منذ بضع من سنين اكتشفت البهاء الروحي في الشبيبة المارونية. هذا لم يكن يلفتني كثيرا في الماضي بسبب الغليان السياسي الذي كان مستحوذا على هذا البلد. ولست اوحي بهذا الكلام ان المسيحيين ما كانوا روحانيين بمقدار. ولكن عشت الأحد الماضي في كنف سيدة النجاة في بكفيا خبرة رائعة. كان هذا لقاء مع لجنة مسكونية للشباب المسيحي منه بعض الأرثوذكسيين من ابرشيتي.
فترة تأمل في البدء وصلاة الغروب الأرثوذكسية في المنتهى مع شغف في اكتشاف الآخر وضمه الى الصدر وقناعة اننا جميعا للمسيح مع بقاء كل واحد في كنيسته. هذا الشباب كان هاجسه في ذاك الاجتماع التقارب في الصميم ابتغاء وحدة يهبها الرب احباءه. واذا وصفت غير لقاء لي في السنوات الأخيرة بكهنة موارنة شبان يهيئون اطروحات ويلتمسون مشورة من اسقف ارثوذكسي رأيت ان مناخ العلاقات بيننا تغير تغيرا كبيرا معزيا بحيث ترى ان المخلص يشق طريقه في القلوب بلا هذا الانغلاق الذي كنت أعانيه قبل اربعين او خمسين سنة من اليوم.
طبعا شبان ابرشيتي الذين هم جزء من هذه اللجنة نالوا بركتي للانضمام الى رفقائهم الموارنة وهم على صلابة معروفة في الاوساط الارثوذكسية وفي الوقت نفسه على طراوة نمت عند احتكاكهم بالآخرين. انت لك ان تكون شديدا ولينا بآن. وأظن ان هذه ظاهرة آخذة بالنمو الآن ولا تفسير عندي لذلك الا ان محبتك ليسوع تدفعك الى كل من أحبه. فاذا كان الحبيب واحدا فماذا يفصلك عن المسيح حبيبا؟ وان يدعى اسقف ارثوذكسي كان يوصف بالتمسك الشديد بعقيدته في جو كان يقال فيه «نحن واحد» والقول على عمقه لمن يفهم الاعماق كان في حقيقته ميوعة لا تحل المسائل الخلافيةولا تقرب كما المسيح يريد.
ما لفتني في التأمل في بكفيا انه كان قائما على ثلاثة فصول انجيلية كان من اراد يعلق على جزء منها. والتركيز على النصوص التأسيسة عنى لي ان هؤلاء الشبان والشابات ارادوا انفسهم آتين من كلمة الله ومجمعين عليها ومجتمعين في ما توحي اليهم اي ان الانجيلية لم تبق محصورة بتلك الكنائس التي تنعت نفسها كذلك. فالانجيلية هي اولا ارادة الانجيل. طبعا النقاش بيّن اننا لا نفهم النصوص دائما فهما واحدا. ولكن هذه حالة كل قراءة لأي نص في العالم وفي الاديان.
# #
#
المناخ السائد ان هذه الكثلكة الشبابية كانت ترى نفسها واحدة ولو متقابلة العناصر. لعلي فهمت اكثر مما كنت افهم في اجتماع لاهوتيين ان ثمة وحدة في العمق لا تأتي من العقل الفاحص المدقق ولكن من القلب المكسور. ادركت هذا بتحسس كبير لما قالت فتاة مارونية: ماذا نفعل بيسوع المصلوب؟ فهمت انها تعني انه بانقساماتنا لا يزال مصلوبا وان هذا الامر مسألة المسائل.
انا دعيت لأطرح المشكلة اللاهوتية التي تعيق وحدتنا كما دعيت الى الحديث في التطلعات التي ارنو اليها لنكسر الجليد.
قلت لهؤلاء الاخوة: «ليس من وقت لاستعراض كل المسائل الخلافية بيننا. سأحصر كلامي بما ورد في الرسالة الجامعة: «ليكونوا واحدا» للبابا الراحل وفيها مقظع صغير قال فيه ما مفاده: لنفحص ما المكانة التي كانت لاسقف روما في الالفية الاولى. سرّ الارثوذكس وغيرهم لهذه الفكرة الجريئة للبابا يوحنا بولس الثاني واخذ العلماء يعملون على هذه القضية. ،انها لقضية تاريخية بحتة لا تداخلها المذهبية. واذا كان المقام البابوي مستعدا ان ينتهج مسلكية الالف سنة الاولى يكون هذا هو الحل. غير ان بعض المرجعيات الكاثوليكية اوضحت ان معوفتنا التاريخية لا تلغي العقيدة التي حددها مجمع الفاتيكان الا،ل السنة الـ ١٨٧٠ وقد نصت على «الولاية العامة والمباشرة للبابا على الكنيسة جمعاء كما نصت على عصمته اذا تكلّم عقيديا ex cathedra اي على المنبر الرسولي». لا نكون والحالة هذه قد قمنا بشيء. نكون قمنا بدراسة اكاديمية قد تؤثر على بعض الاداريات ولا توحد بين الكنيستين.
ثم قلت لهم: ما اجمع عليه العلماء هو ان اسقف روما في الالفية الالولى لم يصدر قرارا واحدا ليأخذ به الشرق. كان هو يرعى الغرب حصرا – ارادته في الرئاسة – وهذا قديم جدا- لم تحمله على اتخاذ قرارات نافذة في الشرق على اي صعيد.
ثم الشيء الاخير الذي كان لا بد من ايضاحه وهو من المسلمات عند العالمين ان الشرقيين لم يناموا ليلة مؤمنين بالرئاسة البابوية وأفاقوا في الضحى ليتمردوا عليها كلهم معا. اضظررت ان اقول هذا لان التعليم الذي اتخذته في طفولتي ان الشرقيين امة تمردت فجأة وتنكرت لعقيدة راسخة. ،من المعروف عند العلماء الكاثوليك ما اكده ايف كونغار رحمه الله ان كل المؤرخين الكاثوليك قالوا بوضوح ان الشرق المسيحي لم يكن يتكلم على الاولية البابوية كما كان الغرب يراها. نحن اذا في مأزق حقيقي سوف تفحصه لجنة الحوار الكاثوليكي- الارثوذكسي المشتركة العائدة الى اجتماعاتها.
# #
#
الاسئلة التي ظرحها الشباب الماروني كانت مرتكزة على موقع دفاعي يمكن ان تتوقعه من غير محترفين. مثال على ذلك ما اعتبروه ترجمة صحيحة: انت الصخرة وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي (او في الترجمة اليسوعية القديمة انت الصفاة وعلى هذه الصفاة سأبني كنيستي). كنت مصمما الا أساجل احدا ولا سيما ان مناقشة النصوص في الاصل اليوناني غير متوفرة. وفي اليونانية لا يستعمل السيد لفظة الصخرة مرتين ولكنه يقول: انت بيتروس Petros وعلى هذه الصخرة يقول petra. والاسم بطرس نحته السيد من الصخرة ولكنه لا يعني الا ذاته ولا يعني الصخرة.
ما احببت ان اوضحه ان آباءنا في الالفية الاولى لم يؤسسوا كرامة الاسقف الروماني او مكانته على اولية بطرس في المصف الرسولي. وقال بعضهم ان كل اسقف خليفة بطرس وقال آخرون ان كل علماني له ايمان بطرس هو خليفته. اي ان اولية بطرس في المصف الرسولي لا تنتقل الى بابا رومية. هذا قبل الكل بمكانته الاولى على اساس تاريخي لا كتابي.
طرح علي ما تلقاه هؤلاء الشبان في مدارسهم. والواضح كان اننا امام تفسيرين مختلفين لا لقاء بينهما.
سألوا ما الحل. الحل هو في اللاهوت الكاثوليكي الحديث الذي يميز بين المجامع المسكونية السبعة التي تقبلها الكنيستان لما كانتا مجتمعتين والمجامع العامة. فقد انفرد الغرب بمجامع سماها هو عامة. ووجود كلمتين يدل بوضوح على انه يستحيل ان يكون لهاتين الفئتين الالزامية نفسها. الشرق كانت له ايضا مجامعه الخاصة ولا يستطيع ان يفرضها على الكنائس الغربية فرضا. كل فريق يتبنى ما يسمح له تراثه بأن يتبناه وهذه هي الطريقة التي كانت متبعة بالقديم اعني طريقة القبول اللاحق. واذا لم يحصل هذا يكون ما سميته عقيدة انت رأيا لاهوتيا حرا. فاذا كان مجمع الفاتيكان معتبرا على انه حدد العقيدة البابوية (الرئاسة والعصمة) مجمعا عاما لا مسكونيا تكون هذه العقيدة غير ملزمة للشرقيين الذين لم يقولوا بها. وتبقى في الكنيسة الجامعة خلافا شرعيا. فلا تكفرني اذا لم اقل بالعصمة البابوية ولا اكفرك اذا قلت بها ونتناظر اخويا في المحبة.
هناك مقاربات جديدة وشجاعة عند بعض اللاهوتيين الغربيين الذين يقزمون المواقف القديمة في الفاتيكان الاول. اما ان ينتظر الفاتيكان «عودة» الارثوذكس فهذا امر لا شيء مهيأ عندهم له.
اما بعد فقد سعرت بفرح لا يوصف عندما لمست الغيرة الملتهبة عند هذا الشباب الماروني على كنيسة المسيح- غير ان التوجيه المسكوني يبقى «شاعريا» في كل كنائس هذا المشرق وليس لي اطلاع كبير في صفوف الشباب على الموقف الآخر. الطهارة التي لمستها فيهم لا تكفي. ان من مسؤولية القيادات طرح الإشكالية القائمة وتبيان مواقف الاخرين لأن النور لا يكتمل الا بالمعرفة. المعرفة نوع من الصلاة.
Continue reading