Monthly Archives

February 2011

2011, مقالات, نشرة رعيتي

أحد الدينونة / الأحد 27 شباط 2011/العدد 9

قبل دخولنا الصيام يجب أن نمتحن قلوبنا فإن كانت ملوثة لا ينفعنا الصيام. ستكون دينونة علينا يتحدّث عنها إنجيل اليوم الذي يكشف فيه المسيح نفسه ديانا، وصورة الدينونة أن هناك تمييزا بين الذين عملوا الصالحات والذين عملوا السيئات، والصالحون يسمّيهم السيد مبارَكين، ولمّا عرف الرب بسابق معرفته أنهم سيعملون الصالحات أَعدّ لهم المُلك قبل إنشاء العالم أي انهم سيملكون مع المسيح. إنهم عرفوه في حياتهم هنا. كيف وهم لم يروه؟ والأشرار جهلوه في حياتهم هنا. كيف وهم لم يروه؟

يقول الرب يسوع للصالحين «جعتُ فأطعمتموني وعطشتُ فسقيتموني»، ثم يذكر احوالا أُخرى يقول انه كان فيها مع أنه لم يمرّ شخصيا في كل هذه الأحوال، فيردّون عليه «متى كنت جائعا أو عريانا أو محبوسا فلم نسعفك؟». يردّ عليهم بقوله: «بما أنكم فعلتم ذلك بأحد إخوتي هؤلاء الصغار فبي فعلتموه». المعنى أنه كان جائعا في الجائع وغريبا في الغريب ومريضا في المريض أي انه وحّد نفسه بكل محتاج. «الله لم يره أحد قط»، أنت تراه في الجائع والمحبوس والمريض.

اذا لم تحبّ أخًا محتاجا لا تكون قد أَحببت المسيح، واذا أحببته تكون قد أحببت المسيح بحب. في المبدأ اذا أَعطيتَ الجائع والمريض بزيارته والسجين بزيارته أيضا تكون قد أَعطيت المسيح.

مقابل الاهتمام بالآخر خطيئة الغفلة وهي التغاضي عن الآخر والبخل بالعاطفة. ليس البخل فقط ألاّ تعطي المحتاج مالا، ولكن ألاّ تعطيه محبة، أن تترك المريض في عزلته والمحبوس في عزلته. أنت تعرف أن المعزول أو المتروك ينتعش بقبول الآخرين، يحسّ بنفسه موجودا. المرض ليس فقط الوجع إو الحمّى، ولكنه الإحساس بفرقة الآخرين.

المسيح يسمّي كل هؤلاء المتروكين إخوته الصغار أي الذين يستصغرهم الناس. اذا أَغفلنا الشفقة والتقرّب من الضعفاء ورفْعهم بتواضعنا أمامهم الى أعلى منزلة، نكون قد أَغفلنا الرب نفسه وانعزلنا عنه. لذلك نذهب الى عذاب أبديّ.

ليس معنى هذا فقط أن جهنّم تنتظرنا من بعد القيامة، ولكنا نُرمى في عذاب الضمير في هذا العالم. نكون متروكين من المسيح. أما إذا اقتربنا من المحتاجين نشعر بأن الرب يسوع قد اقترب إلينا.

السماء مشاركة ليس فقط مع الله ولكنها مشاركة مع الذين أحببناهم هنا ورفعناهم بالمحبة الى ربهم. السماء هي شركة القديسين. في الملكوت يفنى كل حزن ونسكُن في الفرح ويُساكن أحدُنا الآخر ويرى وجهه طافحًا في الفرح. أما في جهنم فيقول آباؤنا ان أحدا لا يرى وجه أحد بل يكون كل واحد مكبّلا الى ظهر الآخر.

هذه صورة تقول ان ليس في جهنّم مشاركة، وليس أحد أَخًا لأحد. في مشاعر الإخاء نلج باب الصيام وفيه انقطاع في سبيل الفقراء وتعزيز لهم حتى يحلّ الفصح علينا جميعا بالفرح وقوة المشاركة.

Continue reading
2011, جريدة النهار

الدينونة والصوم / السبت في 26 شباط 2011

كلمتان لا يبدو توا كيف نجمعهما. غدا في كنيستي يقرأ ما نسمّيه في تراثنا إنجيل الدينونة الوارد في متى وفيه يتحدث يسوع عن مجيئه الثاني في مجده ليدين الأمم كلها مع انه في انجيل آخر قال انه ما أتى ليدين العالم بل ليخلص به العالم. ويظهر من الفصل الذي نحن في صدده انه يفصل في اليوم الأخير بين أحبائه واولئك المعدين للعذاب الأبدي.

كل فكر الكتاب ان الدينونة في اليوم الآخر، في انقضاء الأزمنة. ما العلاقة بيننا وبين الرب قبل انتهاء الدهور؟ ما معنى انتهاء الدهور؟ لن أغوص على هذا الآن اذ ليس من انقطاع زمني بيننا وبين الألوهة. ليس من انقطاع بيننا قبل الموت. ونحن في مواجهة دائمة. لن أبحث اذًا في الأزمنة. زمان الرب حضوره. الله يفحصنا في كل حين ويفرق عن الذهب المعادن في البوتقة الذي يجعلها على نار تمحيصه.

هذه الرؤية الإلهية الخارجة عن الزمان تريدنا الكنيسة ان نكون فيها قبل ولوجنا نطاق الصوم المطل علينا بحب إلهي كبير والحب هذا يمحصنا ابتغاء النقاوة اذا قبلناها.

المواجهة مع الله استنطاق وحكم. والسؤال الوحيد على لسان الرب هو هذا: «ماذا فعلت بأخيك»؟ هل أحببته؟ هل قتلته؟ ألا يقول الله لك: هل اذا قتلت أخاك تكون قتلتني واذا أحببت أخاك تكون أحببتني.

يقول لك الرب: «اني جعت فأطعمتموني وعطشت فسقيتموني» الى ما هناك من أسئلة متشابهات. علاقتك بي علاقتك بالآخر. أنت لا تعطيني شيئا. انا معطيك. وأنت لا تؤذيني إذ لا يعنريني فساد ولا تنقص مني شيئا ان أهملتني. لا تسربلني حلة ضياء ولا تنشر علي ظلالك فأنا نور الى أبد الآبدين. لا تميتني وانا القيامة والحياة. انت ان أعطيت الآخر تعطيني به. انا في مخلوقاتي. كلي في مخلوقاتي.

يقول السيد لكل منا: لما انصرفت عنكم الى الآب تركت لك اخوتك الذين هم إخوتي. وجه كل واحد منكم صورتي. اذا اعتبرت هذه الصورة جميلة تراني انا جميلا واذا استقبحتها تكون قد استقبحتني.

#    #

#

لا تقدر ان ترجئ توبتك حتى ساعة موتك لأن التوبة لا تتحكم بها ساعتك ولا ييسرها لك أحد وليس فيها إنجاز. قد ينقض عليك الموت وانت سلمت نفسك للبشاعات الروحية الكثيرة والكثيفة.

واذا صرفت نظرك عن الموت وعشت لحظة بعد لحظة يدينك الله متى لقيك اي في كل حين وقد تبيد برؤيته وانت لا تستطيع ان تحجب عنه ذاتك لأنه فيك مهما فعلت وهو لا يحتاج الى عرش من ذهب يستوي عليه ليفحصك. لأنه يخشى عليك مصيرك يستبق الدينونة الأخيرة وتعذبك رؤيته ويحل فيك الخوف من عدم انعطافه ويخفي عنك قلبه وقلبه سره الكامل.

الله ديان في كل حين لأن وجهه في كل حين اليك ويريد المحاكمة مرة ومرتين ومرات حتى لا تغنج ولا تتكل على مرات قد لا تعود. هو لا يقبل اجتماع الذهب والمعادن غير الثمينة لأنه يريد الثمين الخالص. وهذا ما سماه هو الكمال وتلمسا للكمال خطوة خطوة رتبت الكنيسة الصيام موسما للتقشف وضبط الرغبات والانقطاع عن استلذاذ الدنيا طلبا للفرح الالهي.

وحتى لا يظن المؤمن انك قادر ان تنكب على الله دون انكبابك على الانسان جعلت محبتك للقريب مقياسا لطاعتك للرب فارتضى المسيح ان يتماهى مع الانسان تماهيا كليا فاذا أحببت هذا تكون أحببت ذاك ولا يفصل في كيانك اللاهوت المتنازل عن الناسوت المتصاعد ليتكامل في نفسك لاهوتك وناسوتك على صورة ما هو الحاصل في المسيح.

اختلاطك بالآخر دنوك من المسيح والآب في الروح القدس لتحل السماء على الأرض بحلول النعمة عليك ولا تقيم الهوة بينك وبين المخلوق الآخر لئلا تتيه. التماسا لهذا التلاقي بين الناسوت واللاهوت اسهر دائما على الانسان الآخر فيحس المسيح انك له.

#    #

#

الى هذا لا تقع في خطيئة الغفلة. لا يحاسبك الرب فقط على ما تقترف ولكنه يحاسبك على الغفلة، على الإهمال. ان لقيت جائعا فاطعمه لأنك تكون قد أطعمت المسيح. وان رأيته عريانا فاكسه اذ تكون قد كسوت المسيح وان لم تفعل تكون قد تركت المخلص عاريا.

إهمال الآخر يستفظعه الرب كاقتراف خطيئة. انتبه دائما الى أخيك ولا ترجئ الانتباه. قد يكون في حاجة اليك في الآن الحاضر وليس في الآن الآتي. هكذا الصوم. لا نصوم اليوم ونهمل صيامنا في الايام المقبلة. شيء من خلاصنا قائم على الاستمرار. ليس من انقطاع بين الصالحات. الدوام على الخير جانب من جوانب المحبة.

ادخل الصيام بإقبال وتجنح وهمة حتى لا تحسب بين الكسالى ولا تدان الهنيهة بعد الهنيهة. السماء، اذ ذاك، تهبط عليك حتى تعلنها القيامة مفتوحة.

Continue reading
2011, مقالات, نشرة رعيتي

الابن الشاطر/ الأحد 20 شباط 2011/ العدد 8

حكى يسوع كثيرًا عن التوبة صراحة. هنا يؤلف حكاية تُصوّر هذا التعليم تصويرا. وتدور الحكاية او المثل هكذا: انسان كان له ابنان، الصغير أراد ان يأخذ مسبقًا حصته من الإرث وأن يفترق عن بيت الأهل، والآخر لم يرد القسمة بل أراد البقاء في البيت. الصغير أخذ كل أمتعته وعاش في بلد بعيد على هواه عائشا في الخلاعة. أنفق كل شيء إذ حدثت في الغربة مجاعة وحاول أن يعيش بمال قليل يجنيه من عمله ولكن كسبه كان قليلا.

فكر بالعودة الى بيت العائلة وأن يقول لأبيه انه ابنه أي أن يعترف بخطاياه. فيما هو غير بعيد عن البيت رآه أبوه. هل كان الرجل على شرفة او على سطح مطلّ على آخر طريق العودة؟ هل انه لم ييأس من عودة ابنه؟ هل كان يتوقّع أن يقع الشاب في خسارة اقتصادية لكونه ذهب لينفق لا ليجمع ثروة؟

«رآه أبوه فتحنّن عليه وأسرع وألقى بنفسه على عنقه وقبّله». لم يوبّخه، لم يلُمه، لم يقل له ان السلوك الحَسن كان أفضل من السلوك السيء. اكتفى بأن يعانقه وان يعطيه الحلة الاولى ويلبسه فقد كان ممزَّق الثياب ككل انسان جاع وما كان عنده ان يشتري ثوبا. وذبح له العجل المُسّمن وقال للخدّام: «ان ابني كان ميتًا فعاش وكان ضالا فوُجد». سمّاه ابنه اي لم يقطع العلاقة به.

وكان في الحاشية غناء ورقص، وتعجب من هذا الابن الذي بقي حرا وغضب لكونه اعتبر ان أباه كان ظالمًا ففصل نفسه روحيا عن العائلة ولم يُرد أن يدخل، وأخذ يُمنن أباه واعتبر نفسه بارّا. كيف يُعامل الأزعر مثل الطاهر؟ كيف يفضّل الولد الساقط على الذي لم يسقط؟ هذا ما كان يدور في فكره. أيكون جزاء الزاني أن يعامل مثل الذي بقي طاهرًا؟

منطق الآب كان منطقًا آخر. البار أُعامله كصاحب البيت. يأكل ويشرب ويتنعم بكل ما في البيت. تنعّم الى الحدّ الأقصى وليس من حقّه أن يُعاقب أخاه. والمال للأب وهو حرّ به. ولم يمنع عن الكبير شيئًا. لم يحرمه شيئًا. العجل المُسمّن له والخاتم والحذاء، وله الحق أن يعطيها كلها لمَن شذّ ومرق.

كان قلب الوالد همّه أن يخلص ابنه المتمرّد وأن يقول له انه لا يزال يحبّه، وأحسّ الوالد بأن ابنه الصغير كان كالميت وسمّاه الإنجيل ميتًا.

هذا المثل الذي سُمّي «مثل الابن الشاطر» في تراثنا هو في الحقيقة، اذا اعتبرنا الولدين، «مثل الوالد الحنون» الذي غفَر للولد المُتمرّد وعامل بالعدل الولد الأكبر. عامل كل واحد بأسلوب ولكن بالمحبّة الواحدة. يسوع جاء ليخلّص الخطأة، وإذا ميّزهم فلكي يحسّوا ويتوبوا ويعودوا الى وجه الآب السماوي.

Continue reading
2011, جريدة النهار, مقالات

الخاطئ / السبت 19 شباط 2011

ان سألت أي انسان عن الخطيئة يجيبك انها تعدي الوصية. يؤتى الجواب من اعتقاده ان الله آمر ناه. هذه صورة الله الشارع والقاضي. والرب هكذا لأنه يواجه الإنسان. بما في الخالق من جوهر وما في الإنسان من جوهر بمعنى انه لا يأمر اعتباطا ولا ينهى اعتباطا ولكنه ينطلق من ذاته ليقول واذا بدا لك قاضيا فلكونه يمدّك بصفات هي فيه. انه يقاضيك لأنه يريدك على صورته، لأنه جعل بينك وبينه مجانسة. انت تخطئ لأنك اخترقت هذه الوحدة الأولى، المنشئة اياك التي جعلها الله شبها بينك وبينه.

في اللغة من أخطأ الطريق عَدَلَ عنه ومن أخطأ الغرض لم يصبه. في المصطلح الديني انت تريد شيئا أمر الله به ولا تفعله او تفعل شيئا لم ترده وانت قاصد هدفًا ولم تبلغه واذا كان الله الهدف ولم تصل اليه او لم تفلح في الوصول اليه فأنت خاطئ او آثم او مذنب لأنك سهوت عن البلوغ. انت اذًا غير منشغل بالله، غير مخطوف اليه. واذا كان حب الله هو القوة للثبات فيه فأنت ما سعيت الى المكث فيه. فلا فرق عندك بين ان تلازمه او تجانبه او لا فرق بين ان تتصل وتنفصل. فاذا قررت الانفصال او ارتضيته تحسب انك قائم بنفسك، ما لك لذاتك. لذلك كان الآثم ملحدا وضح عنده هذا ام لم يتضح. الخطيئة أقسى كثيرا مما نتصوّر. لا تأتي عرضا. هي فعل كينوني في غاية العمق والاجتراء.

الخطيئة قاسية لأن الله يتقبل بالخطيئة صفعة من الانسان اذ يقول هذا لربه بتركيب لفظي او غير تركيب انا الله. كانت العلاقة بينهما قبل سقطة آدم علاقة اشتياق. والله أمين لشوقه. اما الإنسان فانقطع عنده الاشتياق اذ «دخلت الخطئة الى العالم وبالخطيئة الموت» و «خوفا من الموت بتنا جميعا كل حياتنا تحت العبودية» اي اننا نخطئ خشية من الموت ظنا ان ما يحرّك فينا الإثم حياة لا بعدها حياة وكلما تعددت وتنوّعت وجوه الإغراء ننأى عن وجه الله فيمحى او يكاد.

#     #

#

كل إثم غرور لأنه شبع الاستكبار. في كل أحواله قتل للأنا المحبة او تجريح للآخر. الذنوب اذا خرجت تصل الى كل آفاق الكون فيهتز بامتدادها حتى التصدّع. «العالم كله تحت الشرير». والصلاة التي علّمنا اياها يسوع تقول: «نجّنا من الشرير» وكأن الرب يوحي انا في حاجة الى صلاة لا تنقطع حتى لا يسيطر علينا روح الشر ونبقى ملاصقين الرب لنعود الى الوجه الذي انفصلنا عنه بشهواتنا. المشكلة الوحيدة التي تواجهنا هي مشكلة الخطيئة. ليس المرض ولا الفقر ولا الاضطهاد شيئا تجاه وطأة ذنوبنا علينا.

ما يلفت في الإنسان الخاطئ تماسك الشهوات حسب طبيعتها فالحسد والغيرة والبغض والغضب انما هي اصول لذنوب متشابهة بحيث ان الواقع في ذنب من هذه الذنوب ينجر الى أخرى متلازمة. شهوة الشراهة ملتحمة بما هو قريب منها في الجسد بحيث ان من أخطأ الى جسده بتعبير ما يخطئ اليه بتعبير آخر. من هذا المنظار امكن القول ان الخاطئ كتلة من الخطايا او صار خطيئة.

كذلك الفضائل متماسكة فاللطف والوداعة والتواضع متلاحمة ويصعب الانفكاك الواحدة دون الانفكاك عن الأخرى واذا قوى الانسان الروحاني حسنة واحدة فيه يقوي الأخرى تشدد القوى الروحية مجتمعة قد يأتي من شدة فضيلة واحدة.

هذا قد يقود الى مسؤوليتنا في تقوية الإرادة. فيما تقرأه عند الآباء. النساك لا نرى تشديدا على ما يسمى الإرادة كما نرى ذلك في الإرشاد العصري. نرى كلاما على الجهاد الروحي اي تقديس الروح بالصلاة وقراءة الكلمة.

الإلهية والصيام اذ القضية عودة وجوهنا الى وجه الآب بعد ان تحولنا عنه. ما نفتش عنه هو تجديد الكيان البشري كله بالكيان الإلهي. فالصوم مثلا يوجّهنا الى التسامي عن الشراهة وتاليا عما يتعلّق بشهوة الجسد وعشقنا للمال المتصل بشهوات عديدة نبتعد عنه بالكرم ومحبة الفقراء.

هذه الفضائل تعود اليك اذا كشف الله وجهه اليك. وضم كيانك كله اليك وأنزل عليك جمالاته مجتمعة فتكون فيك مجتمعة اي يصير كيانك شبيها بكيان الله.

#     #

#

هنا تعترضنا فكرة الندم. التوبة اقوى من الندم او من الحسرة اذ لا ينبغي ان نفكر كثيرا في ما مضى الحزن الشديد على الخطيئة اذا مضت والتركيز عليه كثيرا يعيدنا الى الخطيئة. اما التوبة الحقيقيّة فهي انطلاقة دائمة نحو وجه الله ونقاوته من جهة ونحو المستقبل الذي نطلب ان نتجدد فيه بالنعمة.

التوبة التي هي تجديد فكرنا وقيمنا تجعل لنا سلوكا قويمًا يهبط علينا من علُ. سرها قول الرسول: «صلّوا بلا انقطاع» اي استردوا افكاركم الى الله بتبني فكر المسيح وهذا يحصل باكتساب الكلمة واستنزالها وعودتها الى الرب بكلماتنا التي يضعها فينا بالروح القدس.

المبتغى الا نصالح الخطيئة، اي خطيئة من اي فئة. ان نبقى يقظين لئلا يتسرب الينا ضعف. كل شيء ما عدا بهاء الله استعداد للضعفات اذا اخذنا هذا المجد نكون ذائقين لبر الملكوت منذ الآن وقائمين في الفرح.

Continue reading
2011, مقالات, نشرة رعيتي

الفرّيسيّ والعشّار/ الأحد 13 شباط 2011/ العدد 7

عندما يحلّ هذا الأحد نحسّ أننا نقترب من الصيام. فهذا اليوم يدشّن موسم التريودي الذي هو كتاب يحتوي على نصوص الأناجيل التي تسبق الصيام حتى ينتهي الكتاب هذا بما يُدخلنا الى الفصح.

المشهد أن إنسانَين صعدا الى هيكل أورشليم ليصلّيا، أحدهما فرّيسيّ والآخر عشّار. ذكرنا هنا كثيرا الفرّيسيين الذين هم حزب دينيّ متشدد في الحفاظ على الشريعة وأضاف عليها أحكامًا لم تردْ في الشريعة. واصطدم مع هذا الحزب الرب يسوع مرات عديدة لكونهم مرائين. لم يكن المخلّص ضد مواقفهم اللاهوتية ولا سيما أنهم يُجارون المسيح لأنه هو وهم يعلمون القيامة، وغيرهم من اليهود لا يؤمنون بالقيامة. كان المعلّم ضد سلوكهم وكبريائهم.

الشخص الآخر كان عشّارا أي جابي ضرائب للرومان، والعشّارون كانوا معروفين سلوكيا أنهم يسرقون منها ولا يدفعون الأموال كلها للسلطات.

الفرّيسي يتكبّر على العشّار ويتّهمه بالفسق والظلم، ويفتخر بأنه يصوم مرتين في الأسبوع مع ان ناموس موسى لم يكن يتطلّب هذا، ويفتخر بأنه يُعشّر كل ما هو له مع أن المواد البسيطة كالخضار والفاكهة لم يكن مطلوبا تعشيرها.

إزاء هذا، يقف العشّار الخاطئ وعيناه الى الأرض، ويبستغفر إذ يقول: «أللهمّ ارحمني انا الخاطئ».

هذا مَثَل إنجيليّ أي إنه حكاية حكاها يسوع ليعطي اليهود درسا فيقول ان العشّار ترك الهيكل مبرّرا أمام الله وذاك لم يكن، حتى يصل الى القول: «من رفع نفسه اتّضع ومن وضع نفسه ارتفع».

نبدأ اذًا في هذا الأحد الممهّد للصيام بدرس في التواضع. ليس للصيام من قيمة بلا تواضع. لا يفتخر أحد بصيامه. يفتخر بالرحمة التي تنزل عليه من الله وتغفر له خطاياه. فلا يفتخرنّ أحد بأي عمل من أعماله لأننا كما يقول باسيليوس الكبير في قدّاسه «لم نصنع شيئا صالحا أمام الله».

لقد قال بولس الرسول: «من اعتبر نفسه شيئا فهو لا شيء». الله وحده يرفعنا ونحن على مستوى الأرض. يرفعنا بمحبته وغفرانه. من حسب نفسه كلا شيء يجعله ربه شيئا. وقد علّمنا المخلّص هذا بإصرار لمّا قال: «تعلّموا مني اني وديع ومتواضع القلب». المطلوب سلاسة العلاقات مع الناس، لطف التعامل بحيث لا نجرح أحدًا ولا نُحزن أحدًا وبالمحبة نُفرح الآخرين وذلك في كل حين.

فلنتّخذ الصيام المقبل موسم رجوع الى الله، رجوع عميق من كل جوارح قلوبنا حتى لا يسكن هذا القلب إلا الآب والابن والروح القدس، فنشاهد الثالثوث ساكنا في قلوبنا في الأسبوع العظيم والفصح.

Continue reading
2011, جريدة النهار, مقالات

غيرك / السبت 12 شباط 2011

كل سياسة احتمال خصومة. كل تكتل مجتمعي يحمل بذرة سياسة. الكتل إبراز بشر اي إبراز للدنيا والدنيا وما فيها الى فناء. والنظام الطوائفي هو بحد نفسه تهيؤ لصدامات لأنه يعني الأنا في ديمومتها تجاه الأنا الأخرى وقد تنتهي مقابلة الأنا السياسية بالأنا الأخرى اذا سقط حائط العداوة بالحب.

التاريخ وظلمه يفرزان رؤية عندك للكتل الأخرى لأن الجماعات تقرأ نفسها والأخرى من إحساس مجروح اوجامع وتفخر فتتشنج او تسترخي حتى المحضونية وتتمايز فتغنج فتتسلط. كل لعبة التصدي او الذوبان لا مهرب منهما ليستقيم وجه التلاقي بين الناس على صورة من الصور.

في بلدنا نقرأ الآخر من تاريخنا المشترك او الزمن الذي تريده في الآتي وقد تأتي قراءة الآتي مما نشتهيه وفق العلاقات التي ورثنا او التي نريدها. نقرر المستقبل حتى مشتهانا في الحاضر وصورة المستقبلات هي ما ينفعنا اليوم، ما يعززنا. كل تعزيز لفريق لا بد أن يؤذي الآخر او ينتقص شأنه او يحجم ماضيه. لا بد من انثلام في وقت ذهب من اجل الافتخار اليوم وبلا افتخار تتوحد بالآخرين.

من الصعب جدا ألا يكون عند اللبناني رأي في الطوائف ذات الأهمية السياسية لأنه يريد مصيرا لنفسه وسط  هذه الجماعات . اي لأن لهذه الجماعات وزنا في تقرير مصيره فمنها يأتي وزنه ولذلك يريد  ان يعرف وزنها ازاءه وفي الكتلة الوطنية كلها. خطر التحليل لرؤى الطوائف الأخرى انه غالبا ما أتى من المؤرخين وعلماء الاجتماع حصرا فيرى مثلا المؤرخ كمال الصليبي ان استعلاء الروم الأرثوذكس على الموارنة هو التعبير عن ان اهل المدن او التجار يحسون انهم اعلى من المزارعين. هذا اولا تجاهل لكون المزارعين الكبار بينهم اغنياء كثر. المجموعات المسيحية كلها فيها عدد من الفلاحين والأهم من هذا كله ان الدكتور الصليبي يرى التعصّب في فريق واحد والأخطر من كل هذا ان هذا المؤرخ البارز لا يرى الحشو الكاثوليكي في عقول الذين انضموا الى الكرسي البابوي  من مسيحيي الشرق.

#      #

#

التكثيف العقدي يكفي وحده احيانا لفهم ظواهر التشدد في هذه الطائفة او تلك.

مع تقدم الحركة المسكونية اعني حركة التقارب الروحي بين المسيحيين وهي لا علاقة لها بالوضع السياسي نرى ان ما سمي استعلاء طائفة على طائفة صار باطلا لأن الاتحاد بالمسيح طغى على كل اعتبار والوحدة باتت حسا عالميا والشعب العادي لا يفهم لماذا يستمر هذا الانقسام وهو لم يشارك فيه.

ان هذا التلاحم الرعائي هو النظام وهو ليس موجها ضد احد وهو ليس تلازما بين قبائل وقبائل ويفرح كل المسيحيين بالبهاء الطقوسي والالتماع اللاهوتي عند مسيحيين آخرين والعالمون الأعماق يسعون الى ما هو اعمق حتى يمنحنا الله الانصهار الكامل.

واذا نظرنا الى تقارب الروم الكاثوليك والروم الأرثوذكس ناهيك عن اللحمة شبه الكاملة مع الإخوة السريان يتبيّن ان الكثير من المجد قد أطل علينا جميعا حتى يجمعنا الله في نعمته الكاملة.

اذًا ما جرى في الصف المسيحي على الصعيد الروحي حطم الحواجز التاريخية وأنهى التعليل السوسيولوجي ليظهر ان روح الرب لا يحتاج فعله الى عوامل تاريخية لأن النعمة فاعلة بحد نفسها.

والنعمة تخترق جميع المجموعات الدينية اذا كشف الله مشيئته وهو غير مقيد بنصوص. بكلام آخر لا بد ان تبطل رؤية المسيحيين للمسلمين والمسلمين للمسيحيين  على انه لا اختراق روحيا بينهم. وهذا يبدأ بالبسيط. بتنقية كل واحد منا من الأفكار المسبقة عن الجماعة الأخرى بدءًا من تطهر الذاكرة الجماعية. لا ينفع مثلا ان نذكر ما فعله المماليك بالمسيحيين . انهم لقد  أبغضوا الشيعة بالزخم الواحد. وينفع كثيرا ان نفرح بالفن المملوكي العالي. اخطأ البشر كثيرا ونخترق بروح الله الساكن فينا ما افسده البشر. لا نحمل السنة وزر المماليك او وزر العثمانيين كما لا نحمل المسيحيين المشارقة وزر حروب الافرنج. لا معايشة بلا غفران ولا حاضر  اذا تذكرنا معاصي آبائنا.

لن نعرف قوة الغفران الإلهي فينا اذا استمررنا ان نقول عن الدرزي هذه طبائعه والسني هكذا الخ… لا شيء يتجمد في الزمان ولا شيء يدل على ان طبعك يتجمّد بسبب من عقيدة. بدل رأيك في انسان لا مسته النعمة واخرجته من تصوراتك لجماعته. بعض من جماعته يصبح مقرا لله. صورة الجماعة التاريخية تنكسر  احيانا وتتخالط الجماعات تخالطا روحيا اذا أراد لها عمادة بالروح لا بالماء.

الوطن له ان يصبح  جماعة جديدة لا ترث الماضي او ترثه قليلا. الوطن يمكن  ان يتجلى.

التجلي في العلاقات الشخصية حاصل كثيرا. هذا يعني ان نقتنع بقيم واحدة لجميع الناس. اجل كل القيم موحاة من التراثات الدينية. ليست القيم قائمة بالقوة نفسها في كل الديانات ولكنها تعلمنت جيلا بعد جيل . ما من شك ان تعدد الدين موروث قرآني بمعنى ان الله يريد هذا التعدد. انت لك ان تعيد المسلم الى فكرة التعدد ولو لم يمارسها بقوة في حالة سيطرته على الحكم.

على هذا المثال، فلسفة الثورة الفرنسية التي قامت ضد الكنيسة الكاثوليكية في تبنيها للحرية والمساواة والعدالة. هذه الكلمات جاءت مباشرة من الانجيل ولو تجاهلها التاريخ المسيحي كثيرا. انت تتخذها ايا كان مصدرها. طبيعي ان تتعلمن القيم بسبب من الفتور الديني او هبوط المستوى الكنسي.

تنشأ، اذ ذاك، عندك مجتمعات مدنية في ظاهرها التعبيري ناشئة من ايحاء ديني وتبقى الجماعات الدينية على أصولها ونظامها وهيكلياتها ولك ان تقرأ النص الديني كما تشاء وان تتقبل فقهه كما تشاء.

الواقع ان هناك فروقا بين الأديان كبيرة وانها تترجم في الطبائع والعقليات وتفاصيل معايشة. مع ذلك هناك تحرك نحو عقليات متشابهة ذات طابع مدني تقرب بين المواطنين بينها مباينات. هناك شبكة سلوكيات تنتج وضعا موحدًا او شبه موحد تتم فيها اختراقات مجتمعات صغيرة لمجتمعات أخرى في حلم مجتمع يربط الجميع.

Continue reading
2011, مقالات, نشرة رعيتي

المؤمن هيكل الله/ الأحد 6 شباط 2011/ العدد 6

بولس يتخطّى هيكل أورشليم الحجريّ كما تخطّاه سيّده، ويُعلّم أهل كورنثوس أنهم هُم (بالمعمودية والأسرار والإيمان وكل ما جاء به العهد الجديد) هيكل حيّ لله. وبنى كلامه ليس خروجا على العهد القديم ولكن تأسيسا عليه بواسطة ربنا يسوع المسيح (راجع مثلا حزقيال 37: 27 و إرميا 25: 11).

«سأَسكُنُ فيهم وأَسيرُ في ما بينهم» تُشير الى خروج الشعب من مصر بقيادة موسى، ولكن القائد الحقيقي هو الله الذي يجعل شعبه يعبُر بريّة سيناء الى أرض الكنعانيين (فلسطين). هذا بصيغة المستقبل. ولكن السكن الحقيقي لله فينا وسيره معنا ليس انتقالا من مكان الى مكان ولكن من حالة عبودية الخطيئة الى حالة البِرّ بيسوع المسيح.

أما قوله للعبرانيين قديما «اخرُجوا من بينهم» فإلى أين؟ لا تعني طبعا ابنوا مملكة سياسية بإخراج كل الأجانب. هذا غير ممكن عمليّا. هو الانفصال من أعمالهم. ابنوا جماعة مؤمنة هي الكنيسة التي بطبيعتها هي منتشرة في كل العالم ومدعوّة الى الانتشار بسبب قوله: «اذهبوا وتلمِذوا كل الأمم». سوف تتميّزون بمحبتكم لأبناء الكنيسة ولغير أبنائها. قلت ستتميّزون لأن المحبة هي الرُكن الوحيد للأخلاق المسيحية. أنتم في حالة تجدّد دائم.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، اذا كان المخلّص قال صراحة اننا هيكل حيّ لله، لماذا نبني نحن معابد؟ تاريخيا لم تعرف المسيحية معابد في القرنين الأولين لأن المؤمنين كانوا يجتمعون في مكان واحد في كل قرية او حيّ في المدينة ويُقيمون القداس فيه. وأوّل كنيسة مبنيّة كنيسة كانت في صور. فكرة تكريس الكنائس جاءت متأخرة. قدسيّة الكنيسة هي بالإنجيل الذي يُقرأ فيها فيصير هذا المكان مكان منبر لكلمة الله، ولهذا يصير الوعظ أساسيا لتفسير كلمة الله او نقلها الى المؤمنين. والقدسيّة ناتجة ثانية من القداس الإلهي وبقية الأسرار.

واقع كنائسنا أنها قاعات كبيرة اضطرّت اليها الجماعة لتكون معا. أن نكون معا يوم القيامة اي الأحد، هذا هو المبتغى لنكون قياميين.

بعد هذا دلّ الواقع على أن الحيّ الكبير يحتاج الى كنيسة، ويستحيل على المؤمنين أن يجتمعوا كلهم في الكاتدرائية. أحيانا تُشاد كنيسة لا لحاجة عدد من المؤمنين ولكن بسبب تقوى إنسان ميسور يريد كنيسة على اسم شفيعه. هذا معروف في هذه الأبرشية.

إنّ كنائسنا وجمالها لا ينبغي أن يُنسينا أننا نحن البشر كنيسة المسيح أولاً. في الاتحاد السوفياتي قبل انهياره، في العشرينات، كانت أربع كنائس حتى وصلت الى ما يقارب العشر على عهد خروتشوف، وبقي الأرثوذكس موجودين. من يهتم أن يكون هو عضوا حيا في جسد المسيح، حاملا الإنجيل في عقله وقلبه ومتحدثا بالإنجيل؟ إن لم نكن معا ومتحركين معا بالكلمة، تكون عندنا معابد حجرية لا كنائس.

Continue reading
2011, جريدة النهار, مقالات

المريض / السبت 5 شباط 2011

المرض ان لم يصبح موطن كشف يبقى تلفا في الكيان. غير ان له ان يفصح على انه طاقة انتقال من الانحدار الى لقاء الرحمة فتعرف ان ما بقي فيك معطى لأن فيك ما يقر وفيك ما يذهب وانت في انتظار. هذا نعيم الاسترحام وليس عذاب الحيرة. ولا تسترحم الا بعد ان يرحمك العلي. وهذا اخذ منه وقبول من لديك ليقوى التوق اليه.

ان كنت تؤمن بالنعمة ترى كل شيء. فيما انت تطلب الصحة تكافح لاستعادتها لاحتسابك انها علامة السلامة. ولكن السلامة ليست فقط عافية الجسد. بدءًا ما نستطيع تأكيده هو ان ثمة دائما تلفا ما يمكث ظواهر فينا وخفايا حتى يضع الله عليك قبضته كلها.. لذلك كانت علاقته بهذا المريض تختلف عن علاقته بذاك لأن التلف ليس واحدا عند الكل ما يلون عطف الله تلاوين مختلفة وقد يكشف هذا للسقيم فرادة الصلة بينه وبين ربه ومع هذا نعرف اننا قادرون برضاه ان نتلقى جميعا رحمته العظمى.

هبوط القوى محنة قد تصبح أزمة. وذلك ان الانسان يطلب الحياة كما عرف عنها. ما الحياة حقا؟ هناك حادثة شفاء في الإنجيل اذ أتي الى يسوع بمشلول والحاملون المشلول انتظروا من السيد الشفاء. هذه كانت فقط رغبتهم. للوهلة الاولى لم يكترث المسيح لهذه الرغبة فقال للمخلع: «مغفورة لك خطاياك». هل كان حاملو المريض في واد ويسوع في واد. هم يريدون شفاء بدن. وهو يريد شفاء كيان واسترجاع الكيان الساقط يكون بالتوبة. يكون المرض شيئا مباركا اذا قادك الى التوبة.

# #

#

يمكن ان تكون الوعكة معراجا الى تأمل الوجه الإلهي. هناك سلامتان: سلامة صغرى وسلامة كبرى. اما الصغرى فمرتكزة على ان معظمنا يحس ان الجودة في خلونا من آذى الجسد لأنه هو ما يبدو مكان الوجود. والوجود معطى من فوق. وما بدا خللا فليس من فوق فتحسه وكأنه من عالم الشر. واذا سألت احدا عن صحته وأجابك في صدق عميق انا في خير فاعلم انه يعيش امام الحضرة وانه دنا من قرباها دنوًا كبيرا في بعض من الأحايين. انت ترى بنور الله او ترى بنورك هذا هو وحده الموضوع.

ليس كل مرض افتقادا إلهيا. من حصل على هذا الافتقاد جعلته خبرته -او ما سميت كذلك- في طريق القداسة ولو الى حين. من هنا ينزل علينا دعاء من اشتاقوا الارتقاء حتى لا يبقى الوجود بدنا اذ المهم ان تأخذه الروح المتقدسة لتقيمه في الكيان.

للمريض شرف في الانجيل عظيم اذ يقول يسوع: «كنت مريضًا فعدتموني» كما قال «كنت جائعا فأطعمتوني». ليفيد انه لابس كل من أصيب، مندمجا به. هذا المرمي على فراش الألم ليس وحده مصلوبا. رفيقه هذا الذي الذي شُلح على الخشبة وسُحق تحت أقدام البشرية الظالمة وكأن الناصري يقول لكل من هوت صحته: انا معك لأرفعك الى الأقداس، لأشدك الى روحي، لتصبح شيئا غير البدن المبتلى، مقيما في الاسترحام لتسلك درب القيامات حتى تكتمل قيامتك في يوم يعينه الله بحكمته اذ ينزل عليك نعمة الموت لتنفتح فيه النوافذ الى النور. هذا وحده يضع حدا لنفاء الصبر. لا يزول التمرد حتى نقول للآب: «لتكن مشيئتك». اذ ذاك، يقيم الروح القدس في كل ثنايا قلبك ويبدأ الفهم.

الألوف المؤلفة من المرضى في العالم تحملك آلامهم ان انت بت واحدا منهم لأنهم واحد في الابتلاء والكثر منهم واحد في الشفاعة لأن الله مع المسكورين. انهم الممتازون في امة الله والمختارون في حبه. الذين مرضوا وصابروا وجاهدوا فزادهم الله حبا له هؤلاء يعدهم للمجد اذ لا شفاء قبل بلوغنا السماء.

في هذه الرؤية لا معنى للسؤال لماذا وقعت. اثناء المحنة وعند استعادة العافية بمعناها التقديسي تدرك كيف مارسك الله وكيف اتحد بك وانت في ما حسبته الهاوية ولم يكن من هاوية.

#    #

#

كل انسان مريض النفس ومنذ مولده ينتظر المعطوبية. هذه التي تتسم يها طبيعتنا في جانبها الجسدي والمعنوي لأنك في العطب تنمو في طريقك الى الموت. المعطوبية في يومياتنا تعني الهشاشة. هنيئا لمن اعتبر نفسه هشا. ربما كان في ذلك عبرة تواضع او أمثولة معرفة نتدبر فيها أمورنا فننجح ونخفق في حدود المحسوس.

اذا نظرت الى الانسان كاملا أراه مجروح النفس الى جانب هزالة البدن. بنكتة «مهضومة» قال لي أحدهم: «كلنا مجنون بدءا من نسبة ثلاثة بالمئة. ولما قرأت التحليل النفسي فهمت ان ليس من امرئ يخلو مما يسمى العصاب névrose. انت قبل الخامسة ان كنت ذكرا تتعلق بأمك في عقلك الباطن تعلقا يراه فرويد مرضيا اذ تنشأ مع عقدة او في عقدة ويؤثر هذا فيك طوال حياتك. معنى ذلك ان ليس من انسان سليم على صعيد النفس. عقدتك تبدو للعارفين الآخرون يحسبونك سليما ولكنك لست بسليم. الدنيا اذًا مصح مختلين وعلينا ان نتعايش ونحن جميعا على اختلال بطريقة او بأخرى.

هذه الانسانية المجروحة بلا استثناء واحد هي بشريتنا التي نحب على محدوديتها وسقطاتها ودموعها. بالعلم، بالطبابة وبخاصة بالتضحيات والتكريس لنا ان نصير الى أحوال أفضل والمهم في البذل ان نقدم أنفسنا اولا لفقراء المرضى المتروكين في بلدان كثيرة وغير المضمونين والمحرومين الدواء.

البشرية اذًا في حالة استشفاء دائم وفي حالة صلاة ان بقيت على الرجاء. المستقوون بالرب يرعون الضعاف فيشتد المعطي والمعطى. في هذا النضال لن ننسى اخوتنا المجانين والمعوقين النفسانيين الموعودين بالشفاء احيانا ولكنهم لا يعرفون انهم واحد في الأصل.

المهم الا ينقبض الموصَب ليبقى في وضع العطاء لأقرانه والمدعوين أصحاء ليتم اكتمال البشرية. بصلاتها وحبها. ان ازدياد الأتعاب فيها لا يعني بالضرورة انتقاص وجود. تدهور البشرة ليس بشيء. انفراط الكيان هو وحده المصيبة. الموت نفسه ليس الكارثة. هو انحجاب وجود اذ النهاية القيامة من بين الأموات وبها التعزيات أثناء فتك المرض حتى هذا الذي يتراءى لك فيه الموت. المفاضلة ليست بين جياة وموت. انها الخيار بين انقباض الكيان وانتشاره حتى يصير الله كل شيء فيك. فتعليه فتعلو به. ولا تبلغ هذا المقام الا اذا عاونك الفقراء والمرضى وهم اخوة يسوع الصغار.

#     #

#

لماذا اهتم يسوع بالمرضى ذلك الاهتمام البالغ الذي يضطرك الى وصفه بشرا مبشرا ومقترف عجائب وكأن الكتاب يقول تعريفا عن خدمته الشاملة: «وكان يسير في الجليل كله، يعلّم في مجامعهم ويعلن بشارة الملكوت، ويشفي الشعب من كل مرض وعلة فشاع ذكره في سورية كلها، فجاؤوا بجميع المرضى المصابين بمختلف الأمراض والاوجاع من الممسوسين والذين يُصرعون في رأس الهلال والمقعدين فشفاهم» (متى 4: 23و24).

ما كان دافع يسوع الى اقتراف المعجزات؟ «ورأى الجموع فأخذته الشفقة عليهم، لأنهم كانوا تعبين رازحين، كغنم لا راعي لها» (متى 9: 35و36).

انت تتقبل الحنان الإلهي في حالة التدهور الصحي وحالة النهوض لأن المهم احساسك بمرافقة المخلص اياك. همك ان تعرف اذا جاد الله عليك بالافتقاد وآتاك بالقربى كل شيء غير قرباه هو من هذا العالم.

هل حلت القربى، ربك يعرف. المؤمن ينتظر الدينونة. ايمانه الا يدان. اكثر من ذلك. ايمانه الا يستحضر الى المحكمة خشية ان يدان لأن حياته ان يُجعل في الحضرة اذ يقبل لومها ويخشى إماتتها. لذلك يصلي.

كل هذه الخواطر تعبر المريض. قد لا يكون السليم في مثل هذه المواجهة فيظن نفسه مرتاحا. هل يحمل المرضى نعمة التفكر اي نعمة الجدية؟ ماذا تعني «لا تدخلنا في التجربة»؟

ما من شك ان الضعف الجسدي ان كان شديدا يضعنا امام خوف الموت. هذا الذي خافه المسيح نفسه. الموت جدي وانا عرفت من لا يخشاه من اولئك الذين آمنوا بقيامة يسوع.

متى تقيمنا يا سيد من وطأة الخوف؟

Continue reading