قائد المئة/ الأحد 27 حزيران 1999/ العدد 26
إنجيل اليوم (متى 8: 5-13) يروي حادثة شفاءٍ لخادمِ ضابطٍ رومانيّ كان من قوى الأمن عند هيرودس أَنتيباس حاكم الجليل وابن هيرودس الكبير. هذا حسب رواية لوقا كان قد بنى مجمعا (كنيسًا) لليهود في كفرناحوم. أَظهرَتِ الحفريات في تل حوم (وهي غالبا كفرناحوم) مجمعا جميلا من القرن الثاني للميلاد لعلّه قام على أنقاض المجمع الذي بناه هذا الضابط.
هذا يدل أنه احترم الإيمان اليهودي أو أقَلّه أنه قد اقترب روحيا من اليهود. حنّ في كل حال على خادم ليس من دينه ولا من جنسه كان مفلوجا ومُقعدا أو مصابا بداء عصبيّ شديد. فلمّا أَعلم هذا الرجلُ السيدَ بالأمر، قال له يسوع: أنا آتي وأَشفيه. ولما كانت اللغة اليونانية لا يمكن أن يَرِدَ فيها كتابة علامة استفهام أو تعجُّب، يمكن فهم كلام السيد هكذا: أتريدني أن أذهب إليك لأشفيه؟ فأجابه: «يا رب لستُ مستحقا أن تَدخُل تحت سقفِ بيتي ولكن قُلْ كلمة لا غير فيَبرأ فتاي».
«لستُ مستحقا أن تَدخُل تحت سقفِ بيتي» يمكن أن تدلّ على عِلْمه بأن اليهود لا يدخلون بيوت الوثنيين، ولذلك أَكمل: يمكنك أن تَشفيه من بعيد. كان مؤمنا بقدرة يسوع. فكما أن الضبّاط يأمرون العسكر، يقدر يسوع أن يأمر الطبيعة ليُشفى الغلام.
أُعجب السيد بإيمان هذا الرجل وصرّح أنه لم يجد إيمانا مثل هذا بين اليهود، وتنبأ على أن كثيرين يأتون من المشارق والمغارب ويَتّكئون في ملكوت السموات. هذا يشير إلى أن الأمم سترث الخلاص وتجلس إلى مائدة الملكوت. هذا ما سيُعلنه متى في آخر إنجيله عندما يقول: «اذهبوا وتلمِذوا جميعَ الأمم وعمِّدوهم…» (28: 19). خلاص الأمم الوثَنية إذا آمنَتْ بالمسيح سيكون تعليما أساسيا عند بولس. أما الذين يرفضون المسيح من اليهود (وكانوا أبناء الملكوت) فإنما يُلقَون في الظلمة البرّانية ويُقصد بها جهنّم.
شُفي الغلام في تلك الساعة والسيدُ بعيد.
التعلُّق بشخصِ يسوع والإيمان بقدرته ليس فقط على شفاء أمراضنا ولكن على شفائنا من خطايانا، هذا هو صميم الديانة المسيحية. أن نكون في حالة التواصل الدائم معه، هذا هو المبتغى وهو ليس ببعيد. يقول القديس نقولاوس كبازيلاس (بيزنطيّ من القرن الرابع عشر) إن المسيح أقرب إلينا من رأسنا لأن رأسنا يمكن أن يُقطع منا وعند ذاك يبقى المسيح معنا.
نحن الذين عَرفْنا الحق وذُقنا كم طيّب هو الرب كيف نبقى غير منشَدّين إلى يسوع وغير حساسين لقرباه؟ كيف نعرف قدرتنا في العمل، في الفكر، في التجارة، في أبداننا ولم نتوصل إلى معرفة القوة التي في يسوع؟
Continue reading