Monthly Archives
الذي دنا الى يسوع في إنجيل اليوم سمي رئيسا في ترجمة عربية او احد الرؤساء او احد الوجهاء. خاطب السيد بقوله: ايها المعلم الصالح. لفظة المعلم تعني ان هذا الرجل كان يعتبر يسوع من الربانيين (يحسبه حاخامًا). غير ان المعّلم في اسرائيل القديم لم يكن احد يسميه صالحا. هذا نعت كان عندهم يطلق على الله وحده. اذا قصد هذا الشاب استعمال هذه الصفة مجاملة فيسوع يرفض المجاملة. لا يعني جواب السيد رفضه ان يُنعَت بالصالح، ولكنه لفت محدثه الى انه اذا سماه صالحا فإنما هذا يجب ان يعني ان يسوع هو عنده اكثر من انسان.
ماذا يجب ان أعمل تعني هل من عمل معيّن، محدد يجب ان اقوم به. يسوع يحيله الى الوصايا التي سُلمت الى موسى. يجيب الشاب: “كل هذا حفظته منذ صبائي”. هذا تربى على الفضيلة واستمسك بها. انسان ممتاز ولكنه غير كامل. الكمال يتطلب ان يتجرد عن التعلق بأي شيء. رمز ذلك ان يعطي كل شيء: “بع كل شيء ووزعه على المساكين”. هذا تعبير على انك لا تشتهي شيئا في الدنيا. ولكن البوذيين ايضا يفعلون ذلك. فليس الفقر بشيء ولا الغنى. كلام يسوع كان: بع كل شيء وتعال اتبعني. انت لا تتحرر بالفقر ولا تتكبل، ضوروةً، بالغنى. لا تنال الحرية بتوزيع ثروتك ولكن اذا اتبعت يسوع. حبك ليسوع يجعلك تحب من سمّاهم إخوته الصغار اي المساكين. فاذا اكتشفت الرب بحيث تراه ثروتك الوحيدة تستغني عن ثروتك المادية وتنسلخ عن جمالك الجسدي وبهائك العقلي. كل هذه قد تحجب عنك وجه المخلّص الدامي.
اذا فهمت ان غناك لا شيء وفقرك لا شيء او انك بما تراه في نفسك من فضائل انت ايضا لا شيء، تكون قد اقتربت من الرؤية الكبرى وهي ان الله المحب البشر قد اغناك بابنه وانك صرت حبيبه بالصليب. اما الذين يتمسكون بما عندهم من ثروة وجمال وعلم وذوق ولا يعتبرونها عطايا من الله فإنما نحتوا لأنفسهم صنما يعبدونه. من هنا قول المعلم: “انه لأسهل ان يدخل الجمل في ثقب الإبرة من ان يدخل غني ملكوت الله”.
هو يريد انك غني بكل هذه اذا استغنيت بها عن الله. انا لست اقول انه يجب ان تحتقر الأشياء المخلوقة او التي يستعملها الإنسان كالمال، ولكن ان ترتفع بها الى الله وان تذهب بها الى الإخوة. المال تعطي منه الكثير ان كان كثيرا وتعطي القدر الذي يجعلك لا تتعلق به ان لم تكن على كثرة منه. الجمال لا تتباهى به ولا تزيده رونقا بصورة فاحشة او متغاوية ولا تجعله وسيلة للتسلط. والذكاء لا تتباهى به ولا تظن انه يعطيك اية ميزة عند الرب.
اذا كنت انسانا حرا تصبح رقيقا كالخيط كأنك قادر ان تعبر ثقب الإبرة.
لذلك لا داعي لاعتقاد بعض ان الرب يسوع يبالغ في صعوبة دخول الأغنياء ملكوت السموات. المقصود ذلك الحيوان المسمى الجمل وليس شيئا آخر لتخفيف الصعوبة.
هل يعني ذلك استحالة الخلاص للأغنياء؟ عندما يقول السيد “ما لا يستطاع عند الناس مستطاع عند الله” لا يعني ان الله قد يخطر بباله ان يخلص الأغنياء ولو بقوا على عشق مالهم. المقصود ان عليهم ان يغيّروا ليس فقط ذهنيتهم ولكن سلوكهم بمحبة الفقراء.
Continue readingإنجيل اليوم فحواه مثل من امثال يسوع التي يصم بعضٌ أذنيه عند سماعها لكونه منشغلا بنفسه عن الملكوت، ويفتح بعض اذنيه لسماعها حتى يخلص بها. قصة اليوم ان مزارعا كبيرا أخصبت أرضه قصة مألوفة وان يتأمل بجميع ما فاض عنده من الحبوب في مخازن قمح اعظم مما كان لديه هي رغبة طبيعية جدا. هكذا توظف الأموال. والمال لا بد من توظيفه.
وان يأمل بعد هذا بشيء من البحبوحة وان يأكل ويشرب على منوال لم يكن لديه فيما قبل فطبيعي جدا. لماذا يسميه الله جاهلا؟ الا يبدو هذا ان الرب ضد توظيف الأموال وضد الادخار؟ “هذه التي اعددتها لمن تكون؟”. الجواب الطبيعي انها تكون لأولادي. غير ان الرب يكمل حديثه مع الرجل اذ يقول: “هكذا من يدخر لنفسه ولا يستغني بالله”.
الذي الله يلومه هو من يُراكم الأموال ويشعر ان قوته في هذه الدنيا او استمراره هو بها. ربما لما كان هذا الرجل مزارعا صغيرا كان يتكل على الله. السؤال هو هذا: هل يقدر مثل هذا ان يصبح مزارعا كبيرا ويبقى اتكاله على الله؟ مبدئيا هذا ممكن اذا لم يغير نقطة اتكاله. اما اذا سحرته امواله الجديدة وتعلق بها ولم يعد يرى لنفسه غنى آخر، غنى روحيا، يكون هذا الازدياد أفسده.
اجل لوقا الذي اورد هذا المثل يعطي مكانة كبرى للمساكين. غير انه هنا لا يقول لصاحب الأرض: راوح مكانك ولا تستغل ارضك ولا توسع اهراءك او مخازنك. يقول لا تنسَ ان ثروتك هذه الجديدة لا ترفع شأنك وانك تخطئ اذا انت فقدت اتكالك على الله لتتكل على مال هذه الدنيا.
القضية قضية قلب. ماذا يملأه؟ هذا يبدو السؤال. غير ان سؤالا آخر يصاحبه: هل من شرط حتى يصير الله صاحب قلبك حقا؟ على صعيد الثروة لا يعني شيئا ان تقول له: انا احبك اذ يجب ان تحب الإخوة. محبة الله لا تكون باللسان. المحبة يمتحنها الله فيك. والامتحان ان تحب المساكين فعليا، بالعمل. كان بإمكان هذا الفلاح الا يحتفظ لنفسه بكل ما ربحه. كان عليه ان يحتفظ لصغار المزارعين الذين كان منهم بحصة من الحنطة تنفعهم للزرع القادم. ولكنه “داخ” بماله المتكاثر ونسي معا الله والأنسباء واهل الضيعة المحتاجين.
ان نذكر الله ذكرا كثيرا لا تنتهي بأن نسأله حاجتنا او ان نشكره شكرا طيبا. ان نذكر الله هو ان نقيم مشاركة بيننا وبين الآخرين. الذي عنده ليعطِ الذي ليس عنده او يهتم له، واذا استطاع ان يساعده بواسطة اصدقائه حتى يجد لنفسه عملا، هذا هو التعاضد الذي يمكن ان نقوم به بمقدار قوتنا ومقدار نفوذنا. ان تحس ان الآخر من لحمك ومن عظامك وان تتوجع انت اذا توجع وتعمل لرفع ظلم هذه الحياة عنه هو المبتغى.
ليس المطلوب ان تقوى وحدك ولكن ان يقوى الآخر من اجل كرامته ومن اجل اولاده حتى يجتنب الذل ويتحرر من الفاقة والمرض. اذكر دائما قول السيد: “كنت جائعا فأطعمتموني، عريانا فكسوتموني”. اذكر اننا بعضنا الى بعض جسد المسيح. في هذا الجسد لا يمكنك ان تقول لواحد: انت أخي. أظهر له هذه الأخوة بصورة ملموسة حتى يثق بكلامك ثم يمجد الآب الذي في السموات. اذا شاركته يمكن ان يحس للمرة الاولى انه أمسى ابنا للملكوت.
Continue readingهنا وهناك في القديم كانت الذبيحة الإلهية تقام على أضرحة الشهداء لكون الشهداء يقيمون في المجد الإلهي والقداس الإلهي احتفال بالقيامة الآتية. الشهداء يشددونا الى القيامة الأخيرة. ثم اندفع المسيحيون من هذا التكريم الى تكريم القديسين الآخرين الذين كنا نعتبرهم شهداء بيضا (اي بلا سفك دم) اذ أماتوا شهواتهم على الأرض. وفي الواقع احتفظ المسيحيون، هنا وثمة، بالهياكل العظمية لبعض القديسين مثل امبروسيوس اسقف ميلانو والقديس نيقولاوس اسقف ميرا الموضوعة رفاته في باري (ايطاليا).
وما يميز هذه الهياكل او جزءا منها كالجمجمة او اجزاء من الذراع وسواها ان هذه العظام يفوح منها رائحة زكية كالعطور. أضف الى هذا اننا في حفلة تكريس كنيسة نضع في صلب المائدة المقدسة ذخائر من الشهداء وهذا استمرار لعادة اقامة القداس على قبور الشهداء.
الفكرة الأساسية هي ان هذه الرفات تنطق بالقيامة المرجوة وتشير اليها. ولكن بسبب الضعف البشري ممكن ان ينشأ الاعتقاد ان هذه الرفات لها فعل في ذاتها كقول بعضهم انا احمل الذخيرة الفلانية (تخيرة بالعامية) وهي تحمينا من كل أذى. هي لا تحميك بلا ايمانك وتوبتك. الخطر تاليا ان نجعل لهذا الإكرام مركزا ممتازا يحِّولنا عن العبادة بالروح والحق.
هذا في خط الإكرام العام الذي يليق بالقديسين. ومن الواضح عندنا ان كنيستنا تكرّم الذين طوبتهم هي بعد انفصال الكنيستين احداهما عن الأخرى كما تطوب قديسي الألفية الاولى. ذلك لأننا على علاقة روحية مع اولئك الذين كانوا على الايمان الارثوذكسي او استقامة الرأي. ايقونات هؤلاء نقيمها في كنائسنا ومزارات هؤلاء نزور. وهذا لا يمنعك ان تكون معجبا بالجمال الروحي الذي عند المسيحيين الآخرين وان تطلع على سيرته ويكون لك كفرد علاقة به لأن كل إعجاب نوع من العلاقة. غير انه من الثابت ان الانشقاق يجعلنا من حيث الإكرام الجماعي مرتبطين بالذين كانوا على ايماننا.
غير ان الأهم ان يكون إكرامنا الفردي للقديسين خاضعا لعبادتنا الثالوث المقدس. وهذا التوازن تجده في الطقوس فلا يطغى ذكر مخلوق مهما سما على المسيح المبارك الى الأبد. المسيح هو وحده حياتنا. والقديسون شركاؤنا في الصلاة اليه.
رُوِي لي مؤخرا ان فلانا يقول: انا اطلب شفاعة قديس ليساعدني على الكلام الى السيد لأن السيد بعيد. هذا يجري في الحكومة حيث تتوسط شخصا نافذا لتصل الى وزير. اما في المجال الروحي فيسوع اقرب اليك من مخلوقاته. انت لا تتوسط القديس بالمعنى الدنيوي. انت تقف معه في الصلاة امام وجه السيد الوحيد.
المهم في كل هذا ألاّ نعتبر القديسين أنصاف آلهة واقفين على درجات منتصبة بيننا وبين الله وألاّ نعتبر ان شيئا ماديا (ايقونة، ذخائر) يحتوي بحد نفسه قدرة على الشفاء. الحركة هي من الله الى القلب بالنعمة ثم من القلب الى الله بالدعاء وذلك في شراكة الذين يحبوننا بالمسيح وعلى رأسهم اولئك الذين بلغوا وجهه.
Continue readingأخذ المؤمنون يتناولون في كل ذبيحة لما اكتشفوا معنى المشاركة وعظمة ان يتغذى المؤمن بجسد الرب. وما من شك أن الأكثرين تنزل عليهم نعمة كثيرة بهذا. غير ان عملا كبيرا كهذا يقتضي تطهرا كبيرا فلا نقترب بشكل آلي ولا بخفة ولكن نتقدم بتوبة صادقة. ليس لأحد منا ان يدين الآخرين ليقول في نفسه: هذا يعمل كذا وكذا، فكيف يجرؤ على التقرب. هذا ليس شغلك. انت تهتم بتنقية نفسك. وبهذا قال الرسول: “اي من أكل هذا الخبز او شرب كأس الرب بدون استحقاق يكون مجرما في جسد الرب ودمه. ولكن ليمتحن الانسان نفسه وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس. لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه” (1 كورنثوس 11: 27و28).
ماذا يعني الاستحقاق؟ هل من إنسان في الدنيا يستحق التناول حتى لو قام بتوبة حقيقية؟ هذه عند بولس دعوة الى أن يعي الإنسان وضع نفسه وان يندم على ما فعل ويعاهد الرب على الا يكرر الخطيئة عامدا. اجل من المفيد جدا ان يعترف لدى أبيه الروحي او اي كاهن آخر اذا لم يستطع الاتصال بالأب الروحي. وهذا يجب ان يتم بضع مرات في السنة وكل مرة يكون المؤمن قد ارتكب معصية كبيرة يشعر بها انه ابتعد عن الرب.
اما اذا لم يكن هناك سر اعتراف فلا بد من استعداد طيب وجدي. ان تقضي مساء السبت سهرة طويلة فيها الكثير من الطعام والشراب وكل انواع الحديث فهذا ليس فيه تأهيل لمشاركة في مائدة الرب. ان تختلي إلى يسوع في نفسك يفترض اعتزالا لما هو ضد هدوء النفس.
هذا هو جانب التعفف الذي يدفعنا الى وجه يسوع. نعبّر عن الحركة الى السيد بأننا نبدأ منذ السبت او عشية الأعياد الحديث مع المخلص. ما من أحد عند بعض الشعوب الأرثوذكسية يتناول إذا لم يحضر صلاة الغروب. أقله تلازم بيتك وتقيم بعض الصلوات (القطع الثابتة في الغروب وصلاة النوم الصغرى متبوعة بالمطالبسي الذي تجده في كتاب السواعي وهي مجموعة الأفاشين التي تدفعنا الى التوبة وتدنينا من جسد الرب).
وعند الصباح تذهب باكرا إلى الكنيسة. فصلاة السحر تهيئة ولست افهم لماذا أهملناها. ولكن لا بد لك من حضور القداس كاملا. فاذا وصلت متأخرا او في وسط الكلام الجوهري او لحظات قبل المناولة فليس جديا ان تتناول. هذا فيه خفة كثيرة.
الى جانب الصلاة لا بد من قراءة في العهد الجديد تجعلك تتأملها وتمتلئ من معاني الرب لكي تسكن هي قلبك وتطهره. في الصلاة انت تكلم الرب. بالكتاب المقدس هو يكلمك اي يدخل الى ثنايا النفس ويدعوها الى التوبة. كلام الرب هو يعطيك حياة ابدية. واذا قرأته كل يوم تتنقى نفسك اكثر فأكثر وترى نفسك قريبا من جسد الرب ودمه.
المهم وضع نفسك. هل أنت حاقد او مبغض لأحد، ام غفرت؟ واذا ارتكبت بحقه شيئا رديئا، هل استغفرت واحببت؟ انا عرفت جيلا من الكهنة منذ ثلاثين وأربعين سنة كان عندهم السؤال الأساسي: “هل انت زعلان مع أحد”. وكانوا يأمروننا ان نذهب اليه ونستغفر. واذا رفضنا كانوا يمنعوننا عن التناول. هذا يجب ان نحافظ عليه.
ثم يبقى ما هو متعلق بحشمة النساء. هذا شرط الدخول الى الكنيسة. غير القادرة على الاحتشام لا يليق بها الذهاب الى الكنيسة اصلا. اذا كنا نحن أخوة فلا يجوز للمرأة ان تؤذي الرجل. هي تعرف ما تقضي الحشمة به ولا تحتاج ان يعلمها احد.
الكل مرحب به امام الكأس المقدس، ولكن الاقتراب منها يتطلب وعيا وفهما وتقديرا لقدسية الأسرار حتى تنزل علينا طهارة يسوع فلا نأكل ونشرب دينونة لأنفسنا.
Continue reading