1994, مقالات, نشرة رعيتي

الرشوة/ الأحد 9 كانون الثاني 1994/ العدد 2

ان القوانين المقدسة صارمة جدا بحق الذي يشتري رسامته بالمال «جاعلا من النعمة التي لا تباع سلعة للمتاجرة فيُرسم اسقفا او خوراسقفا او قسا او شماسا … فالذي يثبت عليه انه قام بمثل هذه الرسامة او التعيين يجرَّد من وظيفته. واما الذي يُرسم او يُعيّن بهذه الصورة فلا يحق له التمتع بدرجته او وظيفته بل بالعكس يُعزل منها لحصوله عليها بالمال» (القانون 2 من مجمع خلقيدونية السنة 451).

القاعدة الأخلاقية ان الانسان لا يحصل على وظيفة الا اذا كان مستحقا لها. والقاعدة الثانية ان من كان في وظيفته يقوم بها ويكتفي براتبه. واما من كان راتبه ضئيلا فهو في عهدة المجتمع ككل وفي عهدة المحسنين ولا يشترط للقيام بوظيفته على احد مبلغا من المال لأن إداء الوظيفة واجب نابع من خدمة المواطنين الذين لهم حق على اصحاب الوظائف ولا يجوز تعطيل هذا الحق. من قَبِل مسؤولية في الدولة -صغيرة كانت ام كبيرة- يجعل نفسه خادما للكل ولا سيما للفقراء الذين لا يجوز ابتزازهم او التغاضي عن مصالحهم.

كل خدمة مجانية والمجتمع السياسي كفيل بإعاشة من جعلهم في خدمته. قد تكون الدولة مقصرة ولا سيما في الضائقات. هذا الوضع يتطلب منها جهادا لرفع الرواتب او للجم رفع الأسعار. المجتمع يقوم على العدالة ومنها إنصاف الذين جعلناهم في المسؤولية. لقد عرفنا قبل هذه الحرب قضاة عاشوا بالفقر وماتوا ولم يتركوا شيئا. وعرفت الانسانية قديما حكاما كبارا ماتوا ولم يورثوا عائلاتهم شيئا. عظماء في الكنيسة وفي الدنيا عاشوا في تقشف رهيب ولم يتدنسوا بمال حرام.

اذا واجهت موظفا يتقاعس دون ان يلبي لك طلبا مشروعا فيجب ان تلح عليه او على رئيسه ليؤدي الواجب. لا مانع ان تنتظر ولكن لا تلطخ يديك بالخطيئة. ليس اسوأ من الموظف الكبير او الصغير من اتكالُه على الهدايا لأن الهدية تضعف إرادة المسؤول الذي يتقبلها وتجره الى القيام بعمل غير مشروع. فالعمل الذي ينهى عنه القانون في اي حقل من حقول الحياة المجتمعية لم يُمنع الا لأنه يؤذي احد المواطنين. فالموظف الذي يتساهل بعمل غير قانوني يعرف انه يضر احد الناس او يضرالدولة التي تمثل المجتمع في جملته.

القاضي الذي يرجو هدية او يلوح له بها يصدر بالضرورة حكما يظلم فيه طرفا من الطرفين المتقاضيين. والطبيب الذي يعطي تقريرا كاذبا انما يؤذي المؤسسة التي ينتمي اليها المتمارض ومن اعطى إفادة كاذبة يؤذي بالأقل نفسه لأنه يقزمها ويصير جبانا ولا يعلم الناس الصدق.

الوزير او النائب او السياسي بعامة اذا ارتشى فليس يحب وطنه لأنه يقول ما أرادوه ان يقوله ويسكت عن قانون مجحف او عن موقف سياسي ظالم. ان من اشتهى المال يذهب الى حد الخيانة الكبرى.

من يدافع عن المظلوم اذا زالت العفة؟ من يحمي الوطن من التعديات ان لم تقم جماعات من الناس طاهرة لا يغريها مال؟ من يقول في الكنيسة نريد اسقفا صالحا طاهرا، معلما كبيرا اذا تفشت الرشوة عند من لهم حق الربط والعقد. اي ارثوذكسي يضمن سلامة عائلته اذا كان القضاة الروحيون يضعفون امام الهدايا؟ كيف يفحص القاضي دعوى فحصا دقيقا بموجب القوانين اذا وعده احد المتقاضيين بمال؟

ان «محبة المال اصل كل الشرور» كما يعلمنا بولس. هي خراب للمجتمع والكنيسة والدولة والضمير. اذا انت تنزهت فبإمكانك ان تجعل المسؤولين يميلون الى النزاهة. لبنان لن يقوم الا بالطاهرين. اللبنانيون لن يكونوا على شيء الا اذا تعلّموا ان هناك اشياء لا يجوز عملها واشياء «ما لها دبّار». الحق الذي نلح عليه في كل مسؤولية هو الله نفسه.

Continue reading