Category

2005

2005, مقالات, نشرة رعيتي

بهاء الميلاد/ الأحد في 25 كانون الأول 2005/ العدد 52

لا شيء يُفهم في المسيحية الا انطلاقا من الفصح. فالفصح خلاصة الأعياد أو دسمها. عيد القيامة يجد نفسه كامنا في كل عيد. أعياد الشهداء أعياد قيامية لأنها انتصار على الموت.

              الميلاد ظهور إلهي، انكشاف ابن الله في تواضعه، والتواضع الأعظم هو الذي عاشه ابن الله معلقا على الخشبة. الميلاد محطة على طريق الآلام والقيامة. ولمّا كان الخلاص على الصليب أهم شيء في ايماننا، لم يهتم المسيحيون الأوّلون لتأريخ مولد يسوع. فنحن لا نعرف اليوم ولا الشهر ولا السنة التي ولد فيها المخلص على وجه الدقة. والإنجيل نفسه ذكر شيئا واحدا وهو أن الرب عند خروجه الى البشارة كان له نحو من ثلاثين سنة. بعد الإنجيل بقرون وُضع التقويم الميلادي، ووقع في هذا التقويم خطأ حسابي. ونرجح اليوم ترجيحا كبيرا أن السيد وُلد حوالى ست سنوات قبل التقويم الميلادي. ولكن هذا كله لا يهم لأننا نحن لا نعالج تاريخا ولكنا نتعامل مع عقيدة.

         روحية العيد تعبّر عنها الرسالة إذ تقول: “لما حان ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة، مولودا تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني”. عبارة “ملء الزمان” تعني أن ليس علينا أن ننتظر أزمنة تعطينا معرفة جديدة بالله لأننا نلنا كل معرفة بالمسيح. والأحداث كلها مهما كانت مؤلمة فهي لا تلغي الفرح الذي جاءنا من المسيح. لا يضاف شيء على المسيح ولا شيء ينقصه. فتعليمه كامل وشخصيّته كاملة. “لننال التبني”اذ لم نبقَ بسبب الخطيئة أبناء الله. ولكن بعد أن أحبنا الله بالمسيح جعلنا أبناء. لماذا لم يقل “لننال البنوة” ولكن قال: “لننال التبني”. الجواب أن المسيح وحده ابن الله جوهريا وأزليا، اما نحن فأبناء بالابن أو بفضل الابن. لذلك قال إن لنا التبني. والمتبنّى في الشرع كالابن من حيث المحبوبية. لذلك عاد بولس الرسول فسمّانا أبناء. بسبب هذا نستطيع أن نسمي الله أبانا، ولكن هذا يتم بانسكاب الروح القدس علينا بالمعمودية.

           الى هذا عندنا قطعة ترتيل في أواخر سَحَرية العيد تبدأ بقول الناظم: “لما حان أوان حضورك على الأرض” حتى تصل الى قوله فيما يخاطب المولود الإلهي: “إن مملكتك الأبدية تجددت أزليّتها”. مملكة المسيح أبدية بمعنى أن ليس لها بداءة ولا لها نهاية. فلما نظر اليها صاحب القطعة، رأى أن هذه المملكة الأبدية عند ظهور ابن الله في مذود بيت لحم “تجدّدت أزليّتها” بمعنى أنّ الله كشف حبّه بتجسّد الابن وأننا ننتقل بالروح الى أزليّة هذه المملكة حيث لم يكن زمن.

          نحن في الظاهر معك يا يسوع في بيت لحم، ولكن في الحقيقة نحن معك قبل أن يكون العالم، قبل البدايات، كأننا نحن بمحبتك إيانا ليس لنا بدء٠ لقد تجاوزتَ أنت بداءة الخليقة وجعلتنا قبل البداءة اي معك منذ الأزل.

           غير أن هذا حتى نكونه حقا ونستحقه لا بد لنا من أن نعبر مع يسوع المراحل التي قطعها في جسده اي أن نبدأ بالتواضع ونعيش لله كما عاش هو دائما له ومعه. ولا بد لنا أن ننمو بالنعمة والحكمة فيما ننمو بالقامة.

           إن سرورنا بيسوع بعد أن انسكبت علينا بركاته لا يكتمل الا اذا ذهبنا الى الفقراء ليذوقوا هم أيضا بهاء يسوع اذا كشفنا لهم بالحب أنّ كرامتهم كاملة وأنّ الرب يريدهم أن يعيشوا بلا عوز. فكما جاء يسوع ليشاركنا العظمة الإلهية يدعونا الى أن نشارك الفقراء وكل المحزونين ولا سيّما المرضى الخيرات الروحية والمادية التي نزلت علينا من الله. إذ ذاك يكون العيد عيدهم وفرحه فرحهم ويكتشفون أننا لهم إخوة.

Continue reading
2005, مقالات, نشرة رعيتي

احد النسبة / الأحد في 18 كانون الأول 2005 / العدد 51

كان يهم متى في مطلع إنجيله ان يبين ان يسوع الناصري هو المسيح الذي تكلم عليه الأنبياء لأن متى اراد ان يدعو اليهود وهم ابناء جنسه الى المسيح، كما اراد ان يرسخ من اهتدى منهم في ايمانهم المسيحي الجديد. فكتب لهم إنجيله بلغتهم.

          وحتى يبدو لقراء متى ان يسوع هو المسيح المرتجى، كان لا بد له ان يبين انه متحدر من ابراهيم لان هذا هو الخط الإلهي فأورد الإنجيلي لائحة من ابناء ابراهيم معظمها مذكور في الكتاب المقدس. غير ان بعض الأسماء القريبة من يوسف لا بد ان متى استقاها من معلومات خاصة لأن العهد القديم قد انتهى آخر سفر فيه حوالى قرن ونصف قبل الميلاد.

          اجل النسب ينتهي بيوسف اذ لا يمكن في الشريعة ان ينسب الولد الى امه. ولكن في ذكر حادثة الميلاد يبين الإنجيلي ان يوسف لا علاقة له بالأمر كله. علاقة يسوع بابراهيم واولاد ابراهيم هي عن طريق مريم ابنة ابراهيم.

          الغاية من كل هذه القراءة تبيان وجه يسوع الذي يعني “الله مخلص او يخلص”. والخلاص هو من الخطيئة. ثم يؤكد الكتاب قول النبي وهو اشعياء الذي تنبأ ان العذراء تحبل وتلد. وهذا لم يوجد قبلا ولن يوجد. اما قوله: “فلم يعرفها حتى ولدت ابنها” يثبت انها قبل وضعها الطفل لم تكن على علاقة مع يوسف. هذا لا يستنتج منه انها اقامت علاقة بعد مولد الطفل. كان هاجس متى ان يثبت المولد البتولي. ما كان همه ان يكتب سيرة والدة الإله. اما كونها بقيت عذراء كل حياتها فهذا اوضحه المجمع المسكوني الخامس ورددت الكنيسة ان مريم كانت “قبل الولادة وفي الولادة وبعد الولادة عذراء”. هذا هو معتقدنا الذي جاءنا من التراث الكنسي.

          من الواضح ان متى، مع تأكيده النسب الابراهيمي وانتماء بشرية يسوع الى الانسانية كلها ولاسيما الانسانية المؤمنة، لا يهمه من كل هذه اللائحة الا يسوع. فإبراهيم نظر الى مسيح الله، وهذا لم يكن داود ولا ابناء داود حتى جاء يسوع فكان هو المسيح.

          ونحن نتهيأ حتى يوم عيده وتهيأنا في الصوم الميلادي لاستقباله ليكون هو الحياة كلها. هذا النسب كان ليظهر ان كل قيمة هؤلاء الملوك وغير الملوك ان منهم انحدر المسيح وانهم هم خلصوا على الرجاء. وعندما جاء فقط كان هو رجاء الأمم فتحقق الخلاص به ونحن بنعمته مخلّصون ومن كل كلمة من فمه نجيء ونتكون.

          نتبعه منذ مولده وفي طفولته وعندما خرج الى البشارة وصنع العجائب ونؤمن بكل كلمة قالها وبموته وقيامته. كل كلمات الأنبياء كانت اليه قبله كنا امواتا بالخطيئة وبموته على الصليب صرنا نحيا به.

          هذا الميلاد وعدٌ بعطاياه الكثيرة ووعد بخلاصنا الدائم بدءا بالمعمـودية وانتهاء بملكوت السموات.

Continue reading
2005, مقالات, نشرة رعيتي

قلب الكاهن/ الأحد 11 كانون الأول 2005 / العدد 50

جاءني شاب اعرفه من سنوات، كثير المعرفة باللاهوت، وسألني رأيي في طلبه للكهنوت، وترددت في الجواب القاطع اذ قلت له ان الدرس يستغرق منه وقتا كثيرا وان الكهنوت أيضا يتطلب وقتا كثيرا ويصعب عليك ان تضع مجلدات وان ترعى الرعية.

قد لا يهم الأكثرين ان أحدثكم عن أساتذة اللاهوت وانهم في حاجة إلى كل وقتهم. ولكن يهمكم ان تعرفوا اهتمام كاهنكم بكم وأفترض انه محب ليسوع وانه دخل هذا السلك بسبب من محبته. لقد ولى زمن الكاهن المرتزق، وجاء وقت التضحيات الكبرى أي تخصيص كل وقت الكاهن للرعية. وانتم تعرفون ان القداس يستغرق وقتا، وذلك ليس فقط في الآحاد، وان الخِدَم الأخرى المسائية في الصوم والغروب والأكاليل والمآتم والمعموديات تتطلب أيضا وقتا طويلا ولاسيما إذا كانت العائلات كثيرة. غير ان القضية الأساسية ليست قضية وقت. انها قضية القلب عند الراعي. هل قلبه مع المسيح؟ الكهنوت التزام كامل لقضية الإنجيل بحيث لا يجوز ان يبقى للكاهن فسحة لعمل آخر.

في الماضي السحيق كانوا يرون ان كاهن القرية يمكن ان يكون فلاحا، ثم سمحنا في المدن ان يكون له عمل إضافي بسبب من قلة موارده أو لصغر رعيته. ولكن عندما يكون الكاهن مسؤولا عن رعية كبيرة فليس عنده وقت ليتفرغ لعمل آخر ما لم يجتمع أكثر من كاهن في كنيسة واحدة. هذه يجب ان يكون فيها رئيس متفرغ.

ولكن بصرف النظر عن هذه التفاصيل، الكاهن مأخوذ قلبه بالله ويحتاج إلى ما لا يقل عن ساعتين في اليوم يدرس خلالهما الكتب المقدسة ويطالع المقالات اللاهوتية. إلى هذا الزيارات التي غايتها ليست فقط ان يفتقد المرضى والحزانى ولكن ان يطّلع على الحالة الروحية للبيت ولاسيما على الوفاق الزوجي وتقدم الجميع في معرفة الرب. طبعا هذا غير ممكن بالتدقيق في الرعايا الكبيرة، ولذلك نحن في حاجة إلى كهنة جدد ليقفوا على أحوال كل واحد ما أمكن: «اعرف رعيتي ورعيتي تعرفني. وأنادي خرافي بأسمائها». ولا نستطيع ان نبقي الرعايا كبيرة استرضاء للكاهن وحسن ارتزاقه. هذه أمور لا بد من تدبيرها بقوانين وأنظمة، ولكني لا استطيع ان أضحي بالحاجة الروحية في سبيل رخاء الوضع المالي للكاهن.

ثم الافتقاد: هناك افتقاد جماعي وافتقاد عائلي. جماعيا لا بد من الاجتماعات الإنجيلية في البيوت إذ لا مفر من تفسير الكلمة الإلهية وان نحيا منها وقد تردّ البعض إلى القداس الإلهي الذي يهملون. ولا بد من ان نوزع «رعيتي». هذا حد ادنى من القراءة وهذه صلة محبة بيننا.

ولكن هذه الاجتماعات لا تعوض عن اللقاء الشخصي الذي يقوم به الكاهن مع الذي يطلب منه الإرشاد أو هو يتدخل لبث روح يسوع في كل مؤمن. هذا لا يعني ان العلماني لا يهتم بالعلماني ولا يرشده ويدله على كتب دينية. ولذلك لا بد من تنظيم حلقات روحية يلتقي فيها الناس وتلتهب أرواحهم حبا بالمخلّص حتى نعبد الله في كل مكان وننشر كلمته.

تذهلني رؤيتي للأهل يُعنون بأطفالهم. يذهلني السهر الطويل الدائم حتى يكبر الأولاد ويتغذوا ويلعبوا ويتكلموا ويفهموا. هذا الذي يجري على صعيد الجسد والتربية نحتاج إلى مثله على مستوى الفهم الروحي والتعليم المسيحي والرعاية الدائمة والاهتمام بكل نفس.

وهذا كله ينحدر من قلب الكاهن المتأجج حبا ليسوع. الله قادر ان يصنع له قلبا جديدا.

Continue reading
2005, مقالات, نشرة رعيتي

يوحنا الدمشقي/ الأحد 4 كانون الأول 2005 / العدد 49

اليوم نعيّد ليس فقط للشهيدة بربارة ولكن للبارّ يوحنا الدمشقي المتوفى السنة الـ 749. يوحنا هو الاسم الذي اتخذه في دير مار سابا في فلسطين لما تَنسَّكَ فيه. هو منصور بن سرجون. جده منصور كان حاكم دمشق في زمن البيزنطيين. فاوض العرب على تسليمهم دمشق خشية دخولهم المدينة عنوة واستعمال العنف. والده سرجون ولاّه معاوية بيت المال.

لا نعرف اذا كانت العائلة متحدرة من أصل عربي او من أصل سرياني من حيث اللغة. المعروف ان يوحنا كتب فقط باللغة اليونانية التي كانت آنذاك لغة اهل المدن.

اخذ بكل علوم عصره، وليس ثابتا انه كان يتقن العربية. لم يكتب بها لأنها لم تصبح في بدء الفتح العربي لغة المواطنين. الا انه كان صديقا للخليفة يزيد بن معاوية، ولا بد انهما تخاطبا بالعربية. وبقي على علاقة وثقى بالقصر حتى خلافة عمر الثاني الذي منع توظيف المسيحيين، ولعل يوحنا احس ان هذا علامة قمع فزهد قديسنا بدمشق وبالدنيا والتحق بالحياة الرهبانية.

في تلك الفترة شنت الامبراطورية البيزنطية حربا على الايقونات، فدافع القديس عن الايقونات وكتب فيها ثلاث رسائل صارت هي الأساس الذي اعتمده المجمع المسكوني السابع ليُظهر ايماننا بالايقونة ويدعمه.

رسمه بطريرك اورشليم كاهنا فصار واعظ المدينة المقدسة ويتمم خدمته في كنيسة القيامة. بقي لنا من مواعظه تسع اكثرها عن والدة الإله. غير ان اهم كتاب له هو «ينبوع المعرفة» يشتمل على ثلاثة ابواب، اولها فصول فلسفية كناية عن تمهيد للبحث اللاهوتي. يلي ذلك باب الهرطقات، واخيرا الجزء الأعظم «في الإيمان الارثوذكسي» الذي يقع في مئة مقالة.

إلى هذا كتب في الهرطقات التي خرجت عن الكنيسة. وعنده جدل مع المسلمين نُقل إلى اللغة العربية.

إلى جانب الكتابة العقائدية أرسى أسس كتاب المعزّي، وتُنسب اليه قطع طقسية مثل الفصحيات وبعض القطع الأخرى.

لا نعرف بوضوح كامل دوره في علم الموسيقى الكنسية، ولكن لا شك انه اسهم في تلحين قوانين وطروباريات وفي وضع نظام العلامات الموسيقية.

كتابه في «الايمان الارثوذكسي» اهميته الكبرى انه اول كتاب يجمع كل العقائد المسيحية بشكل منتظم، منسّق، مبوّب. قبله كانت توضع رسائل متفرقة: مثلا في التجسد الإلهي لأثناسيوس الكبير، او رسائل في الثالوث المقدس لغريغوريوس اللاهوتي. اما يوحنا الدمشقي فشرح كل العقائد المسيحية مرتكزا على الآباء، وبناء على عمله صارت الكتب المتعلقة باللاهوت العقائدي تُكتب هكذا.

ما لا بد لنا من تذكره من تعاليمه عن الايقونة قوله إن تحريم تصوير الله في العهد القديم أنه كان غير منظور. ولكن بعد التجسد صار الله ذا شكل بشري، فنحن نُصوِّر المسيح لا الآب ووالدة الإله والقديسين. إلى هذا فالايقونات كتب للأميين.

اهمية الرجل جمعه صفات كثيرة في شخص واحد: قداسة السيرة، اللاهوت، الاطلاع على علوم العصر، الجرأة في مواجهة البدع والانحرافات، الموسيقى والتأليف الطقوسي، الحوار مع غير المسيحيين. نفعنا الله بشفاعته.

Continue reading
2005, مقالات, نشرة رعيتي

خلاص الأغنياء/ الأحد 27 تشرين الثاني 2005 / العدد 48

في اللغة التي كتب فيها الانجيل اي اليونانية، الانسان الذي واجه يسوع في قراءة اليوم كان وجيها او رئيسا اي عضوا في مجمع اليهود وسأل المعلم: “ماذا أعمل لأرث الحياة الابدية”. كان يعلم ما قاله الكتاب عن الخلاص. ربما أراد جوابا اوضح او اكثر تفصيلا من يسوع وسمّاه “المعلم الصالح”.  كان في هذا الكلام مجاملة للسيد او مديح  ولا سيما انه كان يعتبر المعلم بشرا فقط. سؤال لا يخلو من الخفة. لذلك رفض الرب ان ينعته هذا الرجل بنعت يليق بالله فقط.

          ماذا أعمل؟ اجاب عنها السيد بذكر بعض الوصايا المذكورة بالناموس. زكّى الرجل نفسه بقوله انه حفظها منذ صباه. عندئذ قال له يسوع: “واحدة تعوزك بعد، بع كل  شيء ووزعه ثم تعال اتبعني”. هذا كلام قاله يسوع لهذا الشخص بالذات ولم يعمّمه. قال له هذا لأن المال الكثير الذي كان له كان عائقا دون خلاصه.

          بعد ان رفض هذا الوجيه الميسور دعوة المسيح اليه والى التجند في صفوف اتباعه، قال الرب هذا القول الصعب: “ما اعسر على ذوي الاموال ان يدخلوا ملكوت الله. انه لأسهل ان يدخل الجمل في ثقب الابرة من ان يدخل غني ملكوت الله”.يسوع قال انه صعب ولم يقل انه مستحيل. صحّ ان السيد اعطى عن صعوبة الخلاص للغني صورة الجمل والإبرة، والجمل هو الجمل والإبرة هي الإبرة. انها مبالغة في تصوير صعوبة الخلاص. ولكن يسوع لا يسهّل الصعوبات ليجذب الناس الى الجدية. هذا من باب الملاحظة العامة لأن تعلق الغني بماله يدفعه الى الاهتمام المفرط به الى درجة الاحساس ان المال هو المنقذ وقد لا يعرف الغني ان كثرة المال يدفعه الى عشقه وهذا هو السقوط.

          ما من شك ان يسوع لا يرى منفذا من هذا العشق الا بالتوزيع لانه يدل على ان قلب الغني اتسع للفقراء وانه لا يحب المال حتى البخل بل صار يحب الناس ايضا. كيف يكون التوزيع؟ ما مقداره؟ مسائل لم يتعرض المسيح لها، ولكن الدعوة الاساسية هي ان نتخلى عن بعض ما نملك لكي لا يموت الناس جوعا، على الاقل ليتمكنوا من اعالة عيالهم، على ان تكون متواضعا في العطاء وان تجعل نفسك مع المحتاج في حالة التآخي.

          انت لا تعرف كل الفقراء ولا تقدر ان تحل لهم كل مشاكل حياتهم. ولكن تستطيع ان تختار بعضا وان تسعفهم بصورة جدية. ولا يكون الامر صوريا، ولكن تكون المساعدة حقيقية، فعالة. المهم أمران: ان تضرب العشق الذي فيك، وان تحب الفقراء وتنفّذ هذه المحبة بالعطاء. هذا يزعجك ان كنت متعلقا بثروتك، ولكن ليس من عمل صالح بلا تعب او بلا تضحية.

          عندما سأل السامعون المخلص من يخلص اذًا، اجاب: ما لا يستطاع عند الناس مستطاع عند الله. هذا لا يعني ان الرب يخلصك بصورة اعتباطية فيختار بعضا ويهمل بعضا. هذا يعني ما قاله بولس في رسالته اليوم: “بالنعمة انتم مخلَّصون”. فتحل نعمة الله على الغني وتلهمه محبة لم تكن له وهي تفتح قلبه ثم تفتح كفه ليحس بأن الفقير اخوه ويشاركه ما عنده. فالغني يرتاح بالعطاء، والفقير يحس بأن آخر احبه.

Continue reading
2005, مقالات, نشرة رعيتي

الغني الغبي / الأحد 20 تشرين الثاني 2005 / العدد 47

انجيل لوقا إنجيل الفقراء. الكلام الرئيس  عند لوقا عن الفقراء هو في التطويبة الأولى :”طوباكم ايها المساكين لان لكم ملكوت الله” (6 :20). وهو الفقر بالمعنى الحسي يقابله بالتطويبات نفسها عنده “ويل لكم ايها الأغنياء لانكم قد نلتم عزاء كم” (6: 24). غير ان معرفتنا لجماعة كانت تسمى “الفقراء الى الله ” توضح لنا ان المحتاج  غالبا ما كان محتاجا الى الله ايضا بحيث كان ينتظر منه “خبز الغد” وقد ورد عند بعض الشراح ان لفظة خبزنا الجوهري في الصلاة الربية قد تعني الخبز الذي يحتاج اليه في الغد لا بعد الغد.

          نحن امام مَثَلٍ سبقه قولان للسيد: اولا، انظروا وتحفّظوا من الطمع. وثانيا، متى كان لأحد كثير فليست حياته من امواله. بعد هذا يأتي المثل ومعناه تاليا من هاتين الكلمتين ليسوع.

          “انسان غني أخصبت ارضه” :ليس في هذا شيء سيء ولا سيما اذا كان قليل المورد. ويحق له ان يفرح. يقال اليوم عن هذا إنه تنمية اقتصادية.

          هذا الرجل يقول في ذاته: اوسّع املاكي اذ انا في حاجة الى ان اجمع الغلات الكثيرة في مخازن حنطة اكبر. ليس من مأخذ على هذا الرجل في هذا. يبدأ التلميح الى اللوم عندما قال هذا الغني لنفسه: “لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة” (كيف يعرف؟). من قال له انه يعيش طويلا او ان احدًا لن يسرقه؟ ليس من ضمانة لدوام المال. يزداد لوم يسوع ليس بشكل صريح ولكن باستعمال الإنجيلي لكلمات تدل على ان الرجل ارتاح الى كنزه الجديد بقوله لنفسه: “استريحي وكلي واشربي وافرحي”. شهوة النفس عند هذا الرجل هي الدنيا وما فيها. الفرح عنده في الأشياء المادية والطمع بها. وعند ذاك يهمل نفسه اي عمق نفسه وحاجتها الى الله والى محبة الآخرين، وهاتان الحاجتان لا ينفع المال بهما. المهم الشوق الى الله ومعاشرته بالكلمة. كان المطلوب من الغني ان يجعل فرحه في غير الحنطة التي ازدادت وقوَّت الشهوة.

          نفسك لن تقدر ان تتمتع بشيء ايها الغني لأن الليلة تُطلب نفسك منك ولن يبقى لها شيء من دنياها. لذلك ينهي يسوع هذا المثل بقوله: “هكذا الذي يكنز لنفسه وليس هو غنيًا بالله”.

          لا ينبغي ان تحس يا انسان ان الذي عندك يكبرك او يزيد على قامتك ذراعا واحدة. لهذا بعد المثل يقول السيد: “لا تهتموا بما تأكلون ولا للجسد بما تلبسون. الحياة افضل من الطعام”. هنا كلام يشبه كثيرا ما ورد في العظة على الجبل عند متى، ويسميه الشراح العظة على السهل عند لوقا، وهي منتشرة في انجيل لوقا وليست في موضع واحد كما عند متى.

          ان يسوع لا يكره الغنى بحد نفسه ولا الاغنياء اذا كانوا لله. لا يريد الافتخار بالمال والتعلق به وتشهيه. هو وسيلة لا ينبغي ان تعشقها انت او تعبدها لئلا تصير لك مثل رب. ما تشتهيه من هذه الدنيا يستعبدك. استعمل كل شيء وكن حرا من كل شيء لتصير حقا مع يسوع.

Continue reading
2005, مقالات, نشرة رعيتي

نَقْلُ الكاهن/ الأحد 13 تشرين الثاني 2005 / العدد 46

معروف عند الشعب قوله: الكاهن فلان مرسوم على كنيسة هذه القرية أو تلك. وقد أوضح القانون ٦ من المجمع المسكوني الرابع (451) ان الكاهن يعيَّن لخدمة كنيسة في مدينة أو قرية أو مقام شهيد أو دير. وكان اسم المدينة أو القرية يُذكَر علنًا في السيامة فيقال «النعمة الإلهية فلتنتدب الكاهن فلانا لكنيسة كذا في مدينة كذا أو قرية كذا». أي لا يُرسم الاكليريكي بصورة مطلقة، وكانت رغبة المجمع ان تمنع تجول الكهنة بسهولة من مكان إلى آخر بخلاف القوانين.

أحيانا إذا كانت أحدى الكنائس قليلة العدد، يُعيَّن الكاهن عليها وعلى كنيسة أخرى. وكان المألوف عندنا والمتبع ان يلازم الكاهن قريته حتى مماته أو عجزه الصحي ما لم يجرِ في حقه تأديب أو بدا انقسام أو مشاكل في الرعية فيُنقل إلى مكان آخر، وتُظهِر الوقائع ان من لا يوفَّق هنا قد يوفَّق هناك.

أحيانا يرغب الكاهن لأسباب متعلقة به ان ينتقل إلى أبرشية أخرى فيستأذن رئيسه لذلك، فيعيّن تاليا على كنيسة لم يرسم عليها. إلى جانب هذا، علّمتنا الخبرة الرعائية ان نقل الكاهن الذي انكشف نضجه وتقواه في رعية صغيرة جدا قد تستفيد منه رعية كبيرة. في الأخير، المطران هو الراعي المسؤول عن الجميع ويعرف أحوال الأبرشية ويعرف من أي كاهن يستفيد هنا ويستفيد هناك، أي يعرف أي كاهن قادر ان يدبر رعية سلسة أو يدبر تلك التي فيها بعض الصعوبات.

الأبرشية هي كنيسة واحدة ولها إدارة واحدة في التشاور بين الجميع ولا سيما بين الكهنة والأسقف، وتقوم على الثقة بأن المطران هو أبو الجميع إذ ليس عنده مصالح دنيوية، ورغبته الوحيدة ان يصبح المسيح سيد الجماعة، وفي هذا الإطار يأتي تثبيت الكاهن في مكانه أو نقله إلى مكان آخر.

ما حدث عندنا في الحرب ان كهنة اقتُلعوا من قراهم أو مرضوا أو ماتوا وفي بعض الحالات شغلوا كنائس كانت شاغرة . كل هذا جعل تبديلا في الأشخاص. اما وقد عادت الأوضاع إلى ما كانت عليه فكان لا بد من ترتيب بعض الأوضاع من جديد ليقلّ عدد الكنائس المسلَّمة إلى شخص واحد. ان حصر عدة رعايا بيد راع واحد لا يمكّنه من الانتباه الواحد المكثف لكل الكنائس. هذا ليس في طاقة إنسان. هذا يجعل الرعاية شيئا إسميًا. يكاد العمل يصير طقسيا فقط بتأمين القداس والصلوات هنا وهناك. اما هل من يسأل عن العائلات، وهل من يُعلّم ويعنى بالصغار؟ فإن شيئا من هذا لا بد ان يضعف.

القاعدة هي هذه أنه كلما صغرت الرعية تعظم الرعاية أي ننتقل من الكمّ إلى النوع. نحن نحتاج إلى نوعية عالية من الاهتمام وإلى حضور دائم للكاهن في شعب معين، في قرية معينة في هذا الجبل.

إلى هذا عندنا عدد كبير من طلاب اللاهوت لا بد لمطران الجبل ان يضع كل واحد في مكان. فليس من المعقول ان أُسلّم كنيستين أو ثلاثا لكاهن وأَرمي هذا الطالب بعد تخرجه في الشارع ولاسيما إذا كان محبا للمسيح وفهيما وشابا ناشطا.

سياستي ان تضيق الرقع الواسعة وان أُكثر عدد الخدام للهيكل حتى تُسمَع كلمة الحق في كل مكان ونحتضن أولادنا ونبني معابد جديدة. أكثر من كنيسة جديدة تنتظرنا. وبعضها أرضها عندنا (الحدث) أو اشتريناها (النقاش) والآخر سنشتريه لأن هناك مئات من العائلات لا راعي لها. تذكروا قول الله: «اضرب الراعي (أو أَلغِ الراعي) تتبدد خراف الرعية». ويرزق الله الكاهن الذي ضاقت رقعته وتكون نفسه قد كبرت لأن أخًا له يكون استلم مكانه بجدية.

إلى هذا نواجه اليوم قضية شيخوخة الكاهن الذي يحتاج إلى زميل مساعد. نحن لا نريد ان يترك احد كنيسته الا إذا تعذرت عليه الخدمة جسديا. ولكن لا بد من ان يزامله كاهن آخر أو شماس وان يقبل هذا بمحبة.

Continue reading
2005, مقالات, نشرة رعيتي

المسامحة/ الأحد 6 تشرين الثاني 2005 /العدد 45

أن تسامح الآخر بوجوده، الا ترفض خصائصه وما يختلف فيه عنك هو الإقرار بأن الله سمح له ان يكون كما هو كائن أي قد يكون أسوأ مما تتمناه له ان يكون. ولكن الدنيا هي هكذا وفيها الناس كما خرجوا من بطون أمهاتهم وكما نموا في مجتمعهم وحسب خبراتهم العديدة.

ان يكون كما هو يجعلك تتوقع ان يتصرف كما عرف ان يتصرف وقد لا يروقك هذا. وأنت لا تكتفي بقبوله على الرغم عنك، ولكنك ترتضيه على رجاء إصلاحه، فالبشرية لوحة كل لون فيها مختلف عن الآخر، وارتضانا الله جميعا مختلفين إذ نحن أحرار وليس مِن قالب يتقولب البشر فيه. فإذا قبلت الآخر تكون قد قبلت ارادة الله في عبيده، وارادته التي لا نسبر غورها هي التنوع.

الشيء الذي ينتج عن القبول ان تتعاون مع الآخر إذا كان قريبا منك، اعني إذا كان في بيئتك أو اضطرتك مهنتك على التعاون. طبعا لا بد لك ان تعرف ان كان مستقيما أو سارقا، صادقا أم كذوبا. لك حق في الا تتعامل وإياه في مهنتك. المعاملة في دنيا العمل لا تضطرك على عشقه، وأنت تبقى في الاستقامة والصدق.

المسامحة تقضي بألاّ تقتل الآخر لأن المسيح حاضر في كل من تعامله، ولأن الذي أعطى الإنسان الحياة هو وحده الذي له حق استردادها. معنى ذلك انك لا تغضب أبدا فالغضب مصدر الشتيمة والضرب فالقتل. ومعنى ذلك ألاّ تحقد وان تبقى رفيقا بهذا الذي تعامله لأن الرفق جانب من جوانب المحبة القادرة على كل شيء.

من مظاهر المسامحة ان تتقبل في الرضاء الذي ليس على دينك ولا من كنيستك، فالناس هم حيث هم دينيا منذ ولادتهم، وعليك أن ترحمهم وألا تهزأ بمواقفهم الدينية، وإذا جادلت ففي احترام كامل. لا توافق باللسان على مواقف لا تقبلها كنيستك، ولا تتملق ولا سيما أنك قد لا تكون من العارفين بما هم عليه من معتقدات.

وبلدنا مجتمع متعدد. فأنت تواجه ولا تتحدى. وتفرح في أعيادهم وللفكر الصالح الذي هم عليه، وتتحفظ حيث ينبغي ان تتحفظ. ولا تجادل كثيرا، وان جادلت فبالحسنى إذ علينا ان نرعى المودات وان نقيم معهم وحدة إنسانية بعد ان تعذرت الوحدة الدينية أو المذهبية بيننا.

أنت لا تثأر من احد ولا تتعاطى النكاية أو الكيد، وقدِّم خدمة حيث استطعت لأن الخدمة تليّن القلوب. وإذا مرض من قررت ان تقربه منك، فأن تعوده يقرّبه منك ان لم يكن من الشرسين. وربما زالت عداوته لك إن رسب فيه شيء من العداوة. أَحرق سيئاته بمحبة واضحة، فاعلة. اذكرْ قول المعلّم: «مَن لطمَك على خدك الأيمن فحوِّل له الآخر» أي بَدّدْ عداء نفسه بلطف غير محدود. حافظ على مكانته وصيته وامدحه في غيابه إذا رأيته صالحا إذ يتشجع بهذا فترقى أخلاقه. ولو افترضنا انه بقي شريرا فاذكر قول السيد: «أحبوا أعداءكم، باركوا لأعينكم» لأن المبتغى ان نكون بالمحبة على هذه الأرض بدءا لملكوت الله.

السماحة من قبلك تصير تسامحا متبادلا بينك وبينه ويكون الله الجسر بينكما. هذا يكون انتصارك على نفسك ودعوة إليه ليدخل في نطاق المسيح.

Continue reading
2005, مقالات, نشرة رعيتي

الغني ولعازر / الأحد 30 تشرين الأول 2005 / العدد 44

المثل الإنجيلي قصة تعليمية ألّفها يسوع. والمثل يؤخذ جملةً ولا تؤخذ كل أجزائه على أنها ذات معنى لاهوتي. النص يتحدث عن حوار بين هالك وهو الغني ومخلَّص وهو لعازر الفقير، وهذا لن يحصل حسب تعليمنا إذ تقول كنيستنا أن الهلاك والخلاص أمران يحلان بعد القيامة بصورة نهائية. وقبل ذلك نقول أن الأرواح في قبضة الله ولا نتحدث عن أماكن. فمن الأرواح من مات أصحابها على رجاء القيامة والحياة الأبدية فهي ناجية على الرجاء. أما الدينونة فهي الدينونة الأخيرة. وأما من ارتكب خطايا جسيمة ولم يتب فعدم توبته يعذبه قبل الدينونة حتى يصدر الحكم الأخير.

          أما السيد فيتكلم على هذه الأشياء كما كان التفكير عند اليهود. المسكين هو في حضن إبراهيم. حافَظْنا على هذه العبارة ونُصوّر النفوس في هذا الحضن في أيقونة الدينونة. لذلك لا نقول نحن ان الإنسان الصالح يذهب الى السماء لأن السماء هي الغبطة الأخيرة بعد ان يبعث الله الأجساد من قبورها. نقول ان نفوس الصالحين في الفردوس او الملكوت. بالمقابل لا نقول ان نفوس الأشرار هي في نار جهنم. وبصورة عامة لا نستفيض في الكلام عن وضع الموتى قبل القيامة. نصلي من اجلهم لأن بعضا منهم قابل للرحمة. نصلي من اجل كل الناس اذ قد يكونون في الفردوس حيث يرتقون من حال الى حال، ولا نقول عن انسان انه نهائيا في الحجيم اذ لم يكشف الله لنا شيئا عن هذا.

          ليس المجال هنا للمناقشة ولكن لا يقودك المثل الى القول ان الغني المذكور عند لوقا قال عنه السيد انه في جهنم وقال عن لعازر انه في السماء. لم يعط السيد في المثل حديثا لاهوتيا عما يجري الآن للنفوس قبل الدينونة. جل ما أراده أن الذي يتنعم في هذه الحياة الدنيا متجاهلاً المحبة ولا سيما محبة الفقراء تنقلب أوضاعه في الحياة الأخرى. إنجيل لوقا إنجيل الفقراء بامتياز. وهو القائل: “طوباكم أيها الفقراء لأن لكم ملكوت الله”. خطيئة الغني انه لم يلتفت الى محتاج كان مطروحا عند باب الغني. لم يكترث له. الفقير كان له تعزية من الكلاب التي كانت تلحس قروحه.

          اسم لعازر وضعه السيد وهو يعني “الله معيني”. الغني لم يعطه الرب اسما وكأنه لم يكن بشيء. يموت الفقير ويذهب الى حضن ابراهيم. رافقته الملائكة إلى فوق. بشكل يتعمد فيه يسوع القسوة قال: “مات الغني فدُفن”. لم يكن له من ملاك يعينه. طلب الغني رحمة من ابراهيم ان يرسل لعازر ليغمس طرف إصبعه في الماء ويبرد لسانه. لم يقل انه اخطأ في حياته. هذا نوع من التذكر الذي لا يعني توبة، والتعليم الشائع عندنا ان الإنسان اذا كان يتوقع الهلاك لكونه اخطأ جسيما لا تتحرك نفسه لكي تتوب. الحركة البشرية في اعتقادنا هي التي يقوم بها الانسان في هذه الحياة نفسا وجسما معا.

          طلب الغني ان يُرسَل مَن يقول لإخوته ألاّ يفعلوا ما يستوجب لهم العذاب، فأجابه ابراهيم ان عندهم موسى والأنبياء فليسمعوا لهم. هذا يذكّر بعدد من الناس قال لي منذ مطلع شبابي: “مين رجع وخبّرنا؟”. وهؤلاء أرثوذكسيون كانوا يذهبون احيانا الى الكنيسة وكأنهم لم يسمعوا: “المسيح قام من بين الأموات…” او اية قطعة عن الذين هم في الملكوت او لم يحضروا مأتمًا.

          افهم ان تأتي هذه الشكوك من الملحدين، ولكن كيف يقول بها مَن يسمّي نفسه مؤمنا. فليسمعوا لموسى والأنبياء نترجمها اليوم: فليسمعوا من الإنجيل وكل الصلوات التي استند اصحابها الى الإنجيل لما ألّفوها. يسقط الإيمان اذا لم تجدده بقراءة الكتاب الإلهي ومشاركتك الخدمة الإلهية بفهم.

Continue reading
2005, مقالات, نشرة رعيتي

الصبر / الأحد 23 تشرين الأول 2005/ العدد 43

الصبر ليس الانهزام أمام المصاعب. ليس الاستكانة. لا يقول الصابر: أنا لا استطيع شيئا فإن الأمور هكذا تحصل وهكذا ستبقى. كل منا يحزن إذا صدمته الأشياء ولكن الصابر لا يقيم في حزنه إلى الأبد لأنه ثابت في الله. الصابر مجروح كما أنت مجروح ولكنه يأمل بأن الرب سيضمد جراحه ويؤتيه اليقظة والتعزيات. قد ينتظر كثيرا ولكن التعزية تجيء إليه.

هو لا ينتظر التغيير من مرور الزمان. فالزمان لا يشفي كل شيء. المؤمن يعرف أهمية النعمة وانها هي التي تبادر بخلاصنا. يصبر ليحافظ عليها ولا يبددها باللهو، ويؤمن بأن الله أبوه ولا يتركه إلى الألم أو الضجر طويلا.

في الحياة اليومية ترتطم بجدران ولكنك تصمد أمامها لأن الإيمان ينقل الجبال والجدران فلا يبقى أمامك حائط. تكون قد علوتها إذا تمسكت بالله. أما قال السيد: «من يصبر إلى المنتهى يخلص»؟ لماذا قال إلى المنتهى؟ لأن الإيمان الحقيقي يحفظك إلى المنتهى. فعلى قدر ما تفرغ نفسك من عدم الإيمان ومن الخطايا تنفتح أمامك أبواب السماء ويمطر الرب عليك نعمه.

تابع الله في كل كلمة منه يتابعك. ابقَ على اليقظة الروحية ولا تنم إلى الموت. ابق على حركتك الروحية الداخلية بحفظ الإنجيل والصلاة. لا تتأفف ولا تتذمر ولا تشتم حتى يظل الله مقيما فيك. اهدأ واذكر الموت فإنه قد يباغتك. اعبر عن اللذات المؤذية التي إذا قطفتها تؤذيك. قد تحزن لحظة إذا لم تأخذها، ولكنك تفرح بعد لحظة لأن الروح القدس يكون قد حلّ فيك. ان التواصل بينك وبين الله يجعلك ساهرا على نفسك، مراقبا لفكرك ولقلبك بقوة الكلمة الإلهية والصلاة فإنها هي القوة التي تجعلك مجابها لكل محنة.

لذلك قال الرسول: «ان عملتم الخير وصبرتم على الألم، كان في ذلك حظوة عند الله» (1بطرس 2: 2). عند ذاك تفهم ان الصبر يأتي من الداخل بعد ان يكون المسيح جعل نفسه في داخلك. هذا البنيان الروحي الذي تكون قد أقمته في داخلك يجعلك مالكا نفسك في كل شيء وواقفا أمام كل شيء وما تطلبه مع جميع القديسين هو «ملكوت يسوع المسيح وصبره» (رؤيا 1: 9).

الصبر لا يجمدك ولا يحجّرك. عكس ذلك، يجعلك ذا حيوية رائعة في هذا العالم، محوّلا لما حولك ولمن كانوا حولك. صابرًا، أنت متحرك بامتياز، تحتمل السجون والتعذيب واضطهاد بعض الناس إياك لأن نفسك لا تعرف اليأس إذ يتنزل عليك الرجاء على الدوام.

الكثير مما حولنا مليء بالشرور. قد لا تغير أنت محيطك كله، ولكنك تغير نفسك وبعض الذين هم حولك. قد تأتي بناس كثيرين إلى الصبر فلا تخف من ان أشياء كثيرة لا تتغير في عائلتك وبيئتك وبلدك. جهادك وجهاد الذين معك هما الضمان الوحيد للتغيير. المتأففون والمتذمرون لا يغيّرون شيئا. الذين يشتمونك يسيئون إلى أنفسهم فقط.

ابقَ على أخلاقك وفي الخدمة المتواضعة والصمت أمام النمّامين والحاسدين لأنك بهذا قد تخلّصهم. اعرف انك قائم على الصخرة التي هي المسيح وان ما ينتظرك هو ملكوت أُعد فقط للذين صَلبوا أنفسهم مع الشهوات. أنت موعود بنور المسيح اليوم وغدا.

Continue reading