Monthly Archives

April 2011

2011, جريدة النهار, مقالات

توما رسول الشك واليقين / السبت 30 نيسان 2011

يسمى الأحد غدا أحد توما في كنيستي ووضحت مشكلته في القراءة الإنجيلية. وقبل ان أذكر المقول عنه في انجيل يوحنا رأيت أن الكلام على بساطة الرسل فيه شيء من الأسطورة. وهذا وارد في الأدب الديني العام ليقال ان الله يعلم الناس العلم وانهم ما كانوا منه على شيء.

بادئ بدء لم يكن من يهودي لم يدرس الكتاب المقدس في مقامات مختلفة من العلم أقله في ما نسميه نحن «الكتاتيب». ثم لم يظهر العهد الجديد على ان تلاميذ يسوع كانوا جهلة ولو صيادين فاذا قال بطرس الرسول للسيد «انت المسيح ابن الله الحي» كان على الأقل يفهم كلمة المسيح وهي من اللاهوت اليهودي المعاصر وكذلك عبارة «ابن الله» كان في نطقه بهذا إلهام لم يعن هذا ان العقل كان خارجا عن الإلهام.

وتوا بعد هذا كان بين الرسول والمعلّم اختلاف حول موته. وعلى مد الإنجيل كله ما بدا الرسل على انهم كانوا سريعي التصديق ولا شيء بدا على انهم كانوا يؤمنون برسالته بمعناها الروحي وبقوا بعد القيامة ظانين انه سيعيد الملك لاسرائيل. هذا الالتباس بينه وبينهم حول طبيعة رسالته يدلّ على انهم لم يكونوا سذجة.

الى هذا لم يقم دليل على ان الاثني عشر كانوا على مستوى من المعرفة واحد. اولا لم يكونوا كلهم صيادين. متى كان رئيسا بين الجباة ما كان يعني انه كان عالما بالمحاسبة واذا قرأنا انجيله نرى انه مكتظ بمعرفته للعهد القديم وهذا لا يعني انه عرف ذلك فيما بعد موت السيد فقط.

على هذه الخلفية أريد ان اقرأ وضع توما في علاقته مع المعلم قبل القيامة. انجيل يوحنا يذكره غير مرة وفي سرد بعث اليعازر نلمس ايمانه. ماذا حدث بعد هذا؟

يقول النص الذي يلي القيامة انهم كانوا مجتمعين خوفا من اليهود، اذ لا يكفي المجرمين ان يقتلوا رئيس العشيرة. يجب ان يباد اسمه بإبادة انصاره ان امكن او بعض منهم. جاء، عند ذاك، يسوع ووقف في الوسط وأعطاهم سلام القيامة. وبعد هذا أراهم يديه وجنبه. الايمان ليس اعتباطيا. ليس خيالا. كان ينبغي ان يشاهدوا الانسان نفسه الذي شاهدوه على الخشبة. لا يمكن ان يصدق الناس خيالا. كان يجب ان يكشف لهم انهم ليسوا امام خيال يمكن ان ينتجه الخوف الجماعي. كان لا بد لهم من رؤية عيونهم لمواضع من هذا الجسم يمكن لمسها. اكتفوا بالعيون. وهي قالت لهم انهم رأوا الرب. ما يدعم تصديقي لكلام الانجيل ان الاثني عشر لم يكونوا بسطاء. احاديث كثيرة بينه وبينهم دلت غير مرة انهم لم يكونوا سذجة. السؤال الكبير قد يكون لماذا اختار صيادين للقيام بالرسالة معه. الجواب البديهي هو انهم كانوا من منطقته. من راجع خريطة بحيرة طبرية والبلدات الصغرى التي حولها يعرف ان بطرس واندراوس ويوحنا ويعقوب ابني زبدى كانوا من تلك القرى.

الى هذا هذه رسالة قلوب وحنان وإشفاق على المرضى ورسالة من فقراء الى فقراء. ببساطة كلية لم يفتش يسوع في الجليل عن علماء العهد القديم والإنجيل يقول ان الكثير من هؤلاء كانوا مستكبرين ومرائين. لم تكن أدمغتهم مفتوحة على قلوبهم ليتقبلوا منها الحب. كان الناصري عارفا بقدرته على تفجير الحب من قلوب اهل الصناعات الصغرى ومن اولئك القادرين ان يأكلوا خبز الفقراء.

كان ظهوره في قاعة اظن انها كانت تخص احد أصحاب التلاميذ اذ ما كانوا يملكون بيتا في اورشليم. رأوه لما تراءى لهم فيه مساء يوم القيامة. عند حضوره وبعد تعرفهم اياه نفخ وقال لهم اقبلوا الروح القدس. هل هذه هي العنصرة التي يعبر عنها انجيل يوحنا؟ انتصار يسوع على الموت ترجمته ليس فقط ظهورات لأصدقائه وهي احدى عشرة ولكن ترجمة الغلبة قدرة التلاميذ على حل الخطايا للناس اي نقلهم بالتوبة الى عهد جديد. لعل الجدة الكبيرة في العهد الجديد قوة المسيح على غفران الخطايا اذ كان هذا الغفران مجهولا بالكلية في العهد القديم. لم يقم نبي ولا معلم في اسرائيل مرة بالغفران للناس.

عند هذا الترائي الأول لم يكن توما معهم. فلما حضر قال له التلاميذ قد رأينا الرب. فقال: «ان لم ابصر في يديه أثر المسامير وأضع إصبعي في اثر المسامير واضع يدي في جنبه لا اؤمن«. بالذهنية المعاصرة نقول هذه روح نقدية يقدرها كل من كان له عقلية حديثة. حادثة جرت هي القيامة ويجب امتحان الرؤية. هل هذا الذي تقولون انه السيد هو حقا الذي شاهده بعضنا معلقا على الخشبة وشاهده آخرون دفينا. انا لا أريد ان أكون ضحية تخيل. يجب اثبات القيامة. توما التي ودت يده التفتيش وبخه المخلص وقال له: »هات اصبعك الى هنا وابصر يدي وهات يدك وضعها في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنا».

لا شيء يدل على ان الرسول لمس ما قال انه يود لمسه. رأى النور على وجه السيد ويديه وعينيه وثيابه. شاهد في عيني القلب ما كان يتمناه فاعترف فورا بقوله: «ربي وإلهي». الربوبية والألوهة بدتا له مما هو فوق المدرك وعاد الى حبه الأول.

ولكن كيف لم يكن مؤمنا اذا أصر على الرؤية؟ لم يكن مؤمنا بشهادة الرسل الذين شاهدوا سمات الآلام. لا نحتاج الا لكلام الذين لازموا السيد. في كل جيل كلامهم كلام الروح القدس.

اهمية توما الاولى انه ما اراد ان يتخلى عن عقله. اهميته الثانية انه اقتبل نور المسيح. رؤيته كانت عنده مصدر القناعة. والرؤية يعطيها صاحبها ولا تحتاج الى المحسوس.

Continue reading
2011, مقالات, نشرة رعيتي

القيامة / الأحد 24 نيسان 2011 / العدد 17

القيامة حدثٌ ومعنى. أما الحدث فهو انبعاث المسيح من الموت بذات سلطانه، وجرى يوم احد سحرا او صبحا. وهو انبعاث الجسد نفسه الذي صُلب روحانيا وممجدا، والمهم التأكيد أننا لسنا أمام هيئة جديدة ليسوع الناصري وإلا لما كان خلاص. نحن أمام استمرارية هذا الجسد وهذا العقل البشري والنفس البشرية ذاتها. ولكنه جسد سطع منه النور الذي كان مخفيّا فيه. لذلك نقول إنه جسد ممجّد.

هذا كان الحدث. وأما معناه وأثره فهو غلبة المسيح للموت فإنه «وطئ الموت بالموت» كما تقول طروبارية العيد، وقد اوضح هذا بولس الرسول في مناسبة كلامه على المعمودية اذ قال: «أَم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته (أي لنصير الى موته) فدُفنّا معه بالمعمودية للموت (اي لإماتة الخطيئة) حتى كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن ايضا في جدّة الحياة لأننا إن كنّا قد صرنا متّحدين معه بشبه موته نصير أيضا بقيامته» (رومية 6: 3-5).

والأثر الذي تركته القيامة في المسيح أن «المسيح بعد ما أُقيم من الأموات لا يموت ايضا. لا يسود عليه الموت بعد» (رومية 6: 9).

الحدث ثابت بأمرين أوّلهما أن التلاميذ والنساء الذين ذهبوا الى القبر وجدوه فارغا ووجدوا الحجر مدحرجا عن القبر ورأوا ظهورات للسيد عدّدها الإنجيل ووصفها، والظهورات دلّت على أن الذي عرفوه قبل موته هو إياه الذي رأوه بعد موته. أما الغلبة على الموت فور حدوثه أي عدم تسلّط الموت عليه فهي تملأ كل الثلاثية الممتدّة من يوم الجمعة الى صباح الأحد بحيث لا يجوز أن نقول ان الموت غلب المسيح ثلاثة أيام وأنه في نهايتها فقط انتصر المسيح. منذ لحظة فراق روحه البشريّ لجسمه كان يسوع منتصرًا، ولذلك لا نقول في الأناشيد هذه الثلاثية مرة واحدة «جثة المسيح» أو «جثمانه» ولكن نُصرّ على استعمال عبارة «جسد المسيح».

فإذا تناولنا جسد الرب ودمه نكون متناولين لجسد حيّ، أي نكون متّحدين بهذا الذي قام من بين الأموات وجلس عن يمين الآب. فالمعمودية وسر القرابين كلاهما تعبير عن حياة المسيح فينا اي إحياء جسدنا ونفسنا.

من هنا أن الموت لا يُخيفنا بعد أن بتنا أحياء بيسوع المسيح. بهذا الانتصار الذي تمّ مرة واحدة صرنا «أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا» (رومية 6: 11)، وغدونا مدعوّين لتجديد حياتنا بالروح القدس.

عندما نجيب على التحيّة «المسيح قام» بـ«حقًّا قام» لا نقصد فقط الحدث الذي تمّ في شخص المخلّص، ولكنّا نُعلن أن قيامته معطاة لنا حياة جديدة.

Continue reading
2011, جريدة النهار, مقالات

القيامة / السبت 23 نيسان 2011

غدًا نقيم ذكرى لحادثة القيامة ونسعى الى معناها. الحادثة ان يسوع الناصري قام من بين الأموات وتغلب على الموت حسب منطوق النشيد الفصحي في كنيستنا «ووطئ الموت بالموت».

اما الحادثة فقد اهتم لتبيانها الذين كتبوا العهد الجديد بسبب صعوبة تصديقها وبسبب اعتبارهم انها اساس الايمان المسيحي. فإن لم تكن لا يكون الإيمان وتكون البشارة بالمسيح كلها باطلة. المسألة ان القيامة واقعة ولكن يجب إثباتها كواقعة. هذا من جهة ومن جهة ثانية هي صُلب الايمان. عندنا اذًا وجهان لهذه القضية. الوجه الاول شهادة الشهود لظهورات المسيح والوجه الثاني اليقين بالإيمان.

اما ان الأمر هو لب الإيمان المسيحي فيأخذ به بولس الرسول لأنه اول من كتب في المسيحية بمعنى أن هذه القيامة التي علّم عنها انما أخذها من الأوائل ولم يفرق بين الحادثة ومعناها ووضع لاهوتا يختزل بهذه الكلمات: «إن كان المسيح يُكرز به انه قام من الأموات فكيف يقول قوم بينكم ليس قيامة اموات». ما يدعم اذًا الاعتقاد بالقيامة قول الرسول «دُفن وقام في اليوم الثالث كما جاء في الكتب، وانه ظهر لبطرس ثم للرسل الاثني عشر، ثم ظهر لأكثر من خمس مئة أخ معا لا يزال معظمهم حيا وبعضهم ماتوا، ثم ظهر ليعقوب، ثم لجميع الرسل حتى ظهر لي آخرا أنا أيضا كأني سقط» (1كورنثوس 15: 4-8).

إلى هذا الايضاح، عندنا شهود عيان لموته وبقوا شهودا عيانا لظهوراته من بعد القيامة بمعنى أنهم عرفوا أن هذا الذي تراءى لهم هو إياه الذي عُلّق على الخشبة وهؤلاء هم مريم المجدلية، وحاملات الطيب، وسمعان بطرس، وتلميذا عمواس، والرسل المجتمعون في غياب توما ثم في حضوره، وبعض الرسل على بحيرة طبرية، والرسل في الجليل، وإليهم ايضا عند صعوده الى السماء. وهذه الظهورات هي إحدى عشرة نقرأ عن واحدة منها كل أحد في الكنيسة الارثوذكسية.

سرد هذه الظهورات يدلّ على الروح النقدية عند الرسل. وظاهر لي في هذا السرد أن الرسل كانوا متحررين من كل عقلية شعبية متهوّرة. كانوا بعيدين عن كل تصديق متسرع متهيّج.

ان رفض توما في البداءة للقيامة يدلّ على انه كان على روح نقدية كبيرة وأنه لم يؤخذ بكلام التلاميذ. في الأسبوع اللاحق تراءى لهم ومعهم توما.

#   #

#

غير أن العيد لا ينحصر في أن يكون خروج الناصري من القبر وهو مغارة وليس حفرة ترابية. العيد تعبير عن كل الخلاص الذي أُوتيناه منذ تجسد ابن الله وبخاصة الذي نلناه من الصليب. فقبل لحظة الصلب قال يسوع «قد أُكملَ» أي اني أَتممت ما كلّفني الآب به وحقّقت كل كلمة من الأنبياء. ولنا نحن أن نفهم أن كل جليل وطاهر وحق من بعد يسوع إنما نحن مدينون به له أي ان كمال الفكر والنتاج العقلي والفنّيّ وانتصار الإنسان المظلوم كلها استمدّت إلهامها من حياة يسوع وأقواله. من هذه الزاوية نرجو في هذا اليوم قيامة من التعب الشخصي والسقوط ونطلب التطلعات الى السماء. من ناحية العقيدة عندنا بالفصح وعد أننا سنقوم في اليوم الأخير. لقد ظهر في المسيح كمال الله. قيامة المخلّص تُنبئنا بأن دعوة يسوع لنا أن «كونوا كاملين».

العيد هو الخلاص من كل انواع الموت في حياتنا الشخصية وحياة الذين حولنا ومن نخدمهم. هو حدث مستمر فينا الى أن ينتهي الدهر. ولذلك يمتد عيد القيامة من يوم الجمعة العظيم الى صباح العيد. هذه الثلاثية اذا دخلت إلينا بقوة كل يوم فيها نكون قد أقمنا العيد ووعدنا بأن كل أيام حياتنا تكون فصحا أبديا. الفرح عندنا مؤسّس في انتصار يسوع ولسنا نستقبل بهجة في هذا اليوم وحزنا في ذاك. «افرحوا ايضا في كل حين وايضا أقول افرحوا». لذلك اذا قال بعض الناس اننا نتألم مع المسيح لا نريد أن وجع الجسد او النفس أفضل من السلامة. لنا أن نتقبّل الآلام على أنها أحيانا وجه من وجوه السلامة الداخلية. اذا كانت السماء في الأخير هي انتصارنا على الخطيئة والموت فنحن فيها، واذا انسكبت السماء علينا في حياتنا اليومية فنكون قوما فصحيين، ولنا أن نُنشد عند ذاك: «المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت».

لذلك لا حقيقة في ما قيل لي يوما: «المسيحية ديانة مأسويّة». قلت لهذا الذي كلّمني بهذا الكلام: المأساة بمعناه اليوناني أن تكون سجين غرفة مغلقة. نحن على الأقل ليس فوقنا سقف. ليس فوق رؤوسنا الا السقف السماوي. نحن خرجنا من كل السجون الى «حرية أبناء الله». لذلك نحت أحد قديسينا مؤخرا تحيةً كان يقولها لكل صديق التقاه: «يا فرحي، المسيح قام».

هذه كلمة أُسلّم بها على كل من قرأني بين اليوم والغد حتى يزول الحزن عن هذا الوجود.

Continue reading
2011, مقالات, نشرة رعيتي

دخول أورشليم/ الأحد 17 نيسان 2011 / العدد 16

إنجيل الشعانين يبدأ بغسل مريم قدمي يسوع بالطيب، ثم عن مؤامرة اليهود لقتل لعازر أخيها لأن وجوده يبيّن قدرة يسوع وهذا مؤذٍ للقضية اليهودية. فليُقتَل إذًا صديق يسوع. هذا أمر مألوف في الجرائم.

بعد هذا، السرد لدخول يسوع أورشليم آتيًا من الجليل وبائتًا في بيت عنيا قرية لعازر وأختيه، وهي ضاحية من ضواحي المدينة المقدسة. يدخل عارفًا بأنه سيموت فيها وقد تنبأ بذلك كما هو وارد في الإنجيل.

استقبله بعض القوم ومنهم من رأوه قد أقام لعازر من بين الأموات. هؤلاء صاروا يميلون الى الاعتقاد به. هل مالَ بعضٌ منهم الى رؤساء اليهود لمّا قالوا لبيلاطس «اصلبه اصلبه» كما يزعم بعض؟ لا نعلم. المهم أن نعتبر نحن أننا، اذا صرنا له، عيبٌ علينا أن نُنكره.

بين دخول المدينة وصَلب يسوع تمّت حوادث وتكلّم يسوع كثيرًا. حسب إنجيل يوحنا، الذي اقتطعنا منه هذه القراءة، يوم الإثنين يطهّر يسوعُ الهيكل. الثلاثاء يُعلّم في الهيكل. الأربعاء تتمّ المؤامرة على يسوع. الخميس يكون العشاء السري وبعده خطبة الوداع. وبعد ذلك إلقاء القبض على السيد ومحاكمته. والجمعة صلبه وموته ودفنه.

يقبل يسوع الموت الذي من أجله جاء. يسوع في هذا كان يصنع مشيئة الآب ويكشف محبته للبشر.

نحن في أحد الشعانين نفتح قلوبنا لتدخل اليها محبة المسيح لنتجاوب وإيّاها فنقدر أن نعيش إذا أخذناها بالروح القدس.

عند مساء أحد الشعانين نُقيم صلاة الخَتَن وكذلك الإثنين العظيم والثلاثاء العظيم بحيث تدعو كل نفس المسيح المبارك ليصير خَتَنَها اي عريسها كما هو عريس الكهنة.

وفي كل الأيام (أي الإثنين والثلاثاء والأربعاء) نتناول جسد الرب في القداس السابق تقديسه حتى نحيا بالمسيح حقا كل يوم. ويوم الخميس نُقيم ذكرى العشاء السرّي بالقداس العادي وهو ذروة في حياة الجماعة المقدسة، حتى نصل الى خدمة الآلام وقراءة أناجيلها فنلبس المسيح الذاهب الى فدائنا وحبّنا وننشد آلامه طوال يوم الجمعة العظيم متهيّئين لقيامته منذ سبت النور حتى يُطلّ علينا نورُ القيامة.

Continue reading
2011, جريدة النهار, مقالات

الدخول إلى أورشليم / السبت 16 نيسان 2011

صعد يسوع من الجليل الى أورشليم قاتلة الأنبياء. هناك كان ينبغي له ان يموت حسبما أُعدّ له. استقبله أنصاره. وهللوا له بكلمات الكتاب. ارتضى موته. «انا ان ارتفعت عن الأرض أجذب اليّ الجميع». سيؤمنون به بعد قتله لأنه بث روحه منذ لحظة موته فيهم.

في فترة انتظار الموت علم كثيرا وعلم بكثافة. التعليم عنده أخذ شكل عمل لما غسل أرجل التلاميذ اثناء العشاء الأخير. لم يشر إنجيل يوحنا الى طبيعة العشاء لكنه قال «لما أخذ اللقمة خرج للوقت وكان ليل». ليل في الخارج، ليل في قلبه. عتمة الكون كلها لقت يهوذا العارف المسيح اذا خانه يصبح لا شيء في الظلام.

أبقى في الانجيل الرابع مع يوحنا محاولا رفض الليل في الأسبوع العظيم الآتي الينا وقارئا خطبة الوداع لألتصق بها وأخرج من الدينونة والا اساق قبلها الى المحاكمة. لذلك استهلّ الخطبة بقوله: «لا تضطرب قلوبكم… آمنوا بي… انا هو الطريق والحق والحياة». اي انا طريقكم الى الآب ولكنكم لستم تسمعون بحق تعليم كلام وتنظيرا شخصيًا انا الحق والحياة التي يسكبها الآب فيكم. ليس الحق فوق كلامي او امتحان كلامي اذا قبلتني تقبل قلب الله الحقيقة ليست واقفة مقابل الله. هي فيه ولا تقابله. ولكن كل هذا يقتضي موتي لأن العالم لا يعرف اندماج شوقي اليكم وشوقكم اليّ الا بموتي. واذا قمت بعد هذا من بين الأموات يموت الموت.

بعد هذا قال: «لا احد يأتي الى الآب الا بي». أي ان من يعرفني اكشف له روح الله وأفعاله وصفاته وقواه فهذا معناه انه يرى الآب اذ لا يمكن احدا ان يرى الآب مباشرة ويحيا ولما نسي فيليبس هذا قال: «يا سيد أرنا الآب وكفانا قال له السيد: «الذي رآني فقد رأى الآب» ما الاب الا المحبة وفق قول يوحنا الحبيب: «الله محبة» وقال القديسون: «المحبة هنا ليست اسما أو صفة. هي جوهر الله نفسه». وأفعال الله المذكورة وغير المذكورة في الكتاب أي الأفعال المنسوبة الى الرب تممها المسيح في الجسد وليس من عمل إلهي يختلف في طبيعته وعمقه عن عمل المسيح ولهذا استطاع ان يقول من رآني فقد رأى الآب وحتى لا يتوهم الناس ان ثمة أعمالا تختلف عن اعمال الآب أو بين اعمال هذا وأعمال الابن هوة قال: «صدقوني اني في الآب والآب فيّ» ولا يمكن ان يكون يسوع في الآب لو كان الآب أعلى منه او أقدم.

#   #   #

كيف تتصاعد فوق هذا الكلام: «اني انا في ابي وأنتم فيّ وانا فيكم». هنا ينزل محبة الله لذاته الى محبته للبشر ويصعد محبة البشر الى فوق وتأخذ كل قوتها بأنها تبقى فوق ولو نزلت: «والذي يحبني يحبه ابي وانا احبه وأظهر له ذاتي». لا يبقى فرق بين المحبة النازلة وتلك القائمة فوق او بين حب الله للانسان وتلقي الانسان لهذه المحبة.

ثنائية الكيانين اعني المسيح وشعبه يتجاوزه هو بوحدة الحب. وفي هذا الجزء الثاني من خطبة الوداع على وحدة المحبة الواضحة يكشف المسيح نفسه منشئ الوحدة فيسمي نفسه الكرمة ويسمينا الأغصان. الأغصان تثبت في الكرمة. صورة الوحدة في هذا الفصل تنبع من الآب الى المسيح ومن المسيح الى المؤمنين ثم يوضح صورة محبته انه يبذل نفسه عنهم ويلح على نشر المحبة فيما بينهم حتى يصل الى حياتهم في العالم اي الى الاضطهاد. ولكنه يعد بأنه سيشددهم بالروح القدس. كل اللغة المتعلقة بالروح القدس في خطبة الوداع تعني استمرار المسيح حبيب الله بالروح القدس.

اخيرا تأتي صلاة الكاهن العظيم. حديث مستفيض عن مجده. «انا مجدتك على الأرض». كلمة يوحنائية بامتياز. رددها يسوع في إنجيل يوحنا منذ عرس قانا الجليل.

قال يسوع كل هذا الكلام وخرج مع تلاميذه الى عبر وادي قدرون والطريق نازلة جدا ونلت بركة المشي هناك وسطحها مليء بالغبار وذلك السنة الـ 1947 أي سنة قبل احتلال الأرض ومن هناك سار الى موته المجيد الذي سنشترك بكل بهائه خلال الأسبوع القادم. ومن خلال كلامه أخذت اليوم لكم «مملكتي ليست من هذا العالم». هذا ملك آخر يستقر في قلبك ان انت أصغيت في كل ظرف الى كلام المخلص فيجعلك تشهد للحق كما شهد هو للحق. ولما سأله بيلاطس ما هو الحق لم يقل كلمة.

الحق ليس نظرية تُشرح. هو سبق فقال ان شخصه هو الحق. ان انت سمعت كلامه وخضعت له لا يبقى من مسافة بينك وبين الحق الكثير يلفت القارئ في وصف آلامه. «اقتسموا ثيابه بينهم وعلى لباسي اقترعوا». يجب الا يتركوا عليه شيئا للزيادة في اذلاله. لماذا أتى الانجيلي بتفصيل يبدو صغيرا «وكان القميص بغير خياطة منسوجا كله من فوق». لم يستطيعوا شقه. من بعد الواقعة يبدو هذا كلاما مجازيا. لا يستطيع احد ان يشق ثوب المسيح لأن وحدة المسيح قائمة الى الأبد. من اعتدى على ثوب المسيح ينهي ذاته.

آخر كلمة قالها يسوع: قد أُكمل. في المعنى العادي أتممت النبؤات. كلها كتبت عني بطريقة او بأخرى، بمعنى دقيق أو بمعنى عام، ولكن قد أُكمل تعني ان كل شيء جميل وجليل وطاهر. قيل في الفلسفة وفي آداب الشعوب وفنونها، في كل فكر حي يجد كما له ومجده في هذا الجسد الدامي المعلق على الخشبة. كل شيء تم في الجلجلة ومنها سطع المجد.

بعد هذه الكلمة الأخيرة يقول يوحنا الرسول: «ونكس رأسه وأسلم الروح». الحقيقة ان الجسد الذي يحتضر يسلم الروح اولا ثم ينكس رأسه. لماذا كسر الإنجيل التتابع البيولوجي وجعل إسلام الروح قبل تنكيس الرأس؟ قراءتي الحدسية انه اراد انه مات وبعد هذا أسلم لا الروح البشرية فقط بل الروح القدس الذي كان فيه. اي في موته كانت العنصرة الأولى. كل شيء وصل الى قمته يوم الجمعة العظيمة.

Continue reading
2011, مقالات, نشرة رعيتي

شغف السلطة/ الأحد 10 نيسان 2011 / العدد 15

يعقوب ويوحنا ابنا زبدى أَظهرا أنهما كانا محبّين للسلطة فطلبا الى يسوع أن يجعلهما وزيرين في مملكته التي ظنّا أنها مملكة سياسية. رفض السيد أن ينفّذ لهما هذه الشهوة. هو ما جاء ليُنشئ دولة على الأرض ولكن أن يغيّر كل شيء بالإنجيل. تلميذ المسيح لا يطمح أن يخدمه عن طريق السياسة. نحن لنا لغة أخرى وأساليب أخرى.

بعد سقوط التلميذين يعقوب ويوحنا، قال يسوع لتلاميذه: «أنتم تعلمون أن الذين يُحسبون رؤساء الأُمم يسودونهم، وأن عظماءهم يتسلّطون عليهم». في الكنيسة ليس أحد يجعل نفسه سيدا، وما من أحد يتسلّط على الآخرين. السلطة بمعنى الأمر والنهي والاستعلاء والتلذّذ بإعطاء الأوامر وبأن نُطاع ليست من العهد الجديد. حياتنا في العهد الجديد كله خدمة، وانت تأخذ مكانتك من الخدمة. لذلك أَكمل السيد كلامه بقوله: «من أراد أن يصير فيكم عظيما، يكون لكم خادما». عظمتك إذًا بمقدار الخدمة. علاقتك بالناس تبدأ من دخولك في خدمتهم. بعد هذا، أَكمل يسوع هذا المعنى بقوله: «من أراد أن يصير فيكم أولاً، يكون للجميع عبدا». العبد في الحضارات القديمة ليس له إرادة بذاته. إرادته إرادة سيده. هو لا شيء أمام سيده.

في الكنيسة والمجتمع انت تلبّي رغبات الآخرين. تتحسّس حاجات الآخرين لتُلبّيها حسب استطاعتك. «كنتُ جائعا فأَطعمتموني وعطشانًا فسقيتموني وعريانا فكسوتموني».

ويختم السيد هذا المقطع بقوله: «لأن ابن الانسان أيضا لم يأت ليُخدم بل ليَخدم وليبذل نفسه فديةً عن كثيرين». هذا الكلام صدى لقوله قبل ذلك بقليل لمّا تكلم عن آلامه وموته وقيامته. تموت أنت في الخدمة. تبذل نفسك في العناية اليومية، الدقيقة بكل من جعله الله في طريق حياتك.

هذا الفصل من مرقس يُلائم فترة الصوم التي نحن فيها لأنها خدمة مخصّصة للفقراء ولرعاية أَحدنا للآخر. الصوم بعضٌ منه حمية عن طعام، ولكنه خدمة للآخرين إذ نصلّي من أجلهم.

هذا أحد يتجلّى فيه عطاءُ مريم المصرية حياتَها ليسوع. خَدَمَتْه وخدَمَتْنا جميعا لما تأمّلنا توبتها. الآخرون هم كل شيء. اذا هم أخذوا منك ما أَعطيتهم يشعرون أن المسيح هو الذي يُعطيهم، ويشعرون أنهم يعظُمون بنعمته، واذا هم كبروا بها تمتدّ منهم الى إخوتهم. تتلازم في هذا الموسم الطيّب الصلوات ومشاركة الفقراء بالعطاء والصلاة. هذه كلها اذا اجتمعت تغدو مسيرةَ تواضُعٍ وطريقا للملكوت.

Continue reading
2011, جريدة النهار, مقالات

المستشفى / السبت في 9 نيسان 2011

المشفى في اللهجة الشامية مكان الشفاء وهذا غير مؤكد. المستشفى عندنا المكان الذي يلتمس فيه الشفاء وربما من الأطباء. هذه المؤسسة قديمة في الإسلام وفي القدم نفسه تقريبا في أوربا. طبعًا هذا كله إلهامه ديني. لذلك سميت المؤسسة في الغرب أوتيل ديو أي فندق الله أو بيت الله اذ المريض من هموم الله.

من كانت علته شديدة يذهب به من بيته الى هذا الموضع الذي يتجمع فيه السقماء ليعرف الطبيب حالهم الصحية ويقدم لهم وسائل السلامة لكون السلامة مبتغى العليل والمعالج معا. وكلاهما يكافح الموت. وعندما تبطل عند المريض خشية الموت يواري الإنسان مأواه. من ثبتت عنده سلامته يلازم بيته.

هناك دائما صراع عميق في النفس ولو على شيء كبير أو قليل من الوضوح اننا في الاعتلال على طريق الموت أو لم نسلكه بعد. واذا وصل الإنسان إلى تأكيد الحياة فيه يلازم بيته ويستغني عن المؤسسة. المستشفى اذًا تحديدًا مؤسسة الموت نستقبله أو نحاربه. هي ليست مكان استجمام أو راحة. هي مشوار بين القياس وانكسار القياس حتى اذا سلم الإنسان من بعد علاج يتحرر من صورة المستشفى.

المجتمع اذًا مجتمعان مجتمع الأصحاء ومجتمع المرضى، مجتمع الذين لا يفكرون باقتراب نهايتهم ومجتمع الذين يذوقون الاختلال أو اقتبال نهايته بالموت. لذلك أنت في هذا الموضع خائف أو غير خائف فلا تستطيع ان تنتمي إلى مجتمع الأصحاء ومجتمع المرضى نفسيا في آن واحد. واذا انتقلت من هذا إلى ذاك تكون في حالة انتظار النهاية أو بدء جديد.

#   #

#

الأصل في الإنسان السلامة والمرض انشطار الكيان. الإنسان في أسقامه يرجو العودة إلى الأصل اذ لا يحب نفسه منكسرا. يتوق الى الخلق الذي كان قلبه فاذا اعتراه خلل ما في بدنه يحس ان الأذى أخرجه من الخلق الاول ولا يرى كماله الا في عودة السلامة ما لم يصالح تشويها ثابتا فيه كالشلل أو بتر ساق أو ذراع أو كفاف البصر فيتربى على ما هو معروف بنقصان ويتدبر شؤون حياته بما تيسر لها. هذه أوضاع متركزة تشبه السلامة والعظيم فيها يحولها إلى أصل اذا فهم ان أصله هو القائم فيه.

#   #

#

غير هذين الوضعين وضع ثالث أو مجتمع ثالث زالت فيه الحسرة بعد تروض طويل ومبدئيا يزول فيه الإحباط لأن الله يسوسه. أما اذا بقينا على مستوى الطبيعة أي بلا إله مقيم فلا مصالحة بين التقصان والكمال.

«في البدء كان الإنسان الطبيعي ثم كان الإنسان الروحاني». الإنسان الروحاني وحده لا ينتمي إلى المجتمع السليم ولا إلى المجتمع العليل. استقل عنهما لإنتمائه إلى الله الذي يرحم المرضى والأصحاء معا وكلاهما على نقص. فهناك عطب السلامة الذي هو الاستغراق في الجسد وهناك عطب المعطوب الغارق في الخوف الذي هو توق لبعد الله. والبعد عن الله هو اللاشيء لأن القياس هو سكنى الله فيك. أما الذي أقام في الله فيخرجه ربه من العطب ليقيمه في الحب الإلهي أي في المجتمع السماوي ويشده إلى حضرته فتأتي سلامته من الحضرة وبهجته من الرؤية.

فاذا عدنا المريض ينبغي ان نعزيه بالله أي بكلمات الكتاب التي تنقله من المجتمع السليم أو العليل إلى المجتمع الإلهي توا.

لا سفر من الاستشفاء لأن الصحة هي القياس وصورة الملكوت وهي تنجينا من الضجر والإحباط ومن هزات كثيرة اذا عرفنا ان الأصل فينا الحياة الأبدية.

هذا المجتمع الإلهي يمكن ان يؤلفه الأصحاء والمرضى معا. انه اذا يخترق المجتمعين البشريين اللذين هما من عالم الخطيئة. المهم الاستقلال من الطبيعة الساقطة المختلة وغير المختلة لنلتحم بما هو فوق الطبيعة ونجلس فوق عن يمين العظمة. السماويات هي المجتمع الأخير حيث يزول انكسار الجسد ولا يبقى من معنى لسلامته فالمعطوبية والسلامة كلتاهما من هذه الأرض والقوي من تحرر من هذه الأرض وجمالها حتى يحيا الحياة السماوية هنا.

#   #

#

غير ان المريض مصدوما أكثر من السليم ينبغي علينا حمله في كل يوم. نطلب من أجله كثيرا لينال في عطبه سلامة الله. وهو أخونا باستمرار لكونه معذبا في كل حين ومرميا على كل التجارب. وعيادتنا له ما استطعنا تشفينا كما تشفيه وبهذا نسعى الى إخراجه من مجتمع المرضى الى المجتمع الإلهي.

وفي هذا إنقاذ من الموت الروحي والتعبير عن المشاركة عاليا. «كل نفس ذائقة الموت». المبتغى ان نخفف وطأة المواتية عن الآخرين ليصبحوا أبناء القيامة. وبذا نخفف المواتية عن أنفسنا ونحاول خلق المجتمع الإلهي الذي ينشلنا من محض السلامة البدنية أو علاتها.

هنا في الجسد الصحيح أو العليل تبدو إلهيتنا اذا لمستنا النعمة لنسير إلى الفصح. من كان قادرا على فصحيته كبيرة في جسده يعلن انتهاء الموت.

Continue reading
2011, مقالات, نشرة رعيتي

شفاء الإيمان/ الأحد 3 نيسان 2011/ العدد 14

ولدٌ مريض يقول أبوه للمعلّم سائلاً الشفاء «ابني به روحٌ أبكم» اي روح شرير سبّب له الخرس وعوارض مرضيّة تدل على داء الصرع. الوالد يطلب الشفاء «إن استطعت شيئا فتحنّنْ علينا وأَغثنا». إيمانه بيسوع غير واضح، إلا أنه سمع بأن الناصريّ صانع عجائب، فلماذا لا أطلب أعجوبة. المسيح يواجه هذه النفس المضطربة. يلاقي هذه الرجل على طريق شكّه فيقول له: «إن استطعت أن تؤمن فكل شيء مستطاع للمؤمن». الرب يتنازل اليه علّه يتحرك، لعلّه يؤمن. يبكي هذا الرجل كأنه رأى في سؤال يسوع له دعوة الى ايمانٍ متتزعزع عنده.

عند ذاك، يقول هذا الرجل: «إني أومن يا سيد، فأَعنّي على رغم عدم ايماني»، والأفضل انها تعني: قوِّ رغبتي في الإيمان ورغبتي في شفاء ولدي.

لمّا سأل التلاميذ المعلّم: «لماذا لم نستطع نحن أن نُخرجه؟»، قال لهم «إن هذا الجنس لا يمكن أن يخرج الا بالصلاة والصوم». ربما أرادت الكنيسة قراءة هذا الفصل من مرقس في هذا الموسم الصياميّ لكون النص جمع بين الصلاة والصوم، وهما رُكنا هذه الفترة الصيامية.

الصوم يدلّ على أن تفريغ البطن من الطعام هو إرادة أن نملأ شخصيتنا الداخلية من كلمة الله، ومن هذه الزاوية هو والصلاة واحد. والصلاة هنا لا تعني مجموعة صلوات مرتّبة كل يوم طقوسا محدّدة، ولكنها الشركة مع الله، الاتحاد به بحيث إذا طلبت شفاء مريض مثلا يكون الله هو الفاعل بواسطتك هذا الشفاء، اي تكون وربك قائما بالعمل نفسه.

التلاميذ لم يكونوا، عند ذاك، أصحاب هذه القدرة. ما كان الروح القدس نازلا عليهم وما كان ملأَهم بتلك النعمة التي تراهم عليها في سفر أعمال الرسل. المرضُ غالبا ما كان هبوطا للكيان، تخلّفًا ما، أزمةً ما، والسلامة هي ما يريده الله. غالبا ما كانت نهوضا وتسهيلا لسيرنا نحو الله وعلامة للكمال الروحي. لذلك يريدها الله ويمهّد لها بواسطة المؤهلين لاستنزالها من الله. يهيء لها بإيمان من يشفى وإيمان المحتاج الى السلامة. لذلك وضع الله سرّ مسحة المرضى الذي يعبّر عن حنان الرب ودعوة الى شكره وتسبحته.

الله في المؤمن يعطيه المؤمن لمن احتاجَ الله. فكما تدفع الإنسان الى توبة بالإله الذي انت تائب اليه، تلتمس من الإله القدير فيك أن يحلّ على المريض ليقوم من كبوته ويلتصق بربه بالصحة.

المقطع الأخير هذه التلاوة الإنجيلية هو ما نسمّيه الإعلان الثاني عن الآلام، وهذا سرد في طريقنا الى القيامة التي هي غاية الصوم الذي نحن فيه. ومع أن يسوع أعلن قبل ذلك موتَه وقيامتَه، بقي التلاميذ غير فاهمين لأنهم لن يفهموا غاية آلامه إلا بعد أن تكون قد حصلت وتمّت القيامة ونزل عليهم الروح القدس. أعمال الخلاص الذي قام به السيد لا تدخل إليك وتحوّلك إلا بالصلاة والصوم.

يشفى هذا الشاب ويصير إنسانا جديدا بقوة يسوع، وأنت بدورك في الكنيسة تجعل إخوتك والناس خارج الكنيسة أحياء ومُلامسين المسيح إن صرت إنسانا جديدا، او بالحري المسيح الذي حوّلك اليه بالصلاة والصوم يجعل كل الناس خلائق جديدة، ينطقون بعظائم الله، ولا يبقى أحدٌ أَخرس كما كان الولد المصاب في هذا هذا الفصل الإنجيليّ الذي نُقيم فيه ذكرى القديس يوحنا السُلّمي مُعلّم النُسك في الصوم والصلاة.

Continue reading
2011, جريدة النهار, مقالات

مجد لبنان / السبت 3 نيسان 2011

كل ملمّ بالكتاب المقدس قرأ في أشعياء (35: 2): «مجد لبنان أُعطي له». وهذا عند النبي قول في المسيح. الآية مكتوبة بالأحرف السريانية على نصف حائط يفصل في الديمان بين مدى الكهنة، ما نسميه في الدارج الأرثوذكسي الهيكل وصحن الكنيسة وما كنت أعلم حتى وجدتني واقفا في الكنيسة وراء غبطة البطريرك مار نصر الله بطرس صفير في البيعة منذ سنتين او ثلاث اذ كان يستضيفني غداة عيد رقاد السيدة في بداية المنتصف الثاني من شهر آب. والبطريرك صفير عنده عادة استحبها اذ يقود ضيوفه بعد الغداء ليتسنى لكل منهم خلوة دقائق مع ربه واذ بي التفت الى الكتابة وأقول لسيدنا انا لا أقرأ السريانية أرجو اليك ان تقول لي هذا بالعربية فتأخر بعض لحظات ولم أفهم سبب ذلك فقلت له لماذا الحرج يا سيدنا هذا لا بد ان يكون كلاما الهيا، عند ذاك، قال: الكتابة هي: «مجد لبنان أعطي له». وما كان مكتوبا بين هلالين انها من أشعياء.

لماذا ذكرت هذه النبوءة هنا، عمّن تقرأ، ما موقعها من هذا الجدار كل هذا جلاه لنا غبطة البطريرك بشارة بطرس (الراعي) في خطاب تنصيبه الذي أوضح فيه انها لاشعياء وانه ليس فيها احتكار. ما كان هاما في كلمة السيد البطريرك إرجاعه الكلام الى الوحي أكان منطبقا -بغير احتكار- على الكنيسة المارونية او على رأسها مجد لبنان ينزل من المسيح الذي ورثه على «الكهنوت الملوكي والأمة المقدسة» التي الكنيسة المارونية جزء منها باعتبارها ممسوحة بالميرون المقدس مع كل أبنائها.

البطريرك اغناطيوس الذي يقود كنيستنا بما فيه من حكمة وحب قال لي منذ أيام قليلة: الكنيسة المارونية فيها نهضة. وكان قد عبر لي عدة مرات عن وجوه هذه النهضة بما يعني ان غبطته ذائق للنمو الروحي الذي تعرفه الكنيسة المارونية في كبار مؤمنيها الأشداء بالروح، التائقين الى الخلاص بعيدين عن إغراء هذا العالم ليسكنوا الى المسيح وحده فيتم فيهم رضاؤه اذ أصبحوا امة مقدسة له.

ما يجمعنا نحن المسيحيين، النعمة التي يعطيها المسيح. ما عدا ذلك باطل وقبض الريح. معا نحن لسنا بوجه أحد «المحبة تطرح الخوف الى خارج». ان كنت تأكل جسد الرب كل أحد فأنت أقوى من الدهر. ان تتحصن في هذه الدنيا وحدها خيانة.

#…#

#

ان ترى هذه الكنيسة او تلك فيها خصائص أمر لنا ان نتعلّمه ونقتبس منه ما نقتبس على الا يكون في هذا فخار من الدنيا «مملكتي ليست من هذا العالم». ماذا يعني هذا في المسألة السياسية؟ ما هو فكر المسيح في هذا؟ لا بد ان يكون لنا فكر لاهوتي واحد في هذا المبحث ليكون لنا تصرف واحد وتاليا شهادة واحدة.

ان يكون المسيحي في هذا الشرق يسلك بالمسيح يعني ان في المسيح وطنه وليس للكنيسة المسيحية تحالف مع اي وطن. انها فيه كالسائح ومقصدها السماء. لا تستريح الكنيسة في مكان او اليه. كذلك لا يكفي ان نحسب اننا، مسلمين ومسيحيين، في خدمة له واحدة، راهنة، المبتغى ان نحس اننا قادرون على ان نكون من كيانه ومن قلبه.

كيف يتم هذا مع قراءتين مختلفتين لعلاقة الدين والدنيا. الوحدة في فلسفة هذا الموضوع هي ان كل كتلة لها واقعها في قراءة العلاقة بين الدين والدنيا وتختلف عن الرؤية النظرية، فمن المسيحيين من هو أقرب الى الإسلام في انتقاء الدين والدنيا والسياسة ودمجها. نقتبس بعضنا من بعض في الواقع السياسي وننقح تنظيرنا. انت لا تتعامل مع إسلام او مسيحية. انت تتعامل مع مسلمين ومسيحيين يتطورون ويتلاقون في الفكر والقلب وانت تسير على الرجاء، رجاء ان يصير الآخر مثلك او أعظم في ولاء الأمة الواحدة.

الاختلاط لا بد ان يغير المجتمعات وان ينشئ نماذج بشر جديدة. لا مفر من نشوء لبنان مدني هو في الحياة العامة جمع بين المسيحية والاسلام وعناصر حضارية أخرى.

هذا لن يكون تلفيقا غير محمود. هذا يكون انتظارا لانسانية لا نتوء فيها، تفرح بالعظائم وبما تقدر عليه الحرية. الشكل يكون مدنيا اي اصطفاء الأحسن في الاجتماع البشري وما من اصطفاء الا من انسجام وفي هذا يكون قد نزل علينا الخيار الالهي. ان الآخر انسكب عليه مجد لبنان وتكون قد فهمت ما قاله البطريرك الذي قدم بالبركات ان ليس هناك من احتكار لأن الاحتكار رفض الآخر وفي الرفض لا ينزل مجد لبنان.

Continue reading