قال أرسطو: «يا أصدقائي، ليس من أصدقاء». لن أناقش المعلم الاول في ما ذهب إليه مغاليا. فالبشرية لا تخلو من محبين صادقين كما لا تخلو من مبغضين كثر. في اللغة صادقته أي خاللته. ومعنى صديق فلان انه صدقه المودة والنصيحة. هناك اذا نأي عن الكذب. هناك مبيت في الاخلاص: «أحبب صديقك كنفسك». بذا تجعله قريبًا وكأنكما واحد. لعل كل سر الصداقة انه يكمن كليا في المحبة التي يصير فيها المحبوب واحدًا مع المحب.
مرة خاطب احد قياصرة روسيا الرئيس الفرنسي في رسالة اليه قائلا: صديقي العزيز، فأراد الرئيس الفرنسي ان ينقح له العبارة قائلا: في العرف الديبلوماسي يقال يا أخي العزيز. أجابه الروسي: أخوك مفروض عليك (بالطبيعة) اما صديقك فتختاره.
كيف تتلاقى القلوب هذا سر الوجود. ما اجرؤ على قوله ان هذا سر إلهي. الله عاقد القلوب وفيه وبه تتوحد بحيث تنطق نطقا واحدا فلا يبقى محل للخلاف في الوجدان ولو بقي محل للاختلاف العقلي. ولا ينثلم القلب بذا ولا يخشى الاختلاف ولو بمباينة قليلة اذ المصدر واحد وهو الحقيقة الوجدانية العميقة التي تتبلر واحدة فيك وفيه.وتطمئن الى الآخر لعلمك بإخلاصه للحق صدر منك او صدر من الآخر. لم يجعلكما التماهي واحدا ولكن الحق انشأ فيكما التماهي لأنكما ثمرته الواحدة. للانسان قلب رحب بالحق او هو ليس بشيء.
فيها حركة شبيهة بالتنزيل والرب يختار لإلهامه آنية مختلفة في ما يبدو منها وكأنها واحدة لأنها قادرة على تقبل كلمة منه واحدة فاذا استوعبت تجعل من الاثنين واحدا. الباقي فروق في التعبير او النبرة او الصيغة. واحدكما اقوى منطقا او حدة ذكاء. وحدتكما ليست بهذه ولكن بما استلمته من فوق. التصرف الواحد يمكن ان يكون لغة الله اذا ظهرت.
لغة الله تصير لغة الناس سلوكا وكأنهم مرآة ربهم. قول الله نفسه نسميه اللاهوت وقول الانسان نفسه نسميه الناسوت. والقول والكيان واحد. ويقترب الانسان من الله احيانا بقوة بحيث لا تقدر ان تميز على مستوى الكلام ما هو للخالق وما هو للمخلوق. اذا كنت مع اهل التجلي لا تقدر بسهولة ان تؤكد ان قول الانسان هو له وحده. الرؤية اذا انكشفت تجعلك تميل الى انها سقطت عليك من المحل الأرفع.
# #
#
ما المقولة الوجدانية التي فيها تنوجد الصداقة؟ هي الشركة او المشاركة اي ذلك الاتحاد الذي لا يلغي الإثنينية الكيانية ولكن يحول طاقتها الى وحدة عطاء، الى تكامل بمعنى ان الشخصية لا تتحقق الا بالآخر. الذات ليست الفردية التي هي تأكيد الأنا بالانعزال عن الآخر. الآخر ليس آخر بمعنى ضد أناك ولكن بمعنى انكما بتما حركة واحدة لا إقصاء فيها لصوت واحد منكما ولا ذوبان.
الوحدة تفترض دائما وجها آخر ليس مرآة لوجهك ولكنه نحوه او اليه. ما سميناه مشاركة يمكن تسميته المعية والمعية تفرض سيرا جنبا الى جنب في التآزر في حالة سلامة المشي او صعوبة المشي عند أحدكما. انت تعطي صديقك نفسك اذا رأيته يعرج فيحس انه قد بلغ السلامة.
غير انه يتعذّر عليك الذهاب ان لم يمسك الله بيدك. ما من تجاوز للثنائية الخطرة الا بالثالوثية التي الله مبدؤها وغايتها. الصداقة لا تنتهي الا اذا خان احدكما ربه فيخون منطقيا صديقه. ما من لقاء بشري محتوم مهما تأججت العاطفة. انها تسقط عند نتوء الأنا. فاذا غاب وجه الله عنكما يذبل انت او هو او كلاكما وكأن شيئا من صفاء القربى لم يكن. في عالم القصة وضع فرنسوا مورياك كتابا عنونه «صحراء الحب». اية كانت فلسفة المؤلف احتسب ان الصداقة الجامعة هي التي تلغي جفاف الوجود فاذا زرعت المحبة تتفجر من تحتها الجنات التي تروي كل العطشى.
# #
#
انتقدني بعض الأصدقاء لأني تجرأت في «لو حكيت مسرى الطفولة» على قول ما مفاده ان الصداقة اصفى عاطفة او اجمل. قد لا اكون متمسكا بهذه الصياغة ولكني أردت انها العاطفة الوحيدة على مستوى الطبيعة التي لا تتضمن تبادلا لأن التبادل يسري من نفسه. فاذا علاك المحب تعلو وتعليه بدورك ولا تطلب شيئا خارج نطاق الصداقة من متاع هذه الدنيا.
اجل عندك مشاعر اخرى طبيعية ايضا كتلك التي تربط الرجل بالمرأة وقد تصل هذه الى التجرد الكبير والى الصفاء ولكن تضاف عليها مكونات اخرى كالمال والبيت وذوو القربى التي تهدد احيانا الصفاء الكامل. قلت احيانا لأني لا أشك في إمكان الإخلاص الكامل في الحياة الزوجية. جل ما اردته في موقفي القديم في «لو حكيت مسرى الطفولة» ان الصداقة في طبيعتها الحالية كالماء العذب الذي لا لوثة فيه وانها في أحايين كثيرة طريقنا الى الحياة الزوجية العظيمة. انت تأخذ رفقاءك امام وجه الله فيستضيئون به ويقتربون.
في طاعة الله لا تستطيع ان تحب الله كما احبك لأن قلبه اوسع من قلبك. ولكن على صورة حبه لك تقدر ان تحب الآخر لأن الرب يوسع قلبك في كل حين ويجعل قلبك مثل قلبه على قدر ما تستطيع البشرة ان تكون متقبلة.
اذا مات الأصدقاء تبقى متشبها بفضائلهم فتحيا. الذين في الفردوس ومن استبقوا على الأرض يظلّون واحدا لأن الوجوه تظل الى الوجوه اذ الرب هو الجامع. اخرجوا من الصحراء.
قال أرسطو: «يا أصدقائي، ليس من أصدقاء». لن أناقش المعلم الاول في ما ذهب إليه مغاليا. فالبشرية لا تخلو من محبين صادقين كما لا تخلو من مبغضين كثر. في اللغة صادقته أي خاللته. ومعنى صديق فلان انه صدقه المودة والنصيحة. هناك اذا نأي عن الكذب. هناك مبيت في الاخلاص: «أحبب صديقك كنفسك». بذا تجعله قريبًا وكأنكما واحد. لعل كل سر الصداقة انه يكمن كليا في المحبة التي يصير فيها المحبوب واحدًا مع المحب.
مرة خاطب احد قياصرة روسيا الرئيس الفرنسي في رسالة اليه قائلا: صديقي العزيز، فأراد الرئيس الفرنسي ان ينقح له العبارة قائلا: في العرف الديبلوماسي يقال يا أخي العزيز. أجابه الروسي: أخوك مفروض عليك (بالطبيعة) اما صديقك فتختاره.
كيف تتلاقى القلوب هذا سر الوجود. ما اجرؤ على قوله ان هذا سر إلهي. الله عاقد القلوب وفيه وبه تتوحد بحيث تنطق نطقا واحدا فلا يبقى محل للخلاف في الوجدان ولو بقي محل للاختلاف العقلي. ولا ينثلم القلب بذا ولا يخشى الاختلاف ولو بمباينة قليلة اذ المصدر واحد وهو الحقيقة الوجدانية العميقة التي تتبلر واحدة فيك وفيه.وتطمئن الى الآخر لعلمك بإخلاصه للحق صدر منك او صدر من الآخر. لم يجعلكما التماهي واحدا ولكن الحق انشأ فيكما التماهي لأنكما ثمرته الواحدة. للانسان قلب رحب بالحق او هو ليس بشيء.
فيها حركة شبيهة بالتنزيل والرب يختار لإلهامه آنية مختلفة في ما يبدو منها وكأنها واحدة لأنها قادرة على تقبل كلمة منه واحدة فاذا استوعبت تجعل من الاثنين واحدا. الباقي فروق في التعبير او النبرة او الصيغة. واحدكما اقوى منطقا او حدة ذكاء. وحدتكما ليست بهذه ولكن بما استلمته من فوق. التصرف الواحد يمكن ان يكون لغة الله اذا ظهرت.
لغة الله تصير لغة الناس سلوكا وكأنهم مرآة ربهم. قول الله نفسه نسميه اللاهوت وقول الانسان نفسه نسميه الناسوت. والقول والكيان واحد. ويقترب الانسان من الله احيانا بقوة بحيث لا تقدر ان تميز على مستوى الكلام ما هو للخالق وما هو للمخلوق. اذا كنت مع اهل التجلي لا تقدر بسهولة ان تؤكد ان قول الانسان هو له وحده. الرؤية اذا انكشفت تجعلك تميل الى انها سقطت عليك من المحل الأرفع.
# #
#
ما المقولة الوجدانية التي فيها تنوجد الصداقة؟ هي الشركة او المشاركة اي ذلك الاتحاد الذي لا يلغي الإثنينية الكيانية ولكن يحول طاقتها الى وحدة عطاء، الى تكامل بمعنى ان الشخصية لا تتحقق الا بالآخر. الذات ليست الفردية التي هي تأكيد الأنا بالانعزال عن الآخر. الآخر ليس آخر بمعنى ضد أناك ولكن بمعنى انكما بتما حركة واحدة لا إقصاء فيها لصوت واحد منكما ولا ذوبان.
الوحدة تفترض دائما وجها آخر ليس مرآة لوجهك ولكنه نحوه او اليه. ما سميناه مشاركة يمكن تسميته المعية والمعية تفرض سيرا جنبا الى جنب في التآزر في حالة سلامة المشي او صعوبة المشي عند أحدكما. انت تعطي صديقك نفسك اذا رأيته يعرج فيحس انه قد بلغ السلامة.
غير انه يتعذّر عليك الذهاب ان لم يمسك الله بيدك. ما من تجاوز للثنائية الخطرة الا بالثالوثية التي الله مبدؤها وغايتها. الصداقة لا تنتهي الا اذا خان احدكما ربه فيخون منطقيا صديقه. ما من لقاء بشري محتوم مهما تأججت العاطفة. انها تسقط عند نتوء الأنا. فاذا غاب وجه الله عنكما يذبل انت او هو او كلاكما وكأن شيئا من صفاء القربى لم يكن. في عالم القصة وضع فرنسوا مورياك كتابا عنونه «صحراء الحب». اية كانت فلسفة المؤلف احتسب ان الصداقة الجامعة هي التي تلغي جفاف الوجود فاذا زرعت المحبة تتفجر من تحتها الجنات التي تروي كل العطشى.
# #
#
انتقدني بعض الأصدقاء لأني تجرأت في «لو حكيت مسرى الطفولة» على قول ما مفاده ان الصداقة اصفى عاطفة او اجمل. قد لا اكون متمسكا بهذه الصياغة ولكني أردت انها العاطفة الوحيدة على مستوى الطبيعة التي لا تتضمن تبادلا لأن التبادل يسري من نفسه. فاذا علاك المحب تعلو وتعليه بدورك ولا تطلب شيئا خارج نطاق الصداقة من متاع هذه الدنيا.
اجل عندك مشاعر اخرى طبيعية ايضا كتلك التي تربط الرجل بالمرأة وقد تصل هذه الى التجرد الكبير والى الصفاء ولكن تضاف عليها مكونات اخرى كالمال والبيت وذوو القربى التي تهدد احيانا الصفاء الكامل. قلت احيانا لأني لا أشك في إمكان الإخلاص الكامل في الحياة الزوجية. جل ما اردته في موقفي القديم في «لو حكيت مسرى الطفولة» ان الصداقة في طبيعتها الحالية كالماء العذب الذي لا لوثة فيه وانها في أحايين كثيرة طريقنا الى الحياة الزوجية العظيمة. انت تأخذ رفقاءك امام وجه الله فيستضيئون به ويقتربون.
في طاعة الله لا تستطيع ان تحب الله كما احبك لأن قلبه اوسع من قلبك. ولكن على صورة حبه لك تقدر ان تحب الآخر لأن الرب يوسع قلبك في كل حين ويجعل قلبك مثل قلبه على قدر ما تستطيع البشرة ان تكون متقبلة.
اذا مات الأصدقاء تبقى متشبها بفضائلهم فتحيا. الذين في الفردوس ومن استبقوا على الأرض يظلّون واحدا لأن الوجوه تظل الى الوجوه اذ الرب هو الجامع. اخرجوا من الصحراء.
Continue reading