Monthly Archives

June 2014

2014, جريدة النهار, مقالات

صوم رمضان / السبت 28 حزيران 2014

دائمًا يستوقفني صوم رمضان لأن الله عند المسلمين يقول إنه له. في الحقيقة كل صوم له إذ يصبح بقوة وجهة المؤمن. وأنا المسيحي أحس حقًا أن الصوم له لأنه ابتغاء وجه الله وحده إذ لا أحد يصوم لنفسه. وإذا كان الصوم في حقيقة النفس يوحدها بالله فالموحدون بالله هم معي وأنا معهم أكلت أم أمسكت وفي عمق الحب المسيرة واحدة. إذا شاركت المسلمين روحيًا في صومهم بلا أداء أليس رمضان لي؟ وما أنا بعالم كلام ولكن العاشقين منهم يفهمونني. أنا أقبلت على رؤية الإسلام بما فيه الكفاية لأعلم أن لغة العاشقين ليست سهلة على اتباعه. ولكني لا أستطيع أن أشق طريقي اليهم الا بالعشق. من هنا ان رمضان يعبر بي وأنا أعبر به لأن روحيته تستبقيني في الصوم الكبير عندنا.

أنت ان كنت محبًا للرب تشارك المسلمين صيامهم بلا تأدية. ان كان المسيح يضم العالم اليه فالمؤمنون له والمسلمون يصومون معه وفي صحراء المسيح نلتقي الله جميعًا. أنت العيسوي تفرح في رمضان لأنك تفرح للبر. وفي السماء أو في الجنة كما يقول المسلمون لا نصوم اذ نرى الله وجهًا لوجه وتنجو نفوسنا به.

أنا لا ادخل في حديث لاهوتي عن رمضان لئلا أبدو معلمًا لأحد. ولكن عندي من معرفة المسيحية ما يؤهلني لأقول ان هذا الشهر رياضة روحية كبرى يتقرب فيها المسلمون من الله وهذا يجعل اتقياءهم عظامًا في عينيه.

في كثافة حبنا لله لا تبقى حدود وتصير الممارسات محطات في الحب الإلهي لكي يلتمع في أعيننا مجد الله يوما بعد يوم ونرى أنفسنا في الحب الإلهي.

ليس لنا ان ننتظر شيئًا آخر اذ ليس من شيء بعد الحب. والله نفسه ليس بعد الحب. هو إياه.

نحن المسيحيين كلما صمنا واعتصمنا نلتقي المسلم وفي حسباني انه هو هكذا حتى تهتك الحجب. اذ ذاك نرى الله وجهًا لوجه كما يقول بولس. نحن نلتقي في القلوب وهل من مكان آخر للقاء. صاحب القلب ليس له مشكلة مع القلب. مشكلته مع بعض الذين يحملون العقل ويهددون به. كل شيء يحيط به الغموض إلى ان يجيء المسيح ثانية. الظلمة العقلية التي في النفس لا يغلبها الا الحب لأنه هو كلمة الله واذا كنا فيه لا نموت.

أنت تعامل الأديان في العمق ولا تبقى على سطح الكلام. واذا أدركت العمق حقًا لا تفرق بين ما لك وما للآخرين. في القلوب المستنيرة للكلام حدود. واذا أوغلت في الحب يكفيك رؤية الحدود. هذا اذا وهبك ربك تجاوز الكلمات وأبلغك الجوهر.

أنت غير المسلم صعب عليك ان تقرأ ما لم تكن مثقفا مؤمنا بقوة ولكن قد يهبك ربك ان تقرأ مهابة المسلمين وتقواهم وكمالنا ان تحبهم قبلوا المفردة أم لم يقبلوها. نحن المسيحيين لا نبقى مسيحيين ان لم نحب المسلمين. نكون خرجنا عن جوهر ديانتنا. ديانتنا ليست أحكامًا أصلاً. هي كذلك استنتاجًا. ولكنها في كليتها حب والمسلم بتحديد منها في قلبها. اللاهوت لا يسبق الحب ولا يحده. أنت مع المسلم في وحده ما كائنا ما كان مقدار البعد العقلي.

Continue reading
2014, جريدة النهار, مقالات

الأرثوذكس في البلد / السبت ٢١ حزيران ٢٠١٤

لا تنتظروا مني ان أقول لكم انهم عظماء. هم مثل كل الناس. ليسوا أدنى ولا أعظم. في تصنيف الأديان هم مسيحيون ولأسباب عديدة لا يعتبرون انهم شيء عظيم وان اغتر بعض. هل هم عدد فقط أم لهم ميزات؟ ما من مجموعة دينية ليس لها ميزات لأن الدين إلى جانب كونه قناعة وجدانية هو ثقافة قائمة بذاتها. هذا ما يعرف بأنه ثقافة خاصة. فالمسلم الفارسي ببعض مكوناته غير المسلم العربي. والأرثوذكسي السوري أو اللبناني في أذواقه الحضارية غير اليوناني. لذلك لا يصح اعتبار النموذج الإناسي واحدًا بين مسيحي ومسيحي من طائفة أخرى. المثال الحضاري أو الذوقي قد يوحد مسيحيا ومسلما ولا يوحد المسيحي والمسيحي أو المسلم والمسلم.

ومما يؤسس هذا جزئيا ان لكل طائفة مسيحية أفقًا حضاريًا. ففي أشياء تراها بعيدة عن طائفة مسيحية أخرى وأقرب إلى المسلمين. فمن المسيحين من لا تحس عندهم بعدا حضاريا أو ذوقيا يختلف عن المسلمين ولهذا أسباب عديدة لا مجال لبحثها هنا. ومن المسيحيين من كان أشد تعصبا وان لم يكن أعمق دينا. وقد يتحدر هذا في اللاهوت وليس فقط في عوارض تاريخية زمنية. قراءتك الزمنية، التاريخية لطائفتك قد تبعدك عن بعض من أبناء مذهبك الذين لهم احساس تاريخي، زمني آخر. فوحدة الإيمان المسيحي بيننا لا تعني بالضرورة تقاربا في فهم الأزمنة التي عبرنا بها أو في قراءة واحدة لمسيحيتنا التاريخية. فالمارونية ثقافة كاملة والأرثوذكسية كذلك أو بالتصنيف العصري كل واحدة حضارة جزئية sous – culture.

لذلك ما كان الخلاف فقط بين المسيحيين عندنا اختلافا مذهبيا وحسب. هو خلاف في قراءة التاريخ وقراءتان منا للمسلمين. وهذا عندي ليس قراءة في مفهومين مختلفين للعروبة ولو كان هذا ممكنا. هذا بين الكاثوليك والأرثوذكس اختلاف في فهم العلاقة بين الكنيسة والعالم، هل الكنيسة تضم في كينونتها العالم إليها كما هي قراءتي للكثلكة أم الكنيسة في العالم روحه كما أفهم الأرثوذكسية؟

الروم كما يسموننا لبنانيون جنسية وعرب حضاريا. ليسوا أمة. هم كنيسة فقط أي كيان يحيا في الزمان مسيرته إلى الآخرة وفي دنياه يختلط. نحن لسنا أمة لأننا لبنانيون في لبنان وسوريون في سوريا. ووحدتنا كنسية لا قومية. الشعور القومي شرعي ولكنه يبقى لهذه الأرض. نحن واحد مع أرثوذكسيي العالم في الإيمان وواحد مع أهل بلدنا في الانتساب إلى أرضنا وتاريخها. ولعلنا معروفون بأننا نميز الأشياء. تسميتنا بروم جاءت من المؤرخين الغربيين الذين يقسمون المسيحيين إلى يونانيين ولاتين. ولكن أبسط القول اننا لسنا يونانيين لا جنسًا ولا لغة. اسمنا عند المؤرخين مستقيمو الرأي بتميزنا عن الذين شذوا عن استقامة الرأي. طبعًا هذا اصطلاح علمي فيه اختلاف. فمن الواضح ان تسميتنا في سوريا ولبنان وفلسطين بروم لا سند لها من حيث القومية أو الجنس. هي قائمة على رؤية ان العالم المسيحي انقسم إلى روم ولاتين مذهبيا. الروم في التسمية العربية التاريخية هم البيزنطيون وليسوا أبناء بلادنا. نحن سمينا هكذا لأننا كنا مع بيزنطية الرسمية على مذهب واحد. اما اسم أرثوذكسيي هذه المنطقة المعروف عند المؤرخين الأوروبيين فهو الملكيون نسبة إلى مذهب الامبراطور البيزنطي. لست أعلم تاريخيا لماذا سقطت تسمية الملكيين من الروم الأرثوذكس وهم معروفون بها في الأوساط العلمية، حتى اليوم.

Continue reading
2014, جريدة النهار, مقالات

أحد جميع القديسين / السبت في ١٤ حزيران ٢٠١٤

في الكنيسة الأرثوذكسية نقيم غدًا أحد جميع القديسين جاعلين اياه الأحد التالي للعنصرة لنقول ان القداسة عمل الروح الإلهي وليست صنع البشر. جعلها الله فينا حصته حتى لا نفتخر ليكون لله فيها الفضل. المسيحية لا تعتز بالعقل اللاهوتي فقط وما اعظمه. تفتخر بالقداسة، لأن العقل الكثير منه من الإنسان واما القداسة فهي من الله. فإذا سمينا واحدا منا قديسا فليس لنعتز بما أنجز في بشريته ولكن بما وهبه الله.

نحن لا نضع في القداسة مفهوم البطولة فليس عند الله بطل. كل القداسة سكبها الرب بفضله في الإنسان ولا نعرف سر نزولها فيه اذ يحرم علينا ان نزن مقاديرها في ذا وذاك. الكنيسة الأرثوذكسية لا تربط القداسة بأعجوبة ولكن بإعجاب المؤمنين بطهارة واحد منهم. ليس صحيحًا ان القديسين أتوا كلهم بمعجزات. المعجز هو القداسة ذاتها. اذ تعني ان إنسانا ما رأى في الكون وفي ذاته الا الله. عندما تنعت الكنيسة الأرثوذكسية أحد قديسيها بأنه صانع عجائب لا تكون قد افترضت ان كل قديس يأتي بمعجزة. المعجزة هي القداسة نفسها.

ما يلفتني في الأبرار انهم لا يقيمون قيمة الا لبر الله. لا يرون أنفسهم شيئا اذ تروضوا على ان رؤيتهم لنفسهم موت لها. فقط في نكرانك لذاتك تصير شيئا في عيني الله.

سر ذلك انك اذا رأيت شيئا إلى جانب الله تبطل الله. قد يقيم المسيحي الفهيم قيمة للعقل ولكنه لا يراه شيئا ازاء القداسة. العقل يأتيك من ذاته، من قوته. القداسة وحدها تأتيك من الله وأنت جاحد ان أضفت شيئا على الله. أنت جاحد ان أضفت شيئا على القداسة لأنها وحدها من الله والباقي جهد. تعلم ان كنت ذكيًا أو مثقفًا كبيرًا انك لا تزيد درهما على القداسة فيك لأن كل شيء ما عداها من صنع البشر.

لماذا جعلنا لنا افتخارا بالقديسين مجتمعين؟ لماذا أردنا ان تعيد لهم معا؟ الجواب ان قداستهم واحد من حيث المنشئ وهو المسيح ولأننا لا نفرق بينهم اذ نلتمس أثر السيد في كل واحد منهم وفيهم مجتمعين. لذلك لا نقارن بينهم ولا نعتز بواحد تفضيلا اذ نراهم جميعا ناشئين من الواحد.

من جمالات الكنيسة انها تضم القديس إلى القديس بحيث تعتز بهذا وذاك وترى الحسنات وتكبر بفضيلة هذا وفضيلة ذاك. لعل من أهم ما عند المسيحي انه يؤثر البر على الفكر وينجذب إلى القديسين بسبب قداستهم لا بسبب ذكائهم اللاهوتي. ذكاؤهم يفرح المؤمنين الأذكياء. قداستهم تحرك الجميع.

البار عندنا لا يهتز للموهوبين عقليا بقدر ما يهتز لمن يعتبرهم أعظم في البر. المسيحي الموهوب مقدارا من الذكاء لا يقيم له وزنا. الوزن عنده لكثافة القداسة. القديسون اللاهوتيون لهم وزنهم عندنا ولكن بسبب قداستهم. نشكر لله عقولهم التي أنارتنا ولكنا لا نؤثرهم على من كان في القداسة بسيطا.

ما يهم الكنيسة ليس ان تقارن بين هذا القديس وذاك. ما يهمها ان تسعى جميعا إلى القداسة. من وهب نشاط فكر أو عمل فهو رفيقنا على دروب الرب ولكن الأقرب إلى قلوبنا من حقق طهارة أو طلبها وجاهد نفسه ليزداد محبة للمسيح.

من بركات هذا الأحد ان يجعلنا حساسين إلى ان القداسة تجمع ناسا كثيرين من مختلف صور الجهد. من أهمية هذا العيد انه يزيد فهمنا على ان القداسة مهما اختلفت صورها واحدة في جميع الذين انسكبت فيهم.

ما يلفتني ان ما يهم المسيحي أولا ليس الفكر ولا الإنجاز العملي بل القداسة ذاتها. لك ان تتسلم أعظم الوظائف في الكنيسة ان لم تكن ساعيا إلى القداسة لست بشيء. لك ان تحقق في المسيحية أشياء عظيمة ولكن ان لم تسع إلى البر الذي في المسيح لست بشيء. ان أثرت على عشق المسيح وظيفة عليا أو مجدا من هذا العالم فلست بشيء. ان لم تتيقن ان المسيح حياتك وانك لا تزيد عليه شيئا لست بشيء. ان أحببت يسوع حبا كثيرا ولم تنل شيئا آخر من هذا الوجود تكون قد أدركت غاية الحياة. لا تبدد أوقاتك وجهودك في شيء آخر. اذهب فقيرا إليه يغنيك عن كل شيء آخر.

ليس في هذا العالم ما لا يستغنى عنه. ان لازمت فقرك إلى المسيح لا تحتاج إلى شيء آخر. ليس من خسارة الا خسارة وجهه. لازم عينيه يلازم هو عينيك.

Continue reading
2014, جريدة النهار, مقالات

ان نذوق الله / السبت في 7 حزيران ٢٠١٤

غدًا العنصرة عند المسيحيين وهي ذكرى لحلول الروح الإلهي على التلاميذ الاثني عشر. معنى هذا الكلام بلغة قريبة من الوضوح ان المسيح من بعد انتقاله عن هذه الدنيا أراد ان يجعل لنفسه حضورًا فيها بذكر كلمته (الإنجيل) وبث روحه (بالقداسة والرعاية). لنا ان نعتبر ان الرب من بعد قيامته أمسى في الناس حقيقة فاعلة، تحمل إليهم إنجيلا وقداسة أي نصا وحركة للنص.

المسيحية واضحة بأن فيها شيئين: حقيقة دفعها المسيح إلى الناس مرة واحدة وتفعيلا لهذه الحقيقة بالتفسير والعقائد من جهة والقداسة من جهة. بتعبير آخر هناك الثابت وهو الإنجيل وهناك المتحرك أي فهم هذا الإنجيل ونقله بالتراث والعبادات والرعاية. في تبسيط كلي لنقل ان المسيحية كلمة الله التي نزلت في عبادات ولاهوت وعمل ويعسر التفريق بين هذه العناصر المتداخلة.

فرادة المسحية انها ليست مجرد كتاب. انها بآن معًا هذا الكتاب وفهمه والفهم هو التراث الحي الذي يذوقه المسيحيون ويعيشونه. أنت في حاجة إلى كتاب يحفظك وإلى تفهم الأجيال لهذا الكتاب. فالكتاب يحميك من جهة ولكنك أنت تدعمه ان فهمته وتظهره حيا.

معنى العنصرة أو حلول الروح القدس على الكنيسة ان المسيحية ليست نصا جامدا وانها تحيا بمن يحييها في نفسه فتظهر به وليس فقط بكلمات مكتوبة. المهم ان تصبح كلمات مقولة وبشرا يحييون بها. وأهمية النص انه يحفظك من فكر شارد ومن انحراف ممكن. كان من الممكن ان يفعل الله في كنيسته بالروح والإلهام فقط ولكنه آثر ان يحفظ الروح بالنص. بنا للرب ان هذا أضمن لدوام حقيقته.

أتى الإنجيل كتابًا مكتوبًا بعد ان عاشت الكنيسة حوالي ستين سنة ظهرت فيها الأناجيل تبعا لمؤلفيها بحيث ان المضمون الإنجيلي استغرق حوالي ستين سنة ليكتب كله أي ان الكنيسة عاشت فترة أولى على التراث الشفهي وليس من إنجيل مدون. تغذوا من الكلام الحي الذي تناقله الأسلاف. لم تبدأ ديانتنا من نص قانوني مفروض. اصطلحت الكنيسة في تعاقب أجيالها الأولى على ان لها مجموعة نصوص اعتبرت انها العهد الجديد. هكذا تكونت ديانة الروح.

ماذا يقول لنا هذا العيد؟ يقول شيئين ان المسيح تكلم في ما دونه الأوائل أناجيل وان المسيح اياه نقل نفسه إلينا بالروح القدس في الكنيسة. عندنا الثابت وهو النص وعندنا المتحرك وهو أحياء النص في نفوسنا بالإيمان. اذا اعتبرنا، للتبسيط، ان السيد تكلم بالأناجيل أي في نص ثابت لنا أيضًا ان نؤمن ان المسيح هذا يحرك قلوبنا بالروح القدس الذي يرسله إليها بالإلهام الشخصي وتفسير الآباء ونصوص العبادات الطقسية.

يؤكد العيد على اننا ورثة الإيمان القديم الثابت واننا نحيي هذا الإيمان فينا بالتقوى والطهارة والخدمة. بكلام آخر يقول ان الحقيقة قديمة وقد جاءت بالمسيح ولكن لنا ان نحياها ونغذي الناس بها.

يؤكد العيد أيضًا ان هذا الإيمان القديم علينا ان نذوقه ونحياه في قلوبنا وان ننقله إلـى الأجيال لكي تعيش به. العيد ينقل حقيقة إلهية قديمة إلى النفوس ليصبح حيا فيها ويحييها. العيد يجعلنا بشرًا جددًا، ذائقين الله.

Continue reading