صلاة أمام المصلوب / مجلة النور – عدد 3 – 1970
يا سيدي، يا من علِّقت في صميم الوجود، انك لقد جرحت الإنسان جرحًا أبديًا بعد أن علّمته ان الحياة موت في سبيل من أَحبّ وقد قلت ذلك جسدًا يُكسر ودمًا يراق.
يا شهيد الصدق في عالم الخداع، يا صفعةً لفريسيّي الدهور تعال الينا لنصمد في وجه النفاق وسلاحنا إلى الأبد وداعة إنجيلك وذلك الصبر العظيم الذي يجعل النفس تطمئن إلى ربها فيما يؤذيها شر هذا العالم.
لقد كنت تَعلم علم اليقين أن الإنسان ذئب للإنسان، وعلى ذلك شئت ان تكون حَمَلاً. لم تعوزك معرفة الماكرين وقد مرمروك، ولكنك واجهت دهاءهم ببساطةٍ يذوقها فقط عشراء الله.
غفرتَ فغلبت. عطاؤك سحر. ولا يستطيع احد ان يردّه فانك تحب النفس. من يقدر ان يقاوم بذلاً كهذا؟ انك تريدنا لك بالكلية، والحق اننا ان كنا لك بلا شرط ولا تحفُّظ فانك تعيدنا إلى حريتنا، إلى تلك التي تجعلنا على حدود الكون.
من ارتمى فيك ناسيًا ما هو له يجد فيك اعماق نفسه، هويتها ويلقى الآخرين لقاء الصفاء. انك المكان الوحيد الذي يُحَبّ فيه الناس حيث هم، كما هم. من رآك في كل حين يحلّ فيه لطفك ويوسَمُ بجراحك حتى يسكر يومًا فيومًا، حتى يُميل الرأس ويُسلم الروح.
يا ضحية خطيئتي، يا منبعثًا من جوف ظلمتها، هذه الخطيئة تحزّ في اللحم والعظام وتئن منها الأنفاس، أعطنا ان نؤمن ايمانًا لا حيرة فيه. انّ تَحوُّلنا إليك صار ممكنًا بسبب هذا الذهول الذي يعترينا إن نحن استقصينا أبعاد فدائك. الله خطفنا مرة إلى الجلجلة. لا يستبقينا شيء آخر في هذه الدنيا. أنت ثابت وكلمتك. كل شيء عابر ما خلا وجهك المنير الذي غدا محجتنا. قد رُفعتَ على الخشبة وأطلقت منها الروح في أرجاء دنياك.
يا سيد الحياة، بعد ان بسطت ذراعيك على الصليب، بات الكون كله مضمومًا إليك. مذ ذاك يعانقك كلُ جلال وكلُ حق وكل طهر وأنت مستقطب الأنّات وإليك تَهفو كلُ خلجة فقد أصبحت رباط العالم وقلب الخليقة. وقد يتقادم التاريخ ويحس الناسُ ان غيرَك صانعه، ولكنّ هذا الإنجيلَ الذي بثه روحك في المسكونة مبعث الباقيات الصالحات. ستجوز الأطيافُ يومًا وتنحسر العتمة ويتفجر ضياؤك من كل القبور التي دَفنَتِ الإنسانيةُ فيها نفسها. وستلبس كنيستك ثياب فخرها. ستهبّ من الغبار فلن يدخلها نجس. سنندفع بالترنيم وتفتدينا فإنك تُعزّينا وتجعل قفارنا جنّات.
سنرجع يا رب وعلى أفواهنا كلمات الفرح. اليوم نحن راجعون فأنت هنا. نتناولك خبز حياة نحيا به إلى الأبد. هاتِ يدك وشددنا في العثار فاللمسة تحلو. لا تقسُ يا رب لا تقس فإن القصبة قد رُضّت. فاذا أطللتَ كانت لنا رحمةٌ ورأفةٌ وثبوتٌ فيك. ربِ أنت تنعطف دائمًا من صليب لترفع عن مناكبنا أثقال يومنا، لا تدَعْنا وحدنا مع الأوزار.
رب إنْ لامتنا قلوبنا فأنت أعظم من قلوبنا وأنت تعلم كل شيء. امكث معنا يا رب لأن المساء مقبلٌ وقد مال النهار. هلمّ إلينا يا يسوع فعندنا تأخذ الخبز وتُبارك وتكسر. وإذا تناولنا معًا عشاءك العظيم لا بد ان تضطرم قلوبنا فينا. لا بد ان تنفتح أعيننا لنبصر.
يا أيها المسيح، يا من بَطَلْتَ أن تكون دَيّاني لتصير مخلّصي، خذني غدًا إلى قيامتك، فأنت فيها مذ ارتضيت آلامك. أنت فيها مذ انسكابك على الخشبة. يا سيد هبنا القيامة من الموت، من كل موت، حتى نُحيي هذه البشرية التي أَحييت. سيدي، القيامة وحدها بليغة. سنرتقبها كل صبح حتى يأتي الملاك ويدحرج لنا الحجر، فان الحناجر مفعمة بالنشيد. لقد أخذت الألسنة تتمتم المسيح قام.
Continue reading