الخطيئة / الأحّد 25 تشرين الأوّل 1964
مشكلة الخطيئة، هي في آخر المطاف، المشكلة الوحيدة فأنّها تلازمنا طيلة العمر. تطرح الإنسان في صراع مستميت إن كان من الساعين إلى رؤية الله الطهور. والمشكلة قائمة لأنّ المؤمن يلمس تسرّب الضعفات إلى نفسه مهما تقدّم في معارج البرّ أو على قدر تقدّمه. الاثم هو العذاب الوحيد الذي نعاني لأنّه وحده في أعماق الكيان. المرض يؤثّر فيك فقط إذا افتقدك الصبر، ولكنّه، بالنهاية، مستقرّ في الجسد الذي يمكنك أن تتأمّل أحواله وكأنّك متفرّج. ولكن إذا استعبدك الشرّ الداخليّ وطغت عليك الظلمات فأنت واحد مع هذا التخبّط وكانت نهاية أمرك الموت.
أيّ موت؟ هذا الشلل الذي يصيب النفس إذا استرخت وارتكبت يجعلك غير قادر على محبّة الخير، غير منجذب إليه. الحياة التي كانت كامنة في كلمات الله تصير إلى جماد. لا يأتيك منها انعاش وتقلّب الصلاة في فكرك- إن كنت لا تزال من أهل الصلاة- وكأنّك تتعاطى الفراغ. الله وشؤونه في غياب. قد يُترك لك بعضٌ من حنين ولكنّه لا ينشئ فيك الرجوع. تعرف من الذكرى جمال ما فات ولكنّ الخطيئة عاشت ونمت فلم تتحوّل الذكرى إلى نداء.
تتنقّل النفس، وهي في هذه الحال، بين التساؤل عن مصيرها العظيم وبين اللافكر، بين بعض من حضور وبعض من التلاشي. العجز عن الوثبة المنقذة هو عينه ما جعل أحدهم يقول :”إنّ أجرة الخطيئة هي موت”
وإذا كان الجحيم هو ذلك العجز عن إدراك الله، إذا كان استحالة محبّتنا له فخبرة الخطيئة في عمقها هي ذلك الجحيم الموصول. لا يستلم الإنسان قصاصه من حكم ولكنّ كلّ عمل شرّ يحمل إلى النفس قصاصها.
عقابنا الكبير أن ما نبغضه إيّاه نفعل، إنّ الشرّ حاضر عندنا يسبينا إلى ناموس الخطيئة الكائن فينا. شقاؤنا في هذا الذي نقترف والعقل عارف أن في الإعتراف تجزئة الكيان واضمحلاله.
ولكنّ الله جعل من الخطيئة نفسها عبرة إن هي صارت بالإنسان، على هذه الأرض، إلى ذلك الجحيم أو إلى مقدّمة الجحيم. ذلك لأنّ الله جعل من الموت قيامة. هناك مخرج لا نعرفه بالعقل ولا تحلّله أساليب الإستقصاء عندنا ولم ينطق به علمٌ. هناك خلاص من المأساة. الإنسان الذي كان في قسوة يلامسه لطفٌ إلهيّ غريب ويؤتى رحمة. والرحمة يغرق فيها الخاطئ مثلما كان غريق خطيئته. هذا الإنسان المشتت تلملمه إلتفاتةٌ واحدةٌ من عند ربّه. لا يدري كيف أنقذ كما أنّه لا يدري كيف عصا. الأثم والبرّ كلاهما سرٌ. وكما أنّ الموت الروحيّ، مهما طال، لا يحول دون انبعاثنا من جحيمه في هذه الدنيا كذلك الحياة الروحيّة الكبرى، مهما امتدّت، لا تحول دون سقوط الجبابرة. الإنسان هو إمكان لا حدّ له يتحوّل إلى ظلمات كثيفة إذا انتهك سرّ الأثم أو ينقلب إلى نور عظيم إذا جاور سرّ القداسة. هذان السرّان يحملان كلّ معاني الحياة.
Continue reading