Monthly Archives

August 2013

2013, جريدة النهار, مقالات

فكرة الموت / السبت ٣١ آب ٢٠١٣

ان نألف ليس فكرة الموت وحسب ولكن حادثة الموت قد يكون من أجمل ما لنا ان نحققه لأن الموت نداء من الله حتى نذكره كل يوم. اذا فهمنا ان لا شيء ينتهي بالموت الا خطايانا نفهم ان الحياة قبل ان يحل الموت وبعده واحدة.

اذا رحبنا بالموت لأنه ينهي مصاعبنا أمر ليس فيه جمال روحي. ان نرحب به إمكانا لحياة جديدة هذا فيه سمو. اجل ليس من كائن بشري لا يخشى الموت لكوننا في الطبيعة نحس به معاديا للحياة. ولكن ان قرأنا الحياة عطية من الله فيما نحن على الأرض وفيما نحن بعدها لا تبقى لنا مشكلة مع الموت وجدانية، عميقة. ليست الحياة فقط الحركة البيولوجية فينا. انها في عمقها تجاوز هذا الوجود. انها تَلقي افتقادات الله لنا في شتى تعابير هذه الافتقادات.

الحس البيولوجي يقول لنا نحن لا نقدر ان نستقبل الموت بصورة هيّنة لأنه ضدّ مسيرتنا البيولوجية التي نعتبرها دوام حياة. نحن لا نستطيع ان نصالح الموت. هناك ذوو حس روحاني كبير يتقبلون على انه يحمل تجاوز الحياة الدنيا إلى ما يتنزل عليها من نعمة. من لم يحصل على هذه الرؤية لا يقدر ان يتقبّل الموت. وهذا ليس ضد نسيانه اذ لا ينسى. ضده الايمان بالقيامة أي بشيء لم يحصل بعد ولكنا اخذناه وعدا. والوعد فيه كل الحقيقة ان أتى من الله.

هناك ذكرى للموت يرتجف عندها غير المؤمن اذ هذا يعرف الحياة البيولوجية ونهايتها فقط ولكن ان فهمنا التلاحم بين موت المسيح وقيامته نكون تخطينا الفهم البيولوجي لوجودنا. في المسيح وحده يلتقي الموت والحياة. ويلتقيان فينا اذا انعكس المسيح فينا.

أفهم ان نرتجف اذا ساورنا الشعور باقتراب الأجل لكوننا نحب هذه الحياة ولا نعرف بالعقل وحده ما يعقبها. ولكن تتغير مقاييس الفهم عندنا ان قدرنا ان نستشرف بالإيمان الحياة التي نحن مقبلون عليها. الايمان وحده هو الذي يغير بالعمق تعاملنا مع وجودنا الشخصي بمعنى انه يعطينا رؤية لا يقدر هذا الجسد توفيرها.

فكرة الموت الخلاصية لا تأتي من الموت. ايماننا بالحياة الأبدية ينقذنا وحده من وطأة الموت. الموت صامت ما دمنا غير ذائقين مسبقًا للحياة الآتية. هذه هي الحياة الأبدية التي عرّفها السيد على انها معرفته ومعرفة أبيه. تصور الموت قتال ان لم يرافقه تصور القيامة فنحن لم نخلق للموت ولا نؤهل له. نكتسب الإيمان بالقيامة فننتعش. هو وحده غالب للموت وللخوف من الموت.

إيماننا بإنبعاثنا وحده يغلب خشيتنا للموت لذلك أتت صلوات الدفن عندنا تغنيًا بالقيامة ورجاء. أنتم مخلَّصون على الرجاء.

Continue reading
2013, مقالات, نشرة رعيتي

الوعظ / الأحد25 آب 2013/ العدد 34

عندما يقول الرسول “نحن عاملون مع الله” لا يريد اننا نقوم بجزء من العمل والله بجزء. انها مشاركة ليس لنا فيها حصة الله غائب عنها. أراد بولس ان يعطي لعملنا صورتين واحدة من الفلاحة “أنتم حرث الله” وواحدة من بنيان البيوت “أنتم بناء الله”. والتشبيهان واحد.

ثم يذهب بـولس الى القول انه وضع الأساس ويؤكد انه المسيح. ولا تُعطى انت ان تأتي بأساس آخـر. وكل الذين – بصورة او بأخرى – نعتبـرهم في الكنيسـة هامين جدا ما كانوا يـرون انفسهم الا قائمين على الأساس الواحد الذي هو المسيـح. الآباء ومن بعدهم كبار اللاهـوتيين مفسـرون او ناقـلون للرسالـة ولكنهم لم يأتوا بأساس آخر اذ ليس من أساس آخر. من لا تستطيع ان ترد فكره الى السيد بطريقة او بأخرى ليس بشيء.

هذا لا يعني ان كلام التعليم عندنا هو تكرار لما قيل بحرفيته عند القدامى ولكنه يجب ان يكون مطابقا له في الجوهر او المضمون.

لم يقل الرسول انك تكرر حرف الإنجيل اذ لا يكون عند ذاك فكر يسوع في الكنيسة. أنت تؤيد ما قاله الكتاب بطريقتك وأسلوبك حسب ما يقتضي المقام او لتوصل جوهر الكتاب الى سامعيك او قارئيك. تلاوة الكتاب المقدس لها مكانتها في عباداتنا ولكن التفسير له ايضًا مكانته، من هنا اننا بعد القراءة نعظ اي نحاول تقديم الفكر الإلهي الى الفكر البشري، الى الناس الذين هم أمامنا في الكنيسة. هناك ضرورة لقراءة الكتب المقدسة كما هي لننضبط بكلمة الله كما جاءت وهناك ضرورة لتبليغها. فكما ان بولس نقل الى قرائه المسيحيين العهد القديم بلغتهم اي حسب تربيتهم نحن ننقل الى عقول معاصرينا معنى العهدين القديم والجديد حتى يستوعبوهما.

بفضل التفسير كل نص سابق لعصرك يحتاج الى ان يدخل الى العقول الحاضرة فتأخذ أنت بعين الاعتبار هذه العقول وتخاطبها بلغتها لتصل اليها الحقيقة الإلهية الثابتة.

أنت تأخذ نصًّا معتمدًا في الكنيسة اي إلهي المصدر وتحاول تبليغه الناس كما تعرفهم في ثقافتهم ومسائلهم لكي يصبح الكلام الأبدي في ذائقة الناس. تأخذ هذا الكلام وتمتحنه بالأساس الذي بين يديك اي تمتحن المؤقت بالأبدي فيبقى من المؤقت ما يوافق الأبدي ويندرج الأبدي بالمؤقت ليصلحه ويثبته في ما هو دائم.

الموهبة الروحية عند الواعظ العميق ان يبقى دائمًا مخلصًا للإيمان فلا يبتدع اي لا يأتي بفكر منحرف وان يخاطب العقول التي أمامه بحيث يؤهلها لقبول ما استلمنا من القديسين. على الواعظ كما على المعلّم ان يحرص على ان لا يعلّم آراءه ولكن فكر الرب.

هذا يتطلب الجمع بين الإخلاص لما استلمنا والأسلوب التربوي الذي يؤهل المتكلم ان يصل الى سامعيه.

Continue reading
2013, جريدة النهار, مقالات

الله والإنسان / السبت 24 آب 2013

الإنسان توق لا إلى أوهام ولكن إلى وعد والوعد هو الله نفسه. والله آت. انه فيك وأمامك وفي غدك. كان حضوره الحقيقي الأول بمسيحه وهو عائد به في اليوم الأخير وهو يبث ذاته في كل يوم بك. اقتبله ما دمت يقظًا. وهو حاضر في كل زمان فيك تشاؤه له.

وهو لا يأتيك الا بالحب وبه يتجلّى فيك. اسهر على ان يكون ساكنا فيك لئلا تتصحّر. لا تنخدع بأنك تأتي من ذاتك. اذا لم تمتد إلى فوق تنطوي أي تنتحر داخليا. تُق دائما لتنوجد. أحببه يحبك اذ يعطيك أكثر مما تعطيه. لا تتأمّل بما تظن انك تحويه. ثق انك فقير وانك تأخذ منه ما طلبت. يصير لك هذا ان آمنت انه يغنيك.

وأنت تستغني فقط به. ان ادركت هذا تخسر فقرك وتقيم فوق. بهذا الفقر العظيم تشعر انك مقيم في السماويات، «حرّ بين الأموات» مكمل ناسوتك. الألوهة تصبح ساكنة فيك إلى ان يبدو وجهك وجه إله.

أنت مدعو إلى ان ترث الله نفسه أي كلّ ما فيه من قوى. لست شيئا عظيما ان تقت إلى ما هو دون الله. هذا لا يشبع شوقك إلى الحق. واعلم ان ليس من حق خارج الله وما هو اليه. السموات ليست فوق. ما هي بمكان. هي في روحك اذا امتدت أو اقامت في الرب الذي هو مسكنها لأنك ان سكنتك المحبة تكون ساكنا في الله. أنت لا تتوق إلى اوهامك، تتوق إلى موجود تنوجد به. يقال انك ساكن في السماء. معنى هذا انك ساكن في ربّك.

ربك هو المحبة نفسها. هي اسمه. ليس لها وجود خارجا عنه. من قال انه يحيى يقول ان الله فيه أو هو في الله. لأن الله اذا رفعنا اليه يكون في حق ساكنا فينا اذ ليس له مدى الا القلوب.

ان أنت تحوّلت من محب إلى ان تندمج بالمحبة ذاتها تكون قد استدعيت الرب ليجعلك مسكنا له. أنت فيه وهو فيك لأنه هكذا يشاء. وأنت تحقق إنسانيتك ان أردت ما أراد.

أنت مدعو بحضور الله فيك وليس له أفق آخر. كل رؤية أخرى هي من هذا العالم ولكن ربك يريد ان تراه هو لا ان ترى العالم. كل ما تختبره في العالم غاية الله منه ان يدنيك اليه. هو يريدك متشبها به لكي يرى ان وجهك إطلالة من وجهه عليك. واذا رآك وجهه لا يبقى فاصلا بين الوجهين.

المعرفة تبدأ بالمحبة. فإن أحببت ربك تعرفه أي تتحد به اتحادا هو يذوقه أولا ويعرفه. ولكون ربك يعرفك ويعرفك ذلك تذوق انك عشيره. هذه كلمة لا تنتقص شيئا من كرامة الله. فالله بالقربى والا كان إلها وثنيا. قرباه تثير فيك الايمان به اذ الايمان ايمان بكائن قريب إلى درجة الاتحاد.

اذ ذاك، لا يعوزك شيء لأنك تكون قد فهمت ان ربك في كل شيء وانت به تحب ما يحب وتقيم حيث يقيم.

Continue reading
2013, مقالات, نشرة رعيتي

الفكر الواحد/ الأحد 18 آب 2013/ العدد 33

عندما يطلب الرسول الى أهل كورنثوس ان يقولوا قولا واحدًا لا يريد أن نقبل اي كلام يقولونه ولو كان واحدًا ولكنه يريد ان يأتي هذا الكلام من روح الرب يسوع.

فالمؤمنون يمكن أن يجتمعوا على خطأ. الإجماع الصادر عن المحبة يدل مبدئيا على ان مصدره المسيح. اذ ذاك يأتي قولا واحدًا لأن المسيح لا يُلهم هذا شيئا وذلك شيئًا آخر. أنت تقبل قولا اذا أتى من روح يسوع.

لقد شجّع بولس على ان يقول المؤمنون قولا واحدًا يأتيهم من إلهام الروح القدس. فإذا تطهروا وكانوا في المسيح لا يمكن ان يختلفوا. اما اذا كان بينهم شقاقات فكلامهم ليس من المسيح.

المسيح يُلهم الناس اليوم ما يوافق الإنجيل. اذا تكلّمت كما يريد الإنجيل لا خوف عليك والجماعة التي تخاطبها، اذ ذاك، تكون قد استلمَت عنك الإنجيل. في ظرف واحد ومكان واحد الذين هم للمسيح يقولون قولا واحدًا في أمور دنياهم. اختلاف الناس كثيرًا ما يعني ان ليس في عقولهم معايير روحية يرجعون اليها. الذين يحتكمون الى الله ان لم يكونوا أغبياء يقولون قولا واحدا. على الأقـل عنـدهم حكمـة المسيـح الأقـوى من حكمة اهل هذا العالم. أنت ان كنت حكيمًا حسب المسيح تذهب بالناس الى هذه الحكمة. انت لا تقتبس مواقفك مما اصطلح الناس عليه على انها الأحسن. في الإنجيل معايير تمكنك من الحكم على ما يجري حولك. هناك تحليلك للأوضاع المحيطة بك ولأحوال عائلتك ووضع طائفتك الاجتماعي وطوائف اخرى. ولكنك لا تحكم انت على الأشياء فقط مما تلحظ حولك. أنت تأتي من فوق، من حقيقة الله التي لا تتغير. هناك كلام إلهي يحييك لأنه ثابت وكلام بشري يأتي من العلم والفلسفة والتأمل بالعيش. كلام الرب لا يلغي واقعية الحياة ولكنك لست عبدًا للواقع. تسكب عليه دائمًا الرؤية الإلهية. أنت وُلدت في الأرض ولكن أعماقك تأتي من السماء. وإذا نزلت من السماء تصعد اليها. أنت حراك بين السماء والأرض ولكنك تبقى مشدودًا الى فكر المسيح الذي “أخلى ذاته واتخذ صورة العبد. وتواضع وأطاع حتى الموت على الصليب” (فيليبي ٢: ٨). ففكر المسيح فينا يعني اولا قبولنا للرب بالإيمان ومن بعد ذلك السلوك بالأعمال الصالحة.

الإيمان والعمل الصالح معًا هما ينبوع القول الأحد لأننا نتكلّم من مصدرين مما أخذنا اولا من كلمة الله وما ألهمنا به العمل الصالح الذي نتممه. هذا هو ايضًا مصدر للفكر فالإيمان يؤتينا العمل والعمل الذي تثمره الفضائل يصير عندنا مصدر فكر مستقيم.

الفكر الصالح وان صدر عن الفرد انما يأتيه من الإلهام الذي جاءه من الصالحين. عندما نتكلم عن استقامة الرأي التي تترجم الكلمة اليونانية “أرثوذكسية” نفهم انها فكر الأنقياء المستنيرين بالإيمان القويم والذي تُمارس به الأعمال الصالحة.

الإيمان ليس عملا فكريا مجردا. هو نفحة إلهية فينا مدعومة بما ورثناه من القديسين والآباء الأوائل. هو ما نزل على الجماعة المصلية كلها. يعبر عن صلاتها. القديسون عندهم إيمان واحد لأنهم أخذوا فكرهم من الإنجيل الواحد والصلاة الواحدة ولكونهم تمرسوا بالفضائل الإلهية الواحدة. هذا هو فكر المسيح.

Continue reading
2013, جريدة النهار, مقالات

مريم / السبت 17 آب 2013

صمنا مع مريم لله في هذا الصيف لأننا اذا ذكرناها في إقامة أعيادها انما نختلي بهذه الصوامة الكبيرة لتطهير النفس والشوق المريمي الى الله. مريم تنتظرنا للتطهّر معها اذ ليس لها انتظار آخر. لكونها كانت اما للسيد امست أم جميع الذين يحبونه من اي حي روحي كانوا. نحن جميعا حيزها وبها نتقبل الله اي ننقطع عن اي ما كان غير إلهي. المسيحيون منا مريميون وبعض من الموحدين الآخرين يذوقون مريم لكونهم لامسوا المسيح. هي تجالس الناس اذا دنوا منه او هي معهم اليه لأن من ذاقت نفسه الحب الإلهي يقدر ان يذوق مريم.

يلفتني دائما ان لوقا لما تكلّم عنها قال الله به: «وأنتِ سينفذ سيف في نفسك» اي انك ستعرفين الآلام برؤية ابنك مجروحا. ستكونين شريكة المصلوب في القدر الذي يعطيكِ. وأنت معنا في كل اوجه حبنا له. لما كنتِ واقفة عند صليبه كنت تتألمين من اجلنا. مشاركة الآلام هي مشاركة الفرح. في وجه لا يعرفه الا الخاصة انت تحمليننا كما حملته.

نحن نقول في الكنيسة ومع الآباء انك حواء الجديدة. في الدقة اللاهوتية نحن مولودون من المعمودية ولسنا مولودين منك الا اذا قلنا اننا لما كنا في المسيح عند ولادته رجونا ان نجيء منك. فأنت مع كونك والدة السيد في الجسد جئت منه بالروح القدس ونحن في صورة سرية ننحدر من احشائك. لا يفهم هذا الا من تمرس في الحياة الروحية ونما في الذوق الالهي. وكل مقاربة اخرى باطلة.

أنت تلديننا بعذريتك والعذرية وحدها تلد. والمراد بهذا انك ان جئت فقط من الله فأنت أُم لذرية جديدة هي ذريته. عندما نقول ان العذرية وحدها تلد نريد بها عذرية الروح اي مولوديته الوحيدة من الله. من جاء من غير الله لا يلد. لا يلد الا الذين «وُلدوا لا من دم ولا من رغبة جسد ولا من رغبة رجل بل من الله» (يوحنا 1: 13). الذين يضعون أولادا من أجسادهم هم ككل الكائنات الحية. اما المولود من الله فيلد ناسا إلهين.

الأجساد أجساد. اما من جعلته النعمة ابنا لله فهو مولود من فوق أي ليس من جسد أمه.

مريم تعلمنا اننا نقدر ان نولد من جديد بلا أب وبلا أم، بمشيئة النعمة وان نبقى في الحضن الإلهي. نحن لا نحتاج الى نزعة انثوية فينا لنقيم لمريم مكانة عظمى في نفوسنا. نحن نحتاج الى بتولية الروح اي الى الانضمام الكلي الى الله بلا شرط ولا إضافات عليه. ان اللقاء بالله وحده هو الذي يؤهّلنا لنجعل لمريم مكانة علينا في نفوسنا وهي التبتل لله وحده. التبتل له لا يعني العذرية. انه يعني الانضمام اليه بلا شرك ولا انصهار. بلا شرك بحيث لا نجعل احدا مع الله وبلا انصهار لأن الله لمحبته ايانا يريدنا امام وجهه لا ذائبين فيه.مريم امام المسيح لا تطوعه ولا تطوعنا. ليس في الحب تطويع. انها هادئة، محبة، حاضنة. لذلك نرجو ان يفهمنا اولئك الذين يشكون بأن المسيح عندنا هو المعبود الوحيد. ان يكون السيد لنا كل شيء لا يفضي الى إقصائنا احباءه من حوله. هم لا يضيفون اليه بهاء. هم يكشفون بهاءه.

كل القول اننا نعبد مريم حكي يحكى. نحن لم نكتشفها حقا الا لكونها مختارة الله. ليس لها وجود ازاءه. لها وجود معه اي منه وبه. فمن احبه يحبها ويتعظ بها. من ذاق المسيح حقا يحب مريم ويجلّها ويبجّلها. هذه اشياء متماسكة ان كنا عالمين.

محبتك للمسيح مشعة. هو لا يفصلك عمّن أحبهم. وهو احب امه وتلاميذه. فأنت مخلص له ان أحببتهم. نحن لا نكلّمهم في صلاتنا الا لأنهم هم يكلمونه. نحن لا نخترع صلة روحية بيننا وبين القديسين. هو اخترعها. نحن ورثناها. فاذا شعرنا بمريميّتنا لا يضعف ايماننا بانتمائنا الى الوسيط الوحيد بين الله والناس الذي هو يسوع المبارك.

Continue reading
2013, مقالات, نشرة رعيتي

الأقوياء والضعفاء/ الأحد 11 آب 2013/ العدد 32

لا يجوز أن يفتخر القويّ على الضعيف، فكل قوة روحية عندنا هي من الله. ولا نعرف سر انحرام الضعيف من القوة. لا يحق للضعيف أن يكتفي بضعفه ويعزّي نفسه بقوله انا هكذا. عليه أن يسعى الى ما هو أحسن لأن موهبة الله لا تنزل علينا آليّا إنما تعمل فينا بمؤازرتنا.

في أية حال كنا عليها، نسعى لأن الترقّي ممكن في كل حال. ليس هناك ذروة نبلغها. هناك دائمًا ذروة أعلى حسب قول الرب “كونوا كاملين”. وان لم تكن هناك حالة كمال قصوى، فنحن مدعوّون إلى أن نتخطّى كل وضع نكون فيه إذ هناك دائمًا الأفضل. لم يضع الرب حدًّا للكمال في السعي، في دوام السعي إذ المُبتغى أن نبلغ الله الذي فوق كل سعي.

كلمة الرجاء التي يذكُرها الرسول في هذه الرسالة تعني أن هناك دومًا مستوى أعلى من الذي وصلنا اليه علينا دائمًا أن نطلبه لنتفوّق على الحال التي نحن عليها، اذ لا يجوز ان نتجمّد في الموضع الروحي الذي وصلنا إليه. الوضع الذي يطلبـه الـرب إلينا هو ليس فقط وضعا الى الأمام، الى المستقبل. انه قبل كل شيء، الوضع الذي يريدنا الله أن نسعى اليه.

وليس المعنى أن الأفضل وضع المستقبل ولكن المعنى أنـه الحالـة هي التي يـريـدنـا الرب أن نكـون عليها. وهذا يتطلّب كما تـوحي الـرسالـة “رجـاء وصبـرا”. والرجاء أن نعمل مع الرب، والصبـر أن نستـمـرّ على العمل معـه. فكـرة العهـد الجـديـد أننا شركاء الله في عمله فنُثمر النعمة التي يعطينـا. نحن لا نتلقّى النعمة وننتـظـر أن تثمـر من ذاتها اذ انها تثمر بقبولنا إياها اي بسكب ما فينا من قوى لنلبّي إيحاء الرب لنا فنكـون وإيـاه واحدًا في العمل. نحن بطاعتنا نقـدّم له مواهبنا، وهو يُثمرها، فيكون كل منا، اذ ذاك، شريكًا له. الله لا يغتصبنـا. ينتظـر تلبيتنـا نـداءه وأن نعمـل معـه. لا يعطّـل الله عقلنا ولا يجعل عقله مكان عقلنا. وإذا قلنا ان الرب يُلهمنا، نريد أنه يعمل من خلال إرادتنا.

نحن في الطبيعة شركـاء اللـه. نصبح هكذا بنعمتـه، اي نصبـح بها أقـوى مما كنا وأنجع. الله لا يلغينا. هو يمدّ بنعمته بشـرًا موجـودين. هو يريدنـا معـه. من المسيحية الإيمان بأننا شركاء الله. لقد تنـازل الله الينا في سر تجسّد ابنه ورفعنا حتى نُتمم خلاصنا معـه وبه. هو يخلّص ناسًا موجـودين ويريدهم أن يحفظـوا ذواتهم لا أن يلغـوا ذواتهم، ولكن لا ذات لهم خارجـا عن عطائـه. لا يريد الرب أن يعمل هو كل حياتنـا. يريد هذه آتية من حياته، ولكن يريد لنا وجـودًا ذاتيا وأن نتخذ بعضُنا بعضا. ليس أحـد مع الآخـر إن لم يكن مع الله. أنت لا تكون مع أخيـك ما لم تكـن اولاً مع ربك. معيّتك معه هي التي تجعل لك معيّة مع أخيك، وهو إذ ذاك يراك واحدًا معه.

إن تقوّيت انت به ُ. وحدك لست بشيء. معه تصبح ذاتك حقًّا. لا يمكنك أن تُكمل نفسك وحدك. إن لم تُرِدْه شريكًا لك لا تصل الى شيء. به انت قويّ.

Continue reading
2013, مقالات, نشرة رعيتي

المواهب / الأحد 4 آب 2013/ العدد 31

نعمة الروح القدس تعطينا مواهب مختلفة يذكر الرسول أوّلها وهي موهبة النبوّة. هذه لا تعني كما يظن الكثيرون موهبة الكلام على المستقبل. هذا جانب منها. انها تعني إيصال كلمة الله عن الحاضر اولاً اي تُبدي ما يطلبه الرب من الكنيسة الآن.

الرب يعطي قوة الخدمـة للقادر على الخدمـة وهي أولاً إعانـة الفقـراء. ثم هناك من وَهبه اللهُ التعليم وفي عصر الرسل هو تعليم الإيمان كاملا اي في كل أقسامه. هو يختلف عن الوعظ الذي يستند الى ما يُقـرأ من الكتـب المقدسـة ولا سيما نصوص العهـد الجديد. اما في الوقت الذي كُتبت فيه هذه الرسالة، فالأناجيل لم تكن قد دُوّنت، ولذلك كان يستند الوعظ على كتُب العهد القديم وربما على ما كتبه بولس قبل رسالته هذه مثل الرسالتين الى أهل كورنثوس. ونحسب أن ما قرأه أهل كورنثوس من بولس وزّعـوه على كنـائس اخرى. هذا كـان طبعًا على أساس أن ما استلمته إحدى الكنائس خصيصًا لها كانت تشعر أن عليها ان توزّعـه على كنـائس اخرى. وهكذا بمرور الوقت، صارت كل كنيسة في القداس الإلهي تقرأ على المؤمنين ليس فقط ما استلمته هي على وجه التخصيص ولكن تقرأ ما أَخذَتْه عن كنائس اخرى. فما من شك مثلا أن كنيسة كورنثوس التي استلمت من الرسول رسالتين وزّعتهما على الكنائس المجاورة. وهكذا باتت كل كنيسة تقـرأ ما استلمته هي من الرسول ومن تلك التي استلمتها كنائس اخرى وهذا كان يتم بالتـوزيع.

الواضح أن بولس تكلم عن مواهب مختلفة. فالخدمة (الاجتماعية) موهبة، والوعظ موهبة اخرى. وغالبا ما كانت كل كنيسة تحصل على المواهب التي استلمتها كنيسة اخرى. فالخدمة لم تكن محصورة في كنيسة واحدة، وما كان الوعظ محصورا، ولا الصدقة محصورة، ولا الإدارة. كلها مواهب وزّعها الروح القدس على كل الكنائس. ولكن في كل كنيسة من وهبه الله موهبة التعليم ومن وهبه مشاركة الفقراء. وتكون هكذا هذه الكنيسة تمتاز بقوة التعليم وتلك بموهبة العطاء. ومع الوقت صارت كل مواهب الروح القدس تنزل على كل كنيسة، فتظهر هكذا مثلا كنيسة الاسكندرية مُحبة للفقراء وكنيسة القسطنطينية قوية بالتعليم. «الروح يهُبّ حيث يشاء» ويوزّع المواهب كما يشاء.

كل المواهب تأتينا من المحبـة ويهـب الـروح القدس هذه الموهبـة لهذا وتلك الموهبـة لذاك كما يرى هو. والروح الإلهي فعّال في هذا بطريقة وفي ذاك بطريقة. والطرُق مجتمعة تكشف عمل الروح في هذه الكنيسة او تلك.

ما يؤكده بولس بعد كلامه عن المواهب أن المهم أن نكون «حارّين بالروح (اي بالروح القدس الساكن فينا)، عابدين الرب» بقلوب طاهرة لا بالشكل الظاهر، مجتهدين، صابرين، مواظبين على الصلاة، «مؤاسين القديسين (اي الفقراء) في احتياجاتهم». هكذا كان بولس ينعت الفقراء بالقديسين لأنهم أَعطوا نفوسهم للرب. وكان يهمّه جدا إضافة الغرباء الذين يجب ان يشعروا انهم إخوة.

Continue reading
2013, جريدة النهار, مقالات

الحياة الجديدة / السبت 3 آب 2013

كل كتابة حاجة لشعورك بأنك موجود اذا سمعك ناس. طبيعة الإنسان شراكة. كل منا يشعر انه مواجه (بالفاعلية والمفعولية). ليس من فرد مغلق. أنا أفهم تأكيد الثورة الفرنسية للفرد اذ رفضت التبعية للملوك ولكنها أكدته قائما في الجماعة. الجماعة ليست الجمهرة. انها التلاقي أي وجود واحدنا في اللقاء. اللقاء ينعت الواحد، يؤكده اذ ليس أحدنا قائما الا مع الآخرين وبهم. ذلك انك وجه، أي في حالة دائمة من المواجهة.

الآب عندنا يؤكد الابن وروحه والابن يؤكد الآب. الثالوث ليس تراكما. هو مواجهة ولذلك كان حبا وكان وحدة. الكاتب من اضطره داخله إلى الكتابة، من ينوجد اذا قال. أنت تكتب لمن أحبك والا لما فهمك أحد. ما من وجود الا بالتلاقي. هذا ما يسميه المسيحيون الكنيسة. ما من حياة بتراكم الأفراد. أنت تحب أو أنت تصطدم وكلاهما لقاء. أنت لا تبغض الآخر الا لأنك تؤكده. وقبل ان تمحوه تقر به. البغض اعتراف بالآخر على طريق الموت أو في استمرار الحياة. القبول أو الرفض كلاهما اعتراف لأن الحياة شركة تريدها أو تبغضها ولكنها قائمة من حيث هي شركة.

لا يحيا احد في عزلة. من اعتزل يعتزل عن ناس يكرههم أي يعترف بوجودهم. من قتل لا يقتل الا لشعوره بأن المعد للقتل يتمتع بوجود هو يكرهه. كلمة جماعة ذات مفهوم نفسي أو إنساني لا تجد مدلولها بكلمة مجتمع التي تفيد، عادة، العدد. الناس ليسوا عددا. بينهم إنس أي تعارف وهو الإيمان بشيئين بإستقلال كل وجه وباجتماع الوجوه.

الإنسان وجه يَرى (بفتح الياء) ويُرى (بضم الياء) أي انه مع ناس يتلاقون. البغض نفسه تلاق على نوع. الناس غابة، الفرق بينها وبين غابة الشجر ان هذه لا تعي وتلك تعي تلاقيها. الإنسان السوي من عرف انسانية الآخر أي فرادته وقيمته وقدرته على العطاء. والمعطون متلاقون وأحيانا متحابون. المجتمع ليس تراكما. انه اتحاد بل وحدة.

ليست الوحدة وصية فقط. انها وجود في طبيعتنا. لذلك كنا في مفهوم القرآن أمة وفي المفهوم المسيحي كنيسة وللكلمتين مدلول واحد. والمجتمع الذي لا يصبو إلى ذلك شرذمة. المجتمع ليس معطى الا ابتداء. انه يصير بالحب والا كان ركام بشر لا هوية لهم.

يصبو المجتمع ان عرف طبيعته ان يصير كنيسة ولا أريد بها حصرا مدلولا مسيحيا ولكن كل كيان عضوي ينزع إلى وحدته في الحب. خارج الحب إحصاء. كل مجتمع مشروع لقاء للقلوب والا كان مجموعة مهن. الناس اذا انفردوا غابة بشر. لا يصيرون مجتمعا الا اذا تلاقوا بمقدار من المحبة فالتعاون. فكرة النقابة العصرية تقوم على مشاركة أبناء المهنة الواحدة. فكرة التنافس نفسها غايتها التعاون، والارتقاء من أجل التعاون. تلاقي أهل المهنة الواحدة في سوق واحدة في القرون الوسطى الاوربية أو عندنا ليست قائمة على التنافس ولكن على المشاركة. وابتغى الناس من وراء التنافس التعاون.

النقابة ولو تضمنت فعليا التنافس بين أهل المهنة انما تسعى إلى جمع المهارات لإبراز المهنة وما وراء ذلك التعاون. شرط التعاون المحبة التي هي الاعتراف الأساسي بضرورة الآخر لك، لحياتك ولشعورك.

كل هذا الكلام يعني المشاركة التي في عمقها تعني انك موجود اذا أحببت. بكلام آخر أنت قائم بالآخر، مصون بوجهه اذا رأيته واذا رآك. أنت اذا أنكرت نفسك وأحببت أي اذا سكبت نفسك في الآخر تنمو والآخر ينمو. ليس انك تنكر وجهك ولكنك تعي ان وجهك قائم ليرى الآخر وليراك هو. ولتصيرا حسب منطوق الكتاب «جسدا واحدا» وفي اللغة الحديثة وجودا واحدا.

أنت تحب اذا رأيت نفسك قد جعلت الآخر يسعى إلى الله في كل إنسان. أنت تحب للآخر ان يصبح كما يجب ان يكون أي قائما في الحب لكي يبيد أنانيته. من أحب نفسه فقط يموت في أناه المنغلقة. من أحب الآخرين لما يجب ان يصيروا يذهب بهم إلى الأسمى المشتهى ويصير هو نفسه إلى هذا المشتهى.

ما لم يكن تحركك إلى الأسمى تكون في تحرك حول ذاتك فلا تنتج شيئا. ما فوقك يعطيك أي ينزل عليك نعمة.

عندما يدعوك الإيمان إلى ان تنسى نفسك هو لا يدعوك إلى إهمالها ولكن الا تموت في الشغف بها. يريد انك ترفض تقوقعها لتسمو بها إلى معانقة كل النفوس بالله وفي الله. ذلك انك تتحقق بالرب الذي يفوقك، تمتد، تطول. هذا هو الخروج من الاختناق بالأنا. هذا هو معنى كلام السيد «من أراد ان يخلص نفسه يهلكها ومن اهلك نفسه من اجلي يجدها» (متى 16: 25).

أنت موجود بالآخر بمعنى انك ان درت حول نفسك تختنق. أنت غير موجود بتأكيد نفسك. أنت موجود برؤيتك الآخر وتكونك بهذه الرؤية. أنت موجود بخروجك من رؤية وجهك بالمرآة ورؤية الآخر كما يراه الله أي بالمحبة. كل ما كان غير رؤية المحبة للآخر استيلاء عليه.

يوجد الإنسان بما يعطي لا بما يأخذ الا اذا أخذ بالحب. الناس معية بمعنى ان كلامنا يعطي ويعطى. بلا هذا التبادل ليس من مجتمع. المجتمع هو التلاقي وفي أعلى مراقيه هو الحب. التراكم مشروع دولة ليس مشروع محبة بحيث انك لا تأخذ حقا الا اذا بذلت نفسك. وما طلبه الله بفم مسيحه ان تعطي حتى النهاية أي ان تبذل حياتك ليحيا الآخرون فيحول عطاؤك تلقي حياة جديدة لك وظهور الله بك.

Continue reading