Monthly Archives
وجدنا أنفسنا في مقامات الدعاء لما سقطت الضحايا الالوف في اميركا في الحادي عشر من ايلول. موت عابث كموت اطفال العراق. موت حقد على الجبار المطلق دفع ثمنه العائشون على ارض الجبار. موت مجاني احزنني سرعان ما تحول الى خوف على اهلي واصدقائي العائشين هناك. يا ليت موتا كهذا يموت الى الابد. يا ليت اميركا تحلم مقابله بالحياة لها وللآخرين.
بين كتابتي هذه السطور وطبعها ربما سلكت هذه الدولة سلوك الانتقام. لو كان ثابتا ان الثأر يوقف العنف لفعل مذ قتل قايين اخاه في بدء التاريخ. سيكون قتل جماعي يعني ان اميركا لكونها يعسر عليها جدا ان تلقي القبض على المخطط ستقتل بديله الوفا مؤلفة من الابرياء، لتقول ماذا؟ فاذا كان الحكم الذي لجأ اليه المخطط مسؤولا عن ايوائه فهل تقدر اميركا على ابادة اهل البلد الآوي، هل تريد؟ ايجوز للدولة الكبرى، المطلقة في كبرها، ان تحصد في مرارتها ناسا لا ناقة لهم ولاجمل؟ هل هذا عدل ام هذا انفعال؟ الا يفعّل هذا طاقات التمرد في الشعوب الضعيفة لتجد يوما مخرجا لها من مأزقها عن طريق ما يسمى الارهاب وما تحس به هي جرحا لكرامتها؟ هل بقي من حوار ممكن بين الاقوياء وصعاليك الارض ومن سلح الصعاليك الذين قد تذهب الولايات المتحدة الى ابادتهم؟ هل ينتج قتل الفقراء سلاما؟
يبدو الآن ان “صراع الحضارات” كما رسمه صموئيل هنتغتون آخذ بالتحقق. مشكلة هذا المصطلح ان الارهاب ليس وقفا على حضارة واحدة. فقد كان المانياً وكان يابانياً ومنذ بضع من السنين اميركيا ضمن اميركا نفسها. المسلمون اذاً ليسوا محتكرين للارهاب. ولكن لماذا لا تطرح الولايات المتحدة على نفسها سؤالا حول الاسباب التي تدفع الضعاف الى ما تسميه الارهاب؟ اليست المظلومية بما فيها العوز والقمع السياسي باعثة الى هذا التصرف واذا كانت الحرب باتت مستحلية بين شعوب الارض كافة؟ اي اذا كان هاجس الصغار ان يتحرروا من التسلط عليهم واذا كانت وسائل تحريرهم هي قطعاً بيد الكبار لماذا لا تنبسط هذه اليد تعاوناً صادقاً وبذلاً لا اذلال فيه حتى تزول مرارة الضعاف؟
قد تبطش اميركا بطشاً قاسياً الى حين ولكن أنّى لها ان تزيل بؤر الارهاب من كل بقعة يجيء منها؟ هل تضرب كل الدول التي صنفتها مصدرة للارهاب ولا تفكر في ان هذه الدول ستطلع من تحت الانقاض لكون احزانها قد تكاثرت وحقدها قد تكثف ونكون قد دخلنا حلقة جهنمية لا شيء يكسرها؟
واذا ترادف في العقل الغربي الارهاب والعرب والمسلمون نكون امام صليبية جديدة لا نهاية لها قائمة على خرافتين ان الغرب المسيحي وان دار الاسلام في كيانها مصدرة للحرب والخوف اذ يتبع هذا في عقول المسلمين ان المسيحيين انّى كانوا حلفاء الغرب او عملاؤه وانهم تاليا اصدقاء اسرائيل. ان الاسلام السياسي والحضاري يجب ان يقف على قدميه بالفهم والابداع والازدهار في شتى جوانبه حتى يزيل خطر الصليبية عليه لأن استمراره في الفقر والمقهورية هو الذي يدفعه الى صليبية مضادة وباصطلاحه هو الى جهاد ليس هو قادرا عليه. واذا تمرمر اكثر من المعقول فانتفض قد يصل الى مواقع انتحارية يرصفها هو في موقع الاستشهاد. ازاء هذا الجنون الممكن توقعه يكون الغرب هشاً لا يصبر كما يصبر الاسلام وتفنى هذه الصليبية المتجددة كما فنيت صليبية القرون الوسطى في بلادنا. ان اصطفاف اوروبا الغربية وروسيا الى جانب الولايات المتحدة يقنع المسلمين نهائيا وليس الاصوليين منهم فقط ان المسيحية في كيانها عدوة للاسلام واستقلال شعوبه فنكون امام استعمار متجدد بعدما زالت اشكال الاستعمار القديم.
كنا، بشكل او بآخر، قبل الحرب العالمية الثانية نعتبر الولايات المتحدة رسالية تدعو الى الديموقراطية والحرية. ان هذه الصورة، تزعزعت كثيرا وربما كليا في فلسطين وافريقيا ويوغوسلافيا السابقة ورأينا بلد لينكولن وويلسن يتبنى ال Realpolitik ولا يكتم انه يرعى مصالحه في الخارج ويصرح انه يدخل، رعاية لهذه المصالح، هذا الخلاف او ذاك. انه لم يبق حاملا ميزان العدل ولا يحتاج هذا في فلسطين التاريخية الى دليل. هل يمكنه بعد الكارثة الاخيرة ان يحس انه مدعو الى تغيير لدوره جذري فيصبح من جديد حكما لا طرفا وهذا يقويه ويزيد هيبته ويجعله رجاء للشعوب؟
قد يعذر عن “فشة الخلق” الى حين على الا تكون واسعة الرقعة. قد يردع هذا بعضا من اهل الارهاب الى زمن. لكن الغضب لا يستطيع ان يدوم لأنه يبيد الغاضب نفسه في حين آخر. لمصلحة اميركا اعتقد انه لا بد لها ان تدخل في طور المسالمة بينها وبين الشعوب كلها والكبير يقول السلام بالخدمة واقامة الحق.
لعل التصرف الاميركي في العالم مستقى من الآية الثانية من الاصحاح 26 من نبوءة اشعياء المكتوبة على مدخل جامعة هارفرد: “افتحوا الابواب ولتدخل الامة البارة” ثم يتابع السفر الآية بقوله ان هذه الامة “الحافظة للامانة. ان عزمها لثابت الخ…”. اميركا مقتنعة انها مؤهلة بالبر، بما تدعيه براً لها، ان تدخل ابواب المعرفة التي تمكنها من حكم العالم. اذكر ان الرئيس كلينتون قال شيئا كهذا. القوة تؤهل لهذا الحكم ببر او بلا بر. ومن الواضح ان الآباء المؤسسين اعتقدوا ان العالم الجديد الذي ذهبوا ليسكنوه انما هو ارض الميعاد الثانية التي تنزل عليها البركات. ويعيش الاميركي على ان المال عند وفرته انما هو عطاء الله.
لا يبدو ان الاميركي قرأ الانجيل الذي يحذر كثيرا من المال ويحذر اولا من التسلط. وبالتأكيد ان المواطن العادي عندهم لم يطالع الادب النسكي الذي يحذرنا كثيرا من استبداد الملك بنا. واذا كان بسط القوة على المدى الاميركي قائما وناجحا فلماذا لا تنبسط القوة على العالم اجمع والنفور منها يمكن قمعه بالانظمة الموالية المستفيدة كثيرا من تحكمها بشعوبها بما يضمن بقاء حكمها عن طريق السياسة الاميركية.
غير انه يجب ان تقرأ التاريخ وكيف اندثرت الممالك: “قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء” (سورة آل عمران، الآية 26). لا يبدو ان الاميركيين قرأوا الآية. ولكن لا بد انهم قرأوا ما جاء في المزامير: “ايها الملوك الآن تعقلوا ويا قضاة الارض اتعظوا” (مزمور 2: 10). المشكلة ان الاميركيين نصبوا انفسهم قضاة الارض يقيمون عدلهم هم – لا العدل – حيثما شاؤوا ولا مرجع لهم الا انفسهم. ولما كانوا على ما تبقى لهم من رسالية على عهد فرانكلين روزفلت اعتقدوا انه يجب انشاء هيئة عالمية يرجعون هم وسواهم اليها لاحقاق الحق حتى تبين لهم انهم قادرون على الاستغناء عنها حيثما تقضي الحاجة ولا يضيرهم بشيء ان تخرج اسرائيل على قرارات هيئة الامم جميعا لأنها هي ايضا اقامت نفسها او اقيمت قاضيا في ارض المشرق.
دعائي الى الله ان تحافظ اميركا على غناها وعلمها والتقنية التي ترعى وان يهديها الى تواضع يجعلها توقن ان احدا لم يقمها قاضيا في الارض. لعل هذه الكارثة الرهيبة التي حلت بها واوجعتنا تجعلها ترصف نفسها مع الشعوب فلا تستعلي ولا تؤدب حتى لا يحل العقاب بها.
لتحافظ على ثرائها وليزدها الله ثراء ولا تستكبر. لها ان تعظم ولنا نحن الفقراء ان نعظم ايضا وهذا يتطلب منها زهدا بقوتها او الا تستكبر بها. لا احد ينتظر منها ان تكون جمعية خيرية ولكن نتوقع منها الا تستخف بوجودنا وبأننا نحن ايضا مدعوون الى الحياة. لا نريد ان ننتزع منها كرامتها فهذا بغض. ولكن ماذا ينفعها “لو ربحت العالم كله وخسرت نفسها”؟ اذا جعلت اميركا كل قدرتها في خدمة المستضعفين في الارض يزول الارهاب وربما اطل الحب.
Continue readingهذا الأحد الذي بعد عيد رفع الصليب يعطينا المعنى العميق لسر الصليب. أن تحمل صليبك اي أتعابك ومشقاتك ماشيا وراء يسوع، أن تكفر بأنانيتك او مركزية الأنا هذا هو السر. أن تخلّص نفسك، وهذه غاية موت يسوع، يعني ان «تُهلكها» اي ان تجاهد جهادا كبيرا، كليا حتى لا تعلق فيك خطيئة. في الحقيقة تُهلك الأنا الطامعة، العابدة نفسها، المستلذّة بما عندها.
لماذا تفعل هذا، ما مكافأة هذا العناء؟ خلاص النفس. ويذهب الإنجيل إلى ان الإنسان يريد كل شيء في هـذه الدنيا، ان يربح العالم وكل ما فيه من لذات، مـن مال، من مجد. هذا ما يسمى «العالم» بلغة الكتاب. يقول: إن ربحك كل هذا لا يساوي أن تخسر نفسك اي أن تخسر حياتك الروحية وأن يكون المسيح ساكنا فيـك. المسيح أهم من كل ما في دنياك. هذه اشياء مادية وعابرة او هي تدغـدغ كبرياءك وحبك للمجد. بهذا تنتفخ، وفي الحقيقة تبقى فارغا. انت إنْ احببت نفسك حقا وجدّيا تريدها مليئة ولا يملأها فرحا سوى المسيح.
المسيح ملء وجودك ولكن المسيح له ثمن في دنيا مغرية ومشوّقة. الخطيئة ساحرة للوهلة الاولى. أن تتركها اذا أتتك التجربة يبدو لك شيئا مزعجا. تظن للوهلة الاولى انك ستصير مجرّدا من جمالات العالم، من شهواته. هذا صحيح اذا كانت الشهوات مؤذية، قائمة على إشباع البطن وإذكاء المجد الباطل. ولكن على قدر اقترابك من يسوع تحسّ ان الفرح به هو اعظم من كل لذات العالم، ان لا معادلة بين ما تخسر ومن تربح لأن في المسيح اللطف والتعزية والفرح والوداعة اي الأشياء العميقة والتي تبقى فيك إلى الأبد.
عطايا المسيح اليك تجعلك قويا فيه، ثابتا، وتشعر بأن ما يعطيه ملء وليس شيئا جزئيا او تافها او مهترئا.
واذا سكنَتْ فيك كلمة المسيح وبِتَّ مغتذيا بها وناميا بها تحس بغناك الحقيقي وباستغنائك عن الأشياء العابرة والسخيفة.
انا ما قلت ان يسوع يطلب اليك الا تأكل ولا تشرب ولا تتزوج ولا تحصل على الأموال الضرورية لمعيشتك. هذه اذا أخذتها باعتدال وضمن شريعته لا تبعدك عنه ولكنك تطوعها له. المهم ان تعرف ان السيد هو قائدك في كل شيء وهو الميزان لكل شيء. تأخذ انت من هذا العالم شرط ان يأخذك المسيح اولا وان تعتبره موجِّها لك في ما تأخذ من هذا العالم وفي ما لا تأخذ.
الصليب ليس فقط إشارة صليب ولا هو مجرد ايقونة. هذا رمز لما هو أعمق. قلبك هو المصلوب. قلبك هو الذي تبيد فيه الشهوات المظلمة التي تكبّلك وتستعبدك. أن تتحرر منها غير ممكن الا اذا جعلت المسيح مَلِكا على قلبك. عندئذ يهون الجهاد وتستطيب الجهادَ طريقا إلى حبيبك يسوع. عندئذ لا تكون فقط حاملا على كتفيك الصليب. تكون مكلَّلا بالقيامة.
Continue readingنشأت عندنا عادات لا أجدها في العالم الأرثوذكسي مثل العمادة والإكليل في الأديرة. الدير ليس مكانا للإكليل لأن الناس الذين يعيشون فيه لا يتزوجون وليس من المستَحَب ان يشاهدوا أعراسا عندهم. كذلك العمادة التي تقول قوانيننا القديمة أنها تجري في كنيسة الرعية وليس في كنيسة خاصة.
أهمية التعميد في كنيسة الرعية ان الطفل المُعَمَد تتقبله الرعية عضوا من أعضائها. ولهذا كانت تتم المعمودية في القداس الإلهي فلم تكن دعوات إلى عمادة، فكلّ الرعية تكون مجتمعة وهي التي تتقبل الولد وتجعله عضوا فيها. الإنسان يعتمد ضمن الجماعة ليصير واحدا منها. ما يجري الآن سواء أكان في الدير أم في كنيسة الحي أو الكاتدرائية ان الأهل يدعون أنسباءهم وأصدقاءهم، والمعمودية عملية جماعية تخصنا جميعا ولا تخص الأهل وحدهم.
لقد قُمنا بهذا الاختبار وأدرجنا العمادة في القداس حسب ترتيب موضوع. كذلك أدرجنا الإكليل في القداس بحيث تتقاطع الصلوات الخاصة بالإكليل والصلوات الخاصة بالقداس وتتصل بعضها ببعض. أنت تتكلل ضمن الجماعة ولا تخرج من كنيسة رعيتك.
اليوم نرى ان معظم الناس لا يُصلّون في الإكليل. الأزياء معروضة بفحش كبير فلا حرمة للمعبد. الناس منشغلون بالناس ولا يبدون منشغلين بالكلام الإلهي. حُرمة الزواج ينتهكها الفحش.
يقولون أنا أتكلل في دير أو أُعَمِد ابني في دير لأن هذا نذر. لماذا تنذر هذا النذر؟ هذا كله يأتي من الروح الفردية. وروحنا نحن جماعية. الكنيسة في أبرشيتنا هي كنيسة القرية. وفيها أنت تولد روحيا وتنشأ روحيا وفيها يتم فرح زواجك ويُصَلّى فيها على جثمانك وتُدفَن بقربها.
هناك نذور كثيرة مغلوطة إذ ليس لها أساس في القانون الكنسي. من هذه النذور أن تشتري صورة أو ثريا وترغم وكلاء الوقف على قبولها. وقد لا تكون هذه الصورة أيقونة أرثوذكسية وتزعل إذا رفضناها ونحن مضطرون إلى الرفض. أنت تتبرع إلى الكنيسة بمبلغ من المال ويشتري وكلاء الكنيسة ما هم في حاجة اليه.
أحمد الله على ان المؤمنين عندنا اخذوا يفهمون هذا وطبقنا هذا في نجاح في الجبل المهجر حيث لا يأتيك احد ليفرض عليك كتابة اسمه. من أعطى يعطي الله ولا يفتش على نقش اسمه على أيقونة أو بلاطة. إذا أحسنت فالرب يسجّل لك ذلك في سفر الحياة.
الشيء الآخر الأساسي هو ان بعض الناس ينفقون كثيرا على أعراسهم والناس يموتون جوعا. في الضائقة التي نمر بها اليوم الإنفاق الكثير على المآدب والاستقبالات شيء فاحش. فليكن للعروسين هذه الشجاعة ان ينفقوا القليل القليل. ان هناء العروسين يبدأ بمحبتهما للفقراء.
ما يؤلمني ان أصحاب العمادة أو الزواج يبالغون في المصروف مبالغة كثيرة بدءا من بطاقة العرس التي صارت أغلى مما يجب. الإكليل يمكن ان يتماشى مع التواضع والخفر. يَجرح الكهنةَ في مناسبات الفرح أنّ أصحاب الاحتفال ينفقون القليل عليهم إذا قيس بما ينفقون على الكوكتيل. مال يهدر على الملذات والمجد الباطل ولا يعطى القليل إحسانا وتقربا من الله.
Continue readingليس السؤال كيف يعيش الكاهن بل السؤال هو هل تحبه الرعية بمقدار كافٍ حتى تغنيه عن البحث عن معيشته. والكتاب يقول: «من يرعى قطيعا ولا يأكل من لبن القطيع؟» (بولس الرسول). أي لبن هذا؟ بولس نفسه يقول: «ان كنا نحن قد زرعنا لكم الروحيات أفيكون عظيما ان نحصد منكم الجسديات؟»، ويريد بذلك سبل العيش.
الفكرة مستندة إلى القانون الكنسي الذي يريد الكاهن الا يفتش عن أسباب رزقه ليتفرغ للتعليم والخدمة والافتقاد. فكر بولس ان المؤمن الذي يتقبل العطاء الروحي من راعيه يساعده على العيش الكريم. فإذا بخل عليه يجعله منشغلا بالمال ويفسده.
وإذا كانت الخدمة الروحية أهم ما عندنا فالأولية في الإنفاق هي للكاهن. انه لا يعطى الراتب الأدنى بحجة أننا نبني كنيسة أو نرممها. بوضوح ما بعده وضوح أقول ان معيشة الكاهن الكريمة هي أهم من كنيسة الحجر لأنها من كنيسة البشر. المشاريع الوقفية مستمرة في بعض الأماكن. وتشييد الكنائس يتطلب زمنا طويلا. في هذه الأثناء كيف يأكل هذا الرجل وكيف تأكل عائلته. أنا لا اعرف عيلة واحدة تقلل من طعام أولادها وأقساطهم المدرسية وطبابتهم لكونها تريد ان تشتري شقة أو ان تبني محلا. ما هو ثابت لديكم، أي أولية الطعام على أي مشروع آخر، هو ثابت بالنسبة إلى الكاهن أيضا.
ما مصادر العيش عند هذا الرجل؟ صار مألوفا عندنا منذ بداءة القرن العشرين ان للكاهن راتبا ثابتا وان المؤمنين يكرمونه إذا قام لهم بخدمة روحية. غير ان الخبرة عندنا تدل على ان القسم الأكبر من المورد ينبغي ان يتكون من الراتب. المؤمنون أحيانا يعطون قليلا. والأفراح والأتراح متغير عددها. تقل أو تكثر ولا يعطي موردها طمأنينة. هناك نزعة سيئة جدا عند بعض مجالس الرعية وهو قولهم: أبونا عنده كذا إكليل وكذا معمودية ليخففوا عن أنفسهم مسؤولية العطاء الكبير. وما يذهلني في تصرف البعض انهم يبخلون من مال هو ليس لهم ولا يبخلون على عيالهم.
القلة مقتنعة ان كاهنا له ولدان أو ثلاثة يحتاج إلى إنفاق ما تنفقه عائلة لها ولدان أو ثلاثة. هذا لا يخطر على بال الكثيرين وكأن هناك نزعة إلى وضع الكاهن تحت وصاية القابضين على أموال الكنيسة. وكأنهم يقولون انه «لازم يكون معتّر» حتى يتعلم التواضع. من قال انه لا يقدر ان يكون متواضعا بلا تعتير؟
ثم الأمر الأساسي الأخير هو ان تحديد المعاش هو بيد المطران بالدرجة الأخيرة لأنه هو القيّم على الأوقاف ووكلاء الوقف هم فقط مستشارون لديه. بدنا نتخلص نهائيا من هذا الكلام المهين للسلطة الروحية: هذا وقف آبائنا وأجدادنا. هذا غير صحيح. هم أعطوا، ولكن بعد عطائهم صارت هذه الأملاك في عهدة الكنيسة كلها وليس في عهدة العائلات.
أنا يحزنني جدا ان أواجَه بكلام كهذا: هذه قدرتنا. ما معنى هذا الكلام وفي كل رعية كمية من الأغنياء وأموال في المصارف. الصواني لا تعطي، يقولون. طيّب، إذا جاء إلى القداس بين 3 و 8 % من المؤمنين، أيعني ذلك ان الكاهن يجب ان يعيش من الصواني فقط وليس من المؤمنين وفق نظام اشتراكات مثلا؟
هذه الخطوط العريضة لسلوكنا هي ما يرضي الرب.
Continue reading