1997, مقالات, نشرة رعيتي

محبة الوصايا/ الأحد 7 أيلول 1997/ العدد 36

أول خطوة الى عمل الصلاح ان تؤمن باللّه وعلى ان ما قاله في الكتاب المقدس هو الحق، اي ان تبتر كل علاقة بنزواتك وشهواتك وما هي توحي اليك. ففِكرُ الإنسان كثيرا ما أتى من أفعاله ولا سيما تلك التي يكرر. فإن مارستَ الكذب طويلا وظننت انه نجَّاك، تميل الى الاعتقاد ان الكذب خير وشطارة، وكذلك ان مارست الاحتيال والسرقة فتعمى عن الحقيقة الإلهية. خطاياك تصير مصدرا لفكرك. ولكون الانسان يميل الى الشر وأن يحوّل الشر الى فكر، تكلم الله ليستأصل التفكير الخاطئ من قلوبنا. الكلمة الإلهية قائمة لأننا غير قادرين بعقلنا وحده على الموقف الصائب أو لأن العقل وحده يزلّ لأن الشرّ يكون قد شوّهه.

          من اجل ذلك كانت الكلمة المقود، واليها نحتكم ومنها نأتي. عندئذ نصير في الحق او نصير الحق. ولكن عليك أن تألف الكلمة، ألاّ تنقطع عنها اذ سرعان ما تنتصب كلماتك انت في عقلك ويجيء تصرفك من هذا. لا كلمتك انت ولكن كلمة الكتاب التي تعرف الصالح لك اكثر مما تعرفه انت. وإذ جعلت إلفة بينك وبين الكلمة وأقامت فيك فارتاحت نفسك اليها، تلجأ اليها وتجعلها على لسانك وفي أذنيك. فإذا جاءك الشرير ليجربك تصدّه بما صار فيك حقا وتَقَوْلَبَتْ نفسُك به وتكون هي الدرع والسيف والخوذة والسلاح الكامل.

          لقد انتبه صاحب المزامير الى هذا في المزمور ال 118، المُرَقم في الطبعات المتداولة 119، فحدَّثَنا عن محبتنا للوصية. قبل نضجنا الروحي، عندما كنّا نتصرف كأولاد في الحياة المسيحية، نكون كأولاد المدرسة. نحس ان الله مثل معلم الصف، يعطي الأوامر، وتكون لذّتنا بمخالفة الأوامر. الإنسان لأول وهلة يجعل عداوة بينه وبين الوصية، وقد يرى انها تقلق حريته. انه هو إله لنفسه. يريد أن تأتي قراراته منه لا من سلطة بشرية كانت ام إلهية. ولكن يأتي يوم ينضج التلميذ فيه ويفهم ان في مصلحته ان يطيع، وان المعلم هو الذي يقرر المعارف التي يجب ان يلقنها لتلميذه.

          الثقة بالله -وهذا هو الإيمان تحديدًا- توحي الينا ليس فقط ان نقتنع بالوصية، ولكن ان نحبها ليقيننا بأن النفس تصح بها وتتجمل، وان ما عدا الوصية إغراء. ولذلك قال داود في هذا المزمور العظيم: “أَخفيتُ كلامَكَ في قلبي لكي لا أخطئ إليك”. ليس فقط قرأته مرّة أو مرات، ولكني أكلته أكلا. استدخال الكلمة الإلهية الى ثنايا القلب حتى تطرد منه الخطيئة لو حاولَتْ ان تتسلل.

          ويتحدث النبي المرنم عن الحب الذي نقتبل فيه الكلمة فيقول: “اشتاقت نفسي الى اشتهاء أحكامك”. قابل بين هذا القول وما نفعله عادة. نحن نشتاق الى الخطايا. داود يشتاق الى وصايا الله اشتياقا.

          ومن بعد التوق الودّ. وهنا يقول: “رفعتُ يدي الى وصاياك التي وددت”. ينتقل بهذا الود الى العمل حيث يقول: “انه وقت يُعْمَل فيه للرب وقد نقضوا شريعتك. لأجل هذا أحببت وصاياك أفضل من الذهب والجوهر”. كلمتك سلاح أحارب به الأشرار. ولن يكون في يدي سلاح ضدهم وقوة كافية لمحاربتهم الا اذا أحببت وصاياك فجذبَتْني وحركَتْني لأخوض معركتك في الكون.

Continue reading