إلى الأب الياس (عوده) / الأحد 20 تموز 1969
وجهت إلى الأب الياس (عوده)، بمناسبة رسامته الكهنوتية.
غدًا عيد شفيعك وإنك لتستقبله وأنت كاهن منذ أيام. ولقد رفعوك إلى هذا المقام لأنهم قرأوا الحبَ على محيّاك، ذاك الذي رسمَتْه فيك الكلمة تتعلّمه منذ الطفولة أخلاقًا من متّحد بارّ وكتابًا مقدسًا مع شبيبة كنيستك.
ماذا أقول لك وأنت شببت على غيرةِ إيليا ولطفِ الانجيل بآن معًا ولم يحرمك طلب المعرفة أن تدرك أن الأنقياء وحدهم يعرفون فتابعت. في المهجر، تتلمذت على التواضع وآثرت، وأنت هناك، أن تتبتل لربِّك لا يشاركك فيه حبيب. وجعلوك منذ الآن في الرعاية وأنت على شيء من الفتوّة لأن الأبناء جياع وليس مَن يعطيهم خبزًا.
ستكون أنت طعامهم. سيأكلونك ولكنك قبلت أن تكون ذبيحًا وأن تقتلك كنيسة الله. سوف تتدارس الكتاب كل يوم فلا بد لك أن تعكف على القراءة حتى تنقضّ عليك إلهامات توزّعها في الأحياء على الناس. ولا بد لك أن تصلّي بعنف لئلاّ تغترّ وتخدعك شهوات الصبا. وما أهون انزلاقك إذا تملّقوك أو نمّوا عليك. إياك أن تُفسد الخدمة بالتحكُّم أو الانتقام. فالأصغرون عندك الأكرمون. وأمّا وجه ربك فابغَ، فله وحده الحكم ووجوه الناس تراب. وإذا أنت أَحببتَ ملَكْت، وإذا أبغضت أَهلكت وأنت في يوم الدين مسؤول عمن يهلك بغفلتك.
ومن تجاربك كثرة العلم. فقد تقضي ساعات بين الكتب تستمتع بالإلهيات والمؤمنون حولك عطاش إلى تعزية. أنت أولاً ماسح دموع وغاسل أرجل. وإذا ذبت هكذا أمامهم يعود ربك إليهم حضرة سماء.
ولكن الكلمة لا تذوب. ينبغي ألا تنقطع في فيك. قُلْها ولو توانى القلب دونها فهي أيضًا تُرجع قلبك إلى الله. كلامه يربِّيك أولاً، يربِّيك كالسوط. قُلْه لتأمن وقُلْه علّهم يرجعون. قُلْه سنةً بعد سنة وموسمًا بعد موسم ولو رأيت الخطيئة تُلازمهم كالعلق. المهم أنك أنت لن تنجو ما لم تتكلم. وهم أُوكِلَتْ أمورهم إلى هذا الذي دعاك من الظلمة إلى نوره العجيب.
إنجيل المسيح مبرح. لا تخشَ النزف. اجرح والطف فأنت طبيب لا نديم. أنت رفيقهم إلى ملكوت يحقّقون فيه أنفسهم ولست قاعدًا هنا لترتزق. قد يمجّونك في البدء، فالانسان فيما آل إليه من فساد ليس أليفَ الكلمة، ولكنك أنت سلّطْتَها عليك لتندمج فيها، لتصبحها ولسانُ حالك ما دَوّى به شفيعُك إلى الأبد: «حيٌّ هو الله الذي أنا واقف أمامه». إن بقيتَ على هذه الوقفة أو عدت إليها بعد تكاسُل فالحياة بين يديك أضحت وديعةَ إلهٍ وأنت في مواكب الذين يفتدون الزمان ويسوقون الأرض إلى الفردوس.
السرّ في قداستك. والقداسة ليست طهريةً ملائكية. فمن كان ذا يدين فلا بد له أن يمسّ الأرض. ومع ذلك لا يرضى سيِّدك عن القداسة بديلاً فلا شيء في الدنيا يُضاف عليها. إنها الوجود كله وأبعاد الوجود. إنها تعني أنك لا ترضى معايشة الإثم لا فيك ولا في غيرك، أنك بالتالي جريح إلى الأبد ولا سيما أن الإنجيل جعلك حسَّاسًا إلى حد التمزُّق المستمرّ. ولكن إن تيقّظتَ ولم تُهمل محبتك الأولى، إن عُدْت إلى حرارتك بعد فتور واستغنيت عن المطربات واحدة واحدة فأنت مطيع لهذا الذي أَسلمتَ إليه في تواضع قلبك وانكسار الروح. ما عدا ذلك باطل وقبض الريح.
ستبقى، عامًا بعد عام، سالكًا في الإيمان إلى أن تشيخ. في الايمان قلتُ لأنك لن ترى الملكوت يسير قدُمًا وأنت عالم أن «حياتنا مستترة مع المسيح في الله». في زمن الكهولة سوف تضطرب. سوف تُعاين أن كل شيء حولك ينهار والعزلة حولك وفيك رهيب. رُكيعات الليل في غرفةٍ ستكون وحدك فيها والكأس المقدسة إذا تناولتها في استغفار حق، ستكون واحتك في الصحراء التي اخترت أو التي اختارها لك مَن يعرض علينا الصليب.
قم إلى المذبح غدًا واختطفنا معك إلى السيد. هات الخبز والخمر لئلا نموت. شكرًا لك يا الياس.
Continue reading