنا أترجم يوحنا الحبيب – انك تحب الآخرين. سهل عليك ان تحسب انك تحبه. يكفيك ان تقول هذا لتظن. الإنجيل قطع الأمر بقوله أنت لا تحب الله الا اذا أحببت الناس. وهذا لا يعني تدفق عواطف ولكنه يعني خدمة. محبة القريب هي أولا انتباه للقريب، لشعوره في السراء والضراء، لحال معيشته من أجل خدمته في واقع وضعه. كثيرا ما كان حضورك عنده أو معه خدمة له ولمصالحه. سير إليه وإلى قلبه.

أين أنا من الله من أصعب الأسئلة اذ كيف أعرف نفسي الا اذا كشفها هو لي. يكشفها لي بالألم اذا قبلته طاعة. ويكشفها لي اذا سلطت عليها كلمته. لا مزاح مع الله. أنت تطيع أو لا تطيع. هل قبلت ان تتألم من أجله اذا قضت الحاجة؟ هل قبلت الصدق أي الاعتراف أمامه في كل حين؟ هل قلت عن خطيئتك انها خطيئة أم تريد ان تحجب نفسك أمام الطاهرين؟

مشكلتك مع الكلمة مشكلة كبرى. قد تظن نفسك في الحق لأنك تتكلم صحيحا. هل كيانك في عمقه في الحق؟ هل أنت صادق مع الله؟ هل تكذب على نفسك عالما أم غير عالم؟ متى تكون أنت إياك أو تكون مجرد حكي.

هل كلامك هو أنت هذا هو السؤال. أنت مسؤول عن كل كلمة تقولها وعن كل كلمة تخفيها، تصبح إنسانا سليما اذا زال الفرق بينك وبين كلامك.

Continue reading
2015, جريدة النهار, مقالات

الله محبة / السبت ٧ آذار ٢٠١٥

لي مكتب صغير في قريتي أطل منه على بيروت. كنت استلذها أيام دراستي في مطالع الأربعينات. الأشرفية حيث كانت دراستي العليا كنا نحسها صغيرة تتمشى فيها من البيت إلى الجامعة. أمامي مكتبة لا تحوي كل كتبي وورائي أيضًا كتب. أقلام وأوراق. لماذا ما كنت ألعب في المدرسة وخارج المدرسة؟ يبدو ان اللعب كان أساسيا ليكون لك رفاق. كل شيء كان يحصل عندي وكأن الكتاب بديل عن الرفيق. بعد المدرسة عرفت الصداقة.

الكثيرون ممن أحببت استدعاهم ربهم إليه طوال عشرات من السنين. أنا لا أرتب الحياة. اخضع لمن رتبها. هذا فيه حزن ولكن فيه تعزيات إلى ان يصلنا ربك إلى الوجوه التي أحببنا. لماذا اختار هذا أو ذاك من رفاقي؟ هذا شأنه ونبقى هنا مع الذين تركهم لنا.

الإنسان وجه إليك أي إطلالة. الناس في ما يتواجهون ان كان الله فيهم. ما عداه لحم ودم. من لا يأتيك من عند الله ليس لك في العمق لقاء معه. الحياة ليست أنت بل أنت مع الآخر. لك ان تفكر ولكن هذا لا يغير من هم حولك دائمًا.

لا أعرف إنسانًا لا يريد ان يكون محبوبا. عندما قال يوحنا الحبيب «الله محبة» ما عنى انها صفة من صفاته. أراد انه هو إياها. يوحنا الرسول ما قال ان الله محب. قال انه محبة. وكأنه أراد ان ليس فيه شيء سواها. ان كانت المحبة هي الله أو كان الله المحبة إلى أين تذهب؟ هل من شيء ممكن بعد هذا؟

ماذا تعرف بيروت عن الله؟ قبل دنو شيخوختي صرت أفهم ان الله غريب عن كثير من الناس. هم يستعملونه. يريدونه لهم. من يقول في نفسه: أنا لله وحده؟ واذا قلت هذا تعني بالضرورة انك للناس جميعا. اذا كانت بيروت لا تعرف الله وحده أي أعلى من كل الوجود ماذا تعرف حقا من الوجود؟

ليس عندنا تعريف عن الله. العقل يعرف وجوده ولا يعرف أكثر. الإيمان يعرف انه هو المحبة. دون هذا عواطف. هي اقتراب. أنت في الله وهو فيك. هذا اختبار. أعمق ما لك من معرفته انك تحبه بدءا من علمك انه يحبك. ان قلت شيئا آخر تكون آتيا بكلام من العقل وحده. العقل محدود ببشريته ولا يعرف أكثر من ان الله موجود. أما العمق الإلهي فلا تعرفه الا بالنعمة أي اذا صرت إلهيا، شبيها بالله اذ ذاك يحق لي ان أقول ان بيني وبين الله تجانسًا.

اذا قلت ان بينك وبين الله تجانسا أي انك من جنسه لا اعتراض لي لأنه بالحب جعلك من جنسه اذ تبناك. هذه مودة من الله نقابلها نحن بالطاعة والمعتقد المسيحي اننا نحبه لأنه أحبنا أولا. انه هو المبدئ. «أنا الألف والياء، البداءة والنهاية». الحياة الروحية رحلة منه وإليه وفي الطريق نعثر على القديسين ولكنهم ليسوا هم النهاية.

عندما يقول يوحنا الحبيب: «الله محبة» يعني انه كل المحبة وان لا محبة الا فيه. أنت بها لا تنقل عاطفتك وحسب. تنقل الله بنعمة. وفي المفهوم المسيحي الشرقي ان النعمة غير مخلوقة أي لا تقدر ان تفصلها عن الله. عندما نقول ان هذا الإنسان محب اذا أردنا لها مصدرا إلهيا نعني ان هذا الإنسان قائم في الله وبالله يتحرك. بكلام مباشر نعني ان الله الساكن فيك هو الذي يحب فيكتمل المعنى هكذا اذا أنت أحببت فالله فيك هو الذي يحب.

فإذا قلنا «الله محبة» وأردنا انه هو المحبة تكون المحبة كل شيء وبقية الفضائل ثمرات لها. يصبح لك هذا صحيحا في ذوقك للحب الإلهي اذا انسكب عليك.

Continue reading