أنتم نور العالم/ الأحد 25 تموز 1999/ العدد 30
يقولها يسوع في عظة الجبل لتلاميذه (متّى 5: 14)، ثم يحضّهم هكذا: «فليضئ نوركم قدام الناس لكي يروا أعمالكم الصالحة ويمجّدوا أباكم الذي في السموات». يأتي هذا الكلام بعد التطويبات وكأنه يوحي أنكم إذا كنتم مساكين بالروح، رحماء، أنقياء… فهذا نور فيكم، وهذا لا بد له أن يبدو أمام الناس. ولكن حذار أن تتمجّدوا به. المجد يعود فقط إلى الآب لكونه هو مصدر هذا النور. ما عدا ذلك انتفاخ وادعاء، والفضل كله إذا استنرتم هو الله.
ويؤكد يسوع في موضع آخر أنه هو نور العالم (يوحنا 8: 12). وكان يوحنا الإنجيلي قد أعلن في مطلع إنجيله أن السيد هو «النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتٍ إلى العالم» (يوحنا 1: 9). الإنسان ليس فيه نور مستقلٌّ عن هذا الذي ينبثق من يسوع.
كان العهد القديم قد أوضح أن الرب يلبس النور مثل الثوب وأن المسيح سيأتي نورا للأمم. في الأنبياء الله نور ويرسل نوره إلى الصِدّيقين. النور، الله مصدره، ومصبّه المؤمنون به، وإذا هم أخذوا يعاينون به النور الإلهي.
غير أن ثمّة موضعا في عظة الجبل يقول الرب فيه: «إن كان النور الذي فيك ظلاما، فالظلام كم يكون» (متى 6: 23). هناك إذًا ناس مظلمون يدّعون أنهم مُستَنيرون لأنهم ليسوا في اتصال حقيقي مع الرب، ليسوا على عمق اتصال. لذلك قال بولس: «فليكن فيكم الفكر الذي في المسيح يسوع أيضا» (فيليبي 2: 5). إن مطابقة أفكارنا أو طاعة أفكارنا لفكر المسيح هو الدليل على أن فينا نوره. وبعد قول الرسول هذا، نادانا إلى التواضع. الذي يرانا على التواضع يمكن أن يتبيّن أن لنا فكر المسيح. قياسا على هذا، من رآنا على فضائل أخرى يمكن أن يسترشد بها على النور الذي فينا. الفضيلة نور.
غير أن هذا لا يكفي. هناك استقامة الرأي التي نترجم بها كلمة «أرثوذكسية» اليونانية. من لم يكن على الرأي المستقيم الذي انتقل إلينا من الإنجيل عبر الرسل والآباء والشهداء كان في الظلام ولو ادّعى أنه موافق للإنجيل. ولهذا كانت قناعتنا أن الذي انحرف عن استقامة الرأي يكون مدّعيا أو متكبّرا غير مذعنٍ لما «تَسلَّمَه القديسون مرة». الذين أسسوا الهرطقات هم كذلك. جاؤوا من العناد. لا أقول الشيء نفسه عن الأجيال التي لحقت بهم. هذه وُلدت على الخطأ واستمرّ الخطأ. تشبُّثهم بالغلط ولو بيّنتَ لهم الحق دليل على أنهم يحجزون الحق بالباطل، وإذا بقوا على هذه الحال فهم مجدِّفون على الروح القدس وهؤلاء لا خلاص لهم.
في أية حال نكون عليها في شذوذ الفكر أو شذوذ السلوك، المهم أن نعرض نفوسنا على نور المسيح، أن نسأل الكنيسة عن فكرها. المحزن أن الكثيرين ممن ينتقدون تعاليمنا أو بعضها –ومنهم الأرثوذكسيّ المولد– لم يقرأوا في حياتهم شيئا ولم يكونوا على اتصال بما نقوله حقيقةً وما نعنيه.
غير أن دفاعك عن الإيمان لا يبلغ السامع بالكلام وحده. عليك أن تكون جميلا روحيا، محبا لله، متواضع القلب، حادًا صارما ولكن غير مخاصم ولا شتاما، غير مبغض للمخطئ ولكن مبغض للخطأ الذي فيه. إن كنت مستنيرا سلوكيا فالنور الذي في عقلك وداخل قلبك يصل إلى سامعيك. أنت لا تدحض الهرطقة بالكلام فقط، ولكنك تدحضها بالضياء الذي فيك.
Continue reading