بهاء الميلاد/ الأحد في 25 كانون الأول 2005/ العدد 52
لا شيء يُفهم في المسيحية الا انطلاقا من الفصح. فالفصح خلاصة الأعياد أو دسمها. عيد القيامة يجد نفسه كامنا في كل عيد. أعياد الشهداء أعياد قيامية لأنها انتصار على الموت.
الميلاد ظهور إلهي، انكشاف ابن الله في تواضعه، والتواضع الأعظم هو الذي عاشه ابن الله معلقا على الخشبة. الميلاد محطة على طريق الآلام والقيامة. ولمّا كان الخلاص على الصليب أهم شيء في ايماننا، لم يهتم المسيحيون الأوّلون لتأريخ مولد يسوع. فنحن لا نعرف اليوم ولا الشهر ولا السنة التي ولد فيها المخلص على وجه الدقة. والإنجيل نفسه ذكر شيئا واحدا وهو أن الرب عند خروجه الى البشارة كان له نحو من ثلاثين سنة. بعد الإنجيل بقرون وُضع التقويم الميلادي، ووقع في هذا التقويم خطأ حسابي. ونرجح اليوم ترجيحا كبيرا أن السيد وُلد حوالى ست سنوات قبل التقويم الميلادي. ولكن هذا كله لا يهم لأننا نحن لا نعالج تاريخا ولكنا نتعامل مع عقيدة.
روحية العيد تعبّر عنها الرسالة إذ تقول: “لما حان ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة، مولودا تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني”. عبارة “ملء الزمان” تعني أن ليس علينا أن ننتظر أزمنة تعطينا معرفة جديدة بالله لأننا نلنا كل معرفة بالمسيح. والأحداث كلها مهما كانت مؤلمة فهي لا تلغي الفرح الذي جاءنا من المسيح. لا يضاف شيء على المسيح ولا شيء ينقصه. فتعليمه كامل وشخصيّته كاملة. “لننال التبني”اذ لم نبقَ بسبب الخطيئة أبناء الله. ولكن بعد أن أحبنا الله بالمسيح جعلنا أبناء. لماذا لم يقل “لننال البنوة” ولكن قال: “لننال التبني”. الجواب أن المسيح وحده ابن الله جوهريا وأزليا، اما نحن فأبناء بالابن أو بفضل الابن. لذلك قال إن لنا التبني. والمتبنّى في الشرع كالابن من حيث المحبوبية. لذلك عاد بولس الرسول فسمّانا أبناء. بسبب هذا نستطيع أن نسمي الله أبانا، ولكن هذا يتم بانسكاب الروح القدس علينا بالمعمودية.
الى هذا عندنا قطعة ترتيل في أواخر سَحَرية العيد تبدأ بقول الناظم: “لما حان أوان حضورك على الأرض” حتى تصل الى قوله فيما يخاطب المولود الإلهي: “إن مملكتك الأبدية تجددت أزليّتها”. مملكة المسيح أبدية بمعنى أن ليس لها بداءة ولا لها نهاية. فلما نظر اليها صاحب القطعة، رأى أن هذه المملكة الأبدية عند ظهور ابن الله في مذود بيت لحم “تجدّدت أزليّتها” بمعنى أنّ الله كشف حبّه بتجسّد الابن وأننا ننتقل بالروح الى أزليّة هذه المملكة حيث لم يكن زمن.
نحن في الظاهر معك يا يسوع في بيت لحم، ولكن في الحقيقة نحن معك قبل أن يكون العالم، قبل البدايات، كأننا نحن بمحبتك إيانا ليس لنا بدء٠ لقد تجاوزتَ أنت بداءة الخليقة وجعلتنا قبل البداءة اي معك منذ الأزل.
غير أن هذا حتى نكونه حقا ونستحقه لا بد لنا من أن نعبر مع يسوع المراحل التي قطعها في جسده اي أن نبدأ بالتواضع ونعيش لله كما عاش هو دائما له ومعه. ولا بد لنا أن ننمو بالنعمة والحكمة فيما ننمو بالقامة.
إن سرورنا بيسوع بعد أن انسكبت علينا بركاته لا يكتمل الا اذا ذهبنا الى الفقراء ليذوقوا هم أيضا بهاء يسوع اذا كشفنا لهم بالحب أنّ كرامتهم كاملة وأنّ الرب يريدهم أن يعيشوا بلا عوز. فكما جاء يسوع ليشاركنا العظمة الإلهية يدعونا الى أن نشارك الفقراء وكل المحزونين ولا سيّما المرضى الخيرات الروحية والمادية التي نزلت علينا من الله. إذ ذاك يكون العيد عيدهم وفرحه فرحهم ويكتشفون أننا لهم إخوة.
Continue reading