في العصر هذا / الأحد 3 حزيران 1962
قمة الإيمان، ضمانته –إذا صح التعبير- ان ننزه الله عن كل صفة من صفات الموجودات. فليس مثل الله شيء. الإيمان الا نستعمل الله والا ننسب اليه ما نجهل، فلا نسميه إذا تكلمنا عن المجهول أو ما نعجز عنه لأننا إذا اكتشفنا ما كنا نجهل وما كنا نعتبره سرًا، فإيماننا يتصدع ونظن أن فكرة الله تتقهقر بتقدم المعرفة. حتى يسلم إيماننا ينبغي أن نبلغ احدى قممه بألا نربط فكرة الله بالمجهول أو بما كنا عنه عاجزين. ان تشويهنا لفكرة الله يلغي وجوده. ان جنون العظمة عند مَن ظن نفسه نابليون لا ينقص شيئًا من وجود نابليون.
لما قال الروس انهم لم يجدوا الله في الفضاء كانوا على خطأ لانهم فتشوا عنه حيث لا يجوز لهم ان يفتشوا. ليس الله في مكان. انه في قلوب محبيه ولا يضيق ملكوته إذا اتسعت آفاق الإنسان. كان الإنسان قزمًا على الصعيد الروحي لما ظن ان الله عرشًا فوق القبة الزرقاء. فلما اكتسب الانفتاح الروحي تبين خطأ تصورات سابقة عن ربه ولم ينقص من كيان الله شيء.
كذلك كان من الخطأ ان نربط الله بالمرض وقد نهى الإنجيل، غير مرة، ان نفسر المرض بخطيئة المريض، ونهت التوراة عن الاعتقاد بأن الآباء يأكلون الحصرم والأولاد يضرسون. يبتغي هؤلاء اقرار الطب على حساب تعليل سحري ظاهره ديني. هذا لا يعني ان الصحة والمرض خاليان من رسالة الهية الينا. ولكن لا نربطن الله بالجوع والأوبئة والجهل لئلا يذهب إذا هي ذهبت. الله أرفع من كل موجود وأعلى من كل وصف. فإذا أدركناه كذلك، والدين هكذا رآه، فأنه يحضر في كل علم وكل حضارة. إذًا الإنسان لم يَدَّعِ فأنه قادر ان يعاين الله في كل حق وكل بهاء، في ارتداده عن ضلاله إذا اشتد الضلال، في نعيم مفقود ووجه ينفرج. إذا ازداد اقتحامنا للمجهول يومًا بعد يوم، وحلّلْنا كل خبايا النفس البشرية وبلغنا أقصى العدالة في مجتمع منسجم فالنفوس الطيبة الرقيقة الخاشعة ستظل لنا كاشفة الله.
Continue reading