مفرقعات الأعياد / الأحد 7 أيار 1967
لم يمت الإله الوثنيّ فينا، ولم نتجاوز ذاك الذي كان يظهر بالبرق والرعد. وعندما كانت الإنسانيّة تتصوّر ربّها على هذا الشكل الناريّ، إنما كانت تلتمس فيه شهوة العنف التي فيها. والغرائز متأهّبة دومًا للتفلّت. ومن مظاهر انفلاتها، الرصاص والمفرقعات التي يستعملها شبّان، صاحون أو سكارى، عملاً بالمادة 6 و6 مكرّر. والحقيقة أن الخلاف ليس بين المسيحيّة والإسلام بل بين الطوائف – الأحزاب، بين مجوسيّي الإسلام ومجوسيّي المسيحيّة، لأنّ المتعبّد للنار مجوسيّ إلى أيّة ديانة انتمى. فالوثنيّة لا تنقرض. حسبنا الإهمال لتعود قويّة تتحكّم بمن يوحّد الله تحكّمًا شرسًا. والله ظرف من ظروف الرجعة الوثنيّة وشهواتها. والناس سذّج إذا سمّوا لهيصة ابتهاجًا. والذي يخدع البشر مجرّد قيام «الهرج والمرج» يوم التعييد، فيحسبون أنّ العيد مرتبط بالتهييص. والحقيقة أن الرغائب الحيوانيّة تتدفّق في المواسم، لأنّها تستحيي أن تظهر بلا مبرّر. تصطنع التبرير، فتطلي الشهوة بشاعتها بمسحة من تقوى. وبعض التقوى نافع للخطيئة في قحتها.
والمصيبة أنّ المفرقِعين ومن يتساهل معهم، لهم لغة، وللمؤمن الحقّ لغة أخرى. المؤمن يذهب إلى الله ليلقاه في التواضع والسلام، ليُسكت كلّ شهوة في حضرته. واللاعبون بالنار يؤمّون ساحات المعابد ليلعبوا. إنهم طلاّب لذّة. والذين لا يحتجّون عليهم إنما يتسلَّون بتسليات أولئك. يترفّعون بسبب من رهف وتهذيب. ومع ذلك يحبّون أن يلعب ولدان الحيّ البالغون بهذه الدمى. المهذَّبون لا يفقدون يدًا ولا عينًا ولا حياة. لا يفهمون إذا شرحنا لهم أنّ هذا كلّه يقضي على العبادة إداء وسماعًا وخشوعًا، كأنّ أحدًا لا يهمّه جديًّا أن تكون الأعياد تقديسًا والمواسم معارجَ إلى السماء. كلّ موضوع الله وقضيته ملهاة لكلّ هذه الجماعة الراضية عن هذا السيرك.
مذهلة هذه الفوفاشيّة التي نواجه فيها المهزلة. فاللاعبون في السيرك يعرفون كلّهم قواعد اللعب. أمّا المتفرّجون فلا يعرفون. المصلّون الذين يتغاضون عن الرصاص لا يدركون أنّ مَن تسمح له بالنار إنما يستزيد. ولذلك من تكلّم عن توجيه هذه التظاهرات أو تحديدها أو حصرها في وقت معلوم إنما يهذي. منطق النار أن تبقى، أن تلهب، أن تلتهم الدنيا. النار تجعل في نفس القابض عليها نشوة. ولها عشّاقها المدمنون. وإذا كانت الزقّ هنا فكيف يرتدع السكير، أو كان الرصاص وما إليه بمتناول اليد فمن يقمعه؟
لذلك يجب ألاَّ يُباح دخولها إلى ساحات المعابد أو داخلها. السلاح يدنِّس الهيكل. والنار دائمًا سلاح الشيطان، وسيلة مجنونة تعطل الشعائر. والدولة، بتغاضيها، مسؤولة عن هذا التعطيل. والمصلُّون الودعاء ليسوا شرطةً ليقمعوا بدائيّة هوجاء تنتهك حرمة مقادسهم. القانون الجزائيّ يحرِّم التعدي على العبادات. أيّ التعديات أقوى من هذا؟ القيّمون على الحياة الروحيّة لا يستطيعون أن يشوا بأحد ولو أساء إلى ربهم، وقد لا يطاعون إذا نبّهوا ولاموا. السلطة المدنيّة مسؤولة، أكانت الأدوات المستعملة مرخَّصة أم غير مرخَّصة. المادة الجزائيّة هنا ليست حمل أسلحة أو متفجرات. فقد يدوي المسموح به ويعطل الصلاة. الدولة تستطيع أن تبتر. إنّها تستطيع أن تحمينا من العدوان، من عدوان أبنائنا. فقد تكون نيّة ابنك حسنة إذا جاء ليقتلك. هذا لا تبحث أنت فيه، ولكن تتمسك بحياتك. الشبّان الصاحون أو السكارى، وكثيرًا ما يكونون لطفاء خارج معركة المعابد، هؤلاء بأطيب نيّة أعداء حريّتنا الدينيّة. يمنعوننا من الوصول إلى إلهنا. سِيركهم يجب أن نطرد أو ننكفئ إلى البراري لنصلّي. فما دامت النار في حرم كنائسنا نحن في حالة اضطهاد.
Continue reading