Monthly Archives

November 2009

2009, مقالات, نشرة رعيتي

من الرسالة الى أفسس / الأحد 29 تشرين الثاني 2009 / العدد 48

بولس في السجـن في روميـة يسمّي نفسه “الأسير في الـرب”. يحـضّ أهل أفسـس (غربي آسيـا الصغرى) أن يسلكـوا كما يحـقّ للدعـوة أي للإنجيـل الـذي بشـرّهـم بـه، ويميّـز بيـن كل الفـضائل: التواضع والـوداعـة وطـول الأنـاة (أي الصبر)، والأولَيان هما اللتان وصف بهما الرب يسوع نفسَه. ويحضّ بولس أهل أفسس على احتمال بعضهم بعضًا بالمحبة وليس كمن هو مضطرّ أن يحتمل الآخر.

وأعلى اجتهـاد عنده هو “حفـظ وحدة الروح برباط السلام”. وحدة الروح تتمّ بتطهيـر أنفسهم أي بخضوعهم للروح القـدس، ولعـلها تتضمن وحدة الإيمـان بحيث لا يتزعـزعون عن الإيمان الذي تسلّموه من الرسول. ووحدة الإيمان هذه، التي ليس فيها انحـراف، تمكّنهم من “رباط السلام”، والمسيح عند بولس هو السلام. ما من اتحاد بين المؤمنين ما لم يعيشوا في قلوبهم سلام المسيح.

غيـر أنه كان في حاجـة إلى أن يوضح منـابـع هذا الإيمان فيؤكد: “رب واحد”، وهذا عنده اسم المسيح، كما يؤكد “رب واحد، ومعمودية واحدة، وإلـه واحد”. إله واحد تسمية للآب على وجه التخصيص، وهو نفسه “أب للجميع واحد وهو فـوق الجميـع وبالجميـع وفي جميعـكـم”.

معموديـة واحدة إذ عبّر المعمّدون المهتَدون عن إيمـانهم الواحـد بالثـالـوث المقـدس، وهي التي نرتبط بها طول الحياة. لذلك كرّرنا في دستور الإيمان: “وبمعموديـة واحـدة لمغفـرة الخطايا”. وما التـوبـة التي تأتي كل الحياة إلا استمـرار هذه المعمـوديـة.

الله يسمّيه بولس أبًا للجميع، لجميع الناس ولا سيما للمؤمنين الذين يعترفون بأبوّته ويمـارسـون بنوّتهـم لـه. وهو فـوق المخلـوقـات جميعـًا ولا قياس بين أحد المخلـوقـات وبينـه. هذا كان لبـولس من العهد القـديم. هذا ما نسمّيـه التعـالي بالفلسفـة.

غير أن بولس لا تهمّه الفلسفـة كثيـرًا. لذلك يقـول إنّ الله بالجميـع اي انـه يعمل بواسطـة الخليقـة ولا سيما بواسطـة الإنسـان. وحتى لا يبـقى في التعميـم قـال “فـي جميعكم” اي أنتم المسيحـيين، فإنـه ليس فقـط بكم ولكن فيكم اي بالنعمـة الحالّـة فيكـم ومصدرها الـروح القـدس، هذا الذي يحـلّ “على مقـدار موهبـة المسيح” لأن المسيـح بعـد العــودة الى السماء هو باعثه إليكم. هو يأخذ ممّا للمسيح ويوزّعـه على النـاس مواهـب مختلفـة كما قـال في الرسالــة الى أهل رومية (الإصحاح 12).

قداستنـا تأتـي كلّها من السيد. نحن نتقبّلـها ونُفعّلهـا لمجد الله الآب.

Continue reading
2009, جريدة النهار, مقالات

هل من تجاوز للطائفية؟ / السبت 28 تشرين الثاني 2009

أظنّ أننا لم ننتبه ولم نستطع أن ننتبه الى طبيعة المشاعر الدينيّة والمخلّفات التاريخية في كل طائفة على حدة، فاعتبرنا تسهيلا للتأمل السياسي أن ثمّة كتلة واحدة تسمّى طائفة، ونظرنا الى هذا الكيان نظرة تجريديّة او حقوقيّة لتجاوزه في نظام الدولة. أتى ميشال شيحا إعدادًا منه للدستور ليرى الى الطوائف كأنها متماثلة، ونظر بخاصة الى الأقليّات والتمس حريّتها في مخزون ذاكرة عثمانية، وظنّ أن توازنًا بينها في العدل يؤمّن مشاركة لها في الدولة لا تبخس حق أحد. ولكنه لم يفرّق بين الإسلام والمسيحية في طبيعتهما. فرّق في رؤية الوجود المجتمعيّ. ولم يميّز في المسيحية بين الموارنة وغيرهم من المسيحيين او بين رؤية الأرثوذكس الى الإسلام التاريخيّ ورؤية الموارنة اليه.

ما أطرحه هنا أن موضوع إلغاء الطائفية السياسية ليس كافيا لتجاوز الطائفة الى ما هو أبعد وأمتن وأبقى أي الى الدولة القومية أو الوطنية. أظنّ أن طابع الفكر القوميّ قائم على أنك قادر بتربية وطنية او حزبية على تجاوز الانتماء الطائفي في خلُق حضاري الى انتماء آخر أوسع. وهذا الفكر تابع لنمطية غربية لم تكن معقّدة مثلا عندما اكتشف الفرنسيون بعد ثورتهم أنهم أُمّة. كانت هناك قشرة الملكيّة المتحدة بالكنيسة الكاثوليكيّة التي تُبعدهم عن مفهوم الأمّة، ولكنهم كانوا حقا أمّة كان ينبغي إزاحة النقاب عنها. أمّا عندنا فينبغي أن تُصنع الأمّة اذ لم نكن أمّة.

نحن جئنا من الحضارة الإسلامية ومن رؤية المارونية لكيانها وكيان الناس. عندما نسمع أئمة المسلمين او مفكّرين إسلامويين يذكرون الأمّة فهذا برجوعهم الى النص المقدس: “كنتم خير أمّة أُخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المُنكر” (آل عمران، 110)، وهذا لا علاقة له بالأمّة بمعناها القوميّ. ليس الإسلام رؤية روحية بحتة. انه أرضيّ أيضًا والأرض تعني سياسة. انا لست بقائل ان القناعة القوميّة ضرورية للتوحيد السياسي. بيزنطية والسلطنة العثمانية وامبراطوريّة النمسا- المجر ما عرفت وحدتها بالقوميّة ولكن بتنظيم الدولة المحتوية عدة إثنيات. لذلك يمكننا أن نفتش في لبنان فقط عن الدولة. وليس صحيحا أننا في الواقع جميعا دويلات. الإسلام كيان زمنيّ وأخرويّ معا وليس دويلة ولو أصرّ على الإبقاء على أحواله الشخصيّة. ولا يبدو أن أحدا في لبنان مستعدّ لتجاوز الأحوال الشخصية.

# #
#

أما المارونية في حركتها السياسية فلها في عمق مشاعرها مطالعة لنفسها وللبنان تختلف كثيرا عن مطالعة الإسلام اللبناني لنفسه. المارونية إثنيّة في مقهوريتها التاريخية وفي احتمائها في الجبل كوّنت شعبا بالمعنى الكامل. وليس في الوحدة الوطنية ما يمنع قيام إثنيات متعددة كما في بلجيكا وسويسرا. اليوم لا يبدو أن هذه الإثنية تُصرّ على أوّليتها في الدولة. وإن كان ليس للإسلام حديث قوميّ إلا أن وجدانه يقيم في الأوّلية لاعتبار نفسه الوحي الأخير والكامل ولكن في التحرك السياسي المعاصر هذا لا يضطرّه أن يكون إثنية. المارونية وإن انتمت الى الكثلكة عقيدة لا تتحرك -على الصعيد السياسي- كاثوليكيا في لبنان لأن الكثلكة أخذت تكتشف، ولو ببطء، القومية. الكنيسة الكاثوليكية إذا قيست بأرثوذكسية الروس واليونانيين الحادّين بقوميّتهم آخذة اليوم بالقومية في كل بلدانها. الإسلام والمارونية وكل منهما كتلة كيف ينتقلان الى دولة لكل الناس ويعترفان لكل الناس بالحقوق الواحدة بحيث يُلغيان أيّ شعور بالتفوّق او الأفضليّة او الكبر التاريخي او الإسقاط التاريخي لعظمة العقيدة.

الأرمن ظاهرة فريدة لأنهم قوميّة حقيقية في حسّهم ووطنية في لبنان وهذا ممكن عقليا وفعليا. قوميون ليس من طبيعة مسيحيّتهم اذ هذه لا تتضمن قومية ولكن بفضل تاريخهم لافتخارهم بأنهم اول دولة مسيحية في التاريخ. والى زمن قريب كان تراثهم الأدبي من إلهامهم المسيحي. في اعتقادي أن لبنانية الأرمن كاملة اذ ليس من تضارب بين فخارهم القومي وولائهم للدولة اللبنانية.

الروم الأرثوذكس يُقبلون قليلا الى وظائف الدولة. ولا يبدو أن لهم تحرّكا ملحوظا فيها. ما يميّزهم عن المسلمين أن مسيحيّتهم الشرقية لا قولة لها في السياسة بمعناها الواقعي ربما لأن مذهبهم لا يتضمّن قوميّة. ولعلّ فراغهم منها هو الذي دفعهم الى أن ينضمّوا الى غير تيار قومي. هذا التجرّد من القوميّة يكشف لي أن الأرثوذكس اللبنانيين او العرب مندفعون الى العلمانية ربما بسبب الالتصاق الكامل بكنيسة لا يرون فيها تحزّبا طائفيا. وتكشفهم موحّدين كثيرا على الصعيد الروحي ربما لأنهم أحرار من القبليّة. وهذا يدفعني الى القول انهم، كنموذج، أقرب صورة عن الاندماج بالدولة. فمن لا يطمح الى حضور دولتيّ مصغّر لا يطمح الى دور في الدولة الكبرى خاص به.

# #
# لم يبقَ كافيا أن نقول مع ميشال شيحا أن النظام الطائفي يتضمّن العدل او يقرب منه. هذا لم ينجح لأن الانتماء الى الطائفة لم يكن مجرّد انتماء الى دويلة، بل كان ايديولوجية راسخة في النفوس واعمق من الأعراض السياسية. كل المتأملين في هذا الموضوع عندنا يظنّون أن حلّ المشكلة هو بنقل الانتماء من دولة صغيرة الى دولة كبيرة. ولكن كيف؟ أفهم أن كسر الطوق الطائفي بالقانون في إلغاء الطائفيّة السياسيّة قد يكون له أثر كبير. ولكن مجرّد الدعوة الى مكافحة الطائفيّة في النفوس يمهّد الطريق الى إلغاء النصوص. هذا يفترض أن لتعلّق المواطن بطائفته نمطا واحدا. لقد بينّا أربعة أنماط تختلف المشاعر فيها والحوافز والمخاوف عند طوائف أهملناها.

هنا أسأل المسلمين ولا سيّما السنّة اذا كانوا يرون أن تحرّرهم من الدنيا كمكوّن في الإسلام مرغوب فيه كما يبدو مستقبل الإسلام في اوربا (سنشاهد بلا شك هناك إسلاما علمانيا). وهل سيعفّون عن رؤية العالم أنه في دنياه غير مقسوم الى مؤمنين ونصارى ملوّثين بالكفر ويهود لكونهم جميعا مواطنين، لا أسأل الموارنة شيئا لأني أفهم آلامهم ولكني أدعوهم الى اتخاذ كثلكتهم اتخاذا جديا في قبولها كل شرائح المجتمع على التساوي.

لا أسأل الأرمن ولا الروم الأرثوذكس شيئا لرؤيتي أنهم من الدولة كليا. إن نموّ هاتين الجماعتين في عمقيهما الروحي والثقافي هو ضمانة ثبوتهما في الوطن متساوين والكل.

ما حاولت أن أبيّنه باختصار أن ليس عندنا كلنا الصعوبات الواحدة التي تبعدنا عن الانصهار في الأمّة وأن البعد يجب أن يعالجه المفكرون بعمق. التعدد لا يعني بالضرورة الغنى الثقافيّ. في حالتنا يعني الافتراق أحيانا لأن الوحدة الفكرية او الوجدانية ليست مؤمّنة. كلّ من شرائحنا الدينيّة له درجاته يصعد منها الى الدولة.

هذا لا يعني أني لا أُقدّر تقديرا عظيما النشاط الثقافي والنشاط المجتمعي والسياسي اللذين يكسران السدود القائمة بين بعض من الطوائف والدولة من ناحية نظرية. فعلى تصويري للمسلمين والموارنة أُدرك أن بينهم من تخلّى عن رواسب التاريخ وأحيانا بعض اللاهوت، ولكني أقول للعلمانيين والقوميين ان المسألة ليست بكسر سدود الطوائف ولكن بمعالجة أخطاء هذه او امراضها من الداخل. الوطنية اللبنانية لها أن تقوم ولكن سطحيا على إلغاء الطائفية السياسية. ولكنها لن تتأصل الا بعد النقد الروحي والتاريخي تقوم به الطوائف المتطيّفة لنفسها.

Continue reading
2009, مقالات, نشرة رعيتي

المسيح السلام / الأحد 22 تشرين الثاني 2009 / العدد 47

يستهلّ بولس هذه الرسالة بقوله إن المسيح هو سَلامُنا اي فيه تتم المصالحة بين اليهود والأمم (الوثنيين). لهذا قال “هو جعل الاثنين واحدا”. كان بين هذين الشعبين حاجز أي العداوة التي أبطلها السيد بإبطاله فرائض الشريعة الموسوية (الختانة، المحظورات الطعامية إلخ..) فجعل من الاثنين أي من الشعبين “إنسانا واحدا جديدا” بإجرائه سلام كل منهما مع الله في موته على الصليب. وفي هذه المصالحة مع الله وتلك التي بين اليهود المتنصرين والأمم المتنصرين جسد واحد، وبولس في عدة مواضع يقول ان الكنيسة جسد المسيح اي كيانه الظاهر في العالم بالكلمة والأسرار المقدسة.

أبطل هذه العداوة في نفسه اي في ذاته المصلوبة والقائمة من بين الأموات. جمع منكم البعيدين (اي الوثنيين أصلاً) والقريبين (اي اليهود) لأنهم كانوا يعرفون الله الواحد ويعرفون انبياءه. بعد هذا قال الرسول: “لأن لنا به كلينا (اي اليهود والأمم) التوصل الى الآب (لأن الآب هو المنتهى) في روح واحد” ويعني الروح القدس.

فإذا كانت هذه هي المسيرة، “لستم بعد غرباء ونُزُلا (اي ضيوفا) بل مواطني القديسين” (غالبا يقصد بهم المسيحيين الساكنين اورشليم وأهل بيت الله). ثم يتابع: “وقد بُنيتم على اساس الرسل (الإثني عشر) والأنبياء” الذين تُتلى كُتُبهم في الكنيسة. والبناء القديم لا يقوم فقط على الأساس، ولكن على حجر الزاوية الذي نُسمّيه في لبنان حجر الغلق، إذ بناء العقد في الجـبل عندنا يقوم أولا على الحجارة المتلاصقـة بلا لحمـة من كلس او ما شابـه ذلـك، ولكن يكون فيها الواحـد الى الآخر، حتى يـأتي معلّم العمار ويـضع في السقـف حجر الغلق الذي يـجمع جـوانب المبـنى وهو الذي يـجعلها لا تـسقط. بهذا الحجر شبّه الرسول يسوع المسيح وبه “يُنسق البنيان كلّه”. هذا يعرفه عندنا الذين يبنون العقد.

ثم يترك بولس الصورة ويعود الى البنيان الروحيّ، فيقول انه يُبنى “هيكلا مقدّسا في الرب”. نحن نعرف أن البنيان الحجريّ لا ينمو، ولكن الرسول هنا أخذ صورة أخرى، صورة الحجارة الحيّة التي هي نحن فتنمو معا بسببٍ من تماسُكها بفضل حجر الزاوية الذي يضبطها جميعا ويوحّدها.

لذلك قدر ان يختم هذا المقطع من الرسالة الى أهل أفسس بقوله: “وفيه (اي في الرب) انتم ايضًا تُبنون معا مسكنا لله في الروح (اي في الروح القدس)”. انتم هيكل حيّ. تُبنون معا لأنكم متّحدون. تصيرون بعضكم مع بعض مسكنا لله في الروح.

نحن إذا استعملنا عبارة “بيت الله” لا نقصد المبنى ولكن نقصد جماعة المؤمنين ونزيد على وجه التدقيق اولئك الذين يسكنهم الروح الإلهي بنعمته. المبنى الذي نصلّي فيه يُسمّى كنيسة

لأن كنيسة الله (اي الجماعة) تجتمع هناك.

Continue reading
2009, جريدة النهار, مقالات

استقلال لبنان / السبت 21 تشرين الثاني 2009

في طفولتي او مطلع شبابي نصب الطرابلسيون المتاريس ضدّ الاستعمار الفرنسي المقرون آنذاك برفض لبنان. ولما كنت أجتازها من بوابة الحدادين الى المدرسة في الزاهرية كنت أسمع المسلحين يرددون: «بدنا الوحدة السورية إسلام ومسيحية». أذكر ايضا ان البرلمان في جلسة 8 تشرين الثاني 1943 ألغى كل حقوق فرنسا الواردة في الدستور. بعد ثلاثة أيام كان ما يسمّيه الفرنسيون عيد الهدنة فعطّلت مدسة الحقوق التي كنت أطلب العلم فيها وانكفأتُ الى طرابلس ولاحظت (وأنا مدنيّ آنذاك) أن مظاهرة تلامذة ابتدائيين وثانويين خرجت من المدينة القديمة ووصلت الى ساحة التل التي كنتُ جالسا في أحد مقاهيها، وفهمت توا أن هذا كان احتجاجا على سجن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وبعض من الشخصيات التي كنت أعرف منهم عبد الحميد كرامي لأنه كان يسلّم عليّ في الطريق وانا طفل كل مرة التقيته، ولما اجتازت المظاهرة بعضا من طريق الميناء جابهتنا دبابة فرنسية وقتلت منا أحد عشر شابا. وأخذت مع غيري اجمع جثثا مشلّعة. في تلك اللحظة ألغيت فرنسا من دماغي. تحقق الاستقلال في نفسي.

قبل هذه الميتات كنت قد قرأت في البيان أن لبنان «لن يكون للاستعمار مقرّا ولا الى شقيقاته العربيات ممرّا». ففهمت أن المراد بهذه العبارة العظيمة أننا اتفقنا على رفضين: رفض الانتداب ورفض الوحدة السورية.

بعد هذا بخمس سنوات نشأت إسرائيل. قبل ذلك بأيام قليلة التقيت للمرة الأولى كمال جنبلاط في باريس التي كنت فيها طالب لاهوت، فسألته عن غرض زيارته فأجابني انا ذاهب الى إنكلترة لأشتري سلاحا للدولة اللبنانية.

اذا جمعت الميثاق الوطني واحتلال الصهيانة لفلسطين ماذا أفهم؟ أفهم بالدرجة الأولى أننا في العمق وفي الجهاد ضد اسرائيل، وبقيت حتى اليوم أفهم أننا معها في حالة عداء وأنني لا أرى وسيلة للسلام بيننا. وكتبتُ في ما بعد هذه دولة «حُبل بها بالإثم ووُلِدت في الخطيئة». ومعنى ذلك، اننا لا نستطيع اليوم ولا غدا أن نعاشر دولة زانية.
# #
#

منذ بضعة أشهر طرحت على نفسي سؤال حيادنا على طريقة سويسرا التي قضيت فيها فترات من عمري. فأدركت أن حيادها صيغة قانونية تقضي بأن تقبله جاراتها لينتفي التعدّي من الطرفين. وفي الواقع بقي هذا البلد سالما في الحربين الكونيتين الأولى والثانية. وكان واضحا عندي أن سويسرا مؤلفة الى فئات وطنية صغيرة من فرنسيين وإيطاليين وألمان وأن هذه الشعوب الثلاثة تعتبر نفسها سويسريّة فقط.

اذًا لا حياد لنا لا تعترف به إسرائيل. تبقى سوريا. هنا يطنّ في أذني كلام الرئيس حافظ الأسد: «نحن شعب واحد في دولتين». الى جانب تصريحات متتالية منه ومن الرئيس الدكتور بشار الأسد ليس من حياد عن سوريا ما دامت الدولة العبرية التي تنعت نفسها باليهودية رافضة له. السؤال الباقي حول استقلالنا عن الأخت الكبرى ليس سؤالا قانونيا بعد التبادل الديبلوماسي. هو سؤال أدبي بل كامن في الوعي التاريخي عند إخواننا وهو هذا: هل يعتبروننا جزءًا منهم. الجواب أن سوريا الكبرى لم تكن متكوّنة في العصر العثماني ولا بعده من الناحية القانونية. لم ينفصل تاليا أحدنا عن الآخر بالمعنى القانوني. السؤال الذي قد يبقى في أذهان أشقائنا هو هذا: هل كان على اللبنانيين أن يرفضوا إعلان لبنان الكبير في الأول من ايلول السنة 1920.

عدد كبير من اللبنانيين رفض لبنان الكبير آنذاك وبعد هذا التاريخ بسنوات عديدة (مؤتمر الساحل، حوادث 1958) الى أن استقرّ الولاء اللبناني عمليا في عهد فؤاد شهاب وفي الطائف ونصّ على نهائيته في الدستور الجديد.

في الوقت الحاضر ليس من لبنانيّ واحد يرفض الاستقلال وجدانيا وقانونيا. ليس عندنا إحصاء او استفتاء يدلّنا عمّا اذا كان الشعب السوري يريدنا أن ننضم اليه. ونحن قد اتّفقنا في ما بيننا ألا نعقد زواجا كاثوليكيا مع احد. هذا هو الواقع الذي نرجو أن تراه سوريا على كل مستويات وجودها لأن هذا شرط لثبات الأخوّة.

الدول تدول اي تنشأ وتموت. الوحدات الوطنية قد تنقسم. «كل من عليها فانٍ ويبقى ربّك ذو الجلال والإكرام» (سورة الرحمن 26 و 27). لا تعيش الدول في الماضي ولا في الحسرات. واذا اعتبرنا مع الرئيس حافظ الأسد أننا شعب واحد فالشعوب ايضًا تتشتّت وتنتظم في دول مختلفة. ليس من شعب مقدسة وحدته وما من شعب مختار. الشعوب والدول مجرد إمكانات.

هذه ليست صرخة إزاء أحد. هذا حب للبنان وسوريا معا اذ ليس من كيانين مرتبطين كما من رحم واحدة مثل هذين الكيانين.
نداؤنا نحن أبناء هذا البلد للإخوة السوريين أن أحبونا كما نحن نحبهم. وانت والحبيب الذي تتوق اليه لا تتساكنان قبل الزواج. نحن والسوريون نعيش في التوق بعضنا الى بعض وهذا عظيم جدا. وهذا كافٍ ليتحول التوق الذي يربطنا الى تعاون وثيق على كل الصعد بما في ذلك النمو الاقتصادي للبلدين والمشاركة الفكرية في إطار الثقافة العربية.

منذ سنوات كنتم تشتكون من موآمرات عليكم. من له هذه الرغبة الآن وقت تتقرب اليكم دول كبرى ودول متوسطة او صغرى. ما قوة لبنان المهشّم، الباقي بأعجوبة ليؤذيكم بشيء. اذكر في الماضي القريب والبعيد أن ديبلوماسيتنا كانت معكم في تلاقٍ او توازٍ. نحن ليس لنا أن نهدد أحدا. ضمّونا اليكم بالحب تروا منا العظائم. اجعلونا وإياكم واحدا بالسعي المشترك الى بهاء بلدين متعانقين في استقلال كل واحد، في ذاتية كل واحد.
# #
#
اما عيد الاستقلال الذي لم يحن وقته بعد هو أن يستقلّ كل رجل سياسة عن شهواته. هذه منعتنا وهذا جلاله. لبنان المستقلّ في الداخل هو من تعرّى من ثوب الفساد، كل فساد. ماذا ينفع الإنسان إن كانت حدوده كلها مصونة وقلبه غير مصون. ماذا ينفع »اللبنان« اذا ربح العالم كله وخسر نفسه، او ماذا يعطي اللبناني فداء عن نفسه. نريد وطنا عظيم التهذيب لا أثر فيه للشتيمة والبغضاء في حقل العمل الوطني، يجمع ساسته الصدق والعلم والإخلاص، وطنا معطاء لأبناء له يزول عندهم البؤس ويُغنون بعضهم بعضا بالمحبة، يستثمر كل إمكاناته ولا يهمل واحدة حتى تتحقق كل طاقات العدل. واذا استتبّ العدل في كل المناطق سواسية لا يبقى مجال لفتك الطائفية، الطائفية بكل جوانبها. لن تزول هذه الآفة بالإنشاء حتى لا يبقى بون بين الكلمة الحلال وتنفيذها لصالح المواطنين.
لن تعود الثقة بين هؤلاء والحكام ما لم يُثبت هؤلاء أنهم خدّام لكلّ الناس. لا يأخذ السيادة الا من كان ماسحًا لأرجل الفقراء.

هذا البلد هو الذي يتمناه أبناء لبنان، هذا الذي يكون قد حقق استقلاله الداخلي عن ذنوب الخطأة.


Continue reading
2009, مقالات, نشرة رعيتي

النعمة / الاحد 15 تشرين الثاني 2009 / العدد 46

الله أحيانا مع المسيح حين كنا أمواتًا بالزلاّت. ما قاله بولس في الرسالة الى أهل أفسس أن السيد أحيانا عندما صلبه اليهود. إنه ألصقنا بنفسه، ولأنه كان حيًّا أمات الخطيئة فينا. نحن مرحومون منذ ذلك الوقت.

قوله «بالنعمة أنتم مُخلَّصون» أراد بها شيئين: أولاً ليس ناموس موسى يخلّصكم، وليست أعمالكم تخلّصكم. هي نتيجة النعمة فيكم. الله دائمًا هو المبادر بالنعمة. أنتم تتلقّونها بالطاعة. يتصوّر البسيط في معرفة الإيمان أنه إذا قام بأعمال صالحة يخلُص. السؤال هو مَن مكّنه من القيام بالأعمال الصالحة.

أنت عطاء الله. أنت ثمر. نجاتك من هبة الله إليك. فبعد أن قال في هذه الرسالة انه أحبّنا، قال: «وأقامَنا معه وأجلسَنا معه في السماويات». الفكرة في هذا القول أننا لا نقوم اليوم فقط بالتوبة، ولكنا قمنا آنذاك وصعدنا معه الى السماويات.

نتيجة لذلك يُظهِر الرب في الدهور الآتية «غنى نعمته باللطف بنا في المسيح يسوع»، فقد ظهر لطف الله لمّا تجسّد الابن الحبيب وتحرّك بيننا، وعرفْنا كمال اللطف بصليبه وقيامته. وهنا ألحّت على الرسول قناعته التي أظهرها سابقًا أننا بالنعمة مُخَلّصون بواسطة الإيمان، ذلك أن الإيمان هبة الله أولاً، وبعد ذلك تأتي طاعتنا للإيمان.

وحتى لا يخامر القارئ شكّ بأن الإيمان مبادرة الله إلينا، أكّد أنّ الإيمان عطيّة الله. وليزيد التأكيد قال «ليس من الأعمال لئلا يفتخر أحد». لذلك قال بولس في الرسالة الأولى الى أهل كورنثوس: «مَن افتخر فليفتخرْ بالرب».

يعود الرسول ليؤكّد اننا صُنْعُه «مخلوقين في المسيح يسوع كائنين فيه بقوة روحه القدوس». مخلوقين لأي شي؟ «للأعمال الصالحة». تلك هي غاية وجودنا. وهذه الأعمال الصالحة «سبق اللهُ وأعدّها لنسلُك فيها». أي في كل مرحلة من مراحل حياتنا الروحية، تبقى المبادرة لله.

أجل نتلقّى العمل الصالح كهبة. يقدّمه لنا الله. لا يرغمنا عليه إذ نحن كائنات أحرار نُدخل الى نفوسنا العمل الصالح المعدّ لنا. دورنا أن نتلقّى العمل الصالح الذي يقترحه الله علينا. الحرية لا تعني أن نختار بين الخير والشر. هذه قوّة نفسيّة كامنة فينا. ولكن بدون النعمة لا نقدر ان نختار الخير. «وتعرفون الحق، والحق يُحرّركم».

الحرية الحقيقيّة ليست هذه القوة النفسانية التي تجعلنا نختار بين الخير والشر. السؤال السابق لهذا هو بأية قوة تختار. هل عندك قوة المسيح اي النعمة؟ فإذا قبلتها تصبح، عند ذاك، محرّرا من ضغوطات الشهوة عليك وتتحرر من وطأة الخطايا.

الحرية الكبرى التي تُوصلنا الى السماء هي اختيار القداسة. اذ ذاك، تبدأ رحلتنا مع الله.

واذا تبرأنا من الخطيئة بالموت كما يقول الرسول، تنشكف لنا قوّة الحرية التي في المسيح.

الانعتاق من عبودية الخطيئة، هذا هو المبتغى، وهذا عطاء النعمة.

Continue reading
2009, جريدة النهار, مقالات

ملكوت السماوات / السبت 14 تشرين الثاني 2009

«توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات» قالها يسوع في بدء بشارته. المراد بهذا ان الملكوت حلّ بمجيء الملك أي يسوع. في الحقيقة ان الملكوت جاء بموته على الخشبة وأخذ الانسان يحبه اي اخذ الإنسان يرى الملكوت في جسد الناصري الممزّق. هل من ملكوت ممكن بلا ذاك الدم، هل نتكوّن من غير الألوهة المسكوبة؟

يقول علماء الكلام اللاهوتي عندنا ان الكنيسة نشأت منذ حلول الروح القدس على التلاميذ لمّا اجتمعوا في العلّيّة خوفا من اليهود فخرجوا منها يتكلّمون بألسنة أنزلها الله عليهم إذ إن لغتهم كانت، اذ ذاك، كلمة الله عينها فانتفت منهم عبودية اللحم والدم وما يُنتجانه من فكر، فباتت عقولهم عقل الله نفسه وقلوبهم غدت قلب الله. ملكوت الله يعني أن ليس هناك عبيد. «الذي يصنع الخطيئة عبد للخطيئة» (يوحنا 8: 34). يحلّ الملكوت اذا بطل العبد عبدا واذا صرنا جميعا ملوكا. هكذا صاحب سفر الرؤيا يرانا متوّجين في حضرة الإله الملك اي لم يبقَ المخلوق دون الخالق جلالا ولو بقيت المخلوقية دون الخالقية في الجوهر. المهم الجلال.

هناك موقع واحد في الكون يتّحد فيه الإنسان بالرب اتحادا كاملا وهو القداس الإلهي اذ تأكل انت جسد الرب ويأكلك فتصيران واحدا لا في فناء ولكن في حبّ. طبعا هناك مشكلة كبيرة بين المحب والمحبوب ولكن العقيدة تقول ان الله متعالٍ ولو كنّا اليه بمحبته لنا وبمحبتنا له.

# #
#

في أيّ مدى يمتدّ ملكوت الله؟ هل له حيّز او زمان؟ اول ما يتحتّم تأكيده ان السيّد لما قال: «توبوا فقد اقترب ملكوت السموات» عنى أن الملكوت جاء بالملك وفي الملك اي هو. الى هذا يقول المعلّم في لوقا: «ملكوت الله في داخلكم» أي ليس عندنا حيّز. واذا قال: «طوبى للمساكين بالروح فإن لهم ملكوت السموات» في متى فيدلّ على حالة روحية تبدأ هنا بالحصول على الفضيلة التي تُلازم الميت بعد موته إن بقي عليها. وطبعا فوق ليس من حيّز لأن الله إن قلنا عنه انه في كلّ مكان نعني انه لا يحدّه مكان بمعنى أن مقولة المكانية لا تنطبق عليه.

سيادة الله هي التنزّه عن المكانية. والذين يتوفّاهم من موت لا ينقلهم الى موضع من مواضع سيادته فإن هذا تعبير في قداس يوحنا الذهبي الفم للدلالة على أن الألوهة تضمّ كلّ شيء اليها ولا شيء يتغيّر موضعه اذا ضمّه الله اليه.

انت في الملكوت تعني لنا انك ملكوتيّ اي ان الله سيّد عليك وفي أبعد رؤية أن ليس من مدى او من زمان فيك خارج عن سيادة الله عليك.

والزمان هنا لا يحدّ امتلاكك من الله. عندما نقول: «ليأتِ ملكوتك» لا يتضمّن هذا أنه ما أتى إنما يعني انه دائما آتٍ. فالمسيح «كان وكائن وسيكون». عندما يختم بولس الرسول رسالته الأولى الى أهل كورنثوس بالعبارة الآرامية «ماران أثا» مكتوبة بالحروف اليونانية المتلاصقة لا نعرف إن كتبها «ماران أثا» اي الرب أتى او كتب «مارانا ثَ» أي يا رب تعال. ترجيحي انه أراد فعل الأمر اي تمنّي عودة المسيح لأن هذا هو المعنى الوارد في آخر سفر الرؤيا (22: 17).

نحن اذًا في الملكوت الذي جاء بالمسيح ونحن ايضًا اليه اذ نطلبه في الصلاة الربيّة ونؤمن أنه يجيء الينا بالقرابين المقدسة اذ نقول عنها في القداس البيزنطيّ انها «كمال ملكوت السموات». كيف نقول ان هذه القرابين هي الكمال وبعد قليل نطلب أن نشترك بحضور المسيح الأول (إيمانا) وبحضوره الثاني (رجاءً). كل شيء على هذا الصعيد كان وكائن (مستمرّ) وسيكون.

# #
#

سؤال شغل اللاهوتيين المسيحيين. اين الكنيسة من كل هذا؟ هل هي الملكوت؟ هل الملكوت فيها؟ الجواب الذي أجترئ عليه أن الكنيسة التي هي جسد المسيح لها علاقةٌ ما بهذا الملكوت. ولكن الكنيسة ليست فقط جسد المسيح اي امتداد كيانه. انها ايضا بشر، مؤلّفة من بشر يتلقّون روح الله بمقدار وأحيانا يتلقّون قليلا منه. المسمّون مسيحيين، المعمّدون، أنوار ساطعة او ناس مُظلمون وكلهم بلا استثناء خطأة والملكوت غير منتشر في الظلام.

غير أن القداس يُقام في الكنيسة. هي ملكوت بمقدار ما تبتلع القداس او تأكله. فيها ملكوت يطارد الظلمة. الشيء الرئيس عندنا أن بيننا وبين المسيح تزاوُجا روحيا. وهذه الزوجية تمّت على الصليب بالدم ككل زوجية.

الى هذا فالعبادات عندنا تنشئ قديسين. هؤلاء القريبون من الكمال ساكن الملكوت فيهم بكثافة وهم حاملون إخوتهم الضعفاء العرج روحيا والمهشّمون والصُمّ والبكم روحيا الذين يرتجون شفاء المسيح. الكنيسة شعب الله اي ذاك الذي يُكوّنه الله بالكلمة. الكنيسة قائمة فقط من حيث ان الله بانيها ولكن الشيطان يهدمها ايضا ويقسمها ويفتّتها.

لك ناظرا اليها أن ترى فيها قباحات كثيرة، ولك أن ترى فيها جمالات. إن كان نصيبك أن ترى فيها البهاء الإلهي فأنت أسعد الناس، وإن وقفت عيناك على الأقذار تتعذب إن كنت مؤمنا.

حياتنا في الكنيسة فيها عذاب كثير. الوسخ دائم والتنظيف دائم، وهذا باقٍ الى الأبد. هناك دموع دائمة والمسيح وحده ماسح الدموع. يعزّيك قلائل. بعضهم تعزياتهم دائمة لأنهم أقوياء. نفوسهم تسكن في الخيرات وانت تذوقها إن كنت مؤهلا لهذا. عند ذاك، يتسلل اليك الملكوت.

غير أن الصدمات والخيبات تبقى نصيبك في أرض الأحياء. وإن تهشّمَتْ في كنيسة الله أعضاؤك تعرف أن الذي شفى العرج هو يقيمك من موت في دنياك لتفرح قبل أن تنقلك الملائكة الى السماء. وفي اليوم الأخير فقط تصبح الكنيسة هي العروس.

السؤال الثاني والذي يُقلق الحَرفيين وهم كُثر هو ماذا سيحصل بغير المسيحيين إزاء حقيقة الملكوت؟ نحن ليس عندنا فرقة ناجية وفرق هالكة. إلهنا إله رحمة واثنان او ثلاثة من الآباء قالوا انه سيلغي الجحيم ولكن احدهم حذر من نشر هذا التعليم. ما أجسر أن اقوله بانتظار الكشف الأخير أنني لا أخوض الآن حديث السماء وجهنّم ولكن حديث ملكوت الله اي سيادة الله على القلوب، والمسائل الأخيرية شيء آخر. انا حصرت نفسي في التحدّث عن سيادة الله على القلوب وفي تطهيره لها، وهذا شيء يختلف عن التكلّم على المعمودية. ما أَعلنه الله طريقا الى الخلاص اي ما جعله سرّا كنسيّا لم يقيّد به نفسه. انه يقيّد به الذين بلغتهم رسالة الإنجيل. اما الآخرون فهم له اي إنهم في تدبيره وفي حريته. لهذا قال احد آبائنا: «مَن لم تعمّده الكنيسة (بالماء) يعمّده عريس الكنيسة» اي المسيح، اي يكون من الفرقة الناجية إن أحببنا هذا المصطلح.

المسألة هي هل دخلتَ الملكوت في الحب او دخل اليك بالحنان الإلهي أكنت عضوًا في الكنيسة أم لم تكن. بكلام آخر يستطيع المسيح أن يجعل منك عضوا في جسده بمجرد اختياره لك. وهنا يستعمل بعضٌ عبارة «الكنيسة غير المنظورة».

من هذا المنظار أرى الى حبيبين لي خارج المسيحية بمعناها الشرعيّ وهُما رابعة العدوية والحلاّج والبعض من رفقائهم في الإسلام. قد أنظر بالعين نفسها الى غاندي الذي عقد عزمه أن يحب حتى آخر ذرّة في جسده.

الى هؤلاء وأولئك جميعا جمالات العالم وليس فقط جمال الناس. فالشعر العظيم في الملكوت او الملكوت فيه. لا أستطيع ان أسمّي كل السمفونيات ولا كل قطع الإنشاد البيزنطيّ والغريغوريّ ولا كل الأيقونات ولوحات أوربا والصين والنمنمات الفارسية. كل حنان الأمهات اللواتي لم يصطبغن بالماء المقدس، كل أنين الجائعين في افريقيا، هذا الشاب الذي يموت الآن من السرطان فيما أكتب هذه السطور، هذه كلها ملامح او تجلّيات الملكوت الإلهي.

سألني مرة صديق فيما كنا نواكب معا شخصا ارتحل: هل نسمع السمفونيا التاسعة في السماء. أجبته: ليس في السماء أصوات. نلتقط جوهر السمفونيا التاسعة.

الملكوت أشخاص يحملون معنى الله وحبه ومدلولات الكلمات المحيية في دنيا البهاء الإلهي النازل على البشر وصوَر الإبداع. هذا كان وسيكون حتى نلبس معا جلال الله.

Continue reading
2009, مقالات, نشرة رعيتي

شُو ناقصني!/ الأحد 8 تشرين الثاني 2009 / العدد 45

شُو ناقصْني تَصير خوري او مطران؟ جوابي عن هذا أن العارفين هم يدلّونك على النقص الذي فيك. المؤمنون الصالحون لا يقدّمون أنفسهم كعارضات الأزياء. في تاريخ آبائنا اللاهوتيين او النساك، عندما كانت الرئاسة الروحية تقول لإنسان إنها تريده أسقفًا، كان يهرب الى الجبال إذ يعتبر نفسه غير مستحقّ. انا لم أقرأ عن رجل في التاريخ القديم قال مرة: أنا جيّد ومؤهّل. تعالوا وانظروا وقولوا لي ما يعوزني لأصير كاهنا او أسقفًا.

عندما تتّخذ الرئاسة الروحية قرارًا، هي لا تزكّيه على صفحات الجرائد، أو لا تكون قد قالت لماذا لم تتّخذ شخصًا آخر لأن الكلام السلبيّ نميمة. منذ خمسين سنة او أقل شغرت أبرشية طرابلس وانقسم الناس، وكنتُ أحد الراغبين في أحد المرشّحين، وكان الفريق الآخر يسألني لماذا أنت ضدّ فلان، وكان جوابي أنا ما قلت إني ضدّ صاحبكم . أنا قلت إني مع مرشّحي، وأستــطيـع ان أكشـف خـصالـه. وليــس مـن المـأساة ألّا يـصل أحـد الى مركز يشتهيه. تبقى الدنيا تدور، ونموت وتبقى الدنيا دائرة.

في ما يـتعلّق بـالقسوسيـة او الشموسيـة، لا نــجـد فـي الأزمنـة المقدسة إذا شغر موضع في الرعيـة أن أحدًا جـاء الى المطـران وقال له: أنا يـمكنـني أن أصيـر خوري. أولًا قـالـت العـرب: طالب الولايـة لا يُولّى. يا صاحبي هذه أمور لا يطمح المرء إليها ولا يطمع بها، وقال الكتاب: “لا يـأخذ أحد هذه الكرامة إلا مَن دعاه الـله”. واذا أرادك الـله من سمائـه، لا يـعلن لـك ذلـك، ولكنه يـعلنـه لـلمطران وهـو يـذهب اليـك ويـقول لـك ألهمني الرب أن أدعوك الى الكهنوت.

هناك شيء واحد انت تعرفه، وهذا وحده في تراثنا أنك في حاجة الى توبة وأن طريق هذه هي الرهبنة. فاذا ألحّت التوبة وقرعت باب قلبك وهزّتك هزّة عنيفة، تختفي من هذه الدنيا وترجو رئيس دير أن يقبلك مبتدئًا وقد يجعلك كنّاسًا في الدير، وهكذا لمّا دخل القديس يوحنا الدمشقي الى دير مار سابا قرب بيت لحم وكان وزير مال عند العرب كلّفه رئيس الدير ان ينظّف أماكن قذرة. دخول انسان الرهبنة يعني أنه يعترف بأنه لا شيء والله وحده يقول له في اليوم الأخير إن كان صار شيئا.

قبل خمسين او ستين سنة، كان الناس يقولون إن الشرط الأساسيّ لدخول الخورنة أن يكون المرء جميل الصوت. ماذا يعرف وماذا لا يعرف لم يكن همّا لأحد. هذا زمان ولّى. زمان المعرفة البسيطة أيضا ولّى، والقوانين القديمة تحدّثت عن معرفة تفسيرية للكتاب المقدس.

ثم كيف تُقدّر انت أخلاقك وحياتك الروحية. ربما لم يظهر لك أن عدم الاستقامة في المعاملات كان شيئا كريها. ربما لم تفهم أن الأدب الجمّ في حياتك العائلية أساسيّ. غيرُك ينظر في آدابك ويقبلك أو يُعرض عنك وليس مضطرًا الى تبرير موقفه.

لا تطمع بشيء لأن الطمع من مجد العالم.

Continue reading
2009, جريدة النهار, مقالات

التواصل / السبت 7 تشرين الثاني 2009

إن الاتصال الحقيقي بين الناس والناس ليس بالأمر السهل كما يظن ازكثرون لأنهم لا يتكلّمون في الحقيقة لغة واحدة. واللغة ليست الكلمات التي معناها في القاموس الكلمة هي المعنى الذي فيك اي المرتبط بثقافتك ومشاعرك ومذهبك وتربيتك. القاموس ييسر التخاطب لأنه كتاب مصطلحات اتفق القوم على مدلولاتها. واذا تجاوزت الألفاظ المدلول الحسي فليس لها عندي وعندك الحدود نفسها او العمق نفسه وما بقيت على مدلولها من جيل الى جيل. ففي بيئة مثلا يطغى على الحب معنى الاستيلاء وفي بيئة يطغى معنى العطاء. فقد يصرح الشاب لشابة بحبه ويخامر شعوره معنى التسلّط ولا يخامرها هي معنى الانسياق اليه وقد يخالطها شعور الانصهار او الذوبان. الكلمات ذات ألوان او أنغام. ترقص عند بعض ولا ترقص عند بعض. تتجلّى او تعتم. تحيي او تميت. لذلك كانت الكلمة احيانا اداة فصل لا وصل.

في بدء الخليقة -حسب حكاية سفر التكوين- «كان لأهل الأرض لغة واحدة وكلام واحد». ثم أرادوا أن يبنوا لهم مدينة وبرجا رأسه في السماء اي انهم استكبروا حتى قال الله: «فلننزل ونبلبل هناك لغتهم، حتى لا يفهم بعضهم لغة بعض». في الحقيقة هذا ليس حديثا عن افتراق الشعب وحسب. انه حديث رمزي عن افتراق الأفراد. لقد نشأ فينا الخلاف حتى بتنا غرباء بعضنا عن بعض.

هذا ليس فقط في اللغة اذ العالمون منا يستطيعون ان تتقارب مفاهيمهم اذا أحسنوا مطالعة القواميس. المشكلة لا تنتهي هنا. المشكلة ان تدمّر الآخر مع لغته. من هنا ان بعض المستعمرين رغبوا في القضاء على لسان شعب استعمروه اذ بلسانه يبقى هو اياه وتاليا يتحدى. في ظلّ الاستعمار العثماني للبلقان كان منع الأتراك للغة اليونانية جزءًا اساسيا من إلغاء الشعب اليوناني ومَن استشهد في اليونان كان سبب شهادته نضاله في سبيل الحفاظ على اللغة. ولذلك كان إحياؤها في ايّ بلد إحياء الذات القومية. اللسان الواحد كان التعبير عن الحب.

ان مجرّد الاستعمال للألفاظ الواحدة لا يوصلنا دائما الى القصد. ماذا حصل اذا ركبت الجملة حسب قواعد اللغة ومدلولات الألفاظ التي المعاجم حتى يفهمك الآخر خطأ. لعلّ هناك سهوًا او بغضًا لمحدّثك يدفعك الى تشويه ما أراد. لعلّْ هناك تأويلا لما قال بحيث تلزمه بمعنى لم يرده. اللغة ليست لغة. هي «حكمة وروح». وكما هما يدا الله الآب كما قال ايريناوس أسقف ليون هما كذلك عند الإنسان. والحكمة عندنا تواصل الحكمة والروح الروح. ويأتي التعبير أداة وصل او أداة فصل فاذا جاء وصلا تتم الوحدة بينكما بكلمات القاموس وبلا قاموس. الأدوات لها أن تزول اذا كان القلب الى القلب.

#   #

#

لا نستطيع ان ننفذ الى أعماق هذا التأمل ما لم نقبل قول «محيط المحيط» في شرحه للفظة لغة، قوله: «لا يبعد ان تكون مأخوذة من لوغوس بالينانية ومعناها كلمة». هذي قناعتي ايضًا. واذا عدنا الى مطلع إنجيل يوحنا «في البدء كان الكلمة» يليها «والكلمة كان عند الله» والحرف اليوناني الذي نُقل الى العربيّة «عند» يعني عندهم الى او نحو فيأتي المعنى ان الكلمة يتجه او يتحرك الى الله. واذا اسقطت هذا على لفظة الكلمة بمعناها البشري ينبغي ان نفهم ان الكلمة البشريّة لا قيام لها الا بصدقها، او بتحركها الى الحقيقة. ولكونها ليست دائما صادقة تولد على الأقل التباسًا وعلى الأكثر اختلافًا ولا يتمّ التواصل بين الصادق والكذوب ويأتي، اذ ذاك، الكلام سكاكين.

وفي معنى أظنه قريبا من روح اليوناني ان كَلَم فلانا تأتي بمعنى جرحه. والجرح ألم. لذلك ليس من نأي بين الكلمة وحقيقة الإنسان الطاهر الصافي. ما من بون بين ما تقوله وما انت عليه. وهذا هو أساس الشهادة باللسان كانت ام بالدم. فاذا حملت سمة النقاوة تنتقل منك وانت كليم اي جريح او متكلّم. تحكي حكاياك بلفظ او بغير لفظ ودائما بحب. الحب اذًا هو ينتقل وينقل وهو التواصل.

واذا شئت هو الوصال. نستعير اللفظة من المحسوس الى المعقول فكما يتوحّد الرجل والمرأة بالتراحم كما يقول القرآن يتواصل الإنسان والإنسان بالصدق والتواضع، ولا حاجة، اذ ذاك، الى اللغة. كان الجسد حاجزًا دون تلاقي الفكر والفكر فكانت اللغة لإحداث التلاقي واذا بها احيانا فصل وتقسيم ويزول بها الرباط وتتبلبل ازلسنة بسبب من الخطايا حتى ينزل من فوق ما يجمع الألسنة.

إزاء انهيار برج بابل ومدينته نقرأ في أعمال الرسل: «ولما جاء يوم الخمسين (اي اليوم الخمسين بعد الفصح) كانوا مجتمعين كلّهم في مكان واحد (ما هو ضدّ التشتت البابلي)، فخرج من السماء دوي كريح عاصفة، فملأ البيت الذي كانوا فيه. وظهرت لهم ألسنة كأنها من نار، فانقسمت ووقف على كل واحد منهم لسان. فامتلأوا كلّهم من الروح القدس، وأخذوا يتكلّمون بلغات» (2: 1-4).

قراءتي لهذا ان اللسان الذي تكلّم به كل من التلاميذ كان مرآة للسان الناري الذي كان عليه. انت تتكلّم من نار او لست على شيء وهذا يتطلّب استعمال لسانك وشفتيك او لا يتطلّب شيئا محسوسا اذ ينطق قلبك. اذ ذاك، يكون التواصل وصالا.

#    #

#

السماء ليس فيها لغة لأن المتألهين فوق تمم كل منهم وحدته بالله والله هو وصل لا يحتاج الى أداة. هم ينظرون الى الله اذ يرى كلّ منهم على وجه الآخر ارتسام الرب.

نحن نتسطيع هنا أن نقلّد السماويين اذا صارت اللغة حجازا بيننا وبين الآخر. نحبّه وونجعل لغتنا حاملة نورًا اذا سمعت لفظًا ام لم تسمع.

قال مكسيموس المعترف المستشهد في القرن السابع في امبراطورية الروم وهو المولود في الجولان ان كلمات الأنبياء كانت تجسيدات لله. هذا طبعا صورة. ولكنه، مسيحيا شرقيا، كان يعرف ان الصلاة المثلى المعروفة بدعاء اسم يسوع لها ان تصير صلاة القلب اي تُرفع بلا كلمات. فتراثنا ان النساك خارج قداس الأحد لما كانوا ينسكون في البراري أكملوا صلاة القلب اي استغنوا عن كلمات الصلوات المعروفة لديهم. ويحكى في هذا الأدب ان رهبانا سألوا مرة شيخهم ان يكلّمهم فأجابهم «ان لم تتعلّموا من صوتي كيف تتعلّمون من كلماتي».

أنت تصمت ليتكلّم فيك الله فتختزن عقله وينحتك من الداخل. واذا صار فيك هذا حقًا تصير نورا ويكون هو كلمتك لذلك سمعت احد الواعظين عندنا يقول وهو في حالة حماسة: «اذا صرتم أناجيل (حية) فمزقوا الإنجيل المكتوب». اجل نتابع الكتب المقدسة حتى لا نغر بأنفسنا ونحسب اننا كملنا ولكن توجيه ذاك الواعظ كما أدركته ان الغاية من الكلمة الصمت. قال آباؤنا: لقد خرج الكلمة (الابن الأزلي) من صمت الآب. وهو يرسل نفسه كلمة فيك بالروح القدس الذي يجعلك كاتبا لاهوتيا او قديسا غير كاتب. والقديس، حسب سرد رهباني عندنا، اذا رفع أصابعه امام المؤمنين يرونها شموعا عشرا وهذا يكفي ليتعلّموا. تلك هي قمّة التواصل.

Continue reading
2009, مقالات, نشرة رعيتي

نشيد المحبة / الأحد أول تشرين الثاني 2009 / العدد 44

القسم الأول في هذا الفصل يتعلّق بالمواهب. للحديث عنها يقول الرسول إننا جسد المسيح. كياننا، مُجتمعين، كيان المسيح. وكل منا عضو في هذا الجسد. بعد هذا القول يتكلّم على مواهب الروح القدس بتنوّعها. الرسل الذين يذكرهم أولاً ليسوا فقط التلاميذ الإثني عشر. الكلمة صارت تعني مَن تُرسلهم الكنيسة الى البشارة. الأنبياء ويقرّ بوجودهم بولس في كنيسة العهد الجديد، وهم الذين أعطاهم الروح أن يُرشدوا الجماعة في الظرف الذي تعيش. ثم يذكر موهبة التكلّم باللغات التي ظهرت اولاً في العنصرة، وتتبعها موهبة الترجمة الى لغة الحاضرين، كما لم يهمل بولس ذكر صنع العجائب.

وعلى عظمة هذه المواهب يختم هذا القسم الأول بقوله إن هناك ما هو أفضل جدًا وهو المحبة. يُسمّى هذا المقطع “نشيد المحبة” عند المفسّرين.

يبدأ بافتراض: “إن كنتُ أنطق بألسنة الناس والملائكة ولم تكن فيّ المحبّة، فإنما أنا نحاس يطنّ او صنج يرنّ”. افتراض ليُعلي المحبة على كل شيء وحتى على موهبة إلهية.

عندما يعترض “إن كان لي الإيمان حتى أنقل الجبال ولم تكن فيّ المحبّة فلستُ بشيء”. هو يعرف أن الإيمان يوصل الانسان الى المحبة، ولكن يفترض هذا المستحيل ليعظّم المحبّة.

بعد هذا يصف تصرّف المؤمن المحبّ فيقول: “المحبّة تتأنّى وترفق”. واضح انك لا تقدر ان تحبّ انسانًا ولا تكون رفيقًا به. ثم تأتي الصفات المرافقة لهذه الفضيلة العظيمة. “لا تتباهى”. فأنتَ، اذا انتفخت أمام آخر كيف تحبّه؟ “لا تحتدّ، لا تظنّ السوء”. في بيئتنا نحن ضعفاء من حيث اننا نظن السوء في الآخر وإن كنّا لم نختبره. الرب يريد ان تقبل الآخر. تفترض أنه صالح إن لم تكن تعرفه. بالاختبار قد يتبيّن انه أساء التصرّف. هذا لا يعني انه يسيء التصرّف دائمًا.

المحبّة لا تحتدّ لأن الغضب يؤذي دائمًا شخصًا آخر. يجعل مَن تغضب عليه يظن انك تكرهه.

جمالات عظيمة كثيرة تتحلّى بها المحبّة. هي تفرح بالحق. تحتمل كل شيء. تحتمل الظلم والاضطهاد. انت ترى ان هذا او ذاك يتصرّف معك كأنك عدوّه. هذا تأخذه على نفسك، تعالجه، تخدمه، تغفر له كما ان أباك السماوي يغفر لك. ترجو كل شيء من الله وترجو كل تحسّن في الناس مهما ظلموا ومهما أبغضوا لأن أبواب الخلاص مفتوحة.

وأخيرًا يقول: “المحبة لا تستسلم أبدًا”. هي نافعة دائمًا لصاحبها ولمَن أحبّ. تشفي دائمًا اليوم او غدًا او بعد غد.

هي العلاقة التي أرادها الله بين الناس لأن “الله محبّة” كما يقول يوحنا في رسالته الأولى الجامعة. المحبّة ليست فقط صفة من صفات الله. هي جوهره. وكما أنها قائمة بين الآب والابن والروح القدس، يريد ربك ان تكون جامعة لأحبّائه.

Continue reading