نشوء الزواج / كلمة الراعي “رعيتي”، الأحد 9 آب 1992، العدد 32
الزواج عهد مؤسس على الطبيعة. ينشأ بالحب الذي يجمع رجلًا وامرأة. ولكن هناك مجتمعات قديمة لا تطلب الحب شرطًا ولكن لا بدّ له ان يتكوّن قبل الزواج أو بعده. هناك جاذب يكشفه القول الإلهي منذ التكوين: «ليس جيدًا أن يكون الإنسان وحده على الأرض. فلنصنعنَّ له مُعينًا على شبهه». فاللقاء بين شخصين من الجنسين يضع مبدئيًّا حدًّا لهذه الوحدة.
أجل الحب قائم في الطبيعة، يختلط بما لهذا الجسد من نزعات. يلتقيها وتلتقيه. فالشاب يحسّ بضرورة المرأة إلى جانبه. ميل عام غير محدّد حتّى يجد في مرحلة من مراحل نموّه ووعيه ان نزعته إلى وجهٍ معيّن يلغي الوجوه الأخرى. إذ ذاك يتوحّد بهذا الوجه أي يرى نفسه واحدًا معه. ولا يرى نفسه وطاقاته محقّقة إلَّا مع هذا الشخص. الزوجة الواحدة والزوج الواحد شيء من الطبيعة البشريّة لأنّ الإنسان الناضج عاطفيًّا لا يرى نفسه إلَّا مع إنسان واحد من الجنس الآخر. ما عدا ذلك مراهقة. ان تعدُّد الزوجات تنقُّل وعدم استقرار وعدم رضا. فأنت تتعهّد من تحب وتبقى معه وحده. لا يمكنك احترامه إلَّا إذا كان وحده معك. ولا تتركه أصلًا لأنك معه في صباه وشيخوخته. ولك في كل أطوار عمرك فرح واكتمال.
نحن نتّخذ الطبيعة كما هي. نبدأ بها. لا نحتقرها لأنّ «الزواج مكرَّم ومضجعه غير دَنِسٍ». نحن المسيحيين لا نكره الجنس. نعرف ان الله خلقه وانّه جزء من الكيان البشري، ولكنّه يحتاج إلى ضابط لأنّ الإنسان لا يتّزن بلا ضوابط. والقناة الطبيعيّة للجنس هي الارتباط الدائم بامرأة. الجنس لا يكون نزوة ولا يتغيّر بحسب المزاج. يكون في حراسة الشريعة الإلهيّة.
ذلك ان الإنسان معرّض لتقلّبات النزوة والإغراء، ومحبّة المسيح تنقذه من ذلك. بالزواج يطفئ لهيب الشهوة ويجعلها خاضعة للحب.
الجسد يذهب إلى حيث يشاء. فإذا نزل الحب عليه يجعله إنسانيًّا لأنه يقيمه في علاقة إنسانيّة. الحب شخصي، يجعلك شخصًا بعد أن كان جسدك شيئًا من الطبيعة. كنتَ تلقى أجسادًا. تصير الآن في لقاء وجه. الحبّ والجسد يتواصلان. كلّ منهما يمكث في الآخر ولا يفترقان.
وإذا احتدم الحب يصبح هوى. الإنسان تحت وطأة الهوى يخسر حريته. الهوى جارف يستولي على الآخر حتى الاستعباد. الشخص الآخر يصير الكون كلّه، معبودًا كالإله أو كأنّه الإله. هذا هو الدمار لكل اتّزان.
أمَّا المسيح إذا حلّ فيعيدنا إلى التوازن. يلغي الهوى الجارف ولا يلغي الحب. يزيل الأنانية، الاستبداد الذي يحكم العاشقين. يعيدهم إلى الحريّة الداخليّة. تخمد النار. يبقى الحب نورًا. ينتظم الجسد.
عند ذاك نحب الحبيب كما المسيح أحبّ الكنيسة. المحب يبذل نفسه عن شريكه، يعلّيه. يتطهّر به ويطهّره. يموت من أجل الآخر. العاشق يميت الآخر. الـمُحب يعاهد حبيبه كما عاهد المسيح الكنيسة أن يبقى لها حتّى نهلية الأزمان. المحبّة إذا انسكبت في القلب فالروح القدس فيه. يحب الناس بالصّداقة، بالخدمة، بتضحيات لا تُحَدّ. الحب بين الذكر والأنثى، إذا صفا حتّى يصير انعكاسًا لمحبّة المسيح لأتباعه، هذا الحب ليس شيئًا آخر عن المحبّة التي نادى بها يسوع يُضاف إليها احتضان وحميميّة وعلاقة تعاش على صعيد الجسد حتّى الموت. وهذا ما نسمّيه الزواج.
فإذا عاهدنا بالمحبّة الدائمة شخصًا من الجنس الآخر وساكناه بلا أن نملي شرطًا عليه ما عدا المبادلة يُسمّى هذا زواجًا. الزواج هو المحبًة التي تعمل في اتّجاهين ويذوقها الكائن البشري من حيث هو مركّب من نفس وجسد. ينشأ الحب لأنّه قوّة. تشرف عليه المحبّة الإلهيّة. عند ذاك يقيم المحب والمحبوب معًا في مشروع عطاء دائم يزول مع الموت أو لا يزول حتّى يجيء المسيح ثانية ويتزوّج الكنيسة العروس في ملكوت أبيه.
Continue reading