Monthly Archives

July 2012

2012, مقالات, نشرة رعيتي

دعوة مطارنة إلى هذه الأبرشية/ الأحد 29 تموز 2012 / العدد 31

القاعدة القانونية في كنيستنا أن المؤمن اذا شاء خدمة إلهية كالمعمودية او الإكليل او الجنازة أن يرئسها رئيس كهنة، فهذا الرئيس هو مطران الأبرشية لكونه هو المسؤول عن إقامة اي سر من أسرار الكنيسة ولكون المؤمن مرتبطًا به أولا أو يكتفي الأرثوذكسي بكاهن رعيته. وإذا رغب في دعوة آخر بسبب من صداقة شخصية تربطه به فهو حُرّ أن يدعوه، وهذا المطران يدخل الى أبرشيتنا بموافقة مطرانها. وهذا ليس فيه مشكلة لأن السادة الأجلاء كلهم إخوة وكلهم مرحّب بهم.

أما أن يقرر المؤمن دعوة مطران من أبرشية اخرى او أسقف وأن يمتنع عن دعوة صاحب الأبرشية فهذا غير قانوني لأنه يعني إزاحة صاحب المكان والتنصّل مِن أُبوّته الشرعية.

سبق أن كتبت في هذه الزاوية اني لست أرغب في حمل عبء هذه الصلوات لأن الكاهن قادر وحده ان يقوم بها، ولكني استجبتُ لكم دائما الا اذا كان هناك عُذر حقيقي مثل المرض او التعب الشديد او السفر او تضارب أوقات. انا لست أعتذر لسبب عاطفي. كلكم أبناء ولكُم محبة الأب لأبنائه.

فإذا أصررتم على مشاركة رئيس كهنة فالقانون الكنسي يفرض عليكم دعوة خادم هذه الأبرشية أولاً وتُضيفون عليه رئيس كهنة تربطكم به مودّة خاصة. من الطبيعي أن تفهموا أن إزاحة رئيس الأبرشية تجريح له. واذا لم تُحبّوه لسببٍ فيكم فالمحبة ليست مفروضة على أحد. انا مات أبي وأمي واستأذنتُ مطران أبرشيتهما لأشترك في الجنازة. وليس لي حقّ على هذا المطران لو رفض.

استأذنتُ مرة لأَحضر صلاة النوم الكبرى في إحدى الأبرشيات بالصوم، والمطران يحضر حضورًا ولا يقول كلمة. لا يمكن أن يعرف المطران المحلّيّ من الشارع أن مطرانًا آخر جاء الى أبرشيته.

أنت لا تختار والدك. الطبيعة فرضَتْه عليك. انت غير مطلوب رأيك في مطرانك، ولكن مطلوب إليك تكريمه وألا تتجاهل وجوده. نحن عائلة الآب ويرئسها في الكنيسة إنسان يُدعى المطران. ولا يجري احتفال أُسقفيّ بلا بركته او رضاه. أنت تعيش في مكان محدد واقع في أبرشية واحدة.

انا أعذر الذين تَصرّفوا ضد القاعدة اذا كانوا لا يعرفونها. ولكن الذين يعرفونها ويتصرفون ضدها لا عذر لهم ولا أُباحثهم في الأمر، ولكن يحق لي أن أحزن لجهلهم.

فليتساءل هؤلاء الإخوة الذين يستبعدون مطرانهم عن سبب الاستبعاد. في الكنيسة علاقات نظامية تابعة للتراث الأرثوذكسي الذي لم أضعه أنا ولكن وضعه آباؤنا. لا يتصرّف المؤمن حسب نزواته وانفعالاته، ولكنه يسلك كما قرر آباؤنا القديسون.

اذا كان عندكم لوم على مطرانكم فاذهبوا اليه وعاتبوه، وليكن لومكم ثابتا، وكلكم يعرف أنه يستقبلكم ببساطة كلية ويفتح قلبه لكم ويصحح خطأه اذا كان ثابتا. لا تُحزنوا رؤساءكم ولا تنفصل قلوبكم عن قلوبهم لأن هذا لا يرضى عنه الله. كونوا واحدًا مع الأسقف اذ «حيث يكون الأسقف فهناك الكنيسة» (القديس إغناطيوس الأنطاكي). أيّ مطران في مكانه ليس له بديل.

صلّوا من اجل أبيكم الروحيّ وليكن معكم في خدمة إلهية تريدون فيها رئيس كهنة، واطلبوا اي أخ لكم معه والله حافظكم الى الأبد.

Continue reading
2012, جريدة النهار, مقالات

الآخرون / السبت 28 تموز 2012

لا تستطيع أن تقول أنا ما لم تقل أنت لأنك محدد بالمواجهة وهي أن يكون الوجه الى الوجه. يقابله فيتحدد الاثنان. أنت متكون بالصلة. وإن كنت أنانيا بشكل جنوني ترى الآخر مرآة لك. وان لم يكن عندك إيثار مرضي لنفسك فأنت متقبل الاخر بمقدار ان لم تكن حاضنه كثيرا فمن داخلك ينشئك وينشىء نفسه بك واذا استقبلك في الحقيقة تصعدان معا الى فوق. اذ ذاك يكون الله منشئكما وكل منكما تشكله رؤية الله فترى الله في الاخر او شيئا الهيا فيه.

انت لا تستطيع معاملتك لله ما لم تقرب الآخر اليه كما تقدم القربان اي تشده الى الرب لتستلمه منه واذ بك وبه كالنهار اذا تجلى (سورة الليل، 2)

الاخرون ليسوا جماعة معتمة. يستضيء فيها كل شخص اذا عرف الاخرين افرادا متداخلين بالحب او اقله بنباهة النفس كما يقول الارثوذكسيون في قداسهم بحيث يكون الواحد في قلب الآخر وينفرد هكذا عن الاكتظاظ الجماعي ليرى كلا من الجماعة فريدا. هذا هو الفرق بين مجموعة بشرية وقطيع غنم. القطيع تعد كل حيوان فيه وتجمع الواحد الى الاخر وتكون قضية حساب ولا يتميز الواحد عن الآخر ولا بد من دمغة تضعها على جلده اذا شئت التمييز. اما البشر فكل منهم متميز ليس مثله آخر. سبعة مليار في انسانية اليوم لا يتطابق احدهم والآخر. الفرادة هي توصيف اناس والله يراهم متمايزين ليس فقط في وجوههم ولكن في قلوبهم ايضا. ليس عند الله قوالب للنفوس ولا تذوب الواحدة بالاخرى لكي تؤلف نفسا واحدة.

هذه بدعة كفرتها الكنيسة لكي تحافظ على الشخص الوحيد. في الملكوت نظل متقابلين، محبين، وغير منصهرين، أحدنا بالآخر لأن المحبة تثبت الاخر ولا تذيبه.

استقلالك عن الآخر لا نفور فيه. انه يدعم الذات. الذات الاخرى، ليست النفوس جثثا متراكمة كالاجساد. هي دائما متواجهة بسبب من النعمة المنسكبة على كل واحدة منها. الله جامعها بما يحييها بحنانه ولا يغض الطرف عن واحدة منها لئلا تموت.

#   #

#

العقول مختلفة ومتخالفة احيانا كثيرة لان في العقل ارباكا وارتباكا ولانه يتاذى كثيرا بالعقول الاخرى التي تتنكر له. الانسانية تقوم على تنوعات متضاربة  او متعاكسة ويضعف العقل ومطلقه البدئي لم يبق وهذا يفسره تباين العقول.

ولكن الانسان ليس اخر بسبب من عقله. في تركيبته الشاملة هو غيرك وقد يكون قريبك ولو اختلفتما في الرأي ولا تبغضه لكونه مختلفا عنك. العقول الصغيرة تفعل هذا. وعند العقلاء ليس الفكر سببا للتصادم الوجداني او الكياني اذ الكيان في عمقه هو القلب. كذا في فكر الكتاب المقدس في عهديه وكذا عند آبائنا. انت تلحظ ان الذات المقابلة لك هي الاخر لانها تختلف عنك بمقدار المحبة. مع ذلك تضم ذاتك الذات الاخرى اذا كنت مجاني العطاء ولم تحتكر الاخرين في نفسك. «فذكر انما انت مذكر. لست انت عليهم بمسيطر» (سورة الغاشية، 21 و22).

هذا هو معنى الحوار الذي يتأسس على ان الآخر موجود لانه ناطق وانه يحبك عند الحاجة ولكنه يقر بك وتقر انت به حتى يتجلى النور من المقابلة. الفكر ليس إملاء. انه تلاق. الاخر ينفع الحقيقة التي انت حاملها وهي تبتكر به. الحقيقة تنكشف من احتكاك الواجدانات بمعرفة وبغير معرفة ومحبة. وكلاهما يساعد على تواصل الحقائق بعضها ببعض.

المحبة تفرض ايمانك بأن الله ائتمنك على اشياء من عنده وائتمن محاورك على أشياء من عنده ايضا وقد تكون هذه جميعا متقاربة. المحبة هي الجسر بين عمق وعمق ولو تباينت الاراء. وهذا التباين لا يؤتي بعداء ان كنا متعقلين وعلى صفاء كبير ليقينك بان الانسان الاخر حبيب الله مثلك وقد يكون جامعا بين قلب كبير وعقل محدود. وانت ضامه اليك بالدعاء وواضعه في رحاب الله التي نزلت عليك.

#   #

#

هنا يأتي ذكر من سمي عدوا.  «سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. واما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم. باركوا لاعنيكم. احسنوا الى مبغضيكم وصلوا لاجل الذين يسيؤون اليكم ويطردونكم. لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السموات» (متى 5: 43-45).

عند الكثيرين مشكلة مع حب الاعداء لكونهم مرتكزين على الأنا المنغلقة التي ليس فيها مجال للاخر، لانها مالكة الوجود وطاردة الخصوم من الوجود وتاليا مميتهم عقليا. فاذا ذهبوا عن رؤيتي يكونون ذهبوا عن العالم كله.

امام هذا الشك بالوصية يبدو الغفران مبنيا على قول يسوع الناصري: «لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات». وانت لا تقدر ان تقبل عدوك كقبولك اخاك ما لم تعترف انه ابن ذاك الذي في السموات وان مكانته عند الرب بغفران هذا له كمكانتك انت الذي تعيش ايضا بالغفران. من كان ابنا لله هو بالضرورة أخ لك. اذ ذاك، لا ترى عداوته وتراه في دائرة السماحة الالهية كما أنت فيها بسبب من مسامحتك.

العدو صديق عندك بالحب وتغطي وجهه بالنور الالهي، الاخر ليس فقط من أحبك ولكنه ايضا من أبغضك. كل منهما اخ لك اذ الاخوة نازلة من السماء مهما شعر ذاك ومهما شعرت انت. انت واياه في عائلة الآب وفيها يزول كل انفعال وتصبح النفس الى النفس لان كل واحدة منها مرآة ذلك الاله المحب البشر.

Continue reading
2012, مقالات, نشرة رعيتي

توصيات إلى أهل رومية/ الاحد 22 تموز 2012 / العدد 30

يبدأ بولس حديثه في اللاهوت وينهيه بالأخلاق كما في هذه الرسالة الى أهل رومية. يلاحظ في بدء المقطع أن في الكنيسة أقوياء وضعفاء وكلهم إخوة. الأقوياء هم المتمسّكون بالمسيح بشدة ويعرفون عنه الكثير بالفضائل التي في نفوسهم تستقبل السيد. والضعفاء ليس عندهم هذه الغيرة او ليس عندهم معرفة كبيرة. في الكنيسة نتقّبل أحدُنا الآخر لأن الله قبله. الكنيسة لا تقبل كبرياء العارفين كما لا تقبل أن يقول الضعيف انا هكذا وأُصرّ أن أبقى ضعيفًا ولستُ أُريد ان أتعلّم او ان أُجاهد في سبيل بهاء روحيّ أعظم. كلنا يجاهد ليصل الى الذروة.

أمام هذا المشهد لنا «الرجاء بالصبر وبتعزية الكتب». نصبر من أجل رجاء أكبر وتمسّك بالإيمان عظيم. والإيمان يأتي من الكتب المقدسة أذا قرأناها. وسطورها لا تنتقل الينا إن لم نقرأ. ودائمًا أنا مصدوم لأن الكثيرين من إخوتنا لا يعرفون العهد الجديد، واذا واظبوا على الصلاة يسمعون 52 مقطعًا من الأناجيل الأربعة ويدركون قليلا قراءة الرسالة وربما سمعوا شيئًا في الصيام. كيف تأتيهم تعزية الكتب؟

يضيف بولس، الى رجاء معرفتهم بالكتب، أن يكونوا متّفقي الآراء بحسب المسيح يسوع مستندين على العقيدة الواحدة واستقامة الرأي وما همّه أن يكونوا متّفقين في أمور هذه الدنيا، في السياسة مثلا. الكنيسة ليس لها رأي في هذه السياسة او تلك إلا أنها مع الفقراء والمظلومين وضد الهدر والسرقة.

ينتج من هذا أننا «بنفس واحدة وفم واحد نُمجّد الله أبا ربنا يسوع المسيح». نمجّده من كل كياننا ونحن متّفقو الآراء التي تأتينا من إنجيله.

ثم يختم بقوله: «فليتّخذ بعضُكم بعضا كما اتّخذكم المسيح»، اي فليكن كلّ منكم للآخر مثل أب او ابن او أخ. تعهّدوه في الخدمة لأنكم معًا عائلة الآب. وفي كل هذا لا يسعى أحد الى مصالحه او إكثار محبّيه بل تعاونوا وأَقيموا بنيانًا روحيا واحدًا لمجد الله. أنتم لستم غاية لذواتكم. تخدمون بعضكم بعضًا لكي يبقى الله سيدًا على الكنيسة. ساندوا بعضُكم بعضًا ليس للمنافع المتبادَلة ولكن لتكونوا واحدًا لله في يسوع المسيح ربنا.

الله هو الذي يجعلكم واحدًا بيسوع المسيح اذا أَطعتموه. تعاونوا في تفعيل كل منكم موهبته للآخرين. هذا يعطي تعليمًا وذاك افتقادًا او إحسانًا والآخر وعظًا او تدبيرًا لشؤون الكنيسة. فلا يفرّق بينكم أحد لأن المسيح اذا أُعطي من كل واحد للآخر يكون هو الجامع بينكم وتصير الكنيسة، اذ ذاك، جسدًا واحدًا عاملا في كل فرد من أفرادها وهي موحّدة بنعمة المخلّص لها وبقبول كل مؤمن فيها عطاء الرب، وفي هذا تبدُون جسدًا واحدًا للمسيح حتى إنّ من رآكم موحّدين يكون شاهدًا للمسيح الواحد القائم في كل واحد منكم.

«المحبة لا تسقُط أبدًا» وهي التي تبني كُلاّ منكم وتَبنِيكم مجتمعين.

Continue reading
2012, جريدة النهار, مقالات

الصديق / السبت 21 تموز 2012

قال أرسطو: «يا أصدقائي، ليس من أصدقاء». لن أناقش المعلم الاول في ما ذهب إليه مغاليا. فالبشرية لا تخلو من محبين صادقين كما لا تخلو من مبغضين كثر. في اللغة صادقته أي خاللته. ومعنى صديق فلان انه صدقه المودة والنصيحة. هناك اذا نأي عن الكذب. هناك مبيت في الاخلاص: «أحبب صديقك كنفسك». بذا تجعله قريبًا وكأنكما واحد. لعل كل سر الصداقة انه يكمن كليا في المحبة التي يصير فيها المحبوب واحدًا مع المحب.

مرة خاطب احد قياصرة روسيا الرئيس الفرنسي في رسالة اليه قائلا: صديقي العزيز، فأراد الرئيس الفرنسي ان ينقح له العبارة قائلا: في العرف الديبلوماسي يقال يا أخي العزيز. أجابه الروسي: أخوك مفروض عليك (بالطبيعة) اما صديقك فتختاره.

كيف تتلاقى القلوب هذا سر الوجود. ما اجرؤ على قوله ان هذا سر إلهي. الله عاقد القلوب وفيه وبه تتوحد بحيث تنطق نطقا واحدا فلا يبقى محل للخلاف في الوجدان ولو بقي محل للاختلاف العقلي. ولا ينثلم القلب بذا ولا يخشى الاختلاف ولو بمباينة قليلة اذ المصدر واحد وهو الحقيقة الوجدانية العميقة التي تتبلر واحدة فيك وفيه.وتطمئن الى الآخر لعلمك بإخلاصه للحق صدر منك او صدر من الآخر. لم يجعلكما التماهي واحدا ولكن الحق انشأ فيكما التماهي لأنكما ثمرته الواحدة. للانسان قلب رحب بالحق او هو ليس بشيء.

فيها حركة شبيهة بالتنزيل والرب يختار لإلهامه آنية مختلفة في ما يبدو منها وكأنها واحدة لأنها قادرة على تقبل كلمة منه واحدة فاذا استوعبت تجعل من الاثنين واحدا. الباقي فروق في التعبير او النبرة او الصيغة. واحدكما اقوى منطقا او حدة ذكاء. وحدتكما ليست بهذه ولكن بما استلمته من فوق. التصرف الواحد يمكن ان يكون لغة الله اذا ظهرت.

لغة الله تصير لغة الناس سلوكا وكأنهم مرآة ربهم. قول الله نفسه نسميه اللاهوت وقول الانسان نفسه نسميه الناسوت. والقول والكيان واحد. ويقترب الانسان من الله احيانا بقوة بحيث لا تقدر ان تميز على مستوى الكلام ما هو للخالق وما هو للمخلوق. اذا كنت مع اهل التجلي لا تقدر بسهولة ان تؤكد ان قول الانسان هو له وحده. الرؤية اذا انكشفت تجعلك تميل الى انها سقطت عليك من المحل الأرفع.

#   #

#

ما المقولة الوجدانية التي فيها تنوجد الصداقة؟ هي الشركة او المشاركة اي ذلك الاتحاد الذي لا يلغي الإثنينية الكيانية ولكن يحول طاقتها الى وحدة عطاء، الى تكامل بمعنى ان الشخصية لا تتحقق الا بالآخر. الذات ليست الفردية التي هي تأكيد الأنا بالانعزال عن الآخر. الآخر ليس آخر بمعنى ضد أناك ولكن بمعنى انكما بتما حركة واحدة لا إقصاء فيها لصوت واحد منكما ولا ذوبان.

الوحدة تفترض دائما وجها آخر ليس مرآة لوجهك ولكنه نحوه او اليه. ما سميناه مشاركة يمكن تسميته المعية والمعية تفرض سيرا جنبا الى جنب في التآزر في حالة سلامة المشي او صعوبة المشي عند أحدكما. انت تعطي صديقك نفسك اذا رأيته يعرج فيحس انه قد بلغ السلامة.

غير انه يتعذّر عليك الذهاب ان لم يمسك الله بيدك. ما من تجاوز للثنائية الخطرة الا بالثالوثية التي الله مبدؤها وغايتها. الصداقة لا تنتهي الا اذا خان احدكما ربه فيخون منطقيا صديقه. ما من لقاء بشري محتوم مهما تأججت العاطفة. انها تسقط عند نتوء الأنا. فاذا غاب وجه الله عنكما يذبل انت او هو او كلاكما وكأن شيئا من صفاء القربى لم يكن. في عالم القصة وضع فرنسوا مورياك كتابا عنونه «صحراء الحب».  اية كانت فلسفة المؤلف احتسب ان الصداقة الجامعة هي التي تلغي جفاف الوجود فاذا زرعت المحبة تتفجر من تحتها الجنات التي تروي كل العطشى.

#   #

#

انتقدني بعض الأصدقاء لأني تجرأت في «لو حكيت مسرى الطفولة» على قول ما مفاده ان الصداقة اصفى عاطفة او اجمل. قد لا اكون متمسكا بهذه الصياغة ولكني أردت انها العاطفة الوحيدة على مستوى الطبيعة التي لا تتضمن تبادلا لأن التبادل يسري من نفسه. فاذا علاك المحب تعلو وتعليه بدورك ولا تطلب شيئا خارج نطاق الصداقة من متاع هذه الدنيا.

اجل عندك مشاعر اخرى طبيعية ايضا كتلك التي تربط الرجل بالمرأة وقد تصل هذه الى التجرد الكبير والى الصفاء ولكن تضاف عليها مكونات اخرى كالمال والبيت وذوو القربى التي تهدد احيانا الصفاء الكامل. قلت احيانا لأني لا أشك في إمكان الإخلاص الكامل في الحياة الزوجية. جل ما اردته في موقفي القديم في «لو حكيت مسرى الطفولة» ان الصداقة في طبيعتها الحالية كالماء العذب الذي لا لوثة فيه وانها في أحايين كثيرة طريقنا الى الحياة الزوجية العظيمة. انت تأخذ رفقاءك امام وجه الله فيستضيئون به ويقتربون.

في طاعة الله لا تستطيع ان تحب الله كما احبك لأن قلبه اوسع من قلبك. ولكن على صورة حبه لك تقدر ان تحب الآخر لأن الرب يوسع قلبك في كل حين ويجعل قلبك مثل قلبه على قدر ما تستطيع البشرة ان تكون متقبلة.

اذا مات الأصدقاء تبقى متشبها بفضائلهم فتحيا. الذين في الفردوس ومن استبقوا على الأرض يظلّون واحدا لأن الوجوه تظل الى الوجوه اذ الرب هو الجامع. اخرجوا من الصحراء.

قال أرسطو: «يا أصدقائي، ليس من أصدقاء». لن أناقش المعلم الاول في ما ذهب إليه مغاليا. فالبشرية لا تخلو من محبين صادقين كما لا تخلو من مبغضين كثر. في اللغة صادقته أي خاللته. ومعنى صديق فلان انه صدقه المودة والنصيحة. هناك اذا نأي عن الكذب. هناك مبيت في الاخلاص: «أحبب صديقك كنفسك». بذا تجعله قريبًا وكأنكما واحد. لعل كل سر الصداقة انه يكمن كليا في المحبة التي يصير فيها المحبوب واحدًا مع المحب.

مرة خاطب احد قياصرة روسيا الرئيس الفرنسي في رسالة اليه قائلا: صديقي العزيز، فأراد الرئيس الفرنسي ان ينقح له العبارة قائلا: في العرف الديبلوماسي يقال يا أخي العزيز. أجابه الروسي: أخوك مفروض عليك (بالطبيعة) اما صديقك فتختاره.

كيف تتلاقى القلوب هذا سر الوجود. ما اجرؤ على قوله ان هذا سر إلهي. الله عاقد القلوب وفيه وبه تتوحد بحيث تنطق نطقا واحدا فلا يبقى محل للخلاف في الوجدان ولو بقي محل للاختلاف العقلي. ولا ينثلم القلب بذا ولا يخشى الاختلاف ولو بمباينة قليلة اذ المصدر واحد وهو الحقيقة الوجدانية العميقة التي تتبلر واحدة فيك وفيه.وتطمئن الى الآخر لعلمك بإخلاصه للحق صدر منك او صدر من الآخر. لم يجعلكما التماهي واحدا ولكن الحق انشأ فيكما التماهي لأنكما ثمرته الواحدة. للانسان قلب رحب بالحق او هو ليس بشيء.

فيها حركة شبيهة بالتنزيل والرب يختار لإلهامه آنية مختلفة في ما يبدو منها وكأنها واحدة لأنها قادرة على تقبل كلمة منه واحدة فاذا استوعبت تجعل من الاثنين واحدا. الباقي فروق في التعبير او النبرة او الصيغة. واحدكما اقوى منطقا او حدة ذكاء. وحدتكما ليست بهذه ولكن بما استلمته من فوق. التصرف الواحد يمكن ان يكون لغة الله اذا ظهرت.

لغة الله تصير لغة الناس سلوكا وكأنهم مرآة ربهم. قول الله نفسه نسميه اللاهوت وقول الانسان نفسه نسميه الناسوت. والقول والكيان واحد. ويقترب الانسان من الله احيانا بقوة بحيث لا تقدر ان تميز على مستوى الكلام ما هو للخالق وما هو للمخلوق. اذا كنت مع اهل التجلي لا تقدر بسهولة ان تؤكد ان قول الانسان هو له وحده. الرؤية اذا انكشفت تجعلك تميل الى انها سقطت عليك من المحل الأرفع.

#   #

#

ما المقولة الوجدانية التي فيها تنوجد الصداقة؟ هي الشركة او المشاركة اي ذلك الاتحاد الذي لا يلغي الإثنينية الكيانية ولكن يحول طاقتها الى وحدة عطاء، الى تكامل بمعنى ان الشخصية لا تتحقق الا بالآخر. الذات ليست الفردية التي هي تأكيد الأنا بالانعزال عن الآخر. الآخر ليس آخر بمعنى ضد أناك ولكن بمعنى انكما بتما حركة واحدة لا إقصاء فيها لصوت واحد منكما ولا ذوبان.

الوحدة تفترض دائما وجها آخر ليس مرآة لوجهك ولكنه نحوه او اليه. ما سميناه مشاركة يمكن تسميته المعية والمعية تفرض سيرا جنبا الى جنب في التآزر في حالة سلامة المشي او صعوبة المشي عند أحدكما. انت تعطي صديقك نفسك اذا رأيته يعرج فيحس انه قد بلغ السلامة.

غير انه يتعذّر عليك الذهاب ان لم يمسك الله بيدك. ما من تجاوز للثنائية الخطرة الا بالثالوثية التي الله مبدؤها وغايتها. الصداقة لا تنتهي الا اذا خان احدكما ربه فيخون منطقيا صديقه. ما من لقاء بشري محتوم مهما تأججت العاطفة. انها تسقط عند نتوء الأنا. فاذا غاب وجه الله عنكما يذبل انت او هو او كلاكما وكأن شيئا من صفاء القربى لم يكن. في عالم القصة وضع فرنسوا مورياك كتابا عنونه «صحراء الحب».  اية كانت فلسفة المؤلف احتسب ان الصداقة الجامعة هي التي تلغي جفاف الوجود فاذا زرعت المحبة تتفجر من تحتها الجنات التي تروي كل العطشى.

#   #

#

انتقدني بعض الأصدقاء لأني تجرأت في «لو حكيت مسرى الطفولة» على قول ما مفاده ان الصداقة اصفى عاطفة او اجمل. قد لا اكون متمسكا بهذه الصياغة ولكني أردت انها العاطفة الوحيدة على مستوى الطبيعة التي لا تتضمن تبادلا لأن التبادل يسري من نفسه. فاذا علاك المحب تعلو وتعليه بدورك ولا تطلب شيئا خارج نطاق الصداقة من متاع هذه الدنيا.

اجل عندك مشاعر اخرى طبيعية ايضا كتلك التي تربط الرجل بالمرأة وقد تصل هذه الى التجرد الكبير والى الصفاء ولكن تضاف عليها مكونات اخرى كالمال والبيت وذوو القربى التي تهدد احيانا الصفاء الكامل. قلت احيانا لأني لا أشك في إمكان الإخلاص الكامل في الحياة الزوجية. جل ما اردته في موقفي القديم في «لو حكيت مسرى الطفولة» ان الصداقة في طبيعتها الحالية كالماء العذب الذي لا لوثة فيه وانها في أحايين كثيرة طريقنا الى الحياة الزوجية العظيمة. انت تأخذ رفقاءك امام وجه الله فيستضيئون به ويقتربون.

في طاعة الله لا تستطيع ان تحب الله كما احبك لأن قلبه اوسع من قلبك. ولكن على صورة حبه لك تقدر ان تحب الآخر لأن الرب يوسع قلبك في كل حين ويجعل قلبك مثل قلبه على قدر ما تستطيع البشرة ان تكون متقبلة.

اذا مات الأصدقاء تبقى متشبها بفضائلهم فتحيا. الذين في الفردوس ومن استبقوا على الأرض يظلّون واحدا لأن الوجوه تظل الى الوجوه اذ الرب هو الجامع. اخرجوا من الصحراء.

Continue reading
2012, مقالات, نشرة رعيتي

المؤمنون نور العالم/ الأحد 15 تموز 2012 / العدد 29

«أنتم نور العالم» يستمدّه التلاميذ ومن بعدهم المؤمنون من المسيح الذي وصف نفسه بأنه نور العالم (يوحنا 9: 5). ومن الطبيعي أن يضيء نورُنا قدام الناس ليروا أعمالنا الصالحة فيمجدوا الله الذي أعطانا هذا النور.

تكونون مثل أورشليم الواقعة على جبل. ولعل المعنى ايضًا أن الكنيسة ككل التي تؤلّفونها هي نور للعالم أجمع.

الأعمال الصالحة لا نقوم بها لتمجيدنا بل لتمجيد الله الذي في السموات. نضيء الناس بالمحبة التي فينا، والمحبة لا تنتفخ كما يقول بولس. الناس يرون الأعمال الصالحة، ومن قام بها ينسبها دائمًا الى الله.

بعد هذا يقول السيد: «لا تظنّوا أني أَتيتُ لأحُلّ الناموس (أي شريعة موسى والأنبياء). يسوع لا يُلغي النصوص المقدسة لأنه يشدّنا الى البر الذي فيها. في الواقع ألغت الكنيسة الذبائح الدموية. لذلك نسمّي القداس «الذبيحة غير الدموية». المسيح يريد الناس أن يروا غاية الناموس والأنبياء وهي البِر.

لقد حافظنا على أنبياء العهد القديم في الكنيسة لأنهم يُشيرون الى المسيح ويتنبأون عن مجيئه. نحافظ عليهم لندلّ على غايتهم التي هي المسيح.

أجل «لا يزول حرفٌ واحد او نقطة واحدة من الناموس حتى يتم الكل». الناموس علي صعيد الحرف يزول بمعنى أننا لا نحافظ على محظوراته كالامتناع عن أكل بعض اللحوم كالخنزير، ولكن المقصود من الناموس ان يقودنا الى الله. «الناموس بموسى أُعطي، اما النعمة والحق فبيسوع المسيح حصلا». هذا ورد في مطلع إنجيل يوحنا ويدلّنا أننا بالمسيح بلغنا غاية الناموس وهي النعمة والحق.

يسوع يحلّ الحرف القديم ولا يحلّ معناه وهو الاتحاد بالله عن طريق ابنه ولا سيما في موته وقيامته.

خلاصة كل هذا أن «الذي يعمل ويُعلّم يدعى عظيمًا في ملكوت السموات». القائم في نعمة المسيح، المتقدس في الكنيسة يعمل بالبر الذي اقتناه من الإيمان والرجاء والمحبة. هذه تُنتج أعمالا صالحة. يضيف يسوع إلى العمل التعليم. العمل بحد نفسه تعليم بالقدوة. ولكن هناك تعليم بالكلام. هذا أشار اليه السيد بإرسال تلاميذه الى البشارة، وأشار اليه بولس الرسول باعتباره المعلّمين فئة نالت موهبة التعليم من الروح القدس في رسالته الأولى الى أهل كورنثوس ورسالته الى أهل رومية.

من المؤكد أن الجاهل ليس كالمعلّم، والله يُخلّص هذا وذاك، ولكن الرب جعل لتعليم اللاهوت مكانة كبرى في كنيسته، فاللاهوتيون حافظون للإيمان، يدافعون عنه في ما يكتبون.

واللاهوت ليس وقفًا على أساتذته في كليات اللاهوت، ولكن كل من علّم الإيمان المستقيم في الكنيسة او صفوف المدارس اللاهوتية على أيّ مستوى كان يلقّن الصغار والكبار حقائق الإيمان. والوالد والوالدة يحملان شيئًا من التعليم المسيحي ويُلقّنانه أولادهم. المجلاّت والمقالات الدينية ونشرات الأبرشيات تنقل الإيمان ايضًا.

هذا التعليم ليس حكرًا على الكاهن. كل منّا مدعوّ الى أن يتلقّن الإيمان ويعطيه بمحيطه ولئن كان الكاهن المعلّم المسؤول عن طريق الوعظ في الخدمة الإلهية. والمهم أن يكون المسيحي في تعليمه وعمله موافقًا للروح القدس واستقامة العقيدة.

Continue reading
2012, جريدة النهار, مقالات

تسعون / السبت 14 تموز 2012

اليوم اذا قرأتم هذه السطور تجدون كاتبًا أوصله ربه الى باب التسعين ليشكر ويتعظ ويحاول الا ينأى عن وجه الله الذي يريد ان يكوّن له وجه بشر متقبل للحب الإلهي وغير مصالح لخطاياه. لماذا اكثر الخالق العطاء والمخلص انعطافه، هذا سر لا يكشفه لأحد. هذا متعلق بأبوته التي تنزل علينا نعمة تضعنا في يد الرب التي تحملنا بحنان عظيم وتحمينا هذه القبضة من كل شر، من كل عطب.

رافقتكم بضعة عقود من السنين في هذه الزاوية اكتب من حب في فرح وأبسط لكم تفكيرا نزل عليّ وأريد الا يختلط في أذهانكم بما هو من ضعفي. امنيتي الصادقة ان تنسكب النعمة نفسها في قلوبكم لا لتقرأوني ولكن لتقرأوها حتى لا انتصب بسبب من بشريتي حاجزا بينكم وبينها. «انا عبدك يا رب، عبدك انا وابن أمتك». ولئن شئت كلماتي ممسوحة بيسوع الناصري بلغني من اوساط كثيرة ان معظمها حرك قلوبكم أكنتم، على صعيد المذهب، له ام لم تكونوا. كنت احس اني معكم معية مؤلهة واحدة تجمعنا كلمة كانت تصدر احيانا عن بكاء ولكن دائما عن صدق احببت ان يسهم في شفائكم وفي شفائي.

نحن اذا في صباح كل سبت كنا نتقاسم فطور حب وإخلاص واحد لهذا الذي الذي حاولت ان ابلغكم رسالته أاخذت معقولي من كتابه ام من شوقي اليكم ولعل هذا واحد. سأبقى معكم ما دام هذا القلم وما دام هذا الجسد وما دمتم ترغبون في ان نلتقي صباح كل سبت وقلوبنا مطهرة.

هذه الرسائل لم تكن لو لم يرد غسان تويني ان تكون. في الكثير منها كنا نجيء معا من ينبوع واحد. كان يطيب لي ان اسكن في «النهار» حتى اطل عليكم وان صعب علي احيانا إنتاج هذه الأسطر.

لعلي لم اكن دائما على زخم روحها ولكني سعيت بتواضع ان أقول لكم الحق كما الترائيات التي اكرمني بها رسولا منه اليكم.

#  #

#

لم تكن كلماتي كلها حديثا في الله مباشرا. ولكني اعرف ان لله انتشارا في هذه الصياغة او تلك اذا قضى ان يلمس لساني لينطق به. فالله وحده المبدئ والمنهي وأردت ان أتلقاه هكذا وارجو الا يكون خذلني.

لما كنت اكتب اليكم أردت في الحقيقة ان أخاطبه لكي اتمكن في نهاية كل اسبوع ان آتي اليكم بما اوحى وان نطقت بغير ذلك اكون قد خنته عن عير عمد. «عبدك انا يا رب، عبدك انا وابن امتك».

الى حديثنا انا وانتم عنه كانت بعض الكلمات عن الوطن وعن المشرق. وما قصدت ان اكتب في السياسة مباشرة اذ بقيت مشيئتي ان اكتب عن الفكر الإلهي في السياسة علّ المستغرقين فيها ينظرون من خلالها الى وجه الله لأن «كل حديث بغير الله لغو». رجائي الا اكون قد خلطت بين الدنيا والآخرة. «وللآخرة خير لك من الأولى». كنت احيانا اسمع منه همسات يقول فيها ان السياسة ليست ميدانك. هي موضع من مواضع سيادتي اذا اراد اهلها سيادتي. اي شيء غير هذا باطل الأباطيل. ولكني لم استطع الا اشاهد من جرحتهم امور دنياهم والكلمة على قدر نفعها كانت تضمد لهم جراحهم.

كان غسان تويني المؤمن يعرف ان هذه المساهمات فيها شهادة للرب الذي كان يجمعني به. ولكن غسانا يقرأ الآن ما هو افصح وأبهى في ملكوت المحبة.

#   #

#

ماذا يبقى بعد هذا العمر الطويل؟ لا يحق لانسان ان يطرح عن نفسه هذا السؤال. السؤال الوحيد الذي يسوغ لكاتب يرى نفسه خادما ان يطرحه ليس سؤالا بالحقيقة ولكنه دعاء. ربي اعطني ان اطيعك بطاعة اكبر من تلك التي عشتها وباخلاص لك ليس فيه شرك. فلا يضاف الى وجودك وجود ولا الى فكرك فكر وادعو لكي تسكن وحدك القلب وان يكون هذا القلب مثل كنيسة كل جدارها الشرقي مزين بالأيقونات اي بحضرة قديسيك.

بعد هذا لا يهم ان اكون قادرا على إطلالة عليكم. متى ينكسر القلم؟ المهم ان تبقى فيكم صورة المخلص الذي رغب اليّ ان انقلها اليكم. ما يريده ربكم هو ان تتقبلوا دائما الكلمات التي صدرت عنه قديما وتصدر الى قلوب الكثيرين منكم. هكذا تطمئن روحي اليكم وهكذا تساكنون روح الرب الى ان يطل علينا جميعا فجر الحياة الملكوتية.

هذه السطور ليست وداعا ولا خوف فيها. انها التماس ادعيتكم لي حتى نبقى في هذه المعية المقدسة التي أرادتها جريدة «النهار» بيني وبينكم واعرف ان الرب لن يترك امة بلا شاهد له.

لا تتمسكوا في اية قراءة لكم وجدانية روحية كانت ام غير ذلك الا بما يريده الله لكم ولبلدنا حتى نظل دائما نستضيء بنور القيامة.

Continue reading
2012, مقالات, نشرة رعيتي

الاعتراف بالإيمان/ الأحد 8 تموز 2012 / العدد 28

ليس الإيمان فقط في القلب، انه ايضًا على اللسان. «فكل من يعترف بي قدام الناس أَعترف انا ايضًا به قدام ابي الذي في السموات» (متى 10: 32). يقابلها ايضا قول السيد: «من يُنكرني قدام الناس أُنكره انا ايضًا قدام أبي الذي في السموات» (متى 10: 33).

أَطلقت الكنيسة صفة المعترف على من يُقرّ بانتمائه الى المسيح تحت التعذيب. واذا مات يُسمّى شهيدًا. هذا التطابق بين الباطن والظاهر يُعبّر عنه بولس في رسالة اليوم: «إن اعترفتَ بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله قد أقامه من بين الأموات فإنك تخلُص».

شهادة الدم عندنا إلزامية فلا حق لك بالكفر. أنت تشهد حتى يُراق دمُك. لذلك تؤمن الكنيسة أن الشهداء لا يدعوهم الله الى الدينونة لكونهم اتّحدوا بالمسيح اتّحادًا كاملا.

قد يظنّ بعض الناس أن عدد المسيحيين يقلّ بموت الكثيرين عن طريق استشهادهم. العكس هو الذي حصل إذ الكثيرون من الذين اهتدوا ليس بالبشارة ولكن برؤيتهم قتل السلطات الرومانية وغير الرومانية للمسيحيين. مَن أحبّ المسيح حتى الموت كان يوحي للوثنيين انه يؤمن بإلهٍ حيّ وأنه ينضمّ اليه بالموت.

الذين كانوا يموتون في الشهادة انما جاؤوا اليها بالتعليم، بالبشارة. آمنوا حتى ماتوا. جيلا بعد جيل كنا نموت وفي كل البلدان. الاتحاد السوفياتي قتل الألوف المؤلفة من الشهداء بدءًا بـ250 مطرانًا وستة آلاف كاهن. كذلك هتلر قتل عددا من المسيحيين.

إذا أُلقي القبض على المسيحيّ بسبب من إيمانه لا يهرب من الاعتراف. ولكن يحق له أن يختفي. هذا ليس بنكران. اما اذا سأله المحقّق إن كان مسيحيا فلا بد له أن يعترف والرب وعد بتقويته في حالة الضعف او الشك.

طبيعيّ أن يُقتل المطران والكاهن اولاً ظنًّا من الظالمين أنهم يُبيدون الرعية هكذا. ولكن هذا الحساب لا يصحّ. تنتعش الرعية بموت القادة ويُدبّر الله كنيسته.

استعدادًا للشهادة اذا طُلبت نتمسّك بكل كلمة من كلمات يسوع لنتغذّى بها وتثبتنا حتى اذا برز مَن يضطهدنا يجدنا أقوياء، متأهبين للاعتراف بيسوع ربًّا ومخلّصًا.

«سحابة الشهود» كما يُسمّيهم الكتاب هم أساسنا في السماء وهم يشجّعوننا على الاقتداء بهم. انهم الأعظمون بيننا وإخوتنا الكبار الذين يُثبّتوننا بمحبة المسيح.

Continue reading
2012, جريدة النهار, مقالات

الله معرفة / السبت 7 تموز 2012

هالني دائما ان أرى نصف البشرية أمية والربع شبه أمي، وقد ظهرت المعارف في كل أنواعها لنمو العقل، فالإنتاج لحياة كريمة خدمة للآخرين. حراثة الأرض بمعناها الشامل زراعة وصناعة يؤمنها العلم هذا اذا لم نذكر الفرح الذي ينعش قلب الإنسان ويقوي علاقاته بالآخرين.

بلا معرفة حقيقية تواجه بها عقول اقرانك يسود تصرفك الانفعال ويتحكم بك الغضب. لكن الثقافة هدؤك في المبدأ وطاقة معالجة لقضاياك وطريقك الى السلام. بركات الرب عليك أفعل إن استطعت أن تصبح سيد مسالكك. أجل عند بعض الأميين حكمة كبيرة. ولكن القاعدة أن تقتني بعض الحكمة بالمعرفة وتتلقى فضل الله عليك.

الى هذا هالني أنّ المتعلّمين الكبار أولاد الاغنياء في المرحلة الجامعية الخاصة لأن هذه المرحلة فيها إنفاق مالي. العلم العالي رديف اليسر وهذا فيه ظلم لمن لا يقدر أن ينفق عليه ابوه ما تتطلبه الجامعات او المعاهد العليا. وهذا امر لا يتعذر علاجه اذا رتبت الدولة ميزانيتها بحيث تربي المتفوقين على الأقل اذا لم تتمكن من تربية الجميع. كم حُرمت الأمة من مواهب الكثيرين من أبنائها وبناتها بسبب ربط الدراسة بالمال.

الدنيا ورشة تعليم دائم اذا شئنا للبلد الكبر ومساهمته في الحضارة العالمية. قال لي أحد كبار علمائنا القاطن الولايات المتحدة أن أكثر الاوائل في كل قطاعات التخصص لبنانيون. هؤلاء ما كانوا في حاجة الى الهجرة لو كان عندنا وسائل الرقي العلمي او التكنولوجيا فنصدرهما من هنا ويفيد كل مواطنينا من هذه المعارف العليا.

طبعًا هذا يقتضي أن تتوفر هذه الرؤية في طبقات اهل السياسة. هذا القول يذكّرني بما فعله الامبراطور بطرس الاكبر في روسيا لما قرر نقلها من بدائيتها الى أن تصبح دولة اوربية راقية. كان له أن يختار بين تأسيس الوف من المدارس الابتدائية وبعض المعاهد العليا، فآثر الخيار الثاني وأنشأ ما سماه الأكاديميات في كل نواحي المعرفة، وأدركت روسيا بسرعة المستوى الألماني بالمعرفة.

نحن قادرون أن نغرف من العلوم كلها وفي بعضها لسنا مقصّرين، ولكن لا بدّ من بلوغ كل المعارف الضرورية للانسان المعاصرين ولا بد من تعميمها على كل الموهوبين.

من المؤكد أنه لا يمكنك ان تصل بكل أحوال الوطن الى أعلى مستوى ممكن ولكن لا يجوز ان تبقى طبقات من الناس كثيرة كبير جهلها. انا أعرف أنّ ثمة فرحا لا يأتي من العلم وأنّ القداسة تنزل عليك من فوق ولكن العلم بمتناول يديك. يسهم كثيرا في إنعاشك الداخلي ولا يسوغ لك آن تبدد كل إمكانات نموّك الانساني بسبب من ضعف ميزانية الدولة. أجل هنا بحث سياسي في شأن الميزانية اذ لا بد أن تتكيف بالخيار الروحي الذي أمامنا وهو أنّ المعرفة أسبق من كل شيء.

#   #

#

ما هو أهم من علوم الدنيا هو علمك بالله وبشؤونه القائمة على المعرفة. أن تكون مألوها أي متلقيا ربك في قلبك يقتضي إلمامك بالنص الديني. أنا لست أنكر أنّ ربنا ينشىء لنفسه محبين وعالمين به دون أن يمسوا النصوص. ولكن لا شك عندي أنّ الإحاطة الطبيعية بما يجب آن يعرف عن الله يأتينا من الكتب المقدسة وما أوحت به لكتّاب لاحقين فسّروها أو بنوا لاهوتا عليها ولكن لا ريب عندي أيضا أنّ العارفين قلائل على اختلاف الأزمنة. فاذا كان قصد الوحي ان يعرف الناس مضمونه ليصلوا به الى ذوق الله بدراسة كلمته فالجهل رهيب.

أقتصر على تأمل الوضع المسيحي حتى لا أخطىء في التصور ولا أعلم من لهم معلمون. ففي الأسبوع الماضي كنت أقيم القداس الالهي في إحدى الكنائس ورأيت الى المؤمنين فوثقت أنّ عددا كبيرا منهم لم يقرأ العهد الجديد وذلك في سياق الموعظة اذ عدت بهم الى نصوص انجيلية لم يسمعوا بها. قلت لهم أنا لا أشك أنّ ذويكم اشتروا انجيلا لحق به الغبار فاذهبوا وامسحوا الغبار وافتحوا الكتاب تجدوا في البدء إنجيل متى فطالعوه كما هو منشور حتى تصلوا الى سفر الرؤيا فيعطيكم ما لا تعطيه الطقوس.

هذا النص يحرك القلوب وتحتاجون أنتم الى كل العوامل التي تلهب قلوبكم وتملأها ايمانا. فتشوا عن كل ما ينعش قلوبكم ويطهرها. القداس بني على كلمة الله ولكن كلمة الله هي حجر الأساس الذي لا يوضع أساس سواه. لقد تجلى الله بطرق مختلفة. لا حق لكم آن تنحصروا بطريق واحدة له. أنتم لا تقررون عنه. فإن شاء الكتاب فعليكم بالكتاب. وان شاء الانشاد فخذوا بالانشاد وان شاء الكنيسة فاجتمعوا فيها. غير هذا التفكير استسلام للهوى، للأذواق العابرة. واعلموا ان الله لا يُدرك الا بجهد عظيم وان معرفته ليست سهلة. اذا كنت مؤمنا فاعلم ان الإيمان التبليغ وليس فقط التبلغ الذي وصل اليك: «ليكن كلامكم بنعمة مصلحا بملح لتعلموا كيف يجب ان تجاوبوا كل واحد» (كولوسي 4: 6).

هذا كلام مرسل الى كل المؤمنين وليس فقط الى الكهنة. فإن كانوا أرباب التعليم فليس محصورا فيهم. كل منكم حامل كلمة الله ويجب اذًا إطلاقها حتى لا تبقى سجينة الكتب.

صح ان الله محبة ولكنه ايضا معرفة والدليل انه عرّف عن نفسه بكلمات. اذا ساغ لي تعبير تصويري عن الله أقول على كل منا ان يتساءل: «اي مقدار معرفي عن الله عندي». هل هو المقدار الذي اراده للإنسانية ام هو يرتضي ان يلملم الجهلة والعالمين. هل هم جميعا يرونه بالكثافة نفسها. قد يحبه الأمي اكثر من العارف بكلماته. ولكن هذا ليس شأني. أنا شأني ان أقول لربي: «بنعمتك انا تبلغت وان زدتني علما أبلغ حتى لا تبقى كلمتك مرمية في صحراء»؟

«انت ليس همك الكتب المطبوعة. انت جئت لتسكن القلوب بالكلمات التي تفوهت بها بالأنبياء ورسل ابنك الوحيد. وتريد كلماتك ان تعود اليك محملة برجاء البشر الذين أخصبوا النعمة التي أنزلت عليهم لكي يحسوا انهم أخذوا يتسلقون سلم الوصول اليك وعرفوا ان لك الحمد فيهم. السبب الوحيد الذي جعلك ترزقهم اولادهم هو ان يعرفك هؤلاء الاولاد ويدشنوا الملكوت من هنا».

Continue reading
2012, مقالات, نشرة رعيتي

نشيد المحبة/ الأحد في أوّل تموز 2012 / العدد 27

رسالة اليوم مقطعان، أوّلهما عن المواهب، وثانيهما معروف بنشيد المحبة. اما المواهب فهي عطاء الروح القدس الى الكنيسة التي يسمّيها بولس جسد المسيح اي كيانه في العالم او امتداده في التاريخ ويقول اننا نحن أعضاء هذا الجسد أفرادا.

ويُعدّد الرسول المواهب المختلفة فيذكُر الرسل وهم غير الاثني عشر، والأنبياء وهم الذين يُلهمهم الرب أن يُبلّغوا الكنيسة مشيئته في الزمن الذي يعيشونه، ثم يذكر المعلّمين الذين يعرفون العقيدة ويشرحونها، ثم صُنع العجائب (مواهب شفاء والنطق بألسنة مختلفة). الرسالة الأولى الى أهل كورنثوس من أوّل أسفار العهد الجديد وتتطرّق الى أعمال الروح القدس في الناس لا الى مراتب المسؤولية الإدارية (أُسقف، شماس) التي كانت في بداءة تكوينها.

بعد هذا يأتي بولس الى ما يسمّيه طريقا أَفضل من كل هذه وهي المحبة التي اذا لم تكن بينكم تكونون لا شيء. ويُعظّم الكاتب المحبة ويجعلها فوق النبوّة وفوق كل علم لاهوتيّ وفوق الإيمان، ويتصوّر إنسانا يُطعم الفقراء جميع أمواله خاليا من المحبة، وانسانا يُستشهد وليس فيه محبة، ويقول ان هذا وذاك ليسا بشيء، وهو عالم أن ليس من شهيد لا محبة عنده اذ كيف يُستشهد بلا محبة، ولكنه يذكر متصورا هذا ليُعلي شأن المحبة فوق كل عمل صالح.

ثم يصف صلاح المحبة وإيجابيّتها ويقول انها تتأنّى وترفُق. هي قرينة الصبر والتأنّي على كل إنسان مهما كان شريرا إذ ترأف به وتعطف عليه ولا تُحاسبه فلا تذكُر خطيئته، حتى يصل الى القول ان المحبة لا تحسُد، فالرب يوزّع مواهبه على من شاء ولتكن لكلّ موهبته، وانت تشكر الله ما أعطى هذا وحرمك منه، وتفرح لعطاء أَنزله الرب على فلان ولم يُنزله عليك.

ثم يصعد بولس بالوصف فيقول ان المحبة لا تتباهى ولا تنتفخ، فإن كان عندك حسنات روحية وفضائل فهذه نازلة عليك بالنعمة وآتتك لتُحسن بها الى الناس لا لتفتخر. لا شيء حسنا انت صانعُه من قوّتك الذاتية فلِمَ تنتفخ؟ ومن الطبيعي ألا تأتي المحبة قباحة ولا تسيء لأحد ولا يطلب فيها الشخص ما يرغب فيه ولكنه يطلب ما يرغب الله فيه. انها لا تحتدّ لأن الغضب هو العدم، والمحبة ليس فيها عدم، لأنها تجريح. كذلك لا تظن السوء عند بدء المعاملة. تختبر الناس اولاً، وبعد ذلك تصل الى اليقين او الى الشكّ.

لا تَفرح بالظُلم اذا وقع على أحد الناس بل تفرح بالحق اذا قال به أيّ إنسان. تصبر على كل المشقّات وتُصدّق أن كل خير من هذا ومن ذاك ممكن، وترجو الى الله كل شيء لأي إنسان صالح او شرير. ويختم الرسول هذا النشيد بقوله: المحبة لا تسقُط ابدا هنا وفي الدهر الآتي.

Continue reading