Monthly Archives

January 2009

2009, جريدة النهار, مقالات

هل المسيحية معقولة؟ / السبت 31 كانون الثاني 2009

لست في معرض المقارنات بين الأديان ولا المفاضلة ولا التحديد لطبيعة الدين. هل هو شرائع وفرائض وتنظيم ومحظورات. المسيحيّة ليست من كل هذا وان كان لا بد في أزمنة الناس ان ترتّب بعضا من شؤونهم. ولكن المسيحيّة في مطلقها شيء آخر فالمحبة التي هي كل المسيحيّة بما فيها عقائدها هي حركة إلهيّة في القلب وبالقلب وتحرّك الى الأخ ومن هنا انها لا تشبه شيئا آخر.

فاذا قلنا ان الله محبّة واضح انه لا يخفي وراءه عددا فمن عدّه كما يقول الإمام علي. فقد حده اي لا تنطبق عليه مقولة الرقم فإن جعلته واحدًا بمعنى النفي للاثنينيّة تكون قد عددته. واذا قلت ان فيه ثلاثة وجوه تكون قد عددته فأنت لا تعنيها حسابيا. وحدانية الله عندنا لا يجوز عليها المعنى الرقمي.ّ في إطارها فقط نستطيع ان نرى الله صفات تصفه ولكن جوهره بارز بأفعاله كلها التي تجمعها المحبة.

من تعابير هذه المحبة سرّ الشكر أي مناولتنا الكأس المشتركة يوم الأحد الذي كُتب عنه لاهوت ضخم ودارت حوله جدالات لم تنته مع هذا ليس هذا السر سوى انسكاب ذبيحة المسيح التي رفعها الى الآب وهي اياها التي نشارك فيها. الحياة التي انتشرت من الجلجلة على الكون نستدخلها لنحيا في اقتبال الحب الذي أحبنا الله به. نحيط هذا التناول بأناشيد وتلاوات. اما جوهر السرّ فنزول المحبة الإلهية علينا والاستجابة لها بالطاعة.

بيّنت في غير موضع ان «عيد الأعياد وموسم المواسم» الذي هو الفصح انّما هو عيدنا الوحيد لأنه غلبة المسيح الموت وكل عيد آخر ليس سوى توضيح لسر هذه الغلبة. عندنا في الأعياد فقط صور عن المحبة.

المسألة هي هذه ان المحب ينزل حبه كاملا على المحبوب اذا أدرك هذا محبوبيّته. الله يدعونا الى ان نعرف محبوبيّتنا وان نبشّر بها والمسيح كلّه في هذا. اجل انت في حاجة الى تعاليم ولكن هذه كلها ان هي الا لتفهم انك مدعو الى دخول الخدر الإلهي. لكل حديث بغير هذا اللقاء بينك وبين الله لغو.

هناك من كان غير قادر على هذه الرؤية لأن نفسه مدلهمة او قلبه ضعيف الحس حتى يقذف الله نوره فيه.

والنور من النور يقتبس. فمن شعر بمحبوبيّته ينقلها الى الآخرين. لذلك بعد ذكر المحبة لله كانت الوصية أحبب قريبك كنفسك. لماذا تستطيع ان تحب الآخر مع كونه آذاك؟ لعلمك بأنه حبيب الله ولا تستطيع انت الا ان تحبه بالمحبة التي ورثتها انت من ربك. كل ما ليس على مستوى هذه المحبة هو مقاضاة والمقاضاة تفترض ان على الأرض من يدين الآخر بقوانين وضعها البشر. ان أقاضيك تعني اني اراك دوني او ضدي واني اريد ان استردّ ما هو لي بقوّة القانون.

في ملكوت المحبة ليس من مقاضاة في عالم الخطيئة تلجأ الى المحاكم في حال انك مارست المحبة ورفضها الآخر. أجل في الدنيا مال وحقوق وأرزاق. هذه يسوسها أهل الدنيا ولا بد منهم في عالم الخطيئة. وقد لا تستطيع ان تهرب من الدهر الحاضر. ولكني في المسيح يسوع انا آخذك معي الى الدهر الآتي. اشدك اليه بكل جوارحي أصلي من أجل أن ترافقني اليه. قد تكره الدهر الآتي لأنه يهدد مصالحك. والصدام قائم ابدا في هذا العالم بين رغبتك في الله وانصبابك في شهواتك. الخيار لك.

دائما يواجهنا الناس بقولهم: كيف نحيا حسب الإنجيل فاذا لم نكذب في العمل الذي نحن فيه او نراوغ او نسرق فليس لنا عيش. ان هذا على صعيد الواقع ليس دائما صحيحا فليست كل المؤسسات قائمة على الخلل. هناك من كنت اعرفهم في الجسم القضائي من اكتفى بمعاشه ولكن اذا حصل تعارض بين الفكر الإلهي وانتظامك في عمل تختار الفكر الإلهي.

مرّة قالت لي فتاة ان رب العمل الذي انا فيه يراودني عن نفسي واذا لم ألبِّ يفصلني عن وظيفتي. قلت لها لا مانع ان تنفصلي. هناك قرارات في هذا العالم لا بد لها من حزم وعزم لتلازم الله ويلازمك، لتربطك به علاقة المحبة. هذا يفترض ان تفهم قول بولس: «لست انا احيا بل المسيح يحيا فيّ».

اذا ادركت هذا الطور من العلاقة لا تبقى لصيقا بالعالم الشرير. يزعجك تسرّب هذا العالم الى نفسك بعد ان روّضت هذه النفس على السلام الذي يعطيك السلوك الإلهي.

دائما الخطيئة خلابة وتتراءى لك مرات ساحرة. لست اعرف كذبا كالذي في الخطيئة. تتراقص امامك فيها ملذات سرعان ما تعرف انها موقتة من جهة وانها مريرة من جهة او هي مريرة لأنك قبل اقترافها كشفت لك أحلاما لم تحقق. المحبة الإلهيّة هي وحدها القوّة التي لا خيبة فيها لأن الله لا يقدّم لك الا في ما هو في صالحك.
اجل في الإنسان امام الإغراء معطوبيّة كبرى ويسعى ان يلجم نفسه بتطويع الإرادة. وعندنا في الأدب النسكي مطولات عن الأهواء المختلفة التي ترتاعنا ولكن قلّما نجد في الأدب الشرقي ما يفيد ترويض الإرادة. اجل هناك هروب من الخطايا ولكن ما يقف في وجهها ان تعرف مشيئة الله في هذا الشأن وذلك ان تعرف ما يقوله الله في كتابه حتى تتزوّد بالكلمة ترسًا وخوذة وسيفا كما يقول بولس. هناك رجاء الخير اذا أحببته واستولى عليك. هو يكون لك حصنا ويدفع عنك هجمات الشرير. ولكن كثرة من الناس لا يحبّون لأنفسهم ما يسمّيه الله خيرا ويرتضون ما يسمّيه الله شرا. هناك بشر محبب اليهم البخل والبغض والكذب واقتناص الفرص للارتكاب وعسير عندهم جدا ان يبدلوا حبا بحب لأن هذا يهدم كل البناء الذي أقاموه في أنفسهم للخطايا. واذا استغرقوا فيها حتى التحالف يسألونك عن طريق للخلاص.
بعد ألفة الشر الطويلة تصعب التوبة والثقة بإمكان الخلاص. وما ذلك الا لأنك حالفت الخطيئة وصارت بعضا منك. لا تعرف ان ألفة المحبّة الإلهيّة تنجّيك حقيقة وتسندك طويلا وربما على مدى حياتك.
في الموعظة على الجبل هذا الكلام: «ان كانت تقواكم لا تفوق تقوى معلّمي الشريعة الفريسيين، لن تدخلوا ملكوت السموات» (متى5: 20). القضية كلها عند يسوع الناصري الا نكون ذوي تدين ظاهري قائم على الفرائض من صلاة وصوم وقراءة الكلمة الإلهيّة والعبادات ولكن ان نستقبل الله في القلب.
بعد هذا يقول: «سمعتم انه قيل عين بعين وسن بسن. اما انا فأقول لكم: لا تقاوموا من يسيء اليكم. مَن لطمك على خدّك الأيمن فحوّل له الآخر». العين بالعين كانت إحراز تقدم على الثأر الانتقامي. بقيت ماكثة في الحقوق. لا تريد ان تلغي الحقوق فأنت من أهل الحقوق، من الدولة. السوآل هو كيف تنتقل من عالم المقاضاة الى الملكوت الإلهي؟ الجواب: «احبّوا أعداءكم وصلّوا لأجل الذين يضطهدونكم فتكونوا ابناء ابيكم الذي في السموات». والمعنى طبعا انكم وضعتم حدا للقصاص ودخلتم ملكوت التساوي بين أبناء الله الصالحين وابنائه الأشرار. يمكنك ان تفهم هذا اذا عرفت ان رحمة الرب مسكوبة على الناس جميعا.
المسيحية، مفهومة هكذا، معقولة.

Continue reading
2009, مقالات, نشرة رعيتي

في آلية الوعظ / الاحد 25 كانون الثاني 2009/ العدد 4

حسب القوانين القديمة، كل خدمة إلهية (سَحَر، غروب، مأتم، إكليل، قداس) يجب ان يكون فيها وعظ او تعليم. ولكن أهم مساحة للوعظ هي القداس الإلهي. بصورة عامة هو مركّز على الإنجيل او الرسالة او كليهما اذا كانا متشابهين او متقاربين في الموضوع. يجوز، استثنائيا، ان يكون على سيرة القديس الذي نعيّد له على ألا تكون العظة مجرد سرد للسيرة ولكنه سرد مرتبط بالإنجيل.

متـى تـُلقى المـوعظة؟ يـقول هـذا وذاك: قـبل منـاولة المؤمنـين لأن المؤمنـين يـكونون قد كثـروا. هذا غـير صحيح لأن العـظة جزء أساسي من خـدمة الكلمة. وبـعد الإنـجيل بـقليل يـبدأ الكلام الجـوهري الذي يـصبّ في المناولة. اذا كانـت هـذه هي القمّة فلا مكان فـيها للوعظ.

ليس عندنا توجيه حول مدة العظة. ولكن، من وجهة عمليّة، وبسبب طول الخدمة الإلهيـة، عشر دقائق او 12 مدة كافية يمكن ان يتكلّم فيها الكاهن على القـراءة التي تُليـت اذا عـرف الكـاهـن ان يتهيـأ للكـلام فلا يتـردد في الكلام ولا يكرّره ولا يُترجم التلاوة الإنجيلية الى اللغة العامية. هناك غذاء روحي يجب ان ينقله.

بأية لغـة نتكلّـم، هل بالفصحى او بالعاميـة؟ المهم ان يفهم المؤمنون على كل مستوياتهم العلميـة. في اختباري الشخصـي، وصلتُ الى هذه القناعـة: لتكـن الموعظـة مزيجـًا من اللغتيـن الفصحى والعاميـة حسب مقتضى الفهم اي حسب ضرورة التبليغ. احيانا الفصحى تصل الى القلـب بصـورة بليغة، واحيانا تصل العامية بصورة اسهل. المهم “الهضم” عند عامـة النـاس الذين هم اكثـر من المثقـفـين.

واذا رأى الكاهن ان معظـم المؤمنين من البسطاء فليكتفِ باللغـة الدارجـة. ولا يتعقد الكاهـن اذا قال احدهم: ابونا لا يعـرف اللغة. نحن لسنا عبيدًا للغـة. نحن خُدّام ليسوع المسيح.

واذا كان الكاهن يرى نفسه غير قادر على الارتجال، فليكتب موعظته ويقرأها. هذا أفضل من ان يتردد ويتباطأ ويتلعثم. لذلك اوصي كل كاهن مبتدئ مهما كان ملمًا باللغة ان يكتب في السنتين الاوليين لرسامته او الثلاث.

وحتى لا يتعب بالإلقاء، فليتنفس بعد كل جملة او جملتين او ثلاث حتى يحافظ على صوته. وهذا يساعده على الا يصرخ. الصوت العالي كثيرًا يحسّ المؤمنون على انه غضب، والغضب يفهمونه توبيخا لهم. افضل توبيخ يكون بصوت هادئ. ولكن اعتقادي ان التوبيخ او اللوم يجب ان يكون نادرا، فلا تقل لهم مثلا لماذا لا تجيئون الى القداس وهم حاضرون. انت لا توبخ الغائبين. كلام التشجيع والحث على التوبة، الكلام الايجابي افضل من الكلام السلبي.

الى هذا فالمفيد أن تتضمّن العظة كلامًا يفهمه الأطفال (باللغة الدارجة طبعًا). واذا كان الأطفال يجتمعون في قاعة الكنيسة قبل القداس او بعده فليكن لهم عظة خاصة بهم (بلا ورقة تكون).

من المفيد جدًا ولا سيما في الكنائس الكبـيـرة ان يـكون أمـام الخـطيـب مـكبّــر لـلصـوت يـؤدي الصوت حسنًا. ولتختبر الناحية التقنية قبل الوقت حتى لا ينزعج الكاهن او الشعب اثناء الأداء.

بعد هذه الملاحظات العملية أرجو أن أوفق الى الكلام الأعمق.

Continue reading
2009, جريدة النهار, مقالات

ماذا بعد غزة؟ / السبت 24 كانون الثاني 2009

لا يمكن ان ترى الى ما بعد غزّة الا اذا قرأت اسرائيل دولة قاتلة مشبعة بالنازية. دماء الأطفال والنساء والحوامل منهنّ كانت تمرينا لقتل العرب، تمرين إبادة لمن يقف في وجه الدولة اليهودية التي تبرّع جورج بوش بنعتها كذلك. والمعنى البادي لهذا النعت ان المشتهى الا يكون في هذه الدولة قوم غير يهود. هذه العقيدة القوميّة – الدينيّة العنصرية حتى الشوفينية تقضي بإجلاء الفلسطينيين الحاملين للجنسية الإسرائلية او بقمعهم حتى يهاجروا او يرموا أنفسهم في صحارى العرب.

صواريخ حماس والفصائل ذريعة للهجرة الوحشية على غزة، هذا بغض عتيق لهاجر ولاسماعيل منذ تدوين سفر التكوين وصراعنا ليس مع هذا الكيان الهجين وحسب ولكن مع ما يحمله من بغض يؤدي منطقيا الى الإبادة. لست أود هنا أن أدخل في استجلاء معنى «الشعب المختار». هذا له معنى النعمة المجانية التي سكبها الله على ابراهيم وعنى الله بها خدمة التوحيد وليس فيها استعلاء ولكن الشعب المارق ابتدع الاستعلاء فعبد نفسه وادّعى حقّ الإبادة واعتقد انه تفويض إلهيّ وهكذا وضع هتلر على منطقة (زناد) كل جندي الماني العبارة الكتابية Gott mit uns  اي معنا هو الله..

وتعلمن المفهوم وتباعد عن الإيمان شطر كبير من مواطني اسرائيل او من معظم مواطنيه. ومع ذلك بقيت الدولة المتعلمنة كثيرا، بقيت يهوديّة بالمعنى المجتمعي. والذين ليسوا على اليهوديّة ليسوا، في الحقيقة، من هذا الكيان الذي يدّعي انه وحده ديموقراطية في الشرق.

عندما تقول الإدارة الأميركية ومن يقول قولها من الأوربيين انهم يريدون إنشاء دولتين متجاورتين على أرض فلسطين التاريخيّة ماذا يعنون؟ المبتغى ان يكون الفلسطينيون «عاقلين» ويرجوا دولة يهوديّة عاقلة ايضا. ولكن هل تعقل فلسطين بلا قدسها؟ هل تعني كل الأرض شيئا بلا القدس؟

الكلام عن دولتين يعني المسالمة بين واحدة لا تقيّدها ايديولوجيّة واخرى أسيرة الايديولوجيّة الصهيونيّة. قد يحلّ بينهما سلم ظاهر ولكن هذا ليس بتفاهم. هذا التباين يظهر شعبًا عربيًا يؤمن بأن الانسانية واحدة وشعبًا صهيونيًا تنفي فلسفته الاعتقاد بانسانيّة واحدة. ماذا يعني الجوار بين شعب لا جيش له وشعب كلّه عسكر يرتدي البزّة متى شاء لكونه مجتمعا حربيا. دولتان بلا توازن بينهما مشروع حرب كامنة في نيات الطرفين.

السؤال الذي يفرض نفسه نظريا هو هل نريد اسرائيل ان تبقى؟ هل صولِحنا مع هذا الكيان المغلوط الذي حُبل به بالإثم ووُلد في الخطيئة. مفروض علينا ان نشرعن ولادة زانية. مع هذا لست أدعو الى محو اسرائيل بالسلاح. أخشى الا يكون هذا ممكنا في المستقبل المنظور. والأهم من كل ذلك أخشى، تنفيذا لهذا، ان نقع في خطيئة الإبادة التي وقع فيها اليهود في غزة وقبل غزة. انا أريد ان نحافظ على اليهود مع رفض للدولة اليهوديّة. هذا يستتبع تساؤلات عديدة حول قوّة العرب اذا اجتمعوا. وعلامَ يجتمعون اذا أرادوا؟ ثم متى وكيف يلتقي الفلسطينيون ليُبدوا رأيًا في انتصار ما على اسرائيل؟ هل يعتقدون ان صاروخًا من هنا وصاروخًا من هناك من شأنه ان يُنهي الكيان العبري؟ هل أوافق حماس على قولها ان فلسطين كلّها وقف إسلامي؟

# #
# انت لا تقدر ان تلغي ايديولوجية يهودية بايديولوجية إسلامية. هما قول واحد. انا لا أفهم ان يرفض العرب دولة يهودية لكونها يهودية وكل دولهم ما عدا لبنان دول إسلامية في دستورها وواحدة منها رئيسها مسلم وجوبا. انت تحارب اسرائيل بفكر آخر او هي غالبة.

واذا افترضنا اننا ضربنا الغطرسة اليهودية بإسلام متسلّح ونتيجة ذلك اننا اقمنا حكمًا إسلاميًا في فلسطين موحّدة اين مكانتي أنا المسيحي العربي على أرض «فلسطين المستعادة»؟ عنوان مكافحتنا اسرائيل هو تاليا العروبة او الإجماع العربي.

لا تنتهي القضية بترتيب البيت العربي في فلسطين مصغّرة، خجولة، هزيلة. المسألة ليست في إنشاء هذا الكيان ولكن في اعتراف الفلسطينيين او عدم اعترافهم بالدولة اليهودية. اذا تضمن إنشاء الدولتين تبادلا ديبلوسيًا بينهما انتهت القضيّة الفلسطينيّة. لاسرائيل ان تبقى على مستوى الواقع لا على المستوى الحقوقي de jure .  ليس فقط لأننا نتمنى ان تتوحد كل أرض فلسطين التاريخية ولكن لأننا ننكر الايديولوجية الصهيونية. اذ نحب ان يتحرر اليهود من هذه الايديولوجية القاتلة كيانهم الروحي وانسانيتهم السليمة. نحن ليس عندنا رفض لشعب اليهود في العالم لأننا نحب خلاص نفوسهم ولأن عندهم على مدى العالم طاقات فكرية وعلمية عظيمة. من كان عدوًا للإنسان اليهودي لا يستطيع ان يخدم قضيتنا. نحن نبغي تحريره من عقائدية سلبية ورافضة للإنسان الآخر.

بمجيء السيد اوباما الى الرئاسة الاميركية قد تُمارَس ضغوط رهيبة على العرب حتى يعترفوا جميعا باسرائيل ويبادلوها البعثات الديبلوماسية ويطبعوا العلاقات معها. قد يضطر الفلسطينيون ان يُحشروا في بقعة صغيرة من بلادهم مع قبول بعض المؤسسات غير العسكرية. أخشى ان يجيء زمان مظلوميّتهم. لا ينبغي اذا هم قبِلوا بذلك ان يسترخي بقيّة العرب.

انا أدعو الى الرفض العربي، الى استمرار رفض الكيان الصهيوني. المقاومة العسكرية ستزول بإيجاد الدولة وبقبول ضمني او صريح عند العرب للدولتين. المقاومة العسكرية وجه من وجوه الرفض. الرفض هو المبدأ في مواجهتنا اسرائيل سياسيا وفكريا وهو ممكن مع السلام. غير ان تشكيل الدولتين يفترض قبول الفصائل به. كيف؟

ولكن من الآن لا بد من توحّد الفصائل وتوحيد الحكم الفلسطيني واستمرار المفكرين والأكاديميين والصحافيين في ذهنيّة الرفض وروحانية الرفض. هذا على رجاء ان يقف حمّام الدم في غزة وغير غزة. هذا يعني انسحاب الجيش الاسرائلي كليا منها وإعمارها او الشروع بإعمارها.

وهذا يعني ان تموت الصهيونية في العقول بما فيها العقول اليهودية. وعلى مدى طويل الا تبقى ايديولوجية الكيان الاسرائيلي. لا شيء يدلّ على ان اسرائيل باقية الى الأبد. قلّة من المحلّلين تعتقد ان فيها عناصر تفسّخ يزيل اللحمة بين مواطنيها. هذا ليس شأننا الآن. ان شأننا ان يتوحّد العرب. هذه المقاومة العقليّة تعني لي الوجه الجديد لعروبة مثقّفة ترتضي تعددًا للدول العربية والتفافها نضاليا بعضها حول بعض في حداثة تضاهي حداثة الغرب.

ولكن هذا يوحي ان يرفض العرب الإرهاب. ان هذا مسؤول جزئيًا عن إثارة الاسلاموفابيا في الغرب. الإرهاب خيار جنوني يُقنع الغربيين بتخلّف العرب. سلام النفس العربية وتخليها عن العنف كليا من شأنه ان يقنع الدول الأخرى ليس فقط بمخاطبتنا والتعامل الودي معنا ولكن بإشراكنا في السياسة العالمية. العرب اساسيون في المعايشة الانسانية الشاملة اذا تخلّوا عن العنف نهائيا في فكرهم ونشاطهم.

غزة بعد غزة هي العبارة الرمزيّة التي تدلّنا على نحت السلام العربي بصورة ان من أراد تمزيقه يكون ظالما، مجرما. آن الأوان لدخولنا الحياة الحضارية الكاملة التي روحها السلام. هذا وحده يمنع الأشرار من قتل العرب والغاء حياتهم الطيّبة التي قامت أمنة طويلة على العطاء الحضاري والمشاركة الانسانية المولّدة للحب.

Continue reading
2009, مقالات, نشرة رعيتي

نحن ومدبّرونا / الأحد 18 كانون الثاني 2009/ العدد 3

 “ليس لنا هنا مدينة باقية بل نطلب الآتية”. هذا هو المعنى عينه الذي ورد في إنجيل يوحنا: “انتم في العالم ولكنكم لا تجيئون من العالم”. هنا نقوم بأعمال الدنيا. لنا مهنة ونتعاطى شؤون الدولة. ولكن هذه لا تطغى على قلوبنا ولا تأسرنا لأن وطننا الحقيقي هو السماء حيث يتجلّى الله بكل بهائه. نحن اذًا حيث يسكن الله.

وهذه الدنيا مرقاة الى الله. اتجاهنا الى مَن كان فوق المرقاة. وكل ما نقوم به في هذا العالم ينبغي أن نستلهم له كلمات الإنجيل. هذا هو “حق الإنجيل” علينا ليفهم الناس اننا، على مثال المسيح، نازلون من فوق.

واستعدادًا لدخولنا الملكوت، يطلب الرسول ان نقوم بالإحسان لكل من احتاج اليه وفي حدود إمكاناتنا ولكن بكرم. ويطلب ايضا ان نقوم بالمؤاساة. فالناس في الضيق او الحزن في حاجة او تعزية ولا ينبغي ان نتركهم وحدهم.

هذا الإخاء وهذا العمل الصالح نعيشهما في الكنيسة. لذلك يقول بولس: “اذكروا مدبّريكم” اي الأسقف والكهنة. وفي الزمن الذي كتبت الرسالة فيه كان يعقوب أخو الرب قد صار أسقفا لأورشليم. ويفترض بولس ان تصرّف الكهنة جيد وان ايمانهم قويّ.

أقل شيء نقوم به الا نفتري على كاهن ولا نتناوله بالثرثرة في مجالسنا فهذا يؤذي من قال شيئا سيئا او كتب شيئا سيئا. الأمر الحلال، اذا خالف الكاهن معتقداتنا او كان جاهلا الخدمة الإلهيّة او خاصم واحدا من أبناء الرعية، الأمر المتروك لنا ان نشكوه الى المطران. واذا خالف المطران شيئا من الشريعة وأهمل الرعية، فيجوز ان يُشكى الى البطريرك الذي يدعو المجمع للنظر بالخلاف.

واذا لمست ان كاهنك صالح وفهيم فاقترب منه. وهذا يسرّ الله اذ يزوّدك بالحكمة ويصحّح مسراك . لا يكفي ان تعترف ولكن وحّد مسارك بمسار أبيك الروحي. رعيتك لها رئيس ولها أعضاء.

لا تتصرف كأنك رئيس، ولا تحزن اذا قاوم الكاهن او المطران رأيك واذا ألحّ على ان كلامه او موقفه يستند الى الإنجيل. لما قال صاحب الرسالة: “اذكروا مدبّريكم”، لا شك انه عنى ذِكْرهم في الصلاة، وقصد ان تتواصلوا معهم، فكاهنك مفروض انه يعطيك المسيح. هو لا يملك شيئا آخر.

غير انه يحسن عليك ان تعينه بالمال ولا سيما اذا عرفت ان راتبه لا يكفي. انت وإخوانك رتّبوا شؤونه المادية ليرتب هو شؤونكم الروحية. لا تقل الكنيسة فيها أوقاف، ولكن قد لا تكون هذه مستغلّة. ما لَكَ وللأوقاف؟ هناك من يتولاها.

انت افتح قلبك وأعطِ ليقبلك الرب في ملكوت محبّته.

Continue reading
2009, جريدة النهار, مقالات

الجسد / السبت 17 كانون الثاني 2009

الجسد يحمل بهاء مخلوقيّته. كل الخلائق جميلة ويكشف في تكونها يد الله. غير ان الطابع العضوي لما في الجسم البشري يوضح لك عقل الله. منذ بضع من سنوات لفتني ما كنت دارسه ولم يحركني في شبابي. انا الآن دهشة امام الترابط المذهل بين أعضائنا. كيف يصبح طعامك بعد الهضم جزءًا من شعرك، من عينيك، من صدرك. كيف تأتي من أب عادي وأم عادية لتصبح أفلاطون او أينشتين. هذا اللحم البادي منا وبه نتواصل لم يكن ليكون كامل المعقولية لو لم يعقله احد. هو اذًا موضع رؤية لهذا الذي عقله. عن المخلوقات في سفر التكوين «ورأى الله انه حسن». اما عن الإنسان فيقول: «فخلق الله الإنسان على صورته». ان نظر الله الى الانسان يقول الله: «ونظر الله الى كل ما صنعه، فرأى انه حسن جدا». لماذا لم ينبهر الله الا بالانسان كأنه دون كل الخليقة محاوره.

هذا الجسد على سحره تراب، والترابية تضغط على كل ما فيه حتى تمنع النور عنه والنور كان في البدء ونحن اليه مثلما نحن على التراب ويتلاعبان حينا ويتناقضان احيانا ما دام الإنسان. على ركيزة جسده يبصر الانسان قوة الله وجلاله وحنانه وتنكشف أسرار الله لنا اذا كنا اليها بكل ما فينا من قوى ونتواصل والآخرين بكل ما فينا من قوى ايضا اذا لا ترى ربك ما لم ترَ عباده الطيبين. هذا لا يجري فقط بالفكر فالعين تفرح واليد تصافح اي تصير عضوًا واحدًا مع يد الآخر لأننا موصولون بخيوط من ذهب مخفية الى ان تتجلى وحدة البشر عند هبوط ملكوت السموات علينا.

الجمال وما يبدو لنا قبيحا كلاهما من الله وكلاهما لغة، والقبيح لا ينفر اذا اجدت لغته اي اذا تجاوزته الى الكلمة التي تتضمنها تعابيره ومخاطبته الله. فليس الإنسان في سحر وجهه ولكن في سحر وحدته مع الآخرين وفي حريته على صورة الله. وما هو أسمى من ذلك الانسان المحب البشر اي في وحدته مع الآخرين وفي حريته على صورة الله. انه لسرٌ عظيم الا تكون انت اياك في ذاتيتك ومسؤوليتك وانت تحيا في إناسة الآخرين معا. ان نكون واحدا ومتمايزين معا هذا وحده يلغي العبودية القائمة إما على الانغلاق او الانصهار الكامل. انسان واحد في ذاته وموحد بالجماعة في آن . حتى في الملكوت يبقى الانسان ذاته ولكنه متحد لتظهر محبة الله.


#      #

#

بين يدي الله مفاتيح الحياة والموت. «كل نفس ذائقة الموت» (عمران، 185 وغيرها من السور). الجسد مهيأ للموت في تركيبته. الخلايا لا تعيش الى الأبد. وعندنا نحن ان «الذي مات قد تبرأ من الخطيئة» (رومية 6: 7). بهذا المعنى الموت رحمة، وفي الايمان المسيحي انه لقاء مع الرب. والنفوس في قبضة الله وهي ترجو القيامة. والموت اول مواجهة مع الله في ما نسمّيه الفردوس او الملكوت على رجاء رؤية النور الإلهي في السماء عند انتهاء الزمن.

في الزمان الأخير تُستدعى الأجساد الى القيامة ومنذ موت صاحبها يحنو عليها الروح القدس بنعمته بحيث ان الروح الالهي يرعى النفوس والأجساد معا حتى يجمعها في اليوم الأخير . اذ ذاك أمكن القول ان الجسد بعد الموت قائم ولو ذهبت عنه الحركة التي كانت في كيانه.

قدسيّة الأجساد تمنع عندنا إحراقها. نريد استمرار جسد ما لكيانية ما ولو بدت مفكوكة. الجسد ممسوح بالميرون بعد المعمودية. لذلك كان للكنيسة مدافن كانت تبنى الى زمن قريب حول الكنيسة بحيث يشعر المؤمنون الأحياء انهم واحد مع الراقدين على رجاء القيامة.

من هذه الزاوية ليست الكنيسة مشدودة الى انفصال النفس والجسد، ولكنها تشدها جميعا الى رحمة الله. الانحلال الذي يصيب الجسد فرصة لقائه مع الرب اي انعطاف الرب عليه. هناك من يخشى الموت، وهناك من لا يخشى. المهم ان يتهيأ كل منا لفراق هذا الوجود وارتقاء الى وجود السلام. نحن نعد من يرحل عنا بالصلاة وتعزية الكتب كما يقول الرسول. وانشئت مؤخرا في اوربا مؤسسات تُعنى بإعداد المرضى في مراحلهم الأخيرة للموت وهي مختلفة عن المستشفيات. حبذا لو كان في كل عائلة مؤمنة من كان أقرب الى العناية بالمريض في ايامه بالكلام الطيب. اجل ممكن للكاهن القيام بهذا الواجب اذا درس ما يجب ان يقوله ويعمله بما يتجاوز مجرد الصلاة.

هذه الرعاية تفترض ضمنا اننا في الموت نصير الى المرحلة الأخيرة من الحياة الدنيا، وان هذا الجسد كريم وانه في حال الوعي يتناول بالزيت ما نسميه سر المسحة الذي يفترض ان الإنسان كيان واحد قبل الموت وبعده ما يحول دون التأكيد اننا مؤلفون من مادة تزول ونفس لا تزول. الجسد عندنا شيء من الكيان البشري ليس أدنى من الروح في حقيقة الوجود وحقيقة المصير.

# #
#

فيما أتأمل في هذه الرؤية اللاهوتية أحمل غزة في ضلوعي. كل من سقط فيها هو عند الله وفي تاريخ القداسة. لماذا يقطفون الأطفال- الزهور؟ ان يموت المحاربون امر طبيعي. ولكن كيف يحتمل شعب له انبياء دعوا الى العدل موت النساء والشيوخ وليس فيهم مسلح؟ لماذا هذا الدمار الذي يشبه آخرة العالم؟ ما الفائدة من إبادة مئات من اهل غزة. هؤلاء كلّهم أجساد مقدسة جعلها الظلم قرابين لله.

ليس الوقت الآن للصلح. المبتغى ان تتوقف إماتة ناس عزّل. واذا جاءت التهدئة يبدأ منطق السلم. المهم ان تبقى هذه الأرض فلسطينيّة ولا توزّع بين العرب. لقد أثبت التاريخ منذ ستين سنة ان الفلسطينيين متمسّكون بحريّتهم على أرض لهم. كيف تكون حال الشرق الأدنى في المستقبل القريب؟ هذا موضوع بحث أساسه ان يتجمع اهل فلسطين على أرض يحبونها حول الزيتون والبرتقال ومياههم، وان ينصرفوا الى بنيان مجتمعهم كما يشاؤون مشاركة منهم في الحضارة.

اوقفوا حمام الدم وهو زكيّ. هم لم يكونوا من الأمة الألمانية لما أحرق قائدها اليهود بشكل وحشي. لماذا الذي كان أبوه ضحيّة النازي في اوشفيتس ينبغي ان يحوّل كل مدينة في قطاع غزّة الى اوشفيتس أخرى. سلام على أجساد أحبائنا المطهّرة في فلسطين كلها. إخواننا هناك مدعوّون الى المجد. وسنناضل مما أوتينا من وسائل لتحقيق هذا المجد.

Continue reading
2009, مقالات, نشرة رعيتي

إرشادات بولس/ الأحد 11 كانون الثاني 2009/ العدد 2

قطعته اليوم المأخوذة من الرسالة الى العبرانيين يغلب عليها الطابع الرعائي اذ يقول “اذكروا مرشديكم” اي الكهنة وربما يعقوب أسقف أورشليم اذ إن الرسالة موجّهة من ايطاليا الى المسيحيين في فلسطين. وبعد هذه القطعة، يرفع الذكر الى عبارة “أطيعوا مرشديكم”، وفي نهاية الفصل يقول “سلّموا على جميع مرشديكم”.

لماذا اذكروا مرشديكم؟ لأنهم كلّموكم بكلمة الله. اذًا الكاهن يعلّم حتمًا ولا يكتفي بإقامة الصلاة. لماذا أطيعوا مرشديكم؟ لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم. اذًا لم يكن آنذاك كاهن لا يرعى.

لماذا اقتدوا بإيمانهم؟ لأنهم لا يأتون بإيمان يخالف الايمان الرسولي على أساس ان يسوع هو هو أمس واليوم والى مدى الدهر.

ضد التعليم المستقيم يذكر الرسول “تعاليم متنوّعة غريبة”. منذ فجر المسيحية كان للإيمان القويم خصوم. دائما ظهرت هرطقات.

ثم لكون مَن وُجّهت اليهم الرسالة يهود الأصل، أراد صاحب الرسالة الطلب اليهم الا يتعلّقوا بالمسكن اي بهيكل اورشليم الذي كانت تقدّم فيه حيوانات. فاليوم عندنا ذبيحة واحدة، هذه التي قُدّمت على الصليب. وتقديس البشر تم بدم المسيح فقط. “فلنخرج اليه خارج اورشليم” اي خارج اليهوديّة “حاملين عار الصليب” حسب قول الكتاب: “ملعون كلّ من عُلّق على خشبة”.

نـخرج من اورشليـم الحجـرية وتـقاليدها “لأن ليـس لنـا هنـا مديـنة بـاقية بل نـطلب الآتـية” اي تلـك النازلة من السماء، “فنـقرّب بـالمسيح ذبـيحة التسبـيح”.

هذه عبارة أُطلقت في ما بعد على القداس الإلهي. في هذا النص ذبيحة التسبيح تعني اعتراف شفاهنا باسم يسوع. أن نؤمن بالقلب ونعترف باللسان قد يقودنا الى شهادة الدم.

بعد ذلك يشير الكاتب الى ما ينتج عن التسبيح بقوله: “لا تنسَوا الإحسان والمؤاساة، فإن الله يرتضي مثل هذه الذبائح”. هذا ما سُمّي في ما بعد “مذبح الأخ” على لسان القديس يوحنا الذهبي الفم عندما أمر ان نذهب بعد القداس الى مذبح أفضل الذي هو الفقير.

هذه هي عادة الذين كتبوا الرسائل ولا سيّما بولس ان يبيّنوا أن الإيمان بيسوع يقودنا الى خدمة المحتاجين والمرضى والسجناء كما يقول في التطويبات عند متى ولوقا.

لا ينسى الكاتب مرّة اتصال الكهنوت بالتعليم والوعظ، ففي صلاة الرسامة نقول عن الكاهن انه خادم الكلمة. كاهن لا يعرف ان يتكلّم وان يرعى بالكلمة لم يفكر بقبوله واحد من الرسل. كاهن لا يعرف ان يرعى وان يفتقد المساكين لم يفكّر به أحد من الرسل والآباء الذين جاؤوا من بعدهم.

غير ان الكاهن مع الرعية يقومان معا بخدمة المساكين. أن تتحدث عن محبة المسيح ولا تنفّذها فهذا تـَناقـُض بـين لسانك وعملك. المسيحيـة هي القـلب والعقل واللسان واليد معا. هي كلٌّ متكاملة أجزاؤه لمجد الله وفرح الإخوة.

Continue reading
2009, جريدة النهار, مقالات

الانسان الجديد / السبت 10 كانون الثاني 2009

تسآل أساسي وهو أي لبنان نريد لا يقود، ضرورة، الى تطويع الإرادات ليظهر هذا الكيان السياسي المتجدد لأن لبنان الجديد او المأمول بجدته بنية يكون اي ان السؤال مطروح على مستوى البنى وليس على مستوى العمق الروحي الذي نرجو ان يكون عليه الأشخاص لتنبثق الدولة من «الخلائق الجديدة» او المتجدّدة. تقول نريد البلد حرا، مستقلا ويبقى هذا على صعيد القول لأن المواطنين لا يتصرّفون وكأنهم طالبون هذه الحرية وهذا الاستقلال. ان تعبّر عمّا تريده للبلد لا يحوّل رغبتك بالضرورة الى فعل. ان تطالب بالتعبير لسانيا وفي نضال منظّم لا يخرج من جعبة الساحر وطنا حقيقيا.

لبنان يصنعه ناس صاروا في دواخلهم كيانات عميقة، إلهيّة، تتسامى دائما لتقيم لله بيتا على الأرض. الوطن، عند ذاك، يتشكّل بنيويا، يتصوّر جسد له سياسي من هذه الروح. يبنى الوطن من خارج الإطار السياسي من خارج الحكي السياسي. تقوم أسسه على حياة روحية تنزل عليه من فوق.

على الصعيد السياسي فقط لك ان تصرّ على ان الوطن يتجاوز الطوائف، ولكن لفظة طائفة مزدوجة وتعني عندنا الله الذي يحلّ على الطائفة ومكوث السياسيين فيه او تملك السياسة عليها فتتحوّل الى كتلة جامدة وقاتلة بانكماشها على نفسها وزميلاتها. الطائفة بمعنى الجثة المنتنة، المفسدة للكيان الوطني تضرب الله في ذاته. نحن لا نستطيع ان نتجاوز الطائفة الى وطن الا بمعونة الله الذي يكون قد كشف كليّته لا كليّة الطائفة.

اذا حلّت النعمة في قلب كل لبناني، لا مشكلة في انتمائه الى احدى الطوائف الثمانية عشرة، ولا حرج عليه اذا افتخر بتاريخ هذه الجماعة بلا عنصريّة او عصبيّة. غير ان المرتجى منا ان ندين بدين الحب ليس انه دين آخر او مغاير ولكنه التركيز على يقيننا بأننا نحيا روحيا بالآخر وحريّته واعترافه بحريّتنا على ان نؤثر ما يجمع على ما يخلف ونصطف صفا واحدا في ما يجمع فلا نثقل عقولنا بقباحات التاريخ ولا نرمي بشاعاته الى قلوبنا حتى تصفو القلوب وتتحرّر الرؤية وتطهر الأفئدة.

وهذا يعني ان نغفر لمن أساء الينا في الأزمنة الغابرة ولا نحمّل ذاكرتنا وزر الظالمين ولا نجعل مشاركينا في الوجود اليوم مسؤولين عن مغبات الأعمال التي انطوت، فالوجوه التي تواجهنا اليوم قد تكون على كثير من النور، وقد تصبح طيبات القلوب عند من اعتبرناهم خصوما طعاما لنا. أجل يجب ان نقرأ التاريخ عسانا به نتّعظ، ولست أدعو الى أن ننساه ولكن الا نصير أسراه. واذا كانت جودة المسجّلين أخصاما كثيرة فنخلع عنّا الخصومة لنحسّ اننا متحاورون في الحق وطالبون اياه وسائرون على صراطه.

#    #  #

انا لا أنكر على أهل البحث صدقهم وسعيهم الى أن يعرفوا عند الآخر كل شيء، ولا أنكر عليهم نقدا او تحفّظًا فالحقيقة لا تلوي لاسترضاء الآخر. ولست أطلب من العلماء توحيد الأديان فهذا يناقض ايّة معرفة جدية صارمة. فالانسانيّة متعدّدة المشارب والقناعات. والأشياء هي اياها كما تراها. ولكن الحوار يفرض نفسه إجلاء للحقيقة ودفعا للهوى وطلبا للقربى وليس في ذلك سجال ولكن في هذا ايضاح واستيضاح حتى تعرف موقع فكرنا وموقع الفكر عند الآخر.

غير اني اعتقد ان بيننا قربى في مطارح كثيرة من العقل وان ثمّة خلافا بين المفسّرين لسوء التدقيق في النصوص او ان نهجا تفسيريا عندي لا يوافق نهجا عندك. هنا تكمن صعوبة الحوار، ولكن لا تكمن هنا استحالة له.

الا ان همّي في هذه العجالة ليس الحوار بل لقاء الحب الممكن في هذا النص او ذاك. فاتخذ التماسا للحب نهج النحلة التي لا تذهب الى هذه الزهرة او تلك ومعروفة مصادر العسل عند النحالين. ولك انت دون ان تتنكر لمصادرك ان تختار فيها ما يدفع الى المحبة وليس ما يدفع الى الجدل. وهذا لأني لا أنكر على أحد حقه بالتمسك بكل ما في كتبه، ولكني ألتمس منه في فقري ان يسعى في مصادره الى كل ما يقرّبه مني وما يقرّبني منه.

لا أعرض عليكم دينا جديدا ولكني ارجو اليكم قراءة جديدة لأنكم قررتم ان تحبوني وقررت أن أحبكم. استخرجوا من تراثكم ما يدعم هذا الحب.

الوحدة من ايمانك وايماني. هي وحدة الانسان والانسان في ما نزل على كل منهما من الرحمة. الله الناطق سلوكا في هذا يخاطب نفسه فيّ. ممكن ان نكون ماكثين معا في خطاب الله. لست أحصر هذا في الوطن ولكن أهل وطني أقرب الى المعروف فأبني بلدي على لغة المتألهين وتعاطيهم. والتأله بمعنى التخلّق بأخلاق الله والدنو من الطاقات التي يمدّني بها وارد في المسيحية والإسلام.

تتكوّن، اذ ذاك، جماعة هي في نسيجها الحقيقي واحدة.

# #  #

أنا بذا لا أنكر السعي السياسي، ولكنّ هذا بلا حضور للأبرار الصادقين الأطهار ليس بشيء. لأن الحكام يسوسون المجتمع الخيّر ولا يسوسون مجتمعا طالحا لأن هذا الذي لا يخضع لله لا يخضع للقانون او للحكم او للمؤسسات. هذا حد أدنى من الصلاح المجتمعي تقوم عليه دولة. انها لا تقوم على عناصر فقدت فهمها الإنساني وإحساسها الانساني. والمجتمع لا ينتظم فقط بعلم الاجتماع ولا ينتظم بقوة العسكر. هذا يدفع الشر الذي يقع تحت قانون العقوبات ولكنه لا يدفع الى الخير القائم على طاعة الله بالحب.

أنا أفهم جيدا الساعين الى دولة القانون الرافضة في طبيعتها دولة القبائل. وأدرك أهميّة المؤسسات التي ينتظم فيها المواطن الصالح. ولكن المواطن الصالح ليس فقط ذلك الذي يخشى العقاب ولكن ذاك من شأن التعايش الحر واللائق. لولا الشر لما كان القانون ولما كانت الدولة. أعرف أن هناك ضرورة للقمع على ان يكون بلا استعداء للمخالفين أنفسهم.

أما اذا اعتبر اللبنانيون أنهم اذا أصدروا قانونا وسهروا على تنفيذه فهذا يكفي للعيش الهنيء الصالح فهم مخطئون. نحن لا نرتقي الى العلى بمواطنين صلاحهم انهم لا يذهبون إلى السجون. نحن نصعد الى العلى بأناس وضعوا السماء بقلوبهم ويسعون الى تحويل صحارى القلوب إلى جنات.

هنا دور دين الحب اين توجهت ركائبه. عندنا اذًا سعيان: سعي سياسي عصري فيه كل التمدّن، وسعي إلهي فيه الخلق الكريم والتماس وجه الله ووجه الآخر. ان نتروّض ان نرى الله في الآخر ونحب وجهه هذا ما يجعلنا نفهم ان الله نور السموات والأرض وان ملكوته يبدأ فينا وفي الأرض.

Continue reading
2009, مقالات, نشرة رعيتي

العطايا/ الاحد 4 كانون الثاني 2009/ العدد 1

كل شيء صالح فينا هو من النعمة، من الهبة المجانية التي يهبنا الروح القدس . ويوضح بولس لتلميذه تيطس في رسالته الثانية اليه أن صعود المسيح الى السماء من بعد قيامته كان سببا لإرسال الروح المعزي الى العالم.

بهذا الصعود وجلوس السيّد عن يمين الآب نزلت العطايا على البشر. والعنصرة دائمة. كل الأسرار المقدسة عنصرة. صعد “ليملأ كل شيء” ومظاهر العطاء انه جعل في الكنيسة رسلاً وهم الإثنا عشر. “والبعض أنبياء”.

كلمة نبي اذا أُطلقت في العهد الجديد على إنسان مؤمن بالمسيح تدلّ على ذاك الذي يدل الكنيسة والقيادة فيها على مشيئة الله في الوقت الذي يتكلم فيه هذا الانسان، وممكن أن يكون هذا الانسان من العلمانيين. كذلك المبشّر.

اما الذين يُعلّمون في اجتماع الكنيسة فهم رعاة. ففي الاجتماع الكنسي، الكاهن او الأسقف معلّم فالوعظ جزء من القداس الإلهي ولا يقوم به علماني. العلماني في كنيستنا يمكن ان يكون استاذا في معهد اللاهوت، ولكن الاستاذ لا يعظ في القداس الإلهي.

الغاية من تنوّع المواهب وتعددها يقول الرسول انه “لأجل تكميل القديسين” ويعني بهم المؤمنين الذين قدسَتْهم المعمودية وتُجدّدهم القرابين. القديسون الذين على الأرض يُكمّلهم الله لعمل الخدمة. أية خدمة في الكنيسة، ومنها العمل الاجتماعي، تحتاج الى نعمة. واذا قامت خدمة التعليم او الوعظ او افتقاد الفقراء، فهذا كله “لبنيان جسد المسيح” الذي هو نحن. نحن بعضنا مع بعض في الإيمان والصلاة نبني الكنيسة التي هي مجموعتنا بالروح القدس.

بهذا البناء المستمر “ننتهي جميعنا الى وحدة الايمان” فهذا لا تحفظه الا بالصلاة مع الإخوة والتماسك بالمحبة والتعاضد في العمل الصالح. هذه العناصر كلها تؤدي بنا الى “معرفة ابن الله”، فاذا لم يكن فيك عمل صالح وفكر مستقيم ومحبة للإخوة، لا تقدر أن تعرف ابن الله ولا ان تصير انسانا كاملا.

الانسان الكامل هو الذي يصل الى “قامة ملء المسيح”. فالمسيح الممتلئ من الروح القدس، المستقر فيه الروح هو النموذج الذي عليك ان تتبعه فتصير قامتك الروحية هنا بطول قامة المسيح، وبهذا المعنى تصير مسيحًا آخر.

هذه هي الدعوة التي دُعينا اليها في هذا العام الجديد. المهم الجديد فينا بالنعمة المسكوبة علينا. السنة ليس فيها بالضرورة شيء جديد. انت جديد بالروح القدس إن تحررت من كل شيء عتيق لتصير خليقة تُكوّنها النعمة.

اما وقد ظهر على نهر الأردن فأنت تغتسل به وتصبح نقيا يومًا بعد يوم ويتهيأ لك ملكوت النقاوة.

Continue reading
2009, جريدة النهار, مقالات

غزة / السبت 3 كانون الثاني 2009

أرهقتني فلسطين وأرهقها العالم. ولكن بدء المعالجة ان اسرائيل لا توحي الثقة ولا تريد نهاية لقتل أهل فلسطين لأنها غير مقتنعة عميقا بأي حل وغير راغبة في الدولتين. هناك قليل من الواقعيّة اكتسبوها مؤخرا ولكنها بعد ترقب غير بطيء ترتاح اسرائيل الى شراستها لتدخل في عقلية الإبادة وتُطبّق على الناس ما طبّقه هتلر فيها. لا يذهلني أن دولة اسرائيل فقدت كل رحمة، ولكن ما يجرحني ان احدا لا يؤدّبها او يصرخ في وجهها لعلها ترتدع وتقتنع ان إلغاء شعب آخر سوف يرتدّ عليها. أمنية قلبي أن تدخل اسرائيل في ملكوت الفهم لئلا تتآكل ذاتها ولا يبقى فيها من يعقل حلولا فتخسر هي نفسها ونخسر بها.

في هذا الضيق الكبير ماذا يعمل الفلسطينيون؟ في البلدان التي تحترم نفسها يوضع حد للخلافات السياسية عند نشوب حرب، وتؤلّف حكومة وحدة وطنيّة. انا لا أملي شيئا على إخوتنا الفلسطينيين. لهم هم ان يجدوا صيغة حكم امام الوحش الهاجم عليهم. هناك غلبة مطلوبة وربما شراسة مطلوبة او سِلم محقَق. لا يجوز ان يموت أصدقاؤنا هناك كالعصافير. إراقة الدماء اذا كانت ضروريّة جدًا تصير شهادة. إيقاف شلال الدم يفرض نفسه في طريقنا الى الهدوء. بعد ذلك البحث في إنهاء الكيان الصهيوني وارد. ولكن هذا يتطلّب جهودًا كبيرة وقد ينتهي من نفسه داخليا. ولكن الوضع العالمي الآن لا يسمح به. ومن هنا ان تسويةً ما تفرض نفسها. انا لست مع الدولتين الى الأبد. لست مع الثنائية. مشتهى قلبي أن أرى فلسطين مستعادة ولكن قد يتطلّب هذا مراحل وجهودا شاقة وكلمة واحدة للعرب.

في أيار 1948 التقيت كمال جنبلاط في باريس. سألته عمّا حمله الينا. قال لي انا في طريقي الى انكلترة لأشتري سلاحا للبنان. لم يخطر على باله آنذاك ان كل جحافل العرب المجتمعين لمحاربة الميليشيات اليهودية لن تثبت بضعة ايام قبل تخاذلها. وحدة التخاذل اذا استمرّت لن تبقي فلسطين الا اذا تدهورت اسرائيل بسوس من داخلها. هل عندنا شروط نفرضها على باراك اوباما في حال الانحدار المالي العالمي؟ اذا لم تمت الخطابية العربيّة في مقولة التنفيذ فلسنا على شيء.

نحتاج الى قوّة روحية كبيرة وليس فقط الى استدلال سياسي ليجتمع المناضلون الفلسطينيون والمناضلون العرب فإن الطاقة الروحية العظيمة تعطيك قوة عقلية عظيمة تجعلك في صميم السياسة التي يجب ان تتدبرها، فالعالم تغيّره قلّة من الناس كما قال لنا اندره جيد في محاضرة ألقاها في بيروت في مطلع الخمسينات. والعقل يتنافى والصراخ. النعوش تحيي همم الأحباء ولكن لا حاجة الى النعوش اذا استطعنا غير ذلك. لا حاجة الى التنديد باسرائيل. يجب قهرها بالطرق الملائمة، المدروسة، الممحّصة بتدقيق.

# #
# لن أدخل جدل الفصائل حول استعمال القوّة امام مشهد القتلى الكثيرين في غزة. هل من نقاش حول المسؤول الأول عن السلاح؟ هناك لحن في اسرائيل يقول: «العرب لا يفهمون الا القوّة». ماذا يفهم الاسرائيليّون اليوم غير القوة؟ وهذا الشغف بالقوة ناتج عن الخوف. هل يخاف اليهود حقا العرب وقد دحروهم مجتمعين في ايار 1948؟ هل نستطيع نحن واياهم ان نقضي على الخوف لنبدأ المساءلة الحقيقيّة عن فلسطين؟ بعد عذاب الفلسطينيين لم يبقَ من مجال للبحث التاريخي او البحث عن حقوق الانسان الفلسطيني وكنت خصصتُ صفحات طويلة لهذا السؤال. اليوم يجب ان نخرج من المأزق، ليس ان لي ثقة بالدولة العبرية اذا تكلّمت، ولكن لا بد من الكلام على رجاء التواصل.
اذا هدئت غزة قبل صدور هذه الأسطر او هدئت في الأيام المقبلة يجب ان نفهم انها مسيح جماعي. فاذا كانت فلسطين قلب العرب والبشرية المتمدنة تكون غزة قلب القلب بعد ان كانت في القرون الاولى للميلاد مركز روحانية ورهبانية عظيمتين، ويجب انطلاقا من اوجاعها ان نركز كل همومنا على فلسطين متلألئة ومنبعثة لصالح سكانها جميعا. نحن نريد خلاص الشعب اليهودي وتنقية نفسه من الكراهية التي تقتل كل انسان. نرجو ان يعود هذا الشعب الى كلام أنبيائه ليخلص بالحق.

والى ان يُحلّ هذا لا يجوز لأي حكم عربي ان ينطوي على نفسه وان يفتش عن سلامة قطره. في حضرة الله لا وجود لعربي لا يبالي بالقدس. ومن لا يبالي بالمقدسات لا قدسيّة فيه، والقدسيّة الأولى ليست للأماكن الدينيّة ولكن لشعب فلسطين. هو المَقدِس الحي لله. الهدف الأساسي لموقفنا الفلسطيني لا ينحصر في استعادة الأرض. نحن وراء استعادة الانسان وشرفه. كتب العالم والفيلسوف الاسرائيلي يشاياهو ليبوفيتس: «في اسرائيل الكبرى لن يكون عامل بناء يهودي ولا مزارع يهودي. سيكون العرب شعب العمال ونحن شعب الإداريين والمراقبين وموظفي الشرطة وبخاصة الشرطة السريّة. هذا البلد سيكون، ضرورة، دولة بوليسيّة. واهم دوائره ستكون دوائر استخبارات. وسيكون لهذا تأثير أكيد على الحياة الروحية وأخلاق البلد ويسمّ النظام التربوي… كل هذا سيكون في القطاع اليهودي في حين ان السلطة الاسرائيليّة في القطاع العربي تبني معتقلات ومشانق. ان دولة كهذه لا تستحق الوجود ولا تستحق ان تستمر».

ما يحزن القلب ان ليس من فريق دولي يبدو انه يهتم لفلسطين اهتمامًا جديّا. هل وضع فلسطينيي اسرائيل وضع مقبول ام انهم مهدّدون بالترحيل، بما سمّي الترانسفير Transfert؟ هناك أوطان عربية مختلفة، وكل منا يحب مسقطه وان يحيا فيه ويموت فيه. ليس من كيان عربي بديلا عن آخر. وهنا تبرز قضية المخيّمات ولا سيّما في هذا البلد. هناك حديث عن تحسين اوضاعهم الاجتماعية ولم نرَ شيئا حتى الآن من هذا. المخيم تحديدا مؤقت. المحجة اذًا فلسطين. اية دولة عربية تؤمن حقًا بذلك؟ كيف ينجو لبنان من التوطين حتى ينجو حقا؟ ليس من أفق عند الدول الكبرى لعدم التوطين.

أين لبنان من كل هذا؟ ما تأثير غزة عليه؟ هل سيحتفظ بكل مياهه؟ هل يُدمّر جنوبه ايضًا وايضًا لحل مشكلة ما؟ اذا كان قتل الفلسطينيين بيد اسرائيل وهم كبار في الاحتمال، ماذا يردّها عن اجتياحنا ايضا وايضا؟

لا يكفي ان أكون توجّعت بسبب من غزة. ما حصل فيّ اختلال عظيم. الانسان اليهودي يجعل نفسه مثل الله صاحب الحياة والموت. من يردع اسرائيل حتى لا نخاف؟ من يضمن الصغار؟


Continue reading