القاعدة الاخلاقية / الأحد 28 آذار 1993 / العدد 13
يدور في اذهان الناس ان الوصايا العشر تحتوي كل الاخلاق المسيحية. الحقيقة انها نموذج وان ثمة خطايا كثيرة لا تذكرها هذه الوصايا. اضف الى ان الوصية الثانية: «احفظ يوم السبت لتقدّسه» هي امر طقوسي يهودي ولم نبق مرتبطين به فالرب بقيامته حررنا من يوم السبت. وإقلاعنا نحن عن العمل يوم الاحد ليس وصية الهية. هو ترتيب كنسي، والاصل فيه إقامة القداس الالهي. في العهد القديم نفسه القاعدة الاشمل هي هذه: «احبب الرب الهك حبك لنفسك» (لاويين 19: 18). هذه اتخذها يسوع: «احبب الرب الهك بكل قلبك وبكل نفسك وبكل ذهنك. تلك هي الوصية الاولى والكبرى». وبعد هذا اضاف: «والثانية مثلها: احبب قريبك حبك لنفسك» (متى 22: 37-40). ثم في إيجاز كلي يقول: «بهاتين الوصيتين ترتبط الشريعة كلها والانبياء». الاخلاق في تعليم يسوع هي المحبة.
ولكن ما الرباط بين هذه الوصية الجديدة والوصايا العشر؟ هنا يوضح بولس: «مَن احب غيره اتمّ الشريعة». فان الوصايا التي تقول: «لا تزنِ، لا تقتل، لا تسرق، لا تشته» وسواها من الوصايا، مجتمعة في هذه الكلمة: «أحبب قريبك حبك لنفسك”. فالمحبة لا تُنزل بالقريب شرًا، فالمحبة اذًا كمال الشريعة» (رومية 13: 8-10).
قد يبدأ الانسان بالمحافظة على الشرائع ثم اذا عرف يسوع يفهم ان قدرتنا على إتمامها تأتي من نعمة الله. فحتى لا تكون الوصايا سيفًا مصلتا فوق رأس الانسان ينبغي ان تنبع من القلب الذي استضاء بنور المسيح. هذا هو العهد الجديد الذي تحدث عنه ارمياء بقوله: «وأُسكنهم في الطمأنينة، فيكونون لي شعبًا وأكون لهم إلهًا، وأُعطيهم قلبًا واحدًا… وأقطع معهم عهدًا ابديًا اني لا ارجع عنهم» (32: 37-40). فلكون الروح القدس ساكنًا فينا ونعرف الطمأنينة التي لنا من الله ننفّذ كل كلمة منه. فاذا صارت كلمة فينا تنبع هي بالعمل الصالح.
نحن صرنا في ملكوت المسيح وفي سيادته علينا، في ذوقنا لحبه لنا نعمل ما يرضيه وهذا يعطينا الفرح. عند ظهور الملكوت بالمسيح اعطانا يسوع شرعة الملكوت المكثفة في انجيل متى في ما يُسمى عظة الجبل الواردة في الاصحاحات ال5 والـ6 والـ7 وما يقابلها في انجيل لوقا.
هذه تبدأ بالتطويبات: «طوبى للمساكين بالروح». يسوع لا يأتي بشريعة لا يعرف العهد القديم اصولها. انه جاء ليكمل تلك. ان يسوع يحقق النبوة ويصل بها الى كمالها. يجعلها ممكنة بالحب الذي هو اعطاه. يسوع يملأ الشريعة القديمة ويربطها بسر الحب. كانت وصية فوق الانسان. الآن تأتي من الانسان الذي أسلم نفسه للسيد.
يسوع يصل الى الجذور. «سمعتم انه قيل للأولين: «لا تقتل…» أما انا فأقول لكم: مَن غضب على اخيه استوجب حكم القضاء». كذلك: «سمعتم انه قيل «لا تزنِ،» اما انا فأقول لكم: مَن نظر الى امرأة بشهوة، زنى بها في قلبه». المسألة ليست ان نمتنع عن شيء خارجي بل ان نطهر القلب كي لا يميل الى السوء.
من هنا ان الاخلاق المسيحية تقوم على ترويض الانسان نفسه على ان تحب السيد وان يراقبها حتى تمتنع عن الخطيئة وتحب الخير. اذ ذاك، الوصايا تنبع تلقائيًا من القلب المتطهر.
Continue reading