Category

1996

1996, مقالات, نشرة رعيتي

الملكوت المسكوب/ الأحد 6 تشرين الاول 1996/ العدد 40

باب القلب مفتوح ليدخله الناس، كل الناس كما هم في تعبهم وتذمرهم (النق مرضنا) وشكواهم وطلب الخدمة. القلب المفتوح لا يخاف ولا يردّ احدا. لكل انسان الحق ان يقرع باب القلب وان يدفأ فيه ليحس انه مقبول مهذبا كان ام شرسا في البدء. واذا رأى نفسه محضونا يخسر شراسته. قد لا تستطيع ان تلبي كل حاجة تُطلب منك، ولكن الحاجة الاولى عند كل منا العاطفة من الإخوة الصادقين.

يأتيك من يبكي عندك. ابكِ مع الباكين وافرح مع الذي يفرح وعزّ المنكسري القلوب فإن الروح القدس هو الروح المعزي كما سمّاه يسوع في خطبة الوداع وكما نسميه فيما ندعوه عند افتتاح كل صلاة. أن تعزّي لا يعني ان تساير او ان تغنِّج. احيانا، يحتاج مكلِّمك الى كلام تقسوه فيه ولكنه يحس – ان كنت محبا – انك لا تجرحه ولا تهزأ به ولا تهمله. اذا كان عندك اليسير وطلبَ اليك العون فأعطه اليسير ويعرف انك صادق. ودائما يمكنك ان تعطيه حضورك. واذا كان لك مونة او كان لك سلطان وأَمكنك الوساطة فلا تبخل بشيء لأننا جميعا اخوة في هذا الذي احبنا حتى الموت.

لا تحاكم احدا على نياته. انت لا تعرف النية. خير لك ان تكون مغشوشا من ان تظلم احدا. “الله فاحص الكلى والقلوب”. انت غير قادر ان تفحص القلوب. لا تظن انك مفرط الذكاء ففي هذا كبرياء. استمع الى الحاجة وكن بريئا في الاستماع ولبِّ الحاجة ان استطعت لأنك تكون قد أَقرضت الله. والمسيح يتخذ وجه المحتاج فاذا خدمتَ صاحب الحاجة تكون خادما للمسيح.

هذا لا يعني ان السذاجة شرط من شروط البراءة. ولكن الإفراط في التفذلك ليس شرطا من شروط الذكاء. فتِّق المواهب عند الآخرين. هي في كثرة الأحوال محبوسة لأن احدا لم يحبهم. أحبب ترَ الناس يقترفون المعجزات. فالناس يموتون في عزلة رهيبة. كل انسان يعيش وحده. فقد يكون وحيدا وله زوجة لا تحبه. وكثيرا ما أحسَّت المرأة انها مهمَلة. الناس معظمهم مبعثَرون، مشتتون وليس من يصغي اليهم اذا ارادوا ان يبثوا شكواهم وان يصِفوا آلامهم.

هذا يتطلب منك ان تخرج من قوقعتك وان تلتقي وجه الآخر. ان لم يكن وجهك الى الوجوه فإنه منطفىء وهي بدوره منطفئة لأن واحد لم ينظر اليها.وقد يكون الناس في تهييص ومع ذلك هم وحداء ولا نقضي على عزلتنا بالهيصة. ويظن الناس انهم يلتقون الناس في عرس لأنه اصلا  موسم الفرح ولكنهم لا يتلاقون بالضرورة. ان كثرة الزينة التي يتزين بها المدعو الى العرس اشارة الى انه منعزل. الترف هو التعبير الأفصح عن العزلة. الإنفاق الفاحش دليل على عدم الفرح العميق لأن الفرح لا يحتاج الى شيء آخر ليكون. لا يزيد الإنسان شيئا على الفرح.

دعوَتُنا ان نتقاسم الفرح لا ان نتقاسم المسرّات السطحية. والفرح في ان تغفر ولا تعاتب لأن العتاب يعني انك كنت تنتظر شيئا وخُيِّبت آمالك. لك ان تنتظر صدمات ممّن كان الأعز لديك. اقرب الناس اليك قد يخونوك. هذا موجع لا ريب في ذلك. ولكن لا تترك الذين صدموك لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون. قد يقصدون إيذاءك لأنهم تألموا من الحياة ويطرحون أذانهم في مرماك. تصبّر وادعُ لهم بالرؤية الصافية وبسلام قلوبهم. عاملهم بالحسنى حتى يفيقوا. هدفك عافيتهم الروحية وهاجسك انت ان يشاهدوا وجه الله لا وجهك. تريد وجوههم نيّرة. اجرتك انهم استناروا. انت تفرح لشفائهم. اذ  ذاك يردّون لك المحبة. واما ان قابلتهم بالسوء فتقع معهم في السوء ويبقون هم سجناءه.

شرَّع ابواب النفس لكل من جاءها حتى تسمو انت ويسموا. هذا هو الملكوت المسكوب عليكم جميعا.

Continue reading
1996, مقالات, نشرة رعيتي

الأصنام/ الأحد 22 أيلول 1996/ العدد 38

آخر كلمة ليوحنا الحبيب في رسالته الاولى الجامعة: «يا أولادي احفظوا أنفسكم من الاصنام» (5: 21). لماذا يقول هذا وقد نجا مَن كَتَبَ اليهم يوحنا من عبادة الاوثان؟ قارئ الرسالة يفهم انه كانت هناك هرطقات ومنها ان المسيح لم يكن له جسد حقيقي وتاليا انه لم يتجسد وكأن الهرطقة العامة والدائمة ألا ّيحس المؤمن ان حقيقة المسيح بيننا وفينا.

هل السيد معنا وفينا اذا نحن استسلمنا لما يسلب حريتنا في المسيح وان تكون دوما عيوننا الى عينيه؟ ما من شكِ ان عبادة المال وعبادة المجد وعبادة الجسد هي من الاصنام الاءمة التي تسحر كل جيل وتراود الانسان عن نفسه ولكني متكلّم الآن عن اشياء اخرى.

منها عبادة العلم والتكنولوجيا وهي ديانة جديدة فالبعلم نشعر اننا نقتحم المجهول وكلما اقتحمناه نحس بأننا لا نخاف منه واننا اكثر فهما للواقع وإن شعرنا كثيرا اننا نقلق من هذا الذي ما كنا ننتظره. ولكن المعرفة مهما زادت لا تقلل من وطأة العصاب névrose ولا التوتر الداخلي ولا من مشاكل العائلة ولا من العزلة التي نعانيها في الكنيسة التي لا تمشي امورها كما كنا نترقب لمّا سعينا الى نهضتها. فالناس ناس وان سُمُّوا رجالا روحانيين. هذه مجرد تسمية في اكثر الأحيان ولكن بعضا منهم يفرح بالمال ويسكر بالمجد الباطل.

والعزلة نعانيها في مجتمع يقوم على التسلط وفيه الكثير من الكذب وكأن الانسان لا يؤمن بأنه يقوى بالصدق وانه يربح ماديا بالصدق واذا استطاع ان يصبر. والخوف من المستقبل لا يغادرنا، كذلك الخوف على صحتنا وهي مهددة بأمراض القلب والسرطان والضغط العالي والسيدا. واذا تلذذنا بالقصور والدُور الجميلة والأثاث الفاخر والسفر والنساء (وهن بالرجال) فلا شيء من هذا يمنع مرضا او يستبعد موتا وكأن اسباب الخوف هي اياها اية كانت وسائل الرقي والراحة. غير ان الانسان يحب ان يلهو وان يتزين لينسى همومه ويستقر الى حين وما من مستَقَرّ.

أنا لست ادعو الى ألا يتعلم الانسان ولكن ان يعرف ان العلم شيء نسبي في شمولية الحياة. ذلك ان الجاهل والعالم متساويان امام الموت وامام المرض، واذا كان الإيمان ضعيفا فميلنا ان نجعل من العلم بديلا. ليس من شيء خطِر في حد نفسه. فالمعرفة ليست خطرا ولكن الخطر ان تصبح هذه المعرفة بديلا عن القيم البسيطة التي تؤلف الوجود: المحبة في كل وجوه العطاء، المشاركة الإنسانية، العفة عن المبتذَل، العدل، الغفران وكل شيء ابدي انكشف لنا بالإنجيل.

اما التكنولوجيا فجيدة بحد نفسها لأنها تجعلنا نُكثر من الانتاج ونسيطر على المسافة ونختصرها ونتواصل مع كل جدث في العالم ونقضي حاجاتنا اليومية وبعامة نقلل مصاعب الوجود. ولكن لها ثمن ندفعه من اعصابنا ومن حياتنا الرحية ان لم نكن متيقظين جدا. هذا لا يعني ان نعود القهقرى والى الحضارة القديمة والصناعات اليدوية والى نمط البساطة. هذا حلم هروب لا يحقَّق ويقهر الشعوب الضعيفة. والأمم الكبيرة الصناعية تفرض عليك ذلك لأنها تقايضك بالآلة منتوجَ زراعتك.

يبقى لك اذا استطعت الإسهام في التكنولوجيا ألا تلجأ الى ما يؤذي الأخلاق ولا سيما في مجال الهندسة الوراثية التي تحاول اللعب بالجنات وتتحكم بالجنين وتولِد اجنة بالأنبوب وترميها بالمزبلة او تحرقها بعد ان تكون أعادت جنينا الى الأم التي تريده. نحن لسنا عبيدا للتكنولوجيا.

المهم ان تكون حرا من هذا الذي بين يديك كما كنت حرا من المال الذي تقبله والسلطة التي سُلَّمت اليك. الأشياء لا قدرة لها بحد نفسها ان تستعبدك. انت تجعلها اصناما اذا شئت. العبودية والحرية كلاهما في داخل نفسك.

Continue reading
1996, مقالات, نشرة رعيتي

العنصرة/ الأحد 2 حزيران 1996 /العدد 22

العنصرة هي الحياة الجديدة التي تنزل علينا كل يوم وتكشف لنا جمال وجه المسيح وتجعل توبتنا ثابتة. كل مؤمن يذوقها بمقدار ويرى بها رؤى فيحب بصورة مدهشة فيغفر بما لا يتصوره الناس ويرقّ ويلطف كما لا يتوقعون. العنصرة هي المسيح معطى لنا بالروح القدس فيجعلنا شهداء ونحن جبناء وقادرين على تحدي الظلم وان نستقل عن المعتبَرين أقوياء وان نتكلم بما يفوق قدرتنا كما تكلم الصيادون.

لا يكفي لهذا ان نتعلم أمور الإيمان فالكثيرون تعلّموا واجترّوا الكتب اجترارا ولم يوصلوا رسالة لأن الكلمات كانت ميتة على ألسنتهم بعد ان كانت قلوبهم منطفئة. العبادات وهي حية استقبلوها أشكالا وما أحيتهم فمروا ولم تمسسهم نار. يمكن ان يقرأ انسان كتبا كثيرة ويبقى باردا. وقد تجد انسانا حارا يعرف القليل ويقول القليل ويمكنك ان تعيش على دفئه. هذا هو سر الروح القدس.

مع ذلك اتخذ الله أدوات له في الكنيسة. أقامهم روحه اساقفة وكهنة ولكنه لم ينعش قلوبهم. انوجدوا هكذا وماتوا ولكنهم يقولون في الخدمة الإلهية كلمات الحياة تعبُر بهم عبورا ولا تدخُل اليهم. خذ انت الروح الذي تعطيه الكلمات واشكر الله. قد يوقظهم الروح يوما. صلّ من اجلهم كل حين ولازم الكنيسة لأنها محطّ الروح وجسر الروح اليك, ولا تهتم انت ان كانوا يعثرونك ويجرحون تقواك. هذه خطيئتهم. خطيئتك انت ان لم تحضر الى الكنيسة انك فوّتَّ على نفسك فرصة الاستماع الى  الكلمة واقتبال الروح الذي يأتيك بالكلمة.

لا ترتكب نميمة بأحد منهم لئلا تزعج نفسك وتمرمرها ولا تنفع بالنميمة احدا. لازم الصمت فإنه افصح دليل على ان الروح فيك, فبالصمت تطهر وتُذْهِبْ عن نفسك وعن سواك الأذى. لقد كانت طائفتنا مسرحا للثرثرة خلال بضع عشرات من السنين وربما طوال تاريخها، وراوح الفاترون مكانهم واستفحلوا في انعدام المحبة لآنهم تمرمروا وبغضوا فغضبوا.

ليكن همّك الوحيد ان تقتتني الروح القدس بطاعة المسيح. خذ المسيح من الإنجيل.اجلد نفسك به كل يوم ولا تَسْعَ الى إصلاح الكنيسة بالتجمعات الصاخبة ضد فلان او فلان ولتغيير الأنظمة وإزاحة الناس عن مقاماتهم. الصخب لا ينفع شيئا. ان لم تَطْهُرُ نفسُك طهرا كبيرا وما صفت فلا يصدر منها الا المرارة والحقد. ليجتمع الطاهر الى الطاهر بقراءة الكلمة والصلاة، وبمقدار  ما تتكثف الصلاة في الجماعة يُصلِح الناس المسؤولين منهم والعامة.الوداعة هي نفسها تعطيك الوضوح اذا اقترنَتْ بالحَزم، والحزم ينزل عليك من الروح نفسه وهو الذي يلطِّف الشدة فيك فلا يجعلها مطرقة ولكنه يجعلها دواء.

اذا صار كلامك يشفي فهذا دليل انك حامل الروح.

Continue reading
1996, مقالات, نشرة رعيتي

النقد البناء/ الأحد 26 أيار 1996/ العدد 21

كل انسان في الكنيسة ليس فقط يحق له الكلام في كل شيء ولكن يحق له ان ينقد كل شيء. قلت “كل انسان في الكنيسة” ولم أقل في الطائفة. فقد يحسبونك أرثوذكسيا لكونك مولودا هكذا ولكنك قد لا تكون مصليا وليست على اتصال بمن يعمل ويعلّم وقد لا تكون قرأتَ ما يجب معرفته ليكون لك الحد الأدنى من المعلومات التي تخوّلك حق النقد. المؤمن الممارس, الحاضر, المطّلع على نشاط رعيته والأبرشية يعرف عمّا يتكلم وغيره لا يعرف.

الانتقادات المسلّية في الصالونات التي تتناول الأكليروس بخاصة وما قالوا وما فعلوا من شأنها ان تثبط الهمم وان تجعل الناس في حزن ويأس وكثيرا ما لا تكون مدعومة بالوقائع ولكنها مبنية على الوشاية والنميمة. فاذا كان لك شيء على الكاهن او المطران فاذهب اليه وسَلْهُ او عاتبه ونحن قائمون لسماعك وتقبل حجتك ان كان لك حجة.

لا تصدّق كل ما تسمع. تحقق الأمر وبعد هذا كلّم المسؤولين وليكن كلامك معنا من اجل البنيان حتى نصير افضل مما كنا عليه. هذا اذا كنتَ تتكلم في غيرة على كنيسة الرب. ادعُ ربك وكن الى الهدوء قبل اي مراجعة حتى يعطّر فمك بعطر  الروح. ليست الكنيسة “فشّة خلق” ولا يبنيها الزعلان والغاضب والذي يفتش عن المخانقة. “احملوا بعضكم اثقال بعض”. الى هذا دعانا بولس. كذلك قال الرسول نفسه” اذا سقط أحدكم في زلة فأَصلحوا انتم الروحانيين مثلَ هذا بروح الوداعة”. فلننتبه ألا نمزّق بعضّنا بعضا وألا يشهّر احدنا بالآخر لأن في التشهير يسكن الشيطان.

الوصية ان نستر ذنوب الإخوة. “طوبى لمن سُترت ذنوبه وغُفرت خطاياه”. ولكن الوصية تقول ايضا: “اعزلوا الخبيث من بينكم” بمعنى ان نشكو للرئاسة الروحية من ارتكب خطأ او من أساء الائتمان. فإن سكتَّ انت عمن يهدم  كنيسة المسيح تكون شريكا في هدمها. ليس من فضح لكاهن او مسؤول في الوقف امام الناس لئلا يتعثروا. ولكن الواجب يقضي ان نرفع الأمر الى الرئاسة الروحية لتُصلح الأمور وتؤدب من يجب تأديبه.

كل شيء للبنيان بعفة اللسان وكل انسان تحت الشكوى إن أخطأ لئلا نكون شركاء الظلم. “هل من اختلاط بين النور والظلمة؟”.

Continue reading
1996, مقالات, نشرة رعيتي

الفضول/ الأحد 7 كانون الثاني 1996 / العدد 1

هو الحشرية عند العامة لأن الإنسان يحشر بها نفسه حيث لا يعنيه. وقد قبل الأخلاقيون الفضول العلمي أي السعي إلى معرفة ما في الكون وفي التاريخ والمعرفة بعامة لأن في معرفة هذا العالم ما يحررنا من جمود العقل. غير أن علماء الأخلاق لا يريدوننا أن نتدخل في خصوصيات الناس وما يهمهم وحدهم، ففي هذا هتك لحرمة الآخر. فهذا له أصدقاؤه وأبوه الروحي. أما أن نعرف نحن خطايا الناس، أن نفتش عنها بكل الوسائل فهذا يؤذينا ويؤذيهم فإذا تلهينا بهذا نكون قد أغفلنا مراقبة النفس لنعالجها. وغالبًا ما نتدخل بشؤون الغير لنفضحه وننم بحقه وهذا بدء الثرثرة.

فبدل أن تبقى خطيئته مكتومة ومغفورة عندنا سلفًا نشيعها فيُجرح الأخ بسببنا كثيرًا وييأس من نفسه ويستحيي. فالنميمة لا تقود الآخر إلى التوبة ولكنها قد ترسخه بمعصيته وتقيمه في الحزن وتقوده إلى استصغار نفسه وبغضنا. وقد جاء في الأدب النسكي: «ماذا تفعل إذا رأيت أباك الروحي يزني؟»، فقيل: «اني آخذ غطاء وأغطيه به». أنا لا أريد أن أرى ضعفه. أن نفتش عن نقائص الناس يجعلنا في كثرة من الأحوال نسقط في ما هم ارتكبوه. ولهذا أوصى آباؤنا ألا نذكر خطيئة فعلناها نحن لأن في الذكرى قوة جذب وقوة تكرار.

في الأدب النسكي أيضًا ان رهبانا شَكَوا أحدهم انه يستقبل امرأة في صومعته ولكن رئيس الدير لم يُعِر شكواهم أهمية مع انهم كرروا الشكوى. فداهم الرئيس الراهب مرة في صومعته ورأى هذه المرأة فأخذها ووضعها في صندوق الحاجيات ودعا الرهبان وقعد على الصندوق وقال لهم لما أطلوا: «أين هذه المرأة» فخجل الراهب من خطيئته وتاب، وتاب الرهبان عن الثرثرة.

عيوننا نحن إلى الناس نتقصى ما فعلوا. همنا أن نعرف إلى أين ذهب وأين مكث وفي أية ساعة دخل إلى هذا البيت ومن كان يرافقه في السيارة أو من كتب هذه الرسالة وما فيها. هاجسنا أن نعرف كيف يتعامل الناس في بيوتهم وأين سهروا ومتى عادوا من السهرة وماذا جرى فيها وماذا قال هذا لذاك.

ما الخطأ في هذا؟ انه أولا استلذاذ بالخطايا التي يقترفها الجيران أو الزملاء. لا أحد يفتش عن معصية عند الآخرين الا إذا كان منجذبًا اليها. ولكي يدفع التهمة عن نفسه يُسَرّ لمعرفة ما إذا كان الناس وقعوا فيها. ما من وصف لمعاصي الناس الا ويعرّضنا لهذه المعاصي نفسها.

ولعل الخطر الأهم ان نتلهى عن أنفسنا. ذلك ان إصلاحها يكلّف كثيرًا من العناء. التائب هو الإنسان الذي يسهر على نفسه ليقوّمها. خطايانا كثيرة، والتوبة عنها تستغرق وقتنا كله. والسهر على الذات يجعل فيها صمتًا وهدوءًا، وأما الفضول فيثير فينا اضطرابًا. والصمت خير إطار للعفة لأنه يجعلنا في مواجهة للنفس.

في صلاة البار افرام السرياني في الصوم: «… أعتِقني من روح البطالة والفضول». الفضول يأتي من البطالة. من لا يعمل شيئًا لا بد له من أن يتسلى بمراقبة الآخرين. من رأى نفسه تحت المراقبة يتألّم ويتقوقع ويمكنه أن يبغض. لا كثافة روحية في إنسان يتبدد ويُرق بلسانه العالم. وأما من لملم نفسه وعرَّضها للفحص الإلهي ينشغل بتوبتها. إذ ذاك، لا تنتبه الا إلى الحسنات تَحْسُن بها وجوه الناس ويَحْسُن بسبب رؤيتنا لجمالها وجه الله نفسه.

Continue reading