Monthly Archives

February 2008

2008, مقالات, نشرة رعيتي

موت وقيامة/ الأحد 24 شباط 2008/ العدد 8

في رسالة اليوم الممهدة للقراءة الإنجيلية عن الابن الشاطر حديث جدليّ عن الابن الشاطر الذي مات في الخطيئة ثم عاد الى أبيه الذي هو صورة عن الآب السماوي. هنا يجعل بولس تناقضًا بين الظلمة التي كنا عليها والنور الذي أشرق من المسيح في قلوبنا ليؤهّلنا لرؤية «مجد الله في وجه يسوع المسيح» اي انك تحتاج دائما الى نعمة الله لتعرف المسيح هنا.

بولس يؤكّد شيئين: نور المسيح، وضعف الإنسان بقوله: «لنا هذا في آنية خزفية» اي نحن في أجسادنا هذه المائتة. فإذا عرف الإنسان ضعفاته يفهم ان القوة التي فيه انما ليست هي منه ولكنها من الله.

وبفضل هذه القوة الإلهية نبقى آنية خزفية (يقول متضايقين) ولكن لا نصير منحصرين، مختنقين حتى النهاية. ونظل متحيّرين، مأخوذين بين هذا الأمر وذاك، قلقين ولكن غير يائسين لمعرفتنا ان نعمة الله تنتشلنا. ويستهدفنا الاضطهاد ولكن لا نرى أنفسنا في الخذلان. هذه أحوال تمرّ بها جماعة المؤمنين والمؤمن الفرد في كل جيل ومكان.

هنا يكشف الرسول ما يبدو تضادًا فينا: «نحمل في كل حين إماتة الرب يسوع». نمرض، نجوع، نحزن. هذه إماتة الرب يسوع يقابلها. بعد ذلك حياة يسوع «في أجسادنا» اي في كياننا.

يعود بولس الى الكلام على الاضطهاد الذي جرى له ولبعض من الإخوة. ولكن تنتعش الكنيسة بعد هذا ويقوى رجاؤها وتنمو عددا لرؤية الناس قوة المسيح فيها.

في ظل هذا الرجاء والتطلع الى الوثنيين الذين ينضمون الينا، يرى الرسول ان الإيمان يقوى ويرى انه يقوّي البشارة اذ يقول بناءً على المزامير: «اني آمنتُ ولذلك تكلّمتُ». يبني على قول داود ويقول بصيغة الجمع: «فنحن ايضا نؤمن ولذلك نتكلّم» اي نبشّر على رغم كل هذه الصعوبات التي تعترينا. لا شيء يوقفنا عن البشارة. كلمة الإنجيل ينبغي ان نبلّغها لئلّا نُدان.

المسيحية ليست فقط للأداء الطقسي وتربية أولادنا. هي ايضا تبليغ عن المسيح باللسان والكتاب، وقد ينتج عن هذا قمع وتعذيب، ولكن هذا هو تكليفنا من السماء وما من ظرف تاريخيّ يؤخّرنا عن القيام بهذا التفويض الإلهي: «تَلمِذوا جميع الأمم»، وما يقوّينا في هذا علمنا اننا قائمون من بين الأموات مثلما قام هو من بين الأموات. وما يزيد فرح بولس اننا جميعا ننتصب معا. هذه تكون كنيسة السماء بعد ان يكون الجهاد قد انتهى فيأتي بعد الجهاد المجد.

وأمام انتظار القيامة، يقول بولس «لأن كل شيء هو من أجلكم». كل خير إلهيّ، كل عطاء، الاضطهاد نفسه اذا استقبلتموه بفرح الصامدين، هذا كله يفتح لكم أبواب السماء ويؤهّلكم ان تعيشوا هنا وكأنكم ورثتم السماء.

وأخيرا يقول: «لكي تتكاثر النعمة بشكر الأكثرين»، فإنكم إن احتملتم كل شيء، يتدفّق عليكم العطاء الإلهي، ولكن هذا يقتضي ان تشكروا الله على كل شيء. التعب، كل تعب يحضّكم على الشكر لكي تعرفوا ان ما يحدث لكم انّما يجعلكم في رعاية. وكلما ازددتم نعمة يؤول هذا لمجد الله بمعنى انكم تعيشون في مجده هنا ثم فوق.

Continue reading
2008, جريدة النهار, مقالات

الكذب / السبت ٢٣ شباط ٢٠٠٨

الكذب كثير في البلاد المتخلّفة حيث الناس تخشى القوي القدير الذي يدعم العيش ويستقوي القوم به ويخشون عقابا منه او رفع حمايته عنهم. وفي هذه البلدان لا ترعاك دولة فحيث ترعاك هي سترك ازاء الأقوياء. عدلها درعك اذ القضاء يساوي بين الناس. اما اذا خشي القاضي نفسه الأقوياء فلا ملجأ لك سوى الكذب تحمي به نفسك.

                      اما البلد المتحضّر -اي القائم في الحضر وليس البداوة- فقائم على ان القوة محصورة في الحكم يرعى الناس جميعا ولا يخشى نافذًا. الحكم اذا قام حقا يهدد مَن سوّلت له نفسه الاعتداء فيردع او له قوة الردع ان لم يفسد.

                      غير ان الكذب ليس مرتبطا فقط بالبيئة وان أثارته. هو نتاج الضعف الشخصي امام القوة. فالتلميذ في المدرسة يخشى معلّمه ولا سيما اذا قسا والموظف يخشى مَن وظّفه او الإدارة الساهرة وفي العائلة خوف عند الفريق الضعيف رجلا كان ام امرأة. الكذوب يطمئن الى انه ينجي نفسه ولو الى حين ولكن الخوف يتكرر في ظرف آخر. يحسب ان الصدق يهدد وجوده او مصالحه ويختبئ في مخبأ هش لأن الكذب يجرّ الكذب فيصبح عادة متأصّلة في الكيان. يجب، اذ ذاك، ان يتغلّب على ضعفه بالتماس الصدق من الله. معنى ذلك ان هذه الآفة لا تقضي عليها الا النعمة النازلة من فوق. الطمأنينة الى الله تزيل الخوف عندما يقتنع الخائف ان ليس من إنسان قادرا على ان يلغيه او ان يؤذيه حقا.

                      هناك كذب بغير قول يخفي الحقيقة او يشوشها. فاذا قلت نصف الحقيقة تكون قد غششت الآخر. واذا وقفت موقفا يضلل الآخر مع ملازمتك الصمت فأنت مؤذٍ لمن تعامله عندما يكون له الحق بمعرفة موقفك الحقيقي. مثلا اذا شكت بك امرأتك وكنت خاطئا وسكت عن الجواب فأنت كاذب. اما اذا شك في هذا شخص آخر وليس له الحق بالمعرفة لك الا تجيب بشيء لك ان تخفي الواقع عن شخص ليس له الحق بمعرفته فمن حقك الصمت. ليس من كذب اذًا اذا حجبت الواقع عمّن ليس له الحق بمعرفته.

                      الحقيقة تتطلّب ان تكون مكشوفًا للذين من حقهم ان يعرفوا الحق وان تبيّن موقفك للذين لهم الحق بمعرفته. فاذا اعترفت للكاهن بخطاياك لا تستطيع ان تخفي حادثة او قولا او فكرا لأنه لا يستطيع أن يرشدك ما لم يعرف ما جرى في نفسك وما يعتريها من سقطات وان لم تكن مستعدا لذلك فالزم مكانك والتحف بأكاذيبك التي لن تنجيك يوما.

                      ماذا يقول الكتاب المقدس في هذا المجال؟ يقول السيد لليهود: «انتم من أب هو ابليس وشهوات ابيكم تريدون ان تعملوا. ذاك كان قتالا للناس من البدء ولم يثبت في الحق لأنه ليس فيه حق. متى تكلّم بالكذب فإنما يتكلّم مما له لأنه كذاب وابو الكذابين» (يوحنا 8: 44). هذا كلام شديد الوضوح اذ رأى الرب ان الانسان الكاذب على صلة صحيحة مع حامل الشر الذي هو ابليس وليس فيه حق وكأن يسوع يريد ان يقول ان الكذب يعطل كل فضيلة فينا لأن كل فضيلة صدق ونور. ويتكلّم في عهديه عن الأنبياء الكذية المدعين ان ما يقولونه هو من الله مع انهم يلفقون كلامهم تلفيقا. هذه هي الخطيئة الأعظم. ولكن أليس كل كاذب ينسب كلامه الى الحق اي الى الله الكامن في قلبه. هو ضمنا في حالة تجديف. لذلك يقول سفر الملوك الثاني (4: 16): «رجل الله لا يكذب». لذلك يقول بولس: «رجل الله لا يكذب» (كولوسي 3: 9) ويؤسس هذا على ان المؤمنين خلعوا الانسان العتيق اي ذاك الذي كان مملوءا بالشهوات. وبعد ان يكون اغتسل بالماء والروح يكون قد تعافى.

#                    #

#

                      تبيانا لكون الكذب ليس فقط مجرد كلام ولكنه تعطيل للكيان جاء عند يوحنا الانجيلي في رسالته الأولى الاولى الجامعة (1: 6) «نكذب ولا نعمل الحق». هنا تلتقي الآية مع ما قلناه ان ثمّة كذبا في الموقف وليس في الكلام وحسب. لذلك يشجب الرب القسم الكاذب.

                      ماذا في الإسلام؟ هناك آيات فريدة في معناها مثل قول القرآن: انظر كيف كذبوا على أنفسهم (الأنعام ٢٤) ومعنى آخر قوله هؤلاء الذين كذبوا على ربهم (هود، ١٨) ومثلها في آيات عديدة من افتروا على الله كذبا. وربما كان قريبا منها الذين كذبوا بالآيات اذا نزلت.

                      في القرآن فحص متعدد الجوانب والاتجاهات في الذين يكذبون وهناك ربط للكذب بالاستكبار. والعاقبة قوله: «قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله» (الأنعام ٣٤). وهنا يطيب لي بلا تأويل ان أقول ان لقاء الله الذي ينفيه الله على الكاذبين غير منحصر في اليوم الأخير اذ فيه يلقونه ولكني أحس ان الكتاب يعفي لقاء الكاذبين بربهم، في نفوسهم في الدنيا. ويلتقي الكلام الإلهي في الإسلام بالعهد الجديد اذ يربطان الكذب بالشهوات.

                      ولعل ذروة الكلام عن الكذب من الناحية الفنية لو سمح لي المسلمون بهذا النعت هو ما ورد في سورة الرحمان اذ يقول: «فبأي الأ ربكما تكذبان» والآية تأخذ القسم الأكبر من السورة. وفي مطلع سورة المنافقون يقيم ترادفا بينهم وبين الكاذبين. وبصرف النظر عن سبب النزول في هذه السورة وردت لفظة المنافقين في عدة سور ما يدلّ على كره الوحي للكذب وألوانه المختلفة.

                      اذا كان الكذب متعلّقا بالبيئة الى حد كبير، اذا كان متصلا بالفقر نسبيا فما من شك ان تطور البيئة الى الأفضل من حيث الثروة والتربية لا بد ان يصبح المواطنون أقرب الى الصدق. في البلاد الصناعية الكبرى انت تفترض ان الآخر صادق وتعامله على هذه القاعدة. من زمان ليس ببعيد عشته في مطلع شبابي هنا كان معظم الناس يثقون بالآخرين وكانوا يستدينون مبلغا كبيرا بالعملة الذهبية العثمانية بلا وثيقة ويدفعون ديونهم واللجوء الى المحاكم ما كان يطرأ على بالهم. البلد  كان مزدهرا الى حد بعيد وما من شك ان الإيمان الديني الذي كان قويا الى حد بعيد كان يساعدهم على قول الحق. وما من شك ان التضخم المالي وسقوط الليرة اللبنانية السنة الـ ١٩٣٦ قد زاد نسبة الانحراف الأخلاقي الذي نعرفه اليوم.

                      واذا أخذت المدرسة اذكر ان التلميذ كان يحس ان المعلّم يريد معاقبته على هفوة صغيرة وكان يترقّب العقاب ويخاف. هناك بيئات صغيرة كانت تغذي الكذب العام الذي أخذ يستشري في البلاد. هناك تغيير للعلاقة بين الأستاذ والتلميذ لا بد منه. علاقة الحنو والثقة يمكن دعمها. مشاركة ما لتلاميذ بمناقشة إدارة المدرسة شيء وتكلّم عليه غيرنا في اوربا وأعطى ثمارا.

                      يبقى ان التربية العائلية لها الفضل في تغذية الصدق عند الاولاد. كنت أعرف عائلات يُشار اليها بصدقها، لانعدام الكذب كليا فيها وهذه التربية تقاوم كل سوء يطرأ على الولد في مجتمعه المدرسي او غير المدرسي.

                      ثم ما أتمنّاه على المؤسسة الدينية هو التركيز على الفضائل وعدم الانحصار في الدعوة الى العبادات والتقاليد المرافقة لها. ينبغي ان يعرف المنتمي الى اي دين ان مراجعه المسؤولة صادقة كليا وان هذه المراجع يركن اليها في ما تقول.

#                         #

#

                      مرة سألت شابا في موقع ارشاد: هل أنت تكذب؟ اجاب نعم. ولكني لا اؤذي احدًا. قلت له: بل هناك واحد تؤذيه وهو انت لأنك تقزّم نفسك. هناك دائما في الكذب تحجيم للشخصية وارتعاد امام القوة الواقعة او المظنونة.

                      اجل هنا من وُلد ضعيف البنية او النفس. هؤلاء يميلون الى الانقباض والتواري ولكن الإنسان مدعو الى اتخاذ دوره وهو تأكيد الذات وتثبيتها وليس ادنى الى تثبيت الذات مثل تحدي من نعتبره ذا فعالية كالوالدين والمعلّم ومدير الشركة التي نعمل فيها والسلطات المدنية.

                      ربما كان من وجوه التحرر من الكذب الصمت والابتعاد عن الثرثرة والمزاح. ينفعك الا تتبجح بأكاذيبك وبعامة الا تظهر خطيئتك حتى لا تسيء الى السامعين. تحاشَ الرياء فإنه مصدر لتشويه الحقيقة. ابتعد عن مدح أصحاب المقامات فهذا يؤذيك ويؤذيهم معا. الانسان الصادق مرجع ومكان طمأنينة اذ يرتاح الناس الى قوله ويعرفون ان ينظّموا أمورهم بنصائحه لأنها لا تتغير.

                      الانسان الصادق شبيه بالمسيح الذي يقول عنه الكتاب انه الأمين اي الأمين الى كلامه الأبدي الذي لا يتبدل ونجد فيه راحة لأنفسنا.

Continue reading
2008, مقالات, نشرة رعيتي

من توصيات بولس/ الأحد 17 شباط 2008 /العدد 7

الرسالة الثانية الى تيموثاوس تُعتبر مما نسمّيه الرسائل الرعائية التي كتبها الرسول وهو في السجن في رومية او في إقامة جبرية. من هو الرجل؟ يسمّى «رسولاً» في عدة رسائل، في رسالتين يسمّيه «أخا». بالمعنى الدقيق مَن سُمي رسولا هو فوق الأساقفة والقسس والشمامسة. تيموثاوس جعله بولس مرافقًا له.

يلوح من بدء الرسالة ان بولس جعله أسقفًا على أفسس ومنطقتها اذ يقول انه وضع يديه عليه، وأفسس مدينة فيها للمسيحية خصوم، وعمل الأسقف ان يبشّرهم.

في المقطع الذي نتأمّله هنا يوضح الرسول هذا: «انك قد استقرأت تعليمي» (أي مضمون البشارة). هذا هو عمل الأسقف الأساسي. «وسيرتي» (وقد ترافقا في أماكن كثيرة) «وإيماني» (وهذا ليس فقط التعليم ولكن التعلّق الحار بشخص يسوع) «وأناتي ومحبّتي وصبري واضطهاداتي» (الموصوفة في الرسائل وأعمال الرسل). ويشدّد على انه تحمّل اضطهادات كثيرة نجّاه الله منها جميعًا. ثم يؤكّد ان الاضطهاد كان طبيعيا ولا سيّما اذا كُتبت بعد اضطهاد نيرون. ويقدّم بولس القاعدة إذ يقول: «وجميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يُضطهدون».

عكس ذلك الأشرار. طبعا هو لا يتكلّم على ناس في الكنيسة ولو انه تحدّث هنا وهناك عن مسيحيين مرائين غير صادقين في الإيمان. وعلى الأسقف ان يكسب الذين من الخارج ويشدد الذين هم في الداخل. هناك إخوة أعداء.

وأخيرًا يذكّره بهذا: «إستمِرَّ أنت على ما تعلّمتَ وأيقنتَ به ممن تعلّمت». ولا بد ان بولس يشير نفسه الى انه معلّم. ويقودني هذا الى القول انك اذا جاءك كاهن او أسقف، لا تكتفِ بأن تقدّم له القهوة ولكن اطلب منه التعليم او اطرح عليه سؤالا. مهمّته ان يعلّم ولا يكتفي بافتقادك وافتقاد أولادك. التعليم كبير ودقيق ولا تظن نفسك عالِمًا. ليس من أحد منا يعرف كل شيء. والكاهن الجيّد هو من درس كل يوم لتزيد قوّته في التعليم.

الى جانب توجيهات بولس التي كان يعطيها لتيموثاوس في اللقاءات يقول له: «انك منذ الطفوليّة تعرف الكتب المقدسة» ويريد بذلك العهد القديم لأن أسفار العهد الجديد لم تكن قد كُتبت عند إنشاء بولس هذه الرسالة. الأناجيل جاءت بعد بولس تدوينا ولو كان المسيحيون يعرفون بالتواتر ونقلا عن الرسائل الكثير مما قاله السيد لهم. واليوم تُشنّ حرب ضروس علينا لأننا نستعمل هذه الكتب في الكنيسة لأسباب سياسية، ويدّعي هؤلاء أن قراءتها دعم للصهيونيّة، ونحن نفرّق بين إيمان الأنبياء والشريعة من جهة واستعمالها السياسي من قبل الإسرائيليين. نحن لا نستطيع ان نلغي كلمة الله، ولكننا نفهمها كما أوضحها لنا المسيح ورسله.

وأخيرا يوضح بولس ان هذه الكتب قادرة أن تجعل تلميذه حكيمًا وهذه الحكمة تعطيه الخلاص بالإيمان بيسوع المسيح. هي الحكمة الإلهية التي تنزل على المؤمن نعمة.

Continue reading
2008, جريدة النهار, مقالات

التواضع / السبت ١٦ شباط ٢٠٠٨

الناس المعجبون بنفسهم كثر. كل هؤلاء يرون في ذواتهم قيمًا نابعة من ذواتهم واذا كانوا كذلك دائما يفتخرون، يركّبون ذواتهم من مجموعة حسنات اذ يظنون انهم دون هذه الحسنات هم في العدم والإنسان لا يرغب في العدم. لذلك لا مفر من ان يكون معظم الناس الصورة التي اصطنعوها عن أنفسهم وغالبا ما يحسبون ان ليس مثلهم شيء. الانسان يخشى الموت المعنوي قبل خشيته الموت الجسدي. لذلك يحيا بهذه الجمالات التي تتراءى له فيه. هذا هو العُجب (بضم العين) الذي تليه الكبرياء التي يرى فيها الإنسان انه فوق القوم جميعا. هناك اذا عبادة ما للنفس. هناك دائما شرك محجوب عن صاحبه. فالكبرياء في ذروتها ازدراء للآخر وتحقيق وثناء مقول او غير مقول عن الذات.

                     وكثيرا ما تأتيك الكبرياء من المديح. ومن المديح يتولّد الغرور والطمع بالمقام الأول في هذا المجال او ذاك. جاء عند القديس يوحنا السلّمي: «عاتب شيخ احد الإخوة على تكبّره معاتبة روحية. فأجاب الأخ: اغفر لي يا أبي فإني لست متكبرا. فقال له الشيخ الكلي الحكمة: يا ولدي اي برهان تعطينا على تكبّرك أفضل من قولك «لست متكبّرًا»؟».

                     كل إنسان صريع الوهم. وينتج عن هذا ان المتكبر يزدري الودعاء. ان مقت هؤلاء مقت للأقربين الى الله لأن الله وداعة. لذلك لم يخطئ آباؤنا لما اعتقدوا ان الكبرياء أكبر الخطايا لأنها في التحرك الوجداني أن احدا ليس مثلك وانك انت صائر مثل الله كما اعتقد آدم.

                     مشكلة المستكبر انه في كثرة الأحيان لا يعرف نفسه كذلك وان لم تهبط عليه نعمة من فوق لا يعرف التمييز في نفسه ويظن نفسه فقط موهوبا ولا يرى انه منتفخ بمواهبه او ما ظنها كذلك. لذلك لا بد له من فضائل كالإحسان ليصلح نفسه اذا اعتبر ان الإحسان إلهام له من الله. وقد يُحْسِن أحيانا لأن هذا يزيده تعظما ولا يحس بأن من يحسن اليهم كثيرا ما يكونون أفضل منه على كل وجه. الجمالات الروحية يجب أن ترسو على التواضع والا كانت رذائل مبطّنة. هذا يرى نفسه مثلا لا يزني ولا يسرق ولا يكذب ولكن هذه المحظورات لا نفع فيها ان كانت تقوي استكباره. فقد علّمنا أهل القداسة انك ان عففت مثلا وبقيت غير محب فقد هتكت عفتك ولست بشيء. المحبة وحدها تضرب الكبرياء وتمزقها لأنها اعتراف بالآخر وهذا الاعتراف هو الذي يوجدك. كتابنا يبيّن لنا كيف نهرب من الزنا وبقيّة الخطايا وقد وضع آباؤنا قواعد لهتك الخطيئة ولكن الخطيئة تبقى مكانها ان انت حسبت انك صرت عفيفا لكونك تُمْسك. ليس الإمساك بشيء الا اذا جللته المحبة التي لا تنكسر عندها القلوب.

                     قد يظن بعض انك متكبّر لأن عندك أسلوب تعاطٍ لا يفهمونه او لا يذوقونه او انت حيي فيحسبون انك لا تخاطبهم لأنك استعليت. افحص نفسك عند كل قولة. المهم ما يراك الله عليه في اليوم الأخير او قبل انتقالك اليه. ولكنك في الأخير لا تعرف نفسك مقيما في الانتفاخ الا اذا وبّخك ضميرك على ذلك فالكبرياء تُكسر كسرا حتى يحل محلها الحب.

#                 #

#

                     مقابل هذا التضخيم للذات والعيش الدائم في الاستيهام يبدو التواضع انقباضا تصوريا للذات ولو كان المتواضع أعظم رجل في الدنيا. قد يرى في نفسه حسنات من الطبيعة كالجمال والذكاء وما الى ذلك ولكنها تبقى على حجمها من حيث انه لا يفتخر بها. فكل ما فينا من خيرات الطبيعة يأتي معنا بالخلق او نرثه من الصالحين الذين يتجهون الى تغيير الكون. انت تشكر لاقتناء او حرمان. كلاهما عطف إلهي ولو تغير الأسلوب.

                     المتواضع لا يقزّم نفسه اذ يحرّم الناس ما لهم حق فيه وبآن لا يدين نفسه ولا يجلدها. يأخذ بشكران ويفتقر بشكران. امام العطاء الإلهي ما من كلمة تبقى لك الا ان تقول مثل العشار في الإنجيل: «ارحمني يا رب أنا الخاطئ». حالتان مسجلتان فيك انك خاطئ وان ربك رحيم واذا ادركت رحمته تتبرأ من كل معصية مهما عظمت. فاذا رأى الخاطئ نعمة الرب نازلة عليه وتبتلع ذنبه كليا يرى نفسه لا شيء اذ يراها كل شيء. هذا هو الإنسان المتواضع.

                     عند المسيحيين نموذج الإنسان المتواضع هو يسوع القائل: «احملوا نيري عليكم وتعلّموا مني، لأي وديع ومتواضع القلب» (متى 11: 29). منذ سنين تتحداني هذه الآية اذ تسائلني لماذا لفت السيد فقط الى هاتين الفضيلتين فيه وله من المزايا ما لا يحصى. لعله رأى في التواضع الذروة اذ تستطيع ان تتدرج الى ما فوقها ولا تقدر ان تبلغها الا اذا دست كل الشهوات. وعلى الصعيد الفني في الكنيسة الأرثوذكسية هي أيقونة المسيح-العريس الذي يُرسم نازلا الى القبر عاريا ليختفي بالجسد كليا ويقوم من بين الأموات. المسيح العريس (او الخَتَن بالسريانية) عندما يقيم مشيئة الآب لا مشيئته البشرية ويتزوّج الانسانية كلها بموته.

                     وهاكم القديس العظيم إسحق السرياني المولود في قطر. «كل الكلام على التواضع هو الكلام على الله. انه وشاح الألوهة لأن الكلمة المتجسد تسربله وكلمنا عنه من خلال أجسادنا. فكل من يتسربله يتشبه حقا بذلك الذي انحدر من علوه وغطى فضيلة عظمته بالتواضع وستر مجده به».

                     ماذا يعني لنا هذا الكلام؟ انه يعني ان حياة الله خفية فينا ولم «يظهر بعد ماذا سنكون». عند هذا الخفاء لا يمكنك ان تظهر الله الا اذا أخفيت نفسك . الرب يظهر بك اذا أدركت درجة الخفاء أعني درجة اعتبارك لا شيء.

                     كان لي صديق سوري كبير مستقر في سويسرا وكنت قد نشأته في مطلع شبابه على الايمان الأرثوذكسي وكانت شبيبتنا ملتهبة بالروح. ثم صار صديقا لكبار العرب في كل ديارهم وكان يستضيف بعضا منهم في دارته. ومرة بعد وفاته دعتني بنت له الى مائدتها. وقالت لي: ان والدي كان يتعامل مع الخدم عندنا بالتهذيب والوقار اللذين كان يحيط بهما رؤساء الدول العربية.

                     غنيا كنت ام كبيرا بين المثقفين اذكر ما ورد في نشيد مريم حسب إنجيل لوقا: «حطّ المقتدرين عن الكراسي ورفع المتواضعين» (1: 52). اذا قلت: انا عزيز في قومي فقد أعطيت نفسك شهادة في الثقافة او الزعامة. الله يعلّيك وحده واذا استعليت على أحد تجرحه. ولذا أقرن يسوع في ما ذكرنا الوداعة والتواضع اذ الوداعة تصير في الآخر كعسل في فمه اذ هي فن الإزالة لكل نتوء بينك وبين الآخرين لكونها بنت التواضع او طريقا اليه. من هم قومك؟ «ان الشعب عشب حقًا. والعشب ييبس وزهره يذبل واما كلمة إلهنا فتثبت الى الأبد» (اشعياء 40: 7 و8).

                     لسان حال بعض مما حسب نفسه كبيرا انه يقول والآخر لا يقول. لأن من قال يصير شيئا والآخر في المنطلق ليس بشيء. الاستكبار إلغاء معنوي للآخر اي لون من ألوان الإبادة. انت، متكبر، تضع لنفسك عرشا لم ترثه وافرض انك ورثته. تبقى على ترابيّتك وعظمك ولحمك وكلها فانٍ الى ان يقيمك ربك من الموت الروحي هنا بالتوبة التي تعرف بها انك دون الناس جميعا.

                     كتب أمير مولدافيا في القرن الرابع عشر لولي عهده: «لا تشتهِ ان تصير أسقفا او رئيس دير ولا أميرا (والإمارة كانت مُعدَة له)، لا تشتهِ لأن كل هذا مجد العالم». المجد تُعطاه في اليوم الأخير إن صممت على ان تنأى عن أمجاد هذه الدنيا وقد يكسر الله العرش الذي أقامه لك خيالك فتصبح من الجائعين. جعْ الى اللّه ليجلسك على عرش له في السماويات.

Continue reading
2008, مقالات, نشرة رعيتي

شعب متديّن عالم/ الأحد 10 شباط 2008 / العدد 6

هناك فكرة شائعة ان الانسان البسيط الأمّي أكثر تديّنًا من المثقّف. إحصائيّا هذا تصوّر خاطئ لأن الثمانين بالمئة من شعبنا الذين يغيبون عن قداس الأحد خليط من المتعلّمين ومن الجهلاء.

الأمر الثاني ان عقيدتنا التي يتلوها البسيط والعارف فيها علم دينيّ كثير. فعندما تقول: «اؤمن بإله واحد… وبالرب يسوع… والروح القدس وبالكنيسة الواحدة، والمعمودية، والحياة الأبدية»، فهذا له معنى تسعى اليه، ومعرفته لا تأتيك بالولادة. والتعليم المسيحي شرط اقتبالك المعمودية ليس فقط في الكنيسة القديمة ولكن في كنيسة اليوم. «مَن آمن واعتمد خلُص». فإما أن تتعلّم ولدًا لتأتي المعمودية مقرونة بالإيمان، او اذا وُلِدت في عائلة غير مسيحية ودخل الإيمان الى قلبك نعمّدك.

في هذه الأبرشية لا يعمّد كاهن بالغًا جاء الينا من ديانة أخرى الا بعد اقتباله التعليم، ويحكم المطران اذا صار هذا الإنسان ناضجًا لاقتبال العماد. وآسف لكاهن يسكب ماء على رأس بالغ ويظن انه عمّده. هذا مظهر معمودية. هذا استحمام.

بهذه الأهميّة ان يصر ايّ مطران ان يفحص المتقدّم الى الكهنوت. الكهنوت يبدأ بمدرسة (البلمند او مطالعات كثيرة) يفحص المطران بعدها اذا اقتبس المرشَح أساسيّات الإيمان لكي يقدر ان يجيب عن الأسئلة التي تُطرح عليه في الإيمان. بلا هذا هو رجل ليس عنده رعاية لأنك لا ترعى، لا ترشد في الاعتراف او خارج الاعتراف وانت جاهل. وهذا يفترض عند المطران جديّة وغيرة على رعيّته لكي تخرج من جهلها. والى هذا دورات فصليّة لتقوى المعرفة. هناك أبرشيات عندها مدارس إكليريكيّة او دروس ليليّة او ما الى ذلك.

ولكن في مواضع كثيرة نحن مقصّرون ما لم تنظّم دروس بالمراسلة للمرشحين دسمة. ولا عذر لمطران يرسم رجلا بسرعة. الأفضل ان تبقى الكنيسة شاغرة وان يخدمها كاهن من كنيسة قريبة من ان يأتيها جاهل لا يعرف عباداتنا بصورة صحيحة ولا يعرف عقيدتنا.

ولكن كل هذا لا يكفي ففي تصوّري ان كل ابرشية يجب ان تحتوي على عدد من الكهنة مختصّين باللاهوت اختصاصًا كبيرًا، وتكون مهمّتهم الاولى ان يتجولوا على الكنائس التي كاهنها بسيط وربما على كل الكنائس في الصيام الكبير. ان خصوم الإيمان المسيحي كثيرون ولا أتكلّم هنا على أهل الديانات القائمة ولكني أتحدّث عن فلسفات جديدة لها طابع لاهوتيّ ومصدرها الهند، ومتسربة بشكل مكشوف او غير مكشوف الى صفوفنا. ايضًا الديانات الأخرى يجب ان نعرفها، ومنها مَن يواجهنا بالكتب والوسائل الفضائية. يجب ان نعرف ما تقول وما نحن نقوله بتهذيب كلي. وهذا ظاهر احيانا في الإذاعات اللبنانية.

بالدرجة الأولى ينبغي ان يكون رئيس الكهنة دائم الاطلاع وأن يقرأ كتب لاهوت كل يوم ولاسيّما ان الكثير من قرارات المجمع المقدس مبنيّة على عقائدنا. على الأقل من المستحسَن ان يجلس مع المطارنة لاهوتيون كبار مختصّون بالعقيدة والحق الكنسي لكي يصدر القرار موافقا لإيماننا. ليست القرارات عندنا فقط إدارية، ولا تقتصر على انتخاب مطران جديد. هناك تعاون ضروري بين المجمع المقدس والعارفين معرفة عليا.

كنيسة لا تعرف ذاتها ومصادرها، ولا تعرف أن تبيّن الموقف الأرثوذكسي في كل مسألة كنسية، ضعيفة ولا تحمل رسالة المسيح في الأرض.

Continue reading
2008, جريدة النهار, مقالات

الطمع / السبت ٩ شباط ٢٠٠٨

أنت تعيش بقوة الحيازة او الاستحواذ او الأخذ او الملك وهذا كله يبطن الطمع وهي شهوة لا حد لها ككل شهوة تطلق لها العنان او انت ملك الله ولا يهمّك ملك آخر في هذا العالم وعند ذاك يتملّك ما أنت مالك او انت لا يهمّك ما حزت عليه وأن يبقى او يذهب وأنت قائم بما أنت اي أنت وجودك ولا تعتبر ان ما في هذه الدنيا يصنع وجودك او يزيدك وجودا. فالصراع قائم بين كونك مالكا وبين كونك مملوك الله او عبده او ابنه.

          فإما ان يكون الوجود الخارجي الذي بين يديك شيئا او الوجود الذي فيك هو انت. ولك ان تختار بين ما تحوز وبين حضرتك الواقفة امام الله اي المستندة روحيا على فقرها. وقد يصل بك الاستغناء عن هذا العالم الى الاستغناء بالله فتصبح قيمتك آتية منه ولا أحد انسانا قيما ما لم يقل الله ما يراه فيه في اليوم الأخير.

          لا محاربة للطمع الا اذا اعتبر الانسان نفسه قائما بذاته وبالحري قائما برؤية الله له، واذا رآه غارقا في هذه الشهوة فيحزن الله.

          لا يتوهمنّ أحد اني أدعو الناس الى ان يبددوا المال الذي يكفيهم او الا يطمحوا بالأكثر. هناك عيال ويكفي الله من أراد. أما الذي يحب المساكين فليس لي أن أعلّمه وهو يعلّمني. نحن لا نعيش مع الأقل والأكثر، مع الوفرة العظيمة والفقر المدقع. نحن نعيش مع القلب. السؤال هو ماذا في قلبك او هل عندك قلب ليتّسع لله فقط. وحتى يستنزل قلبك الله يجب ان تعطي كثيرا لأن هذه الإمارة (العلامة) الوحيدة للحب. لا يدعو الى الفقر الذي نسمّيه اختياريا الا ربّك. دائما أخشى المال لكوني أخشى الافتخار. انت لست حرا مما تأخذ. أنت حر بما تعطي. ليس اذًا حديثنا عما تكسب وما تخسر ولكن حديثنا عمّا اذا اخترت بأن تحوز لتوجد او الا تحوز ليملك الله عليك.

          في هذه الجدلية يذهب بولس الى أبعد من هذا اذ يقول: «الطمع هو عبادة الأوثان» (كولوسي 3: 5) مع انه ذكر من قبل ومن بعد شهوات أخرى ولم يقل عنها انها عبادة وثن. كان يفكّر في اشتهاء الأموال لا ريب في ذلك، ويخشى ان يصير الإنسان ما يشتهي. كنت أسمع في طفولتي هذا السؤال: «شو بيسوا هيدا» وأفهم انه سؤال عن ثروته. قد لا يعني هذا ان قيمة الإنسان عند هؤلاء ان شخصيّته هي ما يملك ولكنها تُخفي اعتقادا بأن الله قوة وهذا صحيح. ولكن ما بالك بإنسان لا يسعى الى القوّة ولا الى نفوذ الا اذا كان حاملا دعوة من فوق أمره ربه بتبليغها وهذا لا يتطلّب نفوذًا من الأرض. الناس في كل حياتهم لا يحترمون القوي لمجرد كونه كذلك ولكنهم يحبون ان يقووا به وأن يكون مصدر نِعَم لهم. آمن الناس والساقطون منهم دوما ان قيمة الإنسان باستقامته وصدقه ومحبته، ويتحسسون انهم قد يصيرون أفضل بالاقتداء به وقد تصل القدوة اليهم. الانسان السيء الشرير يقول عن الآدمي انه آدمي ويأسف لكونه ليس مثله.

#                     #

#

          الناس يحبون ان تكون ذا طموح. هنا ايضا يجب ان نفرق بين الطموح البناء والطموح الذي يقوي عندك الطمع ان تتخذ مهنة لكونها مصدر ربح طامع. ان اتخذها لكي اخدم هذا طموح شرعي ومقدس. وهنا يفترق المبدع وغير المبدع وأتكلّم هنا فقط على الإبداع الروحي الذي هو الإخلاص. لا إبداع بلا حب فأنت مثلا تبغي ان تصير طبيبا كبيرا لأنك تريد معالجة الأمراض المستعصية وتساعد على الشفاء والمال يتبع هذا في معاييرنا البورجوازية. اما اذا زججت نفسك في دراسة تعرف انها تغنيك فقد تنجح علميًا او لا تنجح ولذلك يترك بعضهم مهنا حرة مهذّبة للنفس ومساندة للمعذّبين ليصيروا تجار عقارات وما الى ذلك. اذًا لم يتخذوها مهنتهم الاولى تعلقا منهم بالخير.

          هناك فنانون ماتوا جوعا. قلة من الشعراء يعيشون من إصدار كتبهم. هؤلاء ممسوحون بالقداسة. أنت تبغي الإنتاج العظيم او تلتمس مالا ولا جمع بين هذين الشيئين الا اذا تثقّف قوم كثيرون ليقرأوا. ولكن ان اشتهيت فلسًا واحدا قبل ان تضع قصيدة تأتي تافهة حتما. لا جمع ممكنا بين الطمع والقيم العظيمة لأن كل ما تطمع به أنت عابده.

#                  #

#

          من المؤكّد انك تحتاج الى الروح الإلهي فيك يفحص نياتك ويرشدك الى كونها جيدة او سيئة. الشر يغطي دائما نفسه برغبة الحسنات. لا تدع نفسك تغرق في هذا الوهم. اي ادع ربك ليعطيك ما نسمّيه في النسك المسيحي روح التمييز. اعرف اي تحرك داخلي يلهمك. هل هذا التحرك من الله؟ اثنان يرغبان في الاقتناء واحد لاستلذاذ الحياة هو وأولاده وآخر ليصير أكثر انصبابا على المساكين. هاتان حركتان في القلب مختلفتان كليا.

          كل الطمع هو تسطيح الوجود الحق. طبعا هذا يطرح مسائل لا نهاية لها. على سبيل المثال تبغي الزواج بامرأة فائقة الجمال. هذا طموح كله التباس. فأنت حوّلت كائنا بشريا الى سطح وجوده. في هذه الحال هذه رغبة شرعية ولكنها ليست كاملة الشرعية لأنها تجزئة اي اعرف انك اخترت نصف الواقع او أقل. هذا تشييء لا يعطيك انسانا كاملا واذا لم تجد مضمونا مرضيا في هذه المرأة قد تؤذي حياتك كلها. اذا مدحت امرأة على أناقتها مثلا الا تسمع منها كلاما ظاهره متواضع فتجيبك مثلا هذا صدفة… وواحدة من رفيقاتك دلتني على هذا الثوب فرأيته أنت كما رأيته اي انها على كذبها تتمنى ان تكون عالية الشأن روحيا او ذكاء وكأنها تريد ان تعرف عمق نفسها.

#              #

#

          ميل آخر أحب ان أشير اليه وهو الطمع السياسي في بلدنا. في البلدان الراقية يريد كل حزب ان يصل الى الحكم لكي يطبّق برنامجه والعضو العادي لا يشتهي ان يصل هو شخصيا الى الحكم ان لم يكن من اللامعين. الإنسان ينتمي الى حزب لكونه يؤمن بعقيدته التي يظن انها منقذة للبلاد واذا رأى أن الحزب فسد يتركه لأن الأعضاء الذين يسيطرون على المكتب السياسي يكونون قد حولوه لمصالحهم المحازبين. تكون العقيدة قد استخدمت في الطمع.

          ماذا عندنا نحن؟ انا لست أقول ان ليس عندنا شيء من هذا ولكن السائد ان الفرد الذي ليس خاليا من الأفكار يطمع بالحكم وهو عالم انه وحده لا يستطيع ان يغيّر شيئا وان ثلاثة او أربعة في كتلته لا يقدرون على الكثير. ماذا يدفع المرشّح اذًا الى النيابة؟ ماذا يريد ذاك الذي يعرف شيئا من التشريع او الذي لم يبلغ صعيدا علميا يوهله ان يفهم البيان الوزاري.

          هذه هي بدعة الثورة الفرنسية في شرعتها ان تقول ان كل مواطن مؤهل للترشيح. هنا الطمع بالوصول قد لا يكون مقرونا بحب المال اذ لا شك عندي ان بعضا من النواب طاهرون والبعض من الوزراء كذلك ولكن هذا طمع بالسلطة التي يرى الروحانيون انها أخطر شهوة من شهواتنا. ليس هذا الوضع الذي أناقش فيه أهمية الأحزاب وفاعليّتها. ولكن كثرتها لا تغني الأمة وتزيد في الصراعات وقد لا يكون بين بعضها فروق كثيرة لا في العقيدة ولا في أسلوب العمل. وأظن ان ما قاله غبطة البطريرك صفير في ان البلد يكفيه حزبان حسب احساساتنا الوطنيّة قول يحتاج الى تأمّل.

          في لبنان طمع طوائفي في الحكم. هذا يمكن تسميته الطمع الجماعي او الجمعي. وبعض الطوائف في ممارساتها الدنيوية  غدت أحزابا. كيف لا يكون متفرقا بلد يعترف دستوريا بضرورة انتمائك الى واحدة من ١٨ طائفة وكيف تلغي الطمع وتجعله عطاء؟ كيف تميز بين الانتساب الأرضي وانتسابك السماوي او الأخروي؟

          قال غير قوم من غير المسلمين ان طائفتهم دين ودنيا. السؤال الكبير هو ما معنى واو العطف. اي ميزان انتخابي او في ممارسة الحكم يجعلك تقول: «وللآخرة خير لك من الأولى» (الضحى، الآية 4) اي سياسي يسقط الآخرة على الأولى ويكيف هذه بما تقتضيه الآخرة؟

          أحببت الآخرة او ملكوت الله كما يقول الإنجيل فليست دنياك كلها سوى مرور  الى الملكوت الذي هو في دواخلنا كما يقول لوقا وتخرج انت الى استعمال الدنيا من داخلك وهكذا لا تكون طماعا بها ولكن تكون طامحا الى سيادة الله عليك اي فقيرا اليه ان كنت هنا فقيرا او غنيا او رئيسا او ملكا. اذ ذاك تعطى هذه الدنيا وتزاد وتبقى عاريا منها ومتسربلا النور.

Continue reading
2008, مقالات, نشرة رعيتي

حديث عن العطاء/ الأحد 3 شباط 2008 / العدد 5

قال أحد الفلاسفة الأرثوذكسيين: «المال اذا قبضته موضوع ماديّ. اما اذا أعطيته فعمل روحيّ». هنا أود ان أعرب لكم عن سروري وشكري لأن 85؟ من الرعايا لبّت ندائي المتعلّق بدعم المطرانية. ربما أهملت أن أنادي الكل بسبب من معرفتي لضعفها. ولكن طفح سروري لمّا علمت ان رعايا ضعيفة ماديا قد أعطت اكثر من المتوقع منها.

كنت دائمًا افكر انه لا ينبغي أن أفرض على أحد. وهذه الطريقة الحرة ربما أعطت نتائج أكثر مما فرضت. الآن أتمنى أن تقدّم الرعايا السنة القادمة كما فعلت هذه السنة ولكن حسب أحوال البلد حتى لا نثقل على أحد. وأنا على رغم حاجتنا ما كان يهمني ان تحس الكنائس انها على اتصال مع المركز. وطبعا اذا زاد دخلنا، الكثير مما يجيء يذهب الى الرعايا المحتاجة.

العطاء التلقائي يمكن ان يذهب الى الكاهن المحلّي ولا سيّما من قبل الذين يذهبون الى الكنيسة قليلا. يحزنني ان أقول ان الكنائس التي فيها حضور كثير تجمع ربع الرعية على الأكثر، وقد قلّ دخل الصينية مع الضائقة الحالية. وبعض الكنائس تؤمّن بصعوبة كل نفقاتها. الترميم مثلا يبقى مشكلة. هنا في المطرانيّة نصف الميزانية يذهب الى المحتاجين اي مئة وخمسون ألف دولار سنويا. وليس في نيّتي إطلاقًا ان أطرد المحتاجين اذا جاؤوا ولا سيّما المصابين بأمراض مستعصية.

ما وددت أن أضيفه ان هذا الميسور قليلا او كثيرا الذي لا يأتي الا في بعض المواسم. لم ننظم الجباية حتى اليوم، ففي أبرشيّة نيويورك تقبض المطرانية من كل معمّد 25 دولارًا في السنة. قبل أن نصل الى نظام شبيه أتمنّى على كل مؤمن منتج ان يذهب الى الكاهن ويقدّم له هدية مالا وليس فقط ثلاث مرات في عمره: عند العمادة والإكليل والدفن.

الكاهن المحب لله لا يهمّه المال ولكنه يحتاج اليه بسبب عائلته. انت اذا همّك المال تَحرّر منه بإعطائه. ينبغي ألاّ تدفعوا كاهنكم اذا تجاهلتموه أن يقول: لو بقيت انا في مهنتي لعشت في كرامتي او بلا فاقة كبيرة.

دائما كنت أقول في نفسي: ما ذنب ابن الكاهن ان يتعلّم قليلا او لا يتمكّن من الالتحاق بالجامعة؟ بولس الرسول يبيّن ان عائلة الكاهن تأخذ رعاية منه عظيمة. الى جانب هذا تتحسن العلاقات بين الراعي وأبنائه اذا أعطوا وتقوى العاطفة. لا شكّ ان الامتناع عن العطاء ينشئ جفاء او على الأقل لا يقوي الحماسة.

أشياء كثيرة في العهد الجديد (المشاركة في العطاء، العشاء المشترك قبل المناولة) تدلّ على ان الكنيسة كانت جماعة يحب أعضاؤها بعضهم بعضا ولا يبقى أحدهم في حالة افتقار شديد. لا شك ان قربك من الكاهن في هذه الطريقة يزيد المودّة بينكما ويحس بأنك ابن له او أخ. ابنوا أوّلا إخوتكم في المسيح وعلى رأسهم الكاهن بالمحبة. ارفعوا شأن الكاهن واجعلوا بيته مفتوحًا للجميع. اجتمعوا اليه في قاعة الكنيسة بعد الاحتفالات. الأبوّة او الأمومة تضمنان رجوع الولد الى الأحضان والتماس الدفء.

في السنة 1934 او 1935 كثيرا ما كنت أمشي على رصيف عند خروجي من المدرسة ولي من العمر 11 او 12 سنة. وكان المطران يعود الى مطرانيّته من الصلاة في الصوم الكبير ويقف حتى أجيء وأقبّل يده. هكذا كنت أشعر أنّي مهم في عينيه. اجعلوا الكاهن يحس أنه مهم في أعينكم.

Continue reading
2008, جريدة النهار, مقالات

الخبز / السبت ٢ شباط ٢٠٠٨

طلب أربعة اولاد من أبيهم أن يشتري لهم «لوبيا» ليأكلوها ظهرًا فحسب ان ثمنها ٢٨٠٠٠ ليرة فاعتذر واشترى لهم لحمًا. ثم أسمع كل يوم من معاونيّ في المطرانيّة كم تصاعد ثمن هذه المادة الزراعية او تلك بحيث أتصوّر ان الكثر من عائلاتنا تحت عتبة الفقر. كذلك سمعت على الشاشة خبرا يقول ان اية عائلة لا تستطيع ان تعيش بأقل من مليون ليرة حين أعلم ان بعضًا من أهلنا لا يصل معاشه الى نصف مليون ليرة.

حسابيا اذًا العدد الكبير او الأكبر من اللبنانيين في حالة الفقر المدقع وان مفردات مثل الديموقراطية والنور والحرية باتت أكاذيب بمعنى انها مفاهيم مجرّدة وأحلام تأملناها في المدارس او استكبرنا بها على العرب ونحن لسنا سوى بدو بدّلوا الخيمة بالفيلا والجمل بالكاديلاك. وهذه هي العلامة الفارقة لعروبتنا.

اذا سألت عن المسؤول الجواب هو الحكومة. هذا هو المتصالَح عليه في الديموقراطية الماسكة بزمام الأمر. لا مانع عندي ان تقول العرب مجتمعين لأنهم أشقاء وأنهم يرجى اليهم ان يبعثوا بشاحنات مواد طبيعية. هذا يعني تعريب الأزمة ربما. ولكن التعريب افضل من الجوع. واذا تبرّعت الدول الأجنبيّة بمقدار من الأطعمة تدول الأزمة. ولكن أولادي في حاجة الى طعام بتدويل او غير تدويل.

يذهلني اني لا أقرأ في السجال الحاصل في البلد موضوعًا اقتصاديًا والشعب لا يأكل سياسة. هل يقبل اي فريق من ان يحوّل النقاش السياسي الى نقاش اقتصادي؟ على الأقل هل أحد مهتم بالتوازي  بين هذين النقاشين؟لنفترض ان هناك أعجوبة دستورية لإجراء انتخابات نيابية بلا رئيس دولة. هذا يتطلّب  ما لا يقل عن شهرين إعدادًا وتنفيذًا. كيف يأكل في هذه الفترة من لا يأكل الآن؟ ان لم يكن من حلّ فأقلّه ان المتصارعين في هذه الحلبة الجماعية يقبلون ببلد مهدّم. مهدم بلا قتال بل بجوع. وعندئذ لا تبقى الا نخبة الفريقين التي عندها ما تأكل ويأخذ الحكم من لا يحتاج الى من يحكمهم. تكون أطروحته السياسيّة قد غلبت على الفريق الآخر ويكون قد امتلأ فخرًا وهو يبقى ويهاجر مَن يهاجر حتى لا تموت عياله جوعًا.

الا تستطيع الحكومة القائمة ان تجمع خبراء الاقتصاد وهم كثر لاقتراح تدابير إنقاذيّة؟ الا تقدر المقاومة ايضًا ان تجمع خبراءها ليجلسوا جميعا على طاولة معاشية ويكون بعض من حوار عائد لإطعام المساكين ويكون الفريقان قد أثبتا حقا حسن النيّة تجاه الشعب الفقير ويضمحلّ هذا النقاش (الثاني في المرتبة) حول شرعيّة المتولّين الحكم او عدم شرعيّته. وينتخبون رئيس جمهورية يعنى بإطعام من هم تحت عتبة الفقر.

«بدنل ناكل… جوعانين». قولوها حيث شئتم. اكتبوها حيث شئتم. أليس الرغيف أفضل من السياسة؟

#                  #

#

اذا أجمعنا على تجويع الناس او قصّرنا في مكافحته اسمحوا لي أن أشكّ في نيّات من ساهم بهذا. في السياسة لك الّا تشك وأن تعتبر الأمر لعبة ولكن اذا كان أطفالك في خطر حقيقي وتعذّر عليك شراء الحليب أعذرك إن شككت ولا يهمني ان يأتي الحليب من هذه الجغرافية او تلك. كنت أظن أن المحاور إلغاء. انت لا تلغيني ان ساهمت في إطعامي ولكن هناك أوقات تصبح فيها السياسة تفاهة او شيء من تفاهة لأنها لا تتعلّق او تتعلّق قليلا بالعيش وكثيرا ما كانت ايديولوجيا اي تنظيرًا وتجريدًا وفي ظلّها يموت من يموت ويعيش من يعيش. لماذا لا تقولون: تعالوا نعيش.

انا لا أعتقد ان أناسا اذكياء يحبون البلد بصدق عاجزون ان يتمموا فيما بينهم ميثاق القلب الى جانب المواثيق المكتوبة. هناك في الموضوع اذًا خطايا. انا بالتحليل الموثق المتجذّر كثيرا في المعرفة لي ان أشك. ولكن هذه الخطايا اذا وصلت الى حد تجويع الناس من أية فئة أتى أصير شاكا باللعبة السياسية كلها بحيث تصير اللعبة حقًا تلاعبًا بالبلد الى حد الخراب كما اني واثق من ان مَن لا يساعدنا على تجاوز الخراب وبقدره ان يفعل سيدمره الله تدميرا كبيرا. آسف ان الكثيرين لا يرون اننا امام الموت او جاورناه او لامسناه ونناقش أرقاما الشرعية هنا وهناك ونحن اذًا عائدون الى جعل السياسة في أول مقام عندما يصير الخبز في أول مقام. اين كلمة الله امام فقدان الخبز. السياسة لا تعوض عن غياب الخبز.

أفهم أن يكون في السياسة احتجاج ولكني افهم ان بين ما تعالجه الأجور وبأن الأغنياء هم في خدمة الفقراء وان ما هو خارج عن هذا الملف هدفه رفاهية العيش عند الجميع حتى يحب البلد أبناؤه ويعيشوا روحيا من هذا الحب. اذ ذاك، يصبح الطعام وسيلة للنمو الروحي وطريق اتحاد بين الشرائح المجتمعيّة اي انماء سبيل لتعزيز الروابط بين الكل. وفي هذا تعزيز للكرامة التي تحق بعدل لكل مواطن. ومن هنا ان السياسة الخارجية او الداخلية مرتبطة بالعز المرتبط بدوره بالشبع.

اذا أشبعتم الإنسان مجرد كلام سياسي يتقيأ وتمنعون عن أنفسكم نيل الحب من المواطنين. ويمكن امتداد الحب بين قوم كانوا متخاصمين لأنهم اذا افترقوا في الجزئيات فهم ليسوا مفترقين في محبة الله. لست أعلم بدقة مَن يحب لبنان ومَن لا يحبه. ولكني أعرف أن مَن أحبه يحييه ويحيي الآخرين.

البلد ليس مساحة جغرافية. هو الحب. وهذا يحيي اية فسحة في الأرض. ونصرّ على ان هذا البلد نهائي لأننا ننشئه نحن بحبّنا اياه. لذلك لا يحبّه من جعله تابعًا او نابتًا من شيء آخر. طبعا لا نهاية الا لله. لذلك اذا أحببنا البلد كما يحبه الرب لجعله تواقًا اولا لأبنائه الفقراء ثم الى كل أبنائه. فليمتحن كل منّا قلبه ليحس اذا كان يحس انه يحب البلد اي في أدنى مقام الا يزرع فيه بذار تفرقة تذهب الى حد خطر الفتنة. ولكن انتظروا ان يصرخ الجائع ولا تنتظروا أن يكون متسوّلا امام أبوابكم. الكرامة أهم من الخبز اجمعوهما عسى تكونون صادقين.

نحن لا نريد ان يصبح لبنان متكئا على بلد او مجموعة بلدان لأن الاتكاء هو التوكّل والتوكّل تواكل في اللغة البشرية اي كسل واتباع. ليس الأمر في أن تختار بين محور ومحور. الأمر كله ان نختار البلد او الا نختاره لأن الحب على الصعيد الوطني ليس فيه شرك.

ابتدئوا اذا مما تأكلون وتشربون وتلبسون ثم على أساس هذا اكملوا في التعاون على مستوى الإنتاج والحكومة تأتي نتيجة لمساعيكم لا مبدئا لها. ليست الحكومة كل الدنيا كما يظنّ اللبنانيون. وليست هي البلد وإن لم يستقم بلد بدونها. في هذا التلاقي بين الدولة والمجتمع تقف الحكومات والمؤسسات على أقدامها. المهم ان تعرفوا مقاييس الأشياء وتراتب الأشياء وهذه كلها تعابير للحق  والبلد هو الحق او يكون أكذوبة يجب محوها. نحن نؤمن ان لبنان قادر على الحق وقادر تاليًا على محبة أبنائه في بنيان شامل.

Continue reading