أحد توما / الأحد 26 نيسان 2009 / العدد 17
هكذا يسمّى الأحد الذي يلي الفصح في اللغة الكنسيّة والشعب يسمّيه الأحد الجديد. القراءة تحكي عن ظهورين للسيّد، الأوّل الفصح مساء، والثاني أسبوعا بعد الفصح، وفي هذين الوقتين كان التلاميذ مجتمعين في مكان واحد. في هذين اليومين يحيّيهم المخلّص بقوله “السلام لكم” وهو الذي قال عنه قبل موته انه سلامه. وبولس يقول عن المسيح انه هو السلام (أفسس 14:2). عشيّة القيامة يقول لهم خذوا الروح القدس وذلك قبل أن تحلّ العنصرة، ثم يقول: “مَن غفرتم خطاياهم تُغفر لهم ومن أمسكتم خطاياهم أُمسكت”. رأت الكنيسة أن هذا الكلام يؤسس سرّ التوبة (الاعتراف) من حيث ان غفران الخطايا ثمر القيامة. العمادة ايضًا تغفر الخطايا للبالغين المهتدين الى المسيح. كذلك البشارة اذا قَبِلها الإنسان بصدق وتوبة.
عند الظهور الأول لم يكن توما مع التلاميذ وأطلقت تسمية الاثني عشر عليهم مع ان يهوذا كان قد مات. توما لم يكن اذ ذاك، فقال عند رجوعه الى البيت: “ان لم أعاين أثر المسامير وطعنة الجنب لا أؤمن”. في الظهور الثـاني كان تومـا معهم، وعنـدما تراءى لهـم السيّد قال لتوما: “هاتِ إصبعك الى هنا وعاين”. فلمّا عاين ما كان يريد ان يعاينه قال “ربّي وإلهي” اي “انت ربّي وإلهي”.
في الأصل اليوناني الكلمتان معرّفتان وليس في النص التباس لأنّ اليهود ليس عندهم أرباب كثيرون وآلهة كثيرون. المعنى اذًا هو انك انت هو الربّ والإله. ليس من إيمان بربوبيّة المسيح وألوهيّته أبلغ من هذا.
الأمر المهم الثاني أنّ أثر المسامير في اليدين وأثر طعنة الحربة في الجنب يدلاّن ان الذي ظهر هو اياه الذي عُلّق على الصليب، وليس هنا من احتمال تخيّل كما يقول بعض أعداء إيماننا في الغرب. أراد يسوع أن يقدّم برهانا قاطعًا على أنّ الذي ظهر للتلاميذ المجتمعين مع توما هو الذي صلبه اليهود وقام. الظهور يدلّ على انّ هذا الذي مات ودفنوه هو اياه الذي خرج من القبر.
ليس في الإنجيل وصف لتحرّك جسد المسيح في القبر او انتعاشه بالمعنى الطبي. الإنجيليون اكتفوا بحادثتَي الصلب والدفن وبحوادث الظهورات. الانتقال من الدفن الى الظهورات هو القيامة.
ان شهادة توما من أقوى الشهادات على القيامة الحقيقيّة الفعليّة، وعندي انها أقوى شهادة لكونها مبنيّة على لمس التلميذ لجسد السيّد.
صح ان السيّد يطوّبنا نحن الذين لم نشاهد المسيح قائما، ولكننا أخذنا عن الشهود العيان، وأهميّة الإنجيل من حيث هو وثيقة ان ثلاثة إنجيليّين (ما عدا لوقا) كانوا شهودًا للحوادث. أهميّة الإنجيل للمؤمن ولغير المؤمن انه وثيقة دوّنت حوادث شوهدت، وكتابته انتهت قبل انصرام القرن الأوّل (يوحنا هو الأخير). لك الحق ان تؤمن بالعقيدة التي يحتويها الإنجيل وألّا تؤمن، والايمان نعمة من السماء وليست نتيجة العقل المحض. ولكنك لا تستطيع ان تنكر ان الشهود الذين كتبوا كانوا معاصرين للمسيح.
ويؤكّد يوحنا في آخر هذه القراءة ان غاية الأناجيل هي ان “تؤمنـوا بأنّ يسـوع هو المسيـح ابـن الله وأن تكون لكم اذا آمنتم حياة باسمه”. الايمـان ينـزل عليك هبة مجانية، ولكنه مسنود الى وقائع جرت ووصفها ناس عاشوا في زمن المسيح.
Continue reading