المرض ان لم يصبح موطن كشف يبقى تلفا في الكيان. غير ان له ان يفصح على انه طاقة انتقال من الانحدار الى لقاء الرحمة فتعرف ان ما بقي فيك معطى لأن فيك ما يقر وفيك ما يذهب وانت في انتظار. هذا نعيم الاسترحام وليس عذاب الحيرة. ولا تسترحم الا بعد ان يرحمك العلي. وهذا اخذ منه وقبول من لديك ليقوى التوق اليه.
ان كنت تؤمن بالنعمة ترى كل شيء. فيما انت تطلب الصحة تكافح لاستعادتها لاحتسابك انها علامة السلامة. ولكن السلامة ليست فقط عافية الجسد. بدءًا ما نستطيع تأكيده هو ان ثمة دائما تلفا ما يمكث ظواهر فينا وخفايا حتى يضع الله عليك قبضته كلها.. لذلك كانت علاقته بهذا المريض تختلف عن علاقته بذاك لأن التلف ليس واحدا عند الكل ما يلون عطف الله تلاوين مختلفة وقد يكشف هذا للسقيم فرادة الصلة بينه وبين ربه ومع هذا نعرف اننا قادرون برضاه ان نتلقى جميعا رحمته العظمى.
هبوط القوى محنة قد تصبح أزمة. وذلك ان الانسان يطلب الحياة كما عرف عنها. ما الحياة حقا؟ هناك حادثة شفاء في الإنجيل اذ أتي الى يسوع بمشلول والحاملون المشلول انتظروا من السيد الشفاء. هذه كانت فقط رغبتهم. للوهلة الاولى لم يكترث المسيح لهذه الرغبة فقال للمخلع: «مغفورة لك خطاياك». هل كان حاملو المريض في واد ويسوع في واد. هم يريدون شفاء بدن. وهو يريد شفاء كيان واسترجاع الكيان الساقط يكون بالتوبة. يكون المرض شيئا مباركا اذا قادك الى التوبة.
# #
#
يمكن ان تكون الوعكة معراجا الى تأمل الوجه الإلهي. هناك سلامتان: سلامة صغرى وسلامة كبرى. اما الصغرى فمرتكزة على ان معظمنا يحس ان الجودة في خلونا من آذى الجسد لأنه هو ما يبدو مكان الوجود. والوجود معطى من فوق. وما بدا خللا فليس من فوق فتحسه وكأنه من عالم الشر. واذا سألت احدا عن صحته وأجابك في صدق عميق انا في خير فاعلم انه يعيش امام الحضرة وانه دنا من قرباها دنوًا كبيرا في بعض من الأحايين. انت ترى بنور الله او ترى بنورك هذا هو وحده الموضوع.
ليس كل مرض افتقادا إلهيا. من حصل على هذا الافتقاد جعلته خبرته -او ما سميت كذلك- في طريق القداسة ولو الى حين. من هنا ينزل علينا دعاء من اشتاقوا الارتقاء حتى لا يبقى الوجود بدنا اذ المهم ان تأخذه الروح المتقدسة لتقيمه في الكيان.
للمريض شرف في الانجيل عظيم اذ يقول يسوع: «كنت مريضًا فعدتموني» كما قال «كنت جائعا فأطعمتوني». ليفيد انه لابس كل من أصيب، مندمجا به. هذا المرمي على فراش الألم ليس وحده مصلوبا. رفيقه هذا الذي الذي شُلح على الخشبة وسُحق تحت أقدام البشرية الظالمة وكأن الناصري يقول لكل من هوت صحته: انا معك لأرفعك الى الأقداس، لأشدك الى روحي، لتصبح شيئا غير البدن المبتلى، مقيما في الاسترحام لتسلك درب القيامات حتى تكتمل قيامتك في يوم يعينه الله بحكمته اذ ينزل عليك نعمة الموت لتنفتح فيه النوافذ الى النور. هذا وحده يضع حدا لنفاء الصبر. لا يزول التمرد حتى نقول للآب: «لتكن مشيئتك». اذ ذاك، يقيم الروح القدس في كل ثنايا قلبك ويبدأ الفهم.
الألوف المؤلفة من المرضى في العالم تحملك آلامهم ان انت بت واحدا منهم لأنهم واحد في الابتلاء والكثر منهم واحد في الشفاعة لأن الله مع المسكورين. انهم الممتازون في امة الله والمختارون في حبه. الذين مرضوا وصابروا وجاهدوا فزادهم الله حبا له هؤلاء يعدهم للمجد اذ لا شفاء قبل بلوغنا السماء.
في هذه الرؤية لا معنى للسؤال لماذا وقعت. اثناء المحنة وعند استعادة العافية بمعناها التقديسي تدرك كيف مارسك الله وكيف اتحد بك وانت في ما حسبته الهاوية ولم يكن من هاوية.
# #
#
كل انسان مريض النفس ومنذ مولده ينتظر المعطوبية. هذه التي تتسم يها طبيعتنا في جانبها الجسدي والمعنوي لأنك في العطب تنمو في طريقك الى الموت. المعطوبية في يومياتنا تعني الهشاشة. هنيئا لمن اعتبر نفسه هشا. ربما كان في ذلك عبرة تواضع او أمثولة معرفة نتدبر فيها أمورنا فننجح ونخفق في حدود المحسوس.
اذا نظرت الى الانسان كاملا أراه مجروح النفس الى جانب هزالة البدن. بنكتة «مهضومة» قال لي أحدهم: «كلنا مجنون بدءا من نسبة ثلاثة بالمئة. ولما قرأت التحليل النفسي فهمت ان ليس من امرئ يخلو مما يسمى العصاب névrose. انت قبل الخامسة ان كنت ذكرا تتعلق بأمك في عقلك الباطن تعلقا يراه فرويد مرضيا اذ تنشأ مع عقدة او في عقدة ويؤثر هذا فيك طوال حياتك. معنى ذلك ان ليس من انسان سليم على صعيد النفس. عقدتك تبدو للعارفين الآخرون يحسبونك سليما ولكنك لست بسليم. الدنيا اذًا مصح مختلين وعلينا ان نتعايش ونحن جميعا على اختلال بطريقة او بأخرى.
هذه الانسانية المجروحة بلا استثناء واحد هي بشريتنا التي نحب على محدوديتها وسقطاتها ودموعها. بالعلم، بالطبابة وبخاصة بالتضحيات والتكريس لنا ان نصير الى أحوال أفضل والمهم في البذل ان نقدم أنفسنا اولا لفقراء المرضى المتروكين في بلدان كثيرة وغير المضمونين والمحرومين الدواء.
البشرية اذًا في حالة استشفاء دائم وفي حالة صلاة ان بقيت على الرجاء. المستقوون بالرب يرعون الضعاف فيشتد المعطي والمعطى. في هذا النضال لن ننسى اخوتنا المجانين والمعوقين النفسانيين الموعودين بالشفاء احيانا ولكنهم لا يعرفون انهم واحد في الأصل.
المهم الا ينقبض الموصَب ليبقى في وضع العطاء لأقرانه والمدعوين أصحاء ليتم اكتمال البشرية. بصلاتها وحبها. ان ازدياد الأتعاب فيها لا يعني بالضرورة انتقاص وجود. تدهور البشرة ليس بشيء. انفراط الكيان هو وحده المصيبة. الموت نفسه ليس الكارثة. هو انحجاب وجود اذ النهاية القيامة من بين الأموات وبها التعزيات أثناء فتك المرض حتى هذا الذي يتراءى لك فيه الموت. المفاضلة ليست بين جياة وموت. انها الخيار بين انقباض الكيان وانتشاره حتى يصير الله كل شيء فيك. فتعليه فتعلو به. ولا تبلغ هذا المقام الا اذا عاونك الفقراء والمرضى وهم اخوة يسوع الصغار.
# #
#
لماذا اهتم يسوع بالمرضى ذلك الاهتمام البالغ الذي يضطرك الى وصفه بشرا مبشرا ومقترف عجائب وكأن الكتاب يقول تعريفا عن خدمته الشاملة: «وكان يسير في الجليل كله، يعلّم في مجامعهم ويعلن بشارة الملكوت، ويشفي الشعب من كل مرض وعلة فشاع ذكره في سورية كلها، فجاؤوا بجميع المرضى المصابين بمختلف الأمراض والاوجاع من الممسوسين والذين يُصرعون في رأس الهلال والمقعدين فشفاهم» (متى 4: 23و24).
ما كان دافع يسوع الى اقتراف المعجزات؟ «ورأى الجموع فأخذته الشفقة عليهم، لأنهم كانوا تعبين رازحين، كغنم لا راعي لها» (متى 9: 35و36).
انت تتقبل الحنان الإلهي في حالة التدهور الصحي وحالة النهوض لأن المهم احساسك بمرافقة المخلص اياك. همك ان تعرف اذا جاد الله عليك بالافتقاد وآتاك بالقربى كل شيء غير قرباه هو من هذا العالم.
هل حلت القربى، ربك يعرف. المؤمن ينتظر الدينونة. ايمانه الا يدان. اكثر من ذلك. ايمانه الا يستحضر الى المحكمة خشية ان يدان لأن حياته ان يُجعل في الحضرة اذ يقبل لومها ويخشى إماتتها. لذلك يصلي.
كل هذه الخواطر تعبر المريض. قد لا يكون السليم في مثل هذه المواجهة فيظن نفسه مرتاحا. هل يحمل المرضى نعمة التفكر اي نعمة الجدية؟ ماذا تعني «لا تدخلنا في التجربة»؟
ما من شك ان الضعف الجسدي ان كان شديدا يضعنا امام خوف الموت. هذا الذي خافه المسيح نفسه. الموت جدي وانا عرفت من لا يخشاه من اولئك الذين آمنوا بقيامة يسوع.
متى تقيمنا يا سيد من وطأة الخوف؟
Continue reading