Monthly Archives

April 2014

2014, جريدة النهار, مقالات

حقيقة العيد / السبت ٢٦ نيسان ٢٠١٤

فيما كنت اتهيأ للعيد حضر لي قول الله: «ما الإنسان حتى تذكره أو ابن الإنسان حتى تفتقده»… أمام حيرة الإنسان يقول الله عنا: «سأنزل إليهم واسكن فيهم وأكون لهم إلهًا ويكونون لي شعبًا». أصحاب اللاهوت يقولون: «الله قائم في ذاته». هذا قول فلسفي، من العقل اليوناني. اما العقل العبري فلا يقول هذا. يقول «أكون» بمعنى سأكون لهم إلها. أي انه ليس قائما ضمن ذاته الا للفلاسفة ولكن لنا نحن المساكين هو قائم من أجلنا وقائم معنا ومعروف بنا لأن كلامه عن نفسه انما بلّغه (باللام المشددة) الناس بنا.

عندما سأل موسى الله ما اسمك ما أجابه باسم. قال له: «سأكون ما سأكونه». ليس في العبرية فعل الذات to be أو être الذي يدل على سكون. عرف الله عن نفسه بالصيرورة، في الآتي. سأكون أي ستعرفونني بعملي أو بحبي. ليس عند الله تحديد فلسفي. لنفسه هو يصور لنا نفسه في الكينونة، في الفعل، في الحب، معرقلون الفلاسفة اذا تكلموا عن الله. يأبون ان يقولوا انه يصير. يخشون تغيره. ولكن أليس الله يصير من أجلي بمعنى انه يتجلى لي جديدا لأحيا بهذه الجدة؟ لماذا تنفي عن الله جدته؟ أليس لأنك تخشى تغيره؟ تجسد إلهنا فهو ليس إله ارسطو. لماذا نتصور الله ثابتًا أي جامدًا. أليست كينونته حركة؟ انه إله يسوع المسيح فيما كان يتقلب في آلامه. يجيء إليك يسوع من آلامه ويقوم عندك أو فيك من بين الأموات. ليس عند المسيح حوادث خارجة عن إحساسك بها.

الله فيك أو لست تعرفه الا نظريا. أهمية الإله المسيحي انه سكن بين الناس وباليونانية نقول سكن في الناس. ان لم تحس ان الله فيك يبقى إلهًا يهوديًا. أظن ان خصوصية المسيحية قولها في إنجيل يوحنا ما أعربه انه صار جسدا وسكن فينا ويقول في الأصل اليوناني انه سكن في حينا.

العيد هو لك والمسيح فيك أو ليس لك من عيد. العيد اذا عرفته في التقويم فقط ليس بعيد. المسيح يريد ان يصبح فيك هو العيد أي ان تصير له.

ليس العيد تذكرا ذهنيا لحادثة للرب مَضت. هو التماس لحضور الله فيك وللجماعة. هو ان تطلب إلى الرب نقل العيد إليك بحيث تتجلى كما تجلى هو. أي كما ظهر إليك إلها في الجسد ليجعلك الآن من نور السماء. وكل عيد لك استدعاء مجده الإلهي عليك بحيث تتعالى عن ترابيتك وتجلب عليها ضياء السماء فتصبح أنت بصورة عجيبة قامة من نور. ان لم تصر أنت بالإيمان والتوبة مضيئا بالمسيح تبقى مخلوقا لا يقرأك الله. واما ان تحولت إليه بالعيد يراك له، بعضا من نوره ويفرح.

اذ ذاك يتم لك العيد.

Continue reading
2014, جريدة النهار, مقالات

من أكون في الفصح؟ / السبت ١٩ نيسان ٢٠١٤

كيف أتدبر نفسي في الفصح؟ اذا كانت الكلمة تعني العبور لا يبقى لي الا ان أذهب عن كل شيء لألتقي المسيح. ليس في العيد الا المسيح. ليس في المسيحية الا المسيح. كل ما عداه طريقة للكلام عنه. الكون لا يضاف اليه. هو ترجمة له. سئلت مرة ماذا يعوزك من هذه الدنيا ان رميت وحيدا في جزيرة أجبت عظة الجبل في متى وإنجيل يوحنا. أنت تعرف يا رب اننا نحن الأرثوذكسيين نقرأ في بيوتنا في الأسبوع العظيم كل الإنجيل لأن الإنجيل هو أنت.

كيف أتدبر نفسي في الفصح؟ أحاول ان أصير إنجيلا، ان أصير الكلمة لكي يقرأني الناس ويعيشوا. المسيحية وجوه استنارت لتضيء. هذا هو الفصح الحي. هو الذي يجعلني اعبر بالناس إلى وجه الآب. كيف أحيا؟ «أنا لست أحيا، المسيح يحيا في». المسيحية ليست نظاما دينيا. هي حب أي لصوق بالمسيح فتنسى وجهك لترى وجهه والعالم كله في وجهه. اذا كنا فصحيين نحن في حالة تجاوز دائم لأنفسنا والعالم لنصير اياه ويصير ايانا. ليس من أنظمة وليس من مبادئ نظرية. كل شيء وجهه حتى تتلاشى كل الوجوه أو نقرأه مرتسما عليها.

كيف أتدبر نفسي؟ انسى نفسي حتى أراه وحده فيّ، حتى أراني مطله على الكون. كيف أتدبر نفسي؟ اجعله أمام عيني وآراه الكون الذي يغنيني عن كل شيء. لا أحاوره، اتلقاه. وجهك يا رب، وجهك هذا مناي إلى ان يفنى القمر.

أنا عبور يا سيد حتى ألقاك. لا تدعني أتلهى بنفسي: «أضئ بوجهك على عبدك» لأكون من ضيائك. خذني إليك لأعرفك. لا تدعني في وحشة هذا العالم. لا تتركني فريسة للوحوش. تعال ففي مجيئك أتكون. واذا جئت إلي اكمل سيري إلى وجهك يا رب. اذا رأيتك يصبح وجهك هو العالم. لا ينفعني الا وجهك. انه هو الفصح. لا يلهني عنك وجه. سمر عيني عليه. كل يوم أريد وجهك يا سيد. اكتفي به حياة لي. دربني على ان أراك كلا لي في هذا الدهر وفي الدهر الآتي فأفهم انك الوجود. روضني على ان اترك كل شيء لأراك. اذا أدركتك أنت تتدبرني. أصبح فصحيا فيك. فاذا وصلت اليك تنتهي مسيرتي.

لا شيء بعد المسيح ولا شيء غير المسيح. من لم يكن امتدادا له أو كلاما عنه ليس بشيء. ففي الفصح أصيره أو لا أكون شيئا. اذا أحببته انمو به وانمو فيه. أنا لا أريد عليه شيئا لأنه كل شيء. كل القديسين فيه وإليه واذا نظرت إلى وجوههم لا تبحث عنهم. فتش عن وجه يسوع مرتسما فيهم.

كيف أتدبر نفسي؟ كل أمري مع نفسي ان اذهب بها إلى السيد. عنده تنوجد. والآب المبتدئ والمنتهى وفيه يصب مسيح التاريخ. أنا لست بشيء ما لم أصبح فصحيا أي ناظرا إلى الآب الغاية.

أنا لست بشيء الا اذا أخذني السيد إلى وجه أبيه وهذا لا يتم الا اذا أصبحت مكان الفصح أي موضع المرور من ذاتي إلى الآب بالمسيح يسوع.

Continue reading
2014, جريدة النهار, مقالات

من العتمات إلى النور / السبت ١٢ نيسان ٢٠١٤

يا يسوع الناصري لماذا دخلت اليوم أورشليم الزانية؟ أأنت بشر وتبتهج لموتك؟ «ها نحن صاعدون إلى أورشليم». هناك سيتم الفرح كله بموت. حتى اذا تأملنا آلامك نفهم ان فيها كل التاريخ وكل الحياة. سمر يا سيد عيوننا على صليبك لتنجو الحياة. سننسى كل اتعابنا في هذه الأيام التي خصصناها لحيك. نحتاج إلى صلبك لنفهم الحب. علمنا ان ندرك ان الفرح بصليبك جاء إلى العالم وان الحياة انبلجت منذ علقك الأثمة على الخشبة. لا تحسبنا، رب، مع الأثمة. الوقت وقت ان تقول فينا ما ينشئنا في الحياة الجديدة التي انبعثت في الكون من الجلجلة. أورشليم، كيف نرى أورشليم والأثمة هناك؟ كيف تغتسل بضياء القيامة والموت من حولنا وفينا؟ تعال أيها الرب يسوع، تعال إلينا بالجسد والدم. بالروح القدس، بقيامتنا من الخطيئة.

ركبت على جحش ابن أتان لتدخل أورشليم قاتلة الأنبياء والمرسلين إليها، لتقتلك أورشليم ومعها نحن المدنسين بالخطيئة. يا رب كيف تحصينا مع تلاميذك ونحن أثمة. غير ان وقت نسيان خطايانا قد حضر لنقيم أمام عينيك فصحًا أبديًا.

«انهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد». اعطنا ان نشاهد ضياء وجهك في عمق خطايانا. سمر عيوننا على النور الذي انبلج من صليبك نقيم فيه إلى الأبد. لا تأخذنا مع الرافضين حبك. دع شفاهنا تتمتم اسمك في كل حين لئلا نموت. ضمنا إليك بالرحمة كل حين من أحايين الوجود حتى نفهم ما تسمح ان نفهمه ونسلك هكذا طريق المجد. نجنا يا رب من ميتة الخطيئة ومن إلحادنا بالإهمال. حرك شفاهنا لتلفظ اسمك لئلا تفنى شفاهنا.

اغمض عيوننا عن رؤية الشر لئلا نزول معه. لا تدع القلب يميل إلى غير وجهك. هاتِ يدك، نحن لا نعرف وحدنا ان نسير إليك. لا تدعنا في الجهالة انها لكثيرة. علمنا الا نستحب غير وجهك لأن كل ما سواه تيه. لا تمل قلبي إلى كلام الشر لئلا يتعلل بعلل الخطايا اذا سقط. لا تذقني يا رب مرارة الموت قبل ان أعود إليك. لن اطلب بعدك شيئا لأنك الملء لا تدعني اتردد لحظة بينك وبين العالم لئلا أتيه. لا تنزع أقوالك عن قلبي لكي استلذ أقوالك في كل حين.

يا رب أرسل روحك إلى قلبي لكي ينطق بالروح. لا ترضَ ان أقول ما لا تريده. لذلك علمني انجيلك.

أحبك حبا واحدا هو حب الهوى فهذا يرضيك. وهواك فيّ كل تعليم لي. ولكن هذا يعني ان انصرف إليك وحدك. اقمني اذا يا رب في المقام اللائق بي لأهواك. كثيرًا ما وقعت يا رب، لا تدعني أنكسر لئلا أجد من يضمد جراحي. لا تدعني أموت في خطيئتي. اعرف ان هذه اذا تملكت تنفيك. اطرد الشر عني منذ بدء اجتياحه. لا تدعني أخالط الخطيئة. لا تدعني أدعوها لأنها اذا دخلت أخشى ان تستقر. معنى هذا يا رب ان سلحني برضاك. اذا عرفت ان لي مكانا عندك بالرغم من خطاياي أتعزى وأتوب. لا تسمح بأن تمتلكني الخطيئة وان يسيطر علي استلذاذها قبل ان تجيء.

يا رب أنا ضعيف وأعزل. سلحني بسلاح البر ولا ترصفني مع الخطأة. لا تحقد علي يا رب ولا تعاملني حسب أفعالي لأنها سيئة. يا رب لا اتحمل ان تقيم علي خطيئة. انتشلني الآن من هفواتي، من كل هفواتي وألق علي ثوب العرس اتبرر به. ظللني يا رب بفيء رضاك لأعرف انك سيد حياتي. لا تطرحني من أمام وجهك لئلا اشابه الهابطين في الجب. رضاك يا رب، رضاك.

ضع أنت الدعاء على شفتي كل حين حتى لا أنطق بغير كلامك اذا أنقذت جسدي من الوجع تساعدني على الصلاة. لا يختلط شيء بكلامك اذا أنا قمت على صلاتي. لا تدع التراب يمتلك كياني حتى ترى أنت متى تجعلني وجها من نور.

يا رب لا تدع كلام الناس يدخل إلى أذني ولا تحاكمني باهوائي. انها كثيرة. حاكمني يا رب برحمتك ولا تحكم على أحد غيري. يا رب نج نفسي من ظلامها ومن وسوسات الشيطان. لا تدع هذا يقرع باب نفسي لئلا اصغي إليه. خذ اشواقي اليك يا سيدي ولا تدعها تتيه لأنها تكون قد دخلت الظلام.

يا رب نجّ نفسي من اهوائي كي تتحرك فقط بحبك. لا تدع نفسي ترى فسادا بعد ان ذقت حلاوتك. يا رب لا تحدرني إلى الجحيم السفلى لأعاين مجدك في كل حين.

يا رب أبعد عني الخطأة كي لا يعرقلوا رؤيتي اياك. لا تجعلني لحظة اتردد بينك وبين الخطأة فأنت الملء وحسبي الملء. لا تقم نفسي في ظلمات الخطيئة حتى اقدر ان اراك في كل حين. يا رب لا تدع جسدي ينهار لأتمكن من الصلاة كل حين. الصلاة، الصلاة يا رب. وحدها تنقذني من ثقتي بنفسي ومن ديجور الخطيئة.

يوم دخولك إلى أورشليم الذي نذكره غدا في مبرات الشعانين وأنت راكب على جحش ابن أتان اعددني لدخول أورشليم العليا. لا يمنعنا احتلال المدينة المقدسة من رؤية السلام آتيا منك الينا وإلى العالم. كل عيد يا معلم يعلمنا ان نذوق أبدية تعاليمك وبهاء مجدك. لا تدع شعاعا واحدا من وجهك يغيب عنا بسبب الخطيئة. ليس فينا بر الا هذا الذي تسكبه علينا بالرضاء. تعال أيها الرب يسوع، تعال ولا تدعنا في صحراء الوجود. تعال لننوجد، ليقوى ايماننا بك ولنحب الإخوة.

تعال يا رب إلى كنيستك المتكسرة في كل انحاء العالم. وحدك تستطيع ان تضمد جراحها وان تزيل عنها الحزن الذي اوقعتها فيه خطايانا. العالم يفتقدك. لا تدعه يسعى إلى شيء آخر فإنك الملء. لا تدعنا نعطش يا سيد ولا نجوع. انك خبز الحياة والماء النازل من السماء. لا تتركنا نتيه. لا يتسلط علينا الإثم ولا الباغي. لا تسمح يا رب بأن نسقط في جب الهلاك.

تراء لنا ونحن في الجب. اجعلنا نفهم انك المنقذ وان ليس هنا من ينقذنا. دعنا نحس بانك الحياة. ركزنا على هذه الرؤية في صميم عقولنا لئلا تغرينا رؤية أخرى. يا رب رحمتك. انها كافية. لا يختلط عندنا شيء بك. لا يضاف عليك شيء ولا شيء يعزي. تعال اسكن لئلا نذوق الفراغ.

كل شيء عندنا من فصحك الدائم يا سيد. شخصك هو العيد. لن نذهب إلى سواك، إلى شيء أنت لست فيه. منذ تعليم بولس والرسل الأطهرين نعرف انك الوجود والكون كله. علمنا الا ننسى هذا لأننا ان نسيناه لا تجد فينا شيئا.

يا رب أقبل العيد. لا تدع خطايانا تحجب نورك من أعيننا لئلا تموت. انسَ يا رب كل خطايانا لنتمكن من رؤيتك.

Continue reading
2014, جريدة النهار, مقالات

حق الاختلاف / السبت ٥ نيسان ٢٠١٤

حق الاختلاف مرفوض من البدء. ان يقول آخر شيئا آخر هو ان يثبت نفسه، ان يقر بنفسه ذاتا، ان يقول انه شيء آخر عنك. هذه هي العداوة. والوحدة عند الناس التطابق وليست الاقتران. الاقتران يعني ان تقول ان الآخر آخر وهو موجود بذلك. الناس يريدون أمرًا وطاعة ولا يريدون وحدة في الاختلاف أي شيئًا قائمًا على الإرادة. في الوحدة لا ينصهر الآخر فيك، لا يذوب. يشتاق إليك ويبقى هو اياه على حبه. اذا ذبت في الآخر تفنى الاثنينية ولا يبقى حدّ. الحب يعني الاختلاف بالضرورة والا كان وحدانية أي ذوبانًا. أنت لا تقر بالآخر الا اذا أقررت بوجودك. الحب ثنائية قطعًا والا كان عبودية.

تختلف ولا تكره بحيث لا تكون محبًا ما لم تقر باستقلال الحبيب. أنت تريد ان يحبك آخر. هذا شرط ان يراك. فاذا كان هو أنت كيف يراك؟ لذلك الهوى بمعنى الإخضاع ينافي المحبة. المحبة شرطها الثنائية وهي تتحقق في الطور الثاني أي بعد التوق. قد ذكرنا الفيلسوف الدانمركي العظيم كيركيغار ان الله لما قال أحبب قريبك كنفسك أراد ان تحبه كنفسك. المحبة في الله ليست دائمًا تلقائية. هي واجب ولذلك هي مخلِّصة. والمحبة سلطة في نفسها. لا تستعبد أحدا ولكنها أقوى من الخضوع أو الإخضاع لأنها حركة الله في القلب. واذا كان الله سيد القلب فهو يريده محبا للقلوب الأخرى لا سيدًا عليها بالانفعال العاطفي.

والمحبة تتأسس في ان الآخر مثلك ومختلف. مثلك لأن الإنسان فقط يحب الإنسان ومختلف لأنك بالمحبة تعطي نفسك ولا تمتلك أي تخرج من ذاتك إلى الآخر لتكون معه وهو معك والله موحد لكما. لا وحدة الا في المشاركة أي في التباين لا في الانصهار. الانصهار كان دائمًا قتلاً لآخر. من أصعب الأشياء اتفاق الإرادات لأنها تعني اتفاق العقول وهذا مستحيل وغير مطلوب إلهيا في المطلق ولكنه مطلوب في الحب.

أنت في المواجهة تلحظ الاختلاف وهذا معطى الطبيعة والتربية وكل عوامل التاريخ. هذا من الحرية والحرية تكوين إلهي فينا. والتعايش ان تقبل الاختلاف ليس مرغما ولكن في اعتبارك ان الاختلاف يأتي من سماحة الله. لا أحد يعرف حكمة الله في هذا الأمر ولكنا نغلب اختلاف الآراء والأهواء بالمحبة. أي نتعايش في قبول الاختلاف على انه سر الله في خلقه. أنت لكونك لست خالقًا للآخر تقبله ان كنت مؤمنا على انه خليقة الله ورسول حكمته إليك وتتروض به ويقودك الاختلاف إلى حبه والحب أقوى من العقل.

الحب عند الأذكياء وجه أول من وجوهه ان تقبل بالآخر أي الا تقتله لإيمانك ان الاختلاف بينكما من حكمة الله فلا تسعى إلى سيطرة ولكن إلى اكتشاف الله عنده عن طريق الاختلاف. احترامك الحرية ليست مساواة بين الأفكار. انها تواضع أمام فكر الاخر المختلف لإيمانك بأن الله عنده ولو اختلف عنك.

احترام الحرية لأخيك ناتج في الحقيقة عن إيمانك بأن الله يوزع حقيقته على من شاء ويسمح باختلاف تعابيرها ويقول بضرورة التوحد الوجداني على اختلاف العقول.

وترى الاختلاف العقلي وتحب لأن الانسان أهم من عقله ولأن حبك له يحييه وتقوم بينكما وحدة تقوم على التقاء القلوب وهذا هو البلاغة عينها. ولك مؤمنا ان تفهم حرية الله في خلقه عقولا مختلفة وان تفهم حرية الإنسان في أحواله لعلمك ان وحدة البشر في وحدة قلوبهم لا في اتفاق آرائهم لأن القلب أعظم من الرأي ولأن الله أعظم من القلوب.

ليس للبشر عقل واحد ولن يكون ولكن يمكن ان يحبوا بعضهم بعضًا ولا يتفاهموا ذهنيا. حرية المذاهب في الدين لا تنفي وحدة الحب والأديان كلها تقبل التعدد في ما ليس هو من الجوهر.

لأن الإيمان ليس قسريا، لأن الله لا يريد عقله ان يستعبدك تقبل الآخر أي تقبل الاختلاف وان الله يسمح به. والمؤمن يقبل ان يعايش غير المؤمن على الاختلاف لأنه يعرفه حبيب الله ولا يفرض عليه قراءته لله. المؤمن الحقيقي يقبل اختلاف قراآتنا لله ويقبل الكفر تسامحا أو تنازلا من الله. نحن في المسيحية نقول انه عليك ان تدافع عن حرية الكفار. عندنا ان «من آمن يخلص ومن لا يؤمن يدان» ولكن ليس عندنا ان أهل الدين يقتلون من لا يؤمن بدينهم. نحن الأرثوذكسيين لا نقول بقتل الهراطقة (أو الكفار) وما قتلتهم كنيستنا مرة. السلطات السياسية شيء آخر وهذه لا تسأل السلطات الروحية رأيها. الهرطقة وفي العربية البدعة ليست اليوم شذوذا سياسيا. هي فكر.

ينبغي ان نتروض على اختلاف الناس في عقولها وتاليا في دياناتها وان الله ليس إلها مستبدا يفرض عليك دينه بحد السيف. الله ليس عنده سيف ولم يفوض أحدا بحمله. انه لا يعاقب المنحرف دينيا بقتله. العقاب بسبب انحراف عن الدين ولى في الشعوب المتحضرة. المؤمن يمكن ان يكون صديقًا لكافر. هذا من المحبة أي من الله. المحبة لا تشترط عقيدة في من تحب.

ينبغي ان نخدم المنشقين والكفرة لأنهم ابناء الله شاؤوا أم أبوا. انهم ابناؤه بمشيئته ولا يسوغ لنا ان نؤثر عليهم المؤمنين بالحب. نحن مع المؤمنين بوحدة الإيمان والفكر ولكنا خادمون للناس جميعًا بعطاء القلب والعمل.

والانسانية ستبقى برج بابل إلى الأبد وأنت يريدك ربك ان تعيش بالمحبة مع من غايرك في الفكر. والله المؤمن والكافر ولدان له وفي كتبنا ان الرب يرحم الخطأة والرحمة من الرحم أي انه يضمهم إليه كأم.

اذا أردت الحرية للناس وهذا أمر إلهي لا ترغمهم على شيء. اذًا هم عبيد. أنت تحب الإنسان ولو كان على اختلاف معك. لا تحبه بالضرورة بسبب من الانسجام. أنت أمرك الله بحبه أي ان تكون في خدمته لتخلص نفسك بهذه المحبة.

الناس ليسوا قوالب ولا يرغمهم ربهم ان يتقولبوا بكلمته. يرعاهم اذا اطاعوا ويرعاهم اذا رفضوه. فقابلوه والرافضون ابناؤه على السواء. يحب محبيه ويرضى برافضيه ولهم جميعا رعايته إلى ان يهتدوا.

ان نقبل مخالفينا في الرأي هو ان نقبل كيانهم لا ان نقبل فكرهم والهداية ممكنة وواجبة ويهتدي من يشاء ويضل من يشاء وأنت تعيش في عالم واحد مع خصومك على شيء من التلاقي أي الإقرار بحقهم في الاختلاف بلا عداء في القلوب. وقد انقضى عصر التكفير حتى الموت. لماذا يرضى الله بحق الكفار والقتلة بالحياة وأنت لا ترضى؟ من أقامك على حياة الناس؟ من قال ان الكفرة ليسوا أحبة عند الله؟ من قال انه عليك ان تبغض الكفار؟ أنت تبغض الكفر فقط. من فوضك أية سلطة لتقتل الكفار؟ أليس من المعيب ان يدعو إلى الحرية أهل الكفر ولا يدعو إلى الحرية المؤمنون؟

نحن المؤمنين وغير المؤمنين لن نكون واحدًا ولكن لا ينبغي ان نتقاتل. هناك تعايش مبتغى معقول ان قلنا جميعا بالحرية. البشر ليسوا قوالب ليقولوا قولا واحدا. ولكن لهم مع الاختلاف ان يقبل كل فريق منهم حرية الآخر بسلام.

«لا تقتل». هذه هي الوصية الوحيدة التي عليها نعيش. المطلوب ان نتعايش مع الخطأة ومع المختلفين عنا وان نقيم مجتمعا ليست أية عقيدة دينية شرطا فيه فالإنسان هو المقدس ونحن هنا إلى الحقيقة في مسعى إلى ان يقول الله كلمته في اليوم الأخير.

حياة الإنسان ملك لربه. ليست لسلطة دينية أية كانت ولم يقم الله على الناس سلطانا دينيا له ان يقتل. ليس من وكيل لله على أجساد الناس لم يفوض الله أحدا بقتل الخطأة ولا الكافرين إلى ان يجيء المسيح ثانية. للكفرة حق الوجود وحق التعليم.

Continue reading