Category

2006

2006, مقالات, نشرة رعيتي

2007 / الأحد 31 كانون الأول 2006 / العدد 53

أوّل يوم في السنة ليس عيدًا كنسيًا. هو يوم من كل الأيّام جعلت فيه الكنيسة عيدين: عيد ختانة الرب يسوع، وعيد القديس باسيليوس الكبير. نعيّد لختانة الرب كما نعيّد لكل الأحداث التي عاشها في البشرة. هذه الأحداث في تراكمها وتتابعها قادته إلى الموت. أما باسيليوس فهو أحد عظمائنا في اللاهوت والنسك والأسقفيّة والعمل الاجتماعي، وما من شك في انه جمع في ذاته كل فضائل الأسقفيّة، ومات وهو في الـ 49 من عمره السنة الـ 379.

وحيث اننا من هذا العام ننقلب إلى عام جديد نرجو ان يكون حقا آتيا لنا بما يجعلنا جددا في عيني الله. ولعلّ صورة الختانة تنفعنا هنا إذا منعنا العين ان ترى ما يؤذيها أو قباحة الناس، ونحول دون ان تسمع الأذن ما يسيء إلى العفة، وبكلمة بسيطة ان نحيا في النسك فنكون بريئين من كل عيب استرضاء للمسيح.

ويحق لنا إلى هذا السلام الداخلي ان نطلب السلام في كل العالم، في لبنان أولا والعراق وفلسطين وفي أيّة بقعة. الحرب مشتعلة حولنا، ونجدد أنفسنا بطلب السلام والصحة غير متناسين قول الرب: «اطلبوا أولا ملكوت الله وبرّه والباقي يُزاد لكم». وعلى ذلك ان قول العامة: «صحتك بالدني» كلمة غير صحيحة. تأتي بعد جهادك في سبيل القداسة. ولم يمنعنا الرب من طلب المال مع انه ألحّ ان نحترز منه وان نخشى سلطانه علينا. ليس علينا من ممنوع إذا كان ضمن الشريعة.

لعلّها مناسبة ان أذكّر المؤمنين بأنّ يوم رأس السنة نقيم فيه القداس الإلهي بحيث إذا قضينا العشيّة في سهر طويل أو لعب كثير لا نكون مهيَئين للصلاة في أول كانون الثاني. ولعلّ بعضًا منكم لا يزالون على رغم الفقر يلعبون القمار. وهذا مال ينبغي ان يبقى للعائلة أو ننفقه في العائلة أو نقوم فيه بإحسان. وهذه هي الأسباب الوحيدة التي تبرر تصرّفنا بالمال. أنت مؤتمَن على المال. أما أن تعطي مالك بسبب ورقة لعب فهذا تبديد للمال. ادخل إذًا هذه السنة الجديدة واثقًا بالربّ. وسلّمه نفسك وعائلتك ولبنان.

التجديد عندنا هو بالروح القدس ولا علاقة له بالأيام، ولكنه يتطلّب جهدًا كبيرا لأنه عمل مشترك بيننا وبين الله معطى في نعمته. لا تتكل فقط على النعمة بل جاهد. لا تبقَ مرتاحًا إلى جهدك واطلب النعمة. هذا ما نسمّيه المشاركة بينك وبين الله، وبهذا تكون كل أيامك جديدة.

وكما تبتدئ السنة المدنيّة، ابتدئ أنت حياتك مع المسيح إن كنت متباطئًا حتى الآن. هل عندك هذا العزم، هل تحب المسيح؟ هذه عمارة تعمَّر. اقرأ الإنجيل في بيتك. تعال إلى القداس. صلِّ مساءً ترَ ان الأشياء تغيّرت في نفسك وتغيّرت حولك. عندئذٍ هذه الأيام تكون رأسَ تَجدّدك في المسيح وبداءة مشوارك إليه. قبل ذلك كل شيء روزنامة. صرْ أنت روزنامة يقلبها الله ويقرأها بحيث يرى كل يوم شيئًا جديدًا ويرى كل عمرك جديدًا.

Continue reading
2006, مقالات, نشرة رعيتي

أحد النسبة/ الأحد 24 كانون الأول 2006 / العدد 52

أحد النسبة ونحن فيه هو السابق مباشرة لعيد الميلاد وقسم أساسي منه ان يبيّن الإنجيلي ان يسوع هو ابن ابراهيم ليدل على ان السيّد يختم العهد القديم الذي أقامه الله مع ابراهيم وانه ايضًا ابن داود وملوك يهوذا وزربابل رئيس الشعب اليهودي بعد سبي بابل.

الكثير من العائلات اليهوديّة كان عندها شجرة العائلة لأغراض مختلفة. عندنا في هذه الشجرة 27 شخصا وهم ليسوا كلّهم ملوكًا بل أشخاص عاديون. وغالبا ما أخذ متى اللائحة من أحد المصادر.

المسيح هو صفة يسوع وتعني الممسوح من الله. الشيء الرئيسي في اللائحة اسما ابراهيم وداود. في اللائحة أسماء ثلاث نساء ـ راحاب الزانية احداهن،ّ و “التي كانت لأُريّا” أخذها داود من زوجها ـ. ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم ان ذكر هاتين المرأتين وراعوث إنما يعني انّ يسوع ينحدر من الجنس البشري كما هو.

هناك أربـعـة عشـر اسمًا فـي كل من المجموعـتيـن الأولـيــين، امـا المجـموعـة الثالثة ففيها 13 اسمًا. ولكن ربما قال متى ان في كل مجموعة 14 اسمًا لأن هذه هي القيمة الرقميّة لاسم داود الذي يُكتب بالعبريّة “دود”، وحرف الدال هو4، وحرف الواو هو 6، ومجموع هذه الحروف الثلاثة 14.

اما موضوع مولد المخلّص فهو ان مريم كانت مخطوبة ليوسف اي زوجته الشرعيّة ولكنّها منفصلة في المسكن. وسمّاها الملاك “امرأتك مريم” لأنها كانت كذلك وهي عزباء، والمعنى: خذها الى بيتك. ما عند متى ولوقا ان هذا المولد بتولي اي بلا مشاركة رجل. الولد اسمه يسوع ويعني ان الله مخلّص.

فأخذ امرأته (اي الى بيته) ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر. البكر تعني اول ولد. ولا تعني بالضرورة ان له إخوة. “لم يعرفها” عبارة تنفي العلاقـة قبل الميلاد ولا تؤكّد العلاقـة بعده. لأن الذي يهم متى ان يؤكّد الميلاد البتولي، وهو لم يكتب سيرة مريم ليقول ما حصل لها بعد الميلاد. كونها “دائمـة البتوليـّة” غير وارد في الانجيل. انه وارد في المجمع المسكوني الخامس، وتقولـه الكنيسة في طقوسها، ووردت عنه شهادة الآباء منذ القرن الثاني . هكذا اعتقد المسيحيون منذ البدء وقالوا إنها بتول “قبـل الولادة وفي الولادة وبعد الولادة”. كيف كان هذا في الولادة؟ لا نعـرف. ان هذا معتقدنا. همّ متى الانجيلي ان يؤكّد ان المسيح ليس ابن رجل. انه فقط ابن مريم.

اما لماذا تنتهي شجرة العائلة بيوسف؟ ذلك ان الانسان عند اليهود وعند معظم الشعوب اليوم منسوب الى أبيه او المظنون (في هذه الحالة) انه أبوه.

لماذا أقمنا في الكنيسة أحد النسبة؟ الفكرة الأساسيّة ان يسوع بَشَرٌ كما هو إله، وكان يجب تأكيد انه بشر بتبيان ان له آباء أهمهما ابراهيم وداود، والانجيل قال في غير موضع انه ابن داود.

لقد ظهر أوطيخـا وقال إن المسيـح كان إلهًا ولم يكـن انسانًا، وكفـّرت الكنيسة بدعته لأنـه، إن لم يكـن انسانًا، كيف يكـون قد مات؟ مهم جدًا ان يكون بشـرًا وان يكون الله وحده أبـاه حتى لا يحمل وزر خطيئـة آدم. ابن اللـه هو نفسـه ابن الانســان او ابن الإنسانــيّـة كلها التي سبقـته. بهاتين الطبيـعتيـن الإلهيّـة والإنسانيـة نعبـده مخلّصًا لنا.

Continue reading
2006, مقالات, نشرة رعيتي

محاسن الإنجيل/الأحد 17 كانون الأول 2006 / العدد 51

الرسالة الى أهل كولوسي (آسيا الصغرى) ينتهي القسم اللاهوتي منها بقول الرسول: “متى ظهر المسيح الذي هو حياتنا، فأنتم تُظهرون حينئذ في المجد”. واضح ان الكلام هنا يدور حول المجيء الثاني للمسيح الذي يؤكد بولس انه كل حياتنا. اذ ذاك، يظهر اهل الملكوت معه في مجده ويكتمل مجدهم وتبدأ رؤيتنا لله في السماء.

توا بعد هذا ينتقل بولس الى القسم الأخلاقي فيذكر الخطايا. في لائحة اولى يذكر الزنى الذي هو علاقة بين ذكر وأنثى أحدهما متزوّج او كلاهما متزوّج. ثم يذكر النجاسة التي هي اعمّ، ثم الهوى الذي يريد به ايّ تعلّق مخالف للطبيعة ثم الشهوة الرديئة. كل هذه مفاسد مرتبطة باستعمال الجسد بخلاف الشريعة. اما الرذيلة الخامسة فهي الطمع، وهذا متعلّق بالنفس او بالفكر، ويعني طبعا شهوة المال، ويعتبرها بولس عبادة وثن اذ يجعل الانسان فيها المال ربّا.

وفي نهاية هذه اللائحة يقول: “لأجل هذا يأتي غضب الله على أبناء العصيـان”. الخطيـئـة السمجـة  تُغضب الله. وفي هذا يؤكّد بولس ما قاله في الرسالة إلى أهل رومية: “لأن غضب الله معلَن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم” (18:1).

ويذكّر بولس أهل كولوسي انهم لما كانوا وثنيين، كانوا عائشين في هذه الخطايا، وكأنه يقول انكم لما عرفتم المسيح اخذ يطهركم من هذه المفاسد لأنه هو الطهارة ومصدر الطهارة في المؤمنين به. مع ذلك يخشى الرسول أن يقع المؤمنون من جديد في السقطات، فيدعوهم الى ترك كل خطيئة. ولم يكتفِ بهذه اللائحة الاولى اذ يدعو المؤمنين الى أن يتركوا “الغضب والسخط والخبث والتجديف والكلام القبيح والكذب”.

الغضب هو ثورة الأعصاب المفاجئة مع الكلام الجارح. ان الغضب دائما جارح. ومن عاش في هدوء المسيح تبقى أعصابه هادئة. اما السخط فهو أعمق من الغضب. انه الاستعداد الداخلي لكي نؤذي الآخر.

اما التجديف فيريد به السبّ والشتم وهو شتم العزة الالهية ايضا والغضب على الله. وبصورة عامة ينهانا الرسول عن صدور اي كلام قبيح من أفواهنا مهما أثارنا الآخر او أساء الينا. وينهي الرسول لائحة هذه المعاصي بنهينا عن الكذب حتى يصحّ كلام السيّد: “ليكن كلامكم نعم نعم ولا لا”. ولا تردد بين النعم واللا، فإذا قصدنا النعم فلنقلها، او قصدنا اللا فلنقلها، لأن الآخر له الحق ان يعرف الحقيقة ليشاركنا فيها.

ثم يرتفع بولس لاهوتيًا اي انه يؤسّس الفضائل المعاكسة لهذه الرذائل بقوله: “اخلعوا الانسان العتيق مع أعماله، والبسوا الإنسان الجديد الذي يتجدد للمعرفة على صورة خالقه”. اخلعوا عنكم انسان الخطيئة والبسوا بياض الفضيلة واذكروا انكم فور المعمودية قد لبستم ثوبًا ابيض، وهكذا تتجدّدون بالنعمة وتبقى المعموديّة فعّالة فيكم، ولا ترتكبوا شيئًا يمس الطهارة التي نلتموها بالمعموديّة فتظهروا انكم على صورة الخالق الذي خلقكم على صورته ومثاله.

واذا صرتم على هذه الصورة لا يبقى بينكم خلاف بين يوناني (اي وثني) ويهودي، وهذان كانا دائمًا على خـلاف، وفـي الكـنـيـسة يـمحي كـل خـلاف. ثـم يقـول (والمعنى ذاته) لن يكون فرق بين الختان (اي اليهود) والقلف (اعني الوثنيين الذين لم يكونوا يختتنون). وقد أمرت الكنيسة في مجمع اورشليم الرسولي ان الوثني الذي يقبل المعموديّة ليس عليه ان يختتن كاليهودي اذ لم يبقَ عليه نير الناموس.

كذلك لا فرق بين بربريّ واسكيثيّ. البربر كانوا المصريين والفرس وعندهم شيء من الحضارة. اما الاسكيثيون فهم من البدو غير المتحضّر الذين كانوا يعيشون في مناطق من روسيا الحالية.

طبعا لا عبد ولا حر. فالعبد اذا اقتبل المسيح يصبح حرًا في المسيح وأخا للحر الذي كان يملكه حسب الشريعة الرومانيّة. كل هذه الفوارق تزول لأن “المسيح هو كل شيء وفي الجميع”. الفوارق الاجتماعيّة لا تعني لنا شيئًا اذ يمحوها السيّد بالمعموديّة.

Continue reading
2006, مقالات, نشرة رعيتي

افهموا مشيئة الله/ الأحد 10 كانون الأول 2006 / العدد 50

يقول لنا بولس في رسالته الى أهل أفسس “اسلكوا كأولاد للنور”. المعنى كأولاد للسيد الذي قال عن نفسه: “انا نور العالم”. ويوضح ان هذا السلوك يؤتيكم اياه الروح القدس، ثم يبيّن ان من تعابير هذا السلوك “الصلاح والبر والحق”.

يتناقض مع النور اعمال الظلمة التي لا يسمّيها بولس اذ يعتبر ان المؤمنين يعرفونها ويطلب ان يوبّخوا عليها بسبب محبتهم لإخوتهم الذين يرتكبونها ويجب ان يكفّوا عنها لنكون واحدًا في الكنيسة يجمعنا النور. فإذا انكشفت للإنسان خطيئة واضحة بسبب اللوم الأخوي ينتقل توّا الى النور.

وبعد ان يكون بولس قد شدّد على اللوم الأخوي الذي يعيدنا الى النور، يذكّرنا بالنور الذي يطلع من قبر الخلاص فيقول: “استيقِظْ ايها النائم وقُمْ من بين الأموات فيضيء لك المسيح”.

هنا يستعمل على سبيل الترادف لفظة النائم ما يعني المائت. هي نومة الخطيئة. فاذا تحركت نحو المسيح فإنه يضيء قلبك ويمنحك محبة الفضيلة التي أنت

تحتاج اليها.

فبعد ان يكشف الرسول قوّة القيامة يدعو مسيحيي أفسس ألا يسلكوا كجهلاء بل كحكماء. وهذه هي حكمة الإنجيل التي تجعلنا نميّز بين الخير والشر ولا نكون أغبياء. ما يريده الرسول ان نعرف مشيئة الرب التي هي في الكتاب. يريد ان نفهمها جيدا.

من بين الأعمال المناقضة لمشيئة الرب في هذا المقطع الرعائي يذكر السكر. اجل تبيح المسيحيّة الشرب المعتدل، ولكنها شديدة في منعها السكر اذ يقود الى الدعارة. طبعا هو فقدان العقل او غيابه، ولكنه اذا كثر الشرب فيحدث في الجسد حرارة تقود الى انتهاك العفة.

مقابل الامتلاء من المشروب يدعو الى الامتلاء من الروح القدس الذي هو سكر بالله وتاليا هو الصحو الحقيقي. “واذا امتلأتم بالروح القدس تكلّمون بعضُكم بعضًا بمزامير وتسابيح وأغاني روحيّة مرنمين ومرتلين في قلوبكم للرب”. ما من شك ان الممتلئ من روح الرب تستحضر ذاكرته كلمات من الكتاب المقدّس لمنفعة المؤمنين كما يتذكّر كلمات من أناشيدنا. يتضح من هذا الكلام انه كان استعمال تعليمي للموسيقى. التسبيح بصوتٍ عالٍ كان معروفًا. ففي السجن “كان بولس وسيلا يصلّيان ويسبّحان الله والمسجونون يسمعونهما” (أعمال 25:16). مواضع مختلفة في العهد الجديد تدل على انه كان هناك ترنيم وترتيل على ان يرافق هذا مشاركة في القلب.

لذلك يجب ان يكون المرتل متخشعا حتى لا يترنّح ويتباهى بصوته ولا يجذب الى صوته بل الى المعنى، اي ان اللحن هو الذي نطوّعه للكلمة ولا نطوّع الكلمة للحنٍ تضيع فيه.

والترتيل غايته مساعدة المؤمنين ان يفهموا الكلام ولم يوضع للطرب. وهذا محرّم في الكنيسة حتى لا يختلط الترتيل الكنسي بشهواتنا. المهم ما قاله بولس ان الترنيم هو في القلوب وهو للرب. المرتّل التقيّ وغير المتكبّر يوصل الإنشاد الى القلب.

Continue reading
2006, مقالات, نشرة رعيتي

الفضائل من الروح القدس/ الأحد 3 كانون الأول 2006/ العدد 49

من روميـة حيث كان بـولس سجينًا يكتـب الى المسيحيين في أفسس اي في آسيا الصغرى، وأفسس خرائبهـا قائمـة الى الآن في تركيـا. يلـح الرسـول على ان يسلك المؤمنون “كما يحـق للدعـوة” التي دُعوا بهـا وهي حق الإنجيـل عليهـم كمـا بلّغهم إيـاه بولس. والسلـوك فيمـا بينـهم هـو التواضع والوداعـة وهما الفضيلتان اللتـان نسبهما السيّد الى نفسـه، ثم بطـول الأنـاة اي الصبـر، والواضح طبعــا ان كل مجتـمع لا يتـوحد الا اذا صبر أحدنا على الآخـر واحتملـه بالمحبّة فهذه تغطّي العيوب والنرفزة الطبيعيّة في كل مجتمع بشري.

والقمّة في كل هذه الجهود “حفـظ وحدة الروح برباط السلام”. والروح هنـا ليس الروح الطبيعي او الطبائع لأن هذه لا يمكن ان تكـون واحدة. انها وحدة الروح القدس الذي يجمع طبعك الى طبعـي. والسلام هو بالتأكيد ليس اتفاقـًا بشريًا. انه ربـاط المسيح الذي سمّاه بولس في موضع آخر سلامنا.

لمـاذا السلام ممكـن والوحـدة ممكنـة؟ لأنكـم جسد واحد وروح واحد. والجسد هـو الـكنيسـة الـتي هي جسد المسيح اي كيان المسيح وامتداده في الروح الواحد الذي يكون في الكنيسة الروح القدس. الجماعة المسيحيّة ملآنة اختلافات بين الأفكار والمشاعر. الروح القدس الذي يصلح فكري وفكرك هو يجعلهما مالكين لفكر المسيح.

طبعا هناك اختـلاف شرعـي في الفكر في الكنيسة وهو ما لا يتعلّق بالعقيدة. وهناك مواقـف مختلفـة ممكنة إزاء موضوع طارئ. ولكن بين الموقفين ما كان أكثـر موافقـة لروح يسوع. وانت تلجأ عنـد ذاك، الى الحكماء الذين يستلهمون الروح الإلهي ولا يتكلمون عن انفعال.

ويؤكّد بولس هذه الوحدة على اساس انّ الرب واحد وهـو المسيـح، والإيمان به واحد عنـد الجميـع، والمعموديّة واحدة لأنها قائمة على الإيمان الواحد. وكان شرح الإيمان للبالغين شـرطا لاقتبال المعموديـّة. ثم بعد أن يكـون قد بسط ذلك ان الإلـه الآب واحد كما نقـول في دستـور الإيمان: “اؤمن بإلـه واحد آب” ومنه يولد الابن الإله وينبثـق الروح القدس. عندنا هنا عن طريق ذكـر الروح والرب والإلـه الآب إعلان بولس للثالـوث المقـدس.

الآب هو فوق الجميع ولكنــه في الجميـع اي في كل واحـد لإتمام فضائلـه من جهـة ولإعطائـه الخدمـة مثل خدمة الكاهن او المعلّم ويوزّعها في الجميع كل واحد حسب الدعـوة التي دُعي اليها في الجسم الكنسي الواحد “ولكل واحد أُعطيت النعمة على مقـدار موهبـة المسيح”. فأنت لا تجعـل نفسـك كـاهـنًا او معلّمًا او صاحب ادارة او تدبيـر ولكن النعـمـة تختـارك ويبلّغـك اياها الأسقـف الذي يـرى أن المـوهبة جُعلـت فيـك ويلحـظ انك تهيـّأت بالـروح القـدس للقيـام بالوظيفـة التي دعـوك اليها.

اجل هناك استعداد يأتي من الإخوة الذين احتضنوك ومن المواهب الطبيعيّة ومن الدراسة، ولكن الروح القدس هو الذي يكلّل هذه المواهب الطبيعيّة بالموهبة الإلهيّة التي ينفحك إياها.

فباجتمـاع الجهـد الطـبيعـي والعـطاء الإلـهي تكون الخدمة صالحة. “في البدء كان الانسان الطبيعي ثم الانسان الروحـي”. فليس الاستـعداد يكـفي ولكـنه مندمـج بالنعمة النازلة عليك تكون الخدمة حسب قلب الله.

Continue reading
2006, مقالات, نشرة رعيتي

رسالة اليوم (أفسس 2: 14-22)/ الأحد 26 تشرين الثاني 2006 / العدد 48

المسيح سلامنا. هو في ذاته، في رحمته ولطفه. غير أن الرسول في هذه الرسالة الذي كان يواجه العداوة القائمة بين اليهود والأمم قال عن السيّد إنه “جعل الإثنين واحدًا” في الإيمان. فاليهودي لا يحق له أن يستعلي في الكنيسة على من كان قبلًا وثنيًا. واليوم اذا وفد الى إحدى القرى ناسٌ كانوا عنها غرباء فجاؤوها بسبب من التنقل السكاني فهم إخوة للقدماء بعد أن فهمنا ان ما يؤصّلنا ليس الأرض بل جرن المعموديّة والكأس المقدّسة.

فالمسيح “يخلق الإثنين (القديم والجديد) في نفسه إنسانًا جديدًا بإجرائه السلام”. ان هذه المصالحة بين شرائح كانت مختلفة حتى التناقض أتمها المسيح على الصليب بقتله العداوة في نفسه.

لماذا تزول العداوة؟ لأن الروح القدس يوصلكم معا الى الآب الذي هو غاية الوجود. وهنا قبل بلوغ السماء انتم معا “أهل بيت الله” لأنكم راسخون على صخرة الرسل والأنبياء، وهذا تأكيد على أننا -على رغم شك الكثيرين- نقيم العهد القديم كما نقيم العهد الجديد رسالة واحدة هدفها تبيان المسيح. والذي يربط البناء كلّه هو حجر الزاوية المسيح. صمودكم انكم ثابتون به وانكم تاليًا مستندون بعضكم على بعض.

لم يتكلّم هنا الرسول على الوحدة التي يجب أن تقوم بين المؤمن والإنسان الآخر الذي قد لا يعرف انه مسنود الى المسيح. فإن كان أحدهما حاقدًا لا يكون مسنودًا على شيء، فمن تأكّل الحقد قلبه ليس في قلبه مكان لآخر ويبقى منعزلا وبلا تعزية. فالحقد سوس يأكل القلب كلّه.

إن الذي لا مكان في قلبه للآخر ليس في قلبه مكان لله. فإذا شغرت النفس من واحد كانت تحبه إنما تشغر من حضرة الله، والذي أمسى بلا إله يجف وليس فيه فرح.

المرض في هذا اني أحقد على من مسّني ومسّ كرامتي كما يُقال في الدارج. ومن كان عنده هذا الشعور يعتبر نفسه شيئًا ويعتبر ان الآخر قادر أن يجرحه ولا يفهم انه قائم بمحبوبيّته عند الله وأنّ أحدًا لا يستطيع ان ينتزع منه هذه الكرامة التي هي وحدها الكرامة.

الى جانب الحقد الذي يتضمّن البغض هناك القلب المتوجه الى القدح بالآخرين وذمّهم أكان هذا مؤسَسًا على شيء أم غير مؤسَس. منّا مَن يرى البهاء الروحي منتشرًا عند معظم الناس، ومنّا مَن يرى القباحة منتشرة عند معظم الناس. بعضنا يستلذّ رؤية البشاعة، ومنّا مَن يفرح لجمال القلوب. الأصل في التعامل أن تنفتح عند مقابلة إنسان آخر وان تحسب انه حسن ما لم يثبت العكس. انه لشرّ كبير أن تترصّد الآخر وأن تحسب من البداءة انه عدوّك او انه سيّء لأنّ في هذا إنغلاقًا رهيبًا قد يمنعك من تقبّل الخيرات والفكر السليم من الآخر.

انفتح ولا تخشَ شيئًا إذ لا يستطيع أحدٌ أن ينتزع منك شيئًا أو يؤذيك. أنت تؤذي نفسك بسوء الظن الذي يتلوه سوء المعاملة. واعلم أنك اذا أحببت الآخر تقدر أن تشفيه.

Continue reading
2006, مقالات, نشرة رعيتي

خيبات/ الأحد 19 تشرين الثاني 2006 / العدد 47

ليس من صورة شاملة ممكنة عن نفسية الناس في هذه الأبرشية. فالقرى مختلفة العقليات. فبعضها هادئ وبعضها أقل هدوءا وأعظم انقسامًا. وما خطونا في كل مكان خطوات عظيمة في المحبة. هذا يؤذي كثيرا ويعطل العمل أو يؤخره. أجل «لا بد من الانشقاقات» ولو سلمت النيات ولطفت القلوب فإن العقول مختلفة ولكن بعضًا يقولون شيئا مخالفا لأن خصما لهم تقدم بمشروع ومشروع حسن ويرفضونه بلا درس ولا تأمل.

هذا يقول نبني كنيسة هنا، وذلك يقول بل نبنيها هناك دون أن تكون هناك حجج. وقد يكون لك مصلحة (تحسين سعر أملاكك مثلا أو استرضاء نسيب لك) في الموقف الذي قد تتخذه، وقد ترفض قرار مجلس الرعية لأنك لم تؤخذ فيه وكلكم أعلم مني بالأسباب. المشهد الذي نراه أن الناس متفرقون لا لسبب رعائي أو هندسي ولكنهم يرفضون مشروعا لرفضهم أصحابه. هل في قرية كهذه جماعة يمكن أن نسمّيها كنيسة؟ هل هؤلاء معا هم جسد المسيح؟ هل يتواضع الإنسان ويغيّر رأيه إذا رأى أن الحق ليس معه؟ هل نحب الوحدة أم نحب خياراتنا الخاصة والقبيلة التي ننتمي إليها؟

كيف تأخذ جسد المسيح ودمه وآخر يتناولهما ولا يحب أحدكما الآخر. كيف تريان أن المسيح قادر أن يُدخل اللين إلى قلبيِكما والسلاسة واللطف وهذه كلها تسهل التفاهم. وإذا تفارقتما في الرأي وهذا مشروع، فلماذا لا تُدخلان ثالثا ليزيدكما شرحا تتفقان بعده، فمَن تنازل لا يتنازل لرفيقه ولكن للحق، وبلا الحق ما نفع أي منا؟

أنت شيء بسبب الحق الذي فيك أو بسبب الرحمة التي نزلت عليك، ولست بشيء فقط بذكائك أو بانتمائك إلى عائلة كبيرة أو صغيرة. فإذا اختلف اثنان أحدهما مع الآخر يذهبان إلى الكنيسة أي إلى الجماعة المُحِبة العاقلة التي توحد بين الناس. لا بد من حكماء في كل مكان وليس من إمكانية لجمع مئات من الناس تستشيرهم وإذ ذاك تدب الفوضى. أكيد أن الشورى أساسية، ولكن بعد هذا ينبغي أن يفصل أحد بينكم في الفكرة. وفي عقيدتنا ان رئيس الكهنة هو الذي يفصل. هذا مكتوب في العهد الجديد وعند كل آبائنا.

بعض من الرعايا تجعلني أشعر أنها تريد المطران لمأتم أو إكليل ولا تريده لرأي. وعندنا نحن انه يبتّ بشأنها نهائيا في كل الأمور. في الدنيا، خارج الكنيسة هكذا تفصل الأمور. الدستور يحدد من يتخذ القرار الأخير. بعض الأرثوذكس لا يعرفون من يتخذ القرار الأخير متمسكين بهذا الكلام الشعبي القائل أن أجدادهم وقفوا الوقف. هذا صحيح ولم يورثوا أحفادهم مسؤولية القرار بل تركوا القرار للكنيسة جمعاء. المؤمنون لهم المشورة لأن لهم عقولا وعندهم محبة، ولكن أحدا يجب أن يقول القول الأخير وهو مستقل عن الضيعة وعقلية الضيعة ولن يكون فيها رئيس بلدية ولا نائبا ولا وزيرا. رعيتك لن تكون جزءا من الأبرشية إن لم تنسجم مع راعيها. والأبرشية تخضع للقوانين لتكون من الكنيسة الجامعة.

كيف لا يبقى المؤمنون خرافا مشتتة يرعاها راعي نفوسنا العظيم؟ هذا ليس ممكنا عند ناس لم يدخلوا الكنيسة إلا يوم معموديتهم ويوم زواجهم. هذا ليس ممكنا عند من لا يعرف أن المطران أبوه وليس عنده سبب ليتحيز. ويضاف إلى هذا أننا ندرس الأشياء مع ناس مختارين عندهم عقل راشد وأخلاق حميدة ولهم اختصاصات في الحقوق أو الهندسة. ولا شيء يُبَتّ في المطرانية بلا تشاور. في المطرانية نقلل من إمكانات الغلط. ونرجو أن تتخذ القرارات بخوف الله وبلا انفعال وبلا تحزب ولا رغبة في استرضاء أحد بل التماسا لوجه الله المحب البشر. قللوا من خيباتي ما أمكنكم يرضَ الرب عنكم.

Continue reading
2006, مقالات, نشرة رعيتي

بدّدَ، أعطى المساكين/ الأحد 12 تشرين الثاني 2006 / العدد 46

اخترنا هذا الفصل من الرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس وهو متعلّق بالإحسان لكوننا نعيّد لمحسن مذهل في إحسانه ألا وهو القديس يوحنا الرحيم بطريرك الإسكندرية المتوفى السنة الـ619. تقول الرسالة عن المحسن: انه بدّد أعطى المساكين فبرّه يدوم إلى الأبد، وتقول: إنّ الله يرزق الزارع زرعًا، وعند وصول هذا الرزق إليكم تعطُون بسخاء.

أعلن يوحنا الرحيم أن الفقراء سادتنا «لأنهم وحدهم القادرون على مساعدتنا وهم الذين يمنحوننا ملكوت السموات». كان يثق بأن الله يعطيه حتى يعطي بدوره، ويذكر دائمًا قول السيّد: «كل من سألك فأعطه» وأقوالاً مماثلة. لم يكن يفرّق بين مستحق وغير مستحق. قصص عديدة تدل على سخاء له غير محدود. أما هو فقد بقي فقيرًا. وإذا مدحه أحدٌ على العطاء كان يقول: «ولكنني لم أهرق دمي عنك».

كان يحسن خارج نطاق بطريركيته. ثم بنى مأوى للذين لا مأوى لهم وفتح مستشفيات وسعى إلى ضبـط المقايـيـس والأوزان وأوصى الإكليـروس الميـسور ان يهـتم بالإكليروس الفقير. طبعا المؤمنون الأغنياء كانوا يعطونه لأنه لم يأخذ شيئًا لنفسه واعتبر العطاء تعبيرًا عن الحب. لن أذكر صفاته الروحيّة الأخرى وأكتفي بتبيانه نموذجا للكرَم.

الفقير على ما قاله يوحنا الرحيم عيّنه الله سيّدًا عليك، فالميسور المؤمن لا يفتخر والفقير المؤمن يشكر الله. وهكذا تتم مشاركتهما في المسيح. ان ابن الله يعطينا جسده ودمه في كل ذبيحة، وأنت تعطي ما هو أقل بكثير. وقد لا تستطيع الا إعطاء القليل ولكن قلبك هو المعطي وبذلك هو يتبرّر، وكلّما استغنيت عن شيء تصبح غنيًا به وبأدعية المحتاجين.

هنا أود أن أشكر لبعض الرعايا ما أمدّت به هذه المطرانية تلبية لندائي، وأتمنّى لو أعطتنا كل الرعايا مما عندها اذ تكون قد أسهمت في حاجات الكهنة والإخوة الفقراء وهم يقرعون بابنا كل يوم لأغراض شتى ولا نستطيع ان نردّهم إذ يغضب الرب لو رددناهم. لا حاجة إلى تكديس أموال الفقراء في المصارف. «لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض». بدّدوا أموالكم يُعِدْها اللهُ إليكم في وقت موافق. بعضكم إذا توافر عنده مال يسعى إلى بناء الحجر. هذا ضروري ولكن ينبغي ان نفهم أن البشر أفضل من الحجر. ففيما أنتم تقيمون أبنية يبقى عندكم محتاجون إلى طعام وإيواء واستشفاء وتعليم أولادهم. اعرفوا من هو عندكم في حاجة ومدّوا لهم يد العون ولا ترسلوهم إلينا. عطاؤكم يجب أن يُبذل على الصعيد المحلّي لأننا غير قادرين أن نسدّ حاجة كل واحد.

يقول بعضكم: أوقاف هذه الرعية هي لها. ولكن تذكّروا غاية الوقف. إنه للكهنة وللفقراء. وأنا أعرف ان بعض الرعايا ميسورة. هذه ليس واجبها أن تكدّس الأموال ولكن ان تبذلها عملا بقول الرسول الإلهي بولس: «بدّد أعطى المساكين فيدوم برّه إلى الأبد». واذكروا أيضا انكم وكلاء على أموال الله. إنكم تحافظون عليها، ولكن لا تحفظوها في صناديق المصارف. ضعوها في أيدي الإخوة المحتاجين الذين مات المسيح من أجلهم. لا تَدَعوهم يتذمّرون من الوكلاء على الأوقاف فهذا مالهم، ولهم حق فيه. انكم فقط مؤتمنون على ما رزقه الله للكنيسة جمعـاء، وفي الكـنيسة الـمال مـشترك ويُـبذل لـمن كان في حاجة إليه.

فقد قال الله على لسان بولس: «إن الله يرزق الزارع زرعًا وعند وصول هذا الرزق إليكم تعطُون بكل سخاء، وتهللوا إذا أعطيتم والله قادر أن يزيدكم كل نعمة». وفي بدء رسالته التي تُقرأ اليوم قال: «من يزرع شحيحًا فشحيحًا أيضًا يحصد، ومن يزرع بالبركات فبالبركات أيضًا يحصد».

ومعنى ذلك واضح وهو انكم إذا أعطيتم يبارككم ربّكم تبريكًا كثيرًا. أعطوا تُعطَوا. ما هو التعبير الصادق عن محبتكم سوى المال الذي تبذلون؟ ليس من برهان حقيقي عن المحبة الا بالبذل. المسعى المطلوب هو ان تجعلوا المحتاج يشعر بأنكم إخوته وانتم تعطونه مالاً هو له أي له حق فيه. وبذلك تكونون مستحقين للوكالة التي أوكلت إليكم.

ولكون المطرانية تفتقد أبناءها جميعًا فانهضوا بها على هذا الصعيد لئلا يقول المحتاج إنها بلا قلب. كونوا قلوبا حساسة وأيدي مفتوحة ليزكّيكم ربكم بالعطاء السخيّ فتستحقّوا ملكوت السموات.

Continue reading
2006, مقالات, نشرة رعيتي

مَثَل الغني ولعازر/ الأحد 5 تشرين الثاني 2006 / العدد 45

تعلمون أنّ ما يُسمّى المَثَل في الانجيل قصة تعليميّة ألّفها يسوع لينقل تعليمه بالصورة، بالحكاية فيفهم من يحب أن يفهم ويرذل تعليمه أعداؤه.

هنا عندنا قصة غني يلبس الأرجوان الذي تنتجه فينيقية والبز اي الحرير ويتنعّم ككل الأغنياء كل يوم تنعما فاخرًا. فالمال هو للّذة والسلطة على الناس والمجد الباطل. مقابل هذا الغني فقير اسمه لعازر وهو مختصر إليعازر، والكلمة في العبريّة تعني الله أزري او عوني. اسمٌ أطلقه يسوع على هذا الفقير الذي جعل الرب عونا له. وهذا المتسوّل كان مطروحًا عند باب الغني، ولكن هذا لم يشأ ان يراه.

في بلادنا كنت أسمع بعض أصحاب البيوت اذا قرع محتاج باب بيتهم يقولون:”الله يبعت لك” وهي عبارة مهذّبة تعني: لست أريد ان اعطيك شيئًا. لفظة الله هنا مستعارة للدلالة على البخل.

“مات المسكين” فنقلته الملائكة الى أحضان ابراهيم. “ومات الغني أىضًا فدُفن”.. لفظة ملائكة هنا تدل على أن الرب استقبل هذا الفقير في الفردوس وكانوا يدلّون على هذا بعبارة “احضان ابراهيم” الذي يقول الكتاب انه اوّل من آمن بالإله الواحد. الله يعنى بالفقراء وبخلاصهم. واما عن الغني فلم يقل لوقا ان الملائكة نقلته الى أحضان ابراهيم، ولكن قيل فقط انه دُفن.

المعروف أن المثل لا يؤخذ بجزئىاته، بتفاصيله. يصور يسوع هول الخطيئة وفظاعتها فيقول عن الغني انه معذّب في اللهيب ويقول انه في الجحيم. هذا الكلام لا يتضمّن تعليمًا لاهوتيًّا عن وضع النفوس بعد الموت. فالكنيسة الارثوذكسيّة لا تعلّم أنّ النفس تذهب الى النار بعد الموت او الى السعادة الكاملة. هذا ما سوف يكون بعد القيامة. وليس في الإنجيل تعليم كامل الوضوح عن حالة الأرواح بعد الموت، ونكتفي بالقول إن من عانى من خطايا قاسية، رهيبة فصلته عن الرب ينتظر الديان العادل الذي يدينه بعد القيامة، وانتظار الدينونة فيه شيء من العذاب. كذلك من انتظر فرح القيامة لكون نفسه غير مثقلة بالخطايا الجسيمة فهو على شيء من السعادة. ولكن لا نقول شيئًا أكثر من هذا.

المثل كله -على كثرة الكلام- عن حالة نفوس الأشرار ونفوس الأبرار ليست غايته كشف تعليم لاهوتي عن هذا الموضوع. انه بالدرجة الأولى يحتوي تعليمًا عن الرحمة وعن صعوبة الخلاص للذين يتنعّمون بهذه الدنيا وعن ان المساكين الذين رجوا الله في هذا العالم على شقائهم إنما الله يحبّهم ويحتضنهم في الدهر الآتي لأنهم كانوا دائما في حضنه. ما كان هنا يبقى هناك. أأنت مع المسيح في هذه الدنيا، تنتقل اليه في الدنيا الأخرى. أأنت عدوه هنا، تبقى عدوه هناك لأن نفسك هي اياها. ولا يحوّلك الموت من إنسان شرير الى إنسان صالح.

الدعوة في هذا المثل هي التنبّه الى ما في ملذات الدنيا من أخطار والى أن نجد لذّتنا في المسيح. المنبهر بالمال والسلطة والجسد الآخر وما يحيط بهذا الجسد من أزياء وافتخار على الآخرين والتباهي بالجمال والوسامة، كذلك المنبهر بذكائه وعلمه والمنتفخ بفهمه، هذا وذاك قد استغنيـا عن المسـيح. ومـَن أهـمله ربـّه هنا يبقى مهملا اياه هناك. واذا لم تعرف مسيحك هنا تظهر أمامه بعد الموت قبيحا. ليس هو الذي يبعدك عن نفسه. انت تكون نفيت نفسك عن وجهه وليس لك في ذلك عذر لأن المفروض انك سمعت الكلمة التي نزلت عليك بالإنجيل ولمستها بعباداتنا ولكن لم تصغِ الى الإنجيل ولا الى صلواتنا فكنت في الصحراء ومصحرا وليس لك موضع لترث الله.

Continue reading
2006, مقالات, نشرة رعيتي

أعجوبتان ليسوع/ الأحد 29 تشرين الأول 2006 / العدد 44

الأعجوبة الأولى إقامة طفلة من الموت هي ابنة يايرس رئيس كنيس لليهود وهو القاعة التي يجتمعون فيها في السبوت للصلاة وقراءة الكتاب المقدّس. في مطلع الفصل أورد لوقا انها مريضة. بين خبر مرضها وإنهاضها من الموت في آخر الفصل الإنجيلي، أورد لوقا الإنجيلي حادثة أخرى وهي أن السيد فيما كان يكمل طريقه قربت اليه امرأة كانت تنزف دما منذ اثنتي عشرة سنة. وهذا مرض نسائي.

أخبرت المعلم أن الأطباء لم يفيدوها بشيء. لم تأتِ الى السيّد مواجهة ربما لأنها لم تجرؤ على المواجهة. وجاءت من خلفه ومسّت ثوبه فشفيت للحال. هل نحن نلمس يسوع؟ بالمحبّة له، بالشوق اليه أم نبقى نازفين بسبب من الخطيئة؟ أن نلمس يسوع هو ان نعاشره مع أبيه وروحه القدوس.

شفيت المرأة فورًا. كذلك الخاطئ يشفى فورًا بتوبته ويصير انسانا جديدا. لا يشفى جزئيا او على مراحل. عند ذاك قال لها السيّد ايمانك أبرأك اذهبي بسلام. ايمانك أبرأك تـعني إيـمانك بي أبـرأك. الايمـان لا يعني ان نصدّق كل شيء. يعني فقط ان نثق بالله لأن الايمان يبدأ بحركة الله الى الانسان وينتهي بطاعة الانسان للحركة الإلهيّة. الإيمان يعني قبولك لله وان ليس لك مكان لذاتك فيك. الله يملأ كل القلب. “لستُ أنا أحيا بل المسيح يحيا فيّ”. هذا الالتصاق بيسوع بحيث يكون هو كل شيء هو ايمان ومحبة معا.

وأكمل يسوع سيره على طرقات الجليل، واذْ بواحد من ذوي رئيس المجمع قال له ان ابنتك قد ماتت فلا تتعب المعلم. لم يخطر على بال احد ان المعلم الجليلي له سلطان على الموت، وعلى إلغاء الموت. أجاب يسوع هذا الرسول: “آمِنْ فقط فتبرأ هي”. احد يجب ان يؤمن، ليس بالضرورة المريض. في غالب الأحيان كان يسوع يطلب هذا ليعلمهم ان الله يعمل الأعمال العظيمة تلبية للإيمان، عندما يطرح الانسان نفسه في أحضان الله.

أدخل يسوع معه ثلاثة من التلاميذ بطرس ويعقوب ويوحنا وهؤلاء رافقوه في غير موضع ولا سيّما على جبل التجلّي. لم يكشف لنا الإنجيل سبب هذا التمييز. كذلك ادخل ابا الصبية وأمها، فقال لهم: “انها لم تمت ولكنها نائمة”. هكذا سيقول عن اليعازر فيما بعد. وفي بدايات المسيحيّة الى اليوم نقول عن الميت: انه راقد في الرب. دخل الغرفة وناداها: يا صبيّة قومي. فرجعت روحها.

ثلاث مرات أنهض يسوع أمواتًا: هذه الصبيّة وابن أرملة نايين واليعازر. هذه لم تكن القيامة المجيدة التي حصل هو عليها وتلك التي نحصل نحن عليها في آخر الأزمنة. هذه عودة الانتعاش لأن هؤلاء الثلاثة عادوا فيما بعد الى الموت.

نحن المسيحيين اذا متنا نبقى ذائقين فعل المسيح فينا ويبقى هو ملازما ايانا. بالموت نظل متحدين به. “لا شيء يفصلنا عن محبة المسيح”. من اجل ذلك استطاع الشهداء ان يشهدوا. من اجل ذلك يصبر المؤمن ولو عانى اوجاعا رهيبة مزمنة. وتستغرب انت الصبر العظيم الذي يتسلّح به هذا المؤمن. تقول في نفسك: كيف يقـدر هـذا على كل ذلك. السر في انه يعايـن المسيح الذي يجعلك تحتمل كل شيء، ليس عن إذعان ولكن عن فرح.

Continue reading