هذا هو اليوم الذي نحن فيه والحديث فيه عن بعث يسوع لصديق له اسمه لعازر اي الله عون او أزر وكان له أختان مرثا ومريم ورد ذكرهما في غير موضع في الإنجيل. ويخيّل اليّ أن هؤلاء الثلاثة من حلقة الأتباع الواسعة المنتشرة في فلسطين الى جانب التلاميذ الاثني عشر. إصحاح (او فصل) كامل يخصّصه يوحنا الإنجيلي لهذه الحادثة ما يعني انها باتت جزءًا من لاهوته كبيرا.
وفي هذا يتبع اسلوبه المألوف أن سردًا ما يكون صورة عن سرد سيأتي أكثر كثافة وأعمق معنى.
جرت الحادثة في ضاحية من ضواحي أورشليم تسمّى بيت عنيا وهي معروفة اليوم باسم العازارية. أرسلت الأختان تقولان ليسوع وهو في طريقه الى اليهودية ليدخل اورشليم في اليوم التالي: «يا سيّد هو الذي تحبّه مريض». وهذه العائلة نعرف شغفها بالمعلّم وما كانت الأختان في حاجة ان تسميا أخاهما باسمه. غير ان المعلّم ما لبّى رغبتهما توًّا. وحاول التلاميذ ان يقنعوه بعدم الذهاب الى تلك المنطقة بسبب من عداء اليهود له. لعلّ يسوع استخف بعداوة اليهود اذ رآهم في الظلام فقال: «ان كان أحد يمشي في النهار لا يعثر لأنه ينظر نور العالم» كلمة نور واردة كثيرًا في الإنجيل الرابع ومنذ فاتحته تدل على شخصيّة المسيح. هنا قال يسوع: «لعازر حبيبنا قد نام». استخدم هذه العبارة ليدلّ على أن لعازر مات. وعبارة الراقد في المسيح واردة في كل الأدب الإنجيلي ولكن التلاميذ لم يفهموها حتى قال لهم المعلّم علانية «لعازر قد مات». بعد هذا مشوا الى بيت عنيا.
«فلما سمعت مرثا ان يسوع آت لاقته فقالت له: «يا سيّد لو كنت ههنا لم يمت أخي»». عتاب لطيف مليء بمعرفتها لقدرة يسوع. «قال لها يسوع سيقوم أخوك» فظنّت أنه كان يتكلّم عن القيامة في اليوم الأخير فقال لها يسوع: «أنا هو القيامة والحياة. مَن آمن بي ولو مات فسيحيا وكل من كان حيا وآمن بي فلن يموت الى الأبد».
قبل هذه الحادثة أوضح يسوع في إنجيل يوحنا نفسه أن البشر سيقومون في اليوم الأخير وسمّى ذلك قيامة حياة للأبرار وقيامة دينونة للأشرار. هنا يبدو أنه يدخل مفهومًا للقيامة جديدًا وهو انه هو القيامة للذين يؤمنون به. لم يلغِ الاعتقاد بقيامة الأموات ولكنه علّم هنا أنك إن كنت معه وله ففي حياتك على الأرض انت قائم من الموت الروحي وحياة الله بواسطة المسيح هي فيك. أظن أن القولة الركيزة في معجزة إقامة لعازر هي قولته لمرثا: «أنا القيامة والحياة». على هذا تأتي المسيحيّة كلّها تعلّقًا بالمسيح وليست هي كتابا الا بمقدار ما يقوّي هذا الكتاب عشقنا للمسيح. لا بد من كتب ولا بد من عبادات وطقوس وما نسمّيه أسرارا إلهيّة كالمعمودية وتناول القرابين. ولا بد من معابد وقانون ينظم حياة الجماعة. ولكن هذه كلها ما هي الا وسائل تقوّي الحب ليسوع ولقاءنا شخصه في كل حين عملا بقول بولس: «لست أنا أحيا بل المسيح يحيا فيّ».
قد لا نكون كاملين في هذا لأن الخطيئة تحجب المسيح عن أبصارنا ولكن جهد التطهّر الذي نبذله هو أن نبيد فينا الغشاوة لتنظر عيوننا بنور المعلّم فنشاركه آلامه ونقوم معه فلا نموت الى الأبد واذا تبنا تتجدّد حياة السيّد فينا. ومَن أحبّ يسوع بلا تردّد ولا تساؤل أيّا كان مذهبه يكون معمّدًا بروحه لأنه يبثّ روحه عند القابلين اياه ويجعلهم أبوه جبلة جديدة.
أجل الحب يقوى اذا قوّيته اي اذا شئت انت وشاء هو فيصبح هو فيك وتصبح انت منه اي أخًا له وجالسًا معه في السماويات فيما تعدو قدماك على الأض ويزول المدى بين السماء والأرض.
وبعد ان قال يسوع لمرثا هذا القول سألها: «أتؤمنين بهذا؟» وكان لعازر لم يقم بعد. وما كان لها برهان حسّي على قدرته على نطاق الموت «قالت له نعم يا سيّد. لقد آمنت أنك انت المسيح ابن الله الآتي الى العالم». وبعد هذا مضت «المعلّم حضر وهو يدعوك». وهو لم يقل ادعي أختك ولكنها أرادت أن تشاركها الإيمان به كل هذا قبل بعث لعازر فقامت «مريم سريعا وجاءت اليه» ونعرف من الاصحاح الثاني عشر الذي يلي انها «أخذت منا من طيب ناردين خالص كثير الثمن ودهنت قدمي يسوع ومسحت قدميه بشعرها». حب كبير عند هذه التي كانت تريد دائما أن تسمع كلامه ولا ترتبك كمريم بأمور هذه الحياة. فلما رأته كان لا يزال خارج القرية قالت له مثل أختها «يا سيد لو كنت ههنا لم يمت أخي». هنا أرادت أن تؤكّد قدرته على غلبة الموت او على منعه. فلما رآها يسوع تبكي «انزعج بالروح واضطرب». ربما أراد الإنجيلي ان يؤكّد بشريّة يسوع في مشاركته آلامنا. ولنا ان ترى في هذا إشارة الى آلامه التي ستكتمل بعد ايام قليلة.
بعد هذا قال المعلّم اين وضعتموه فأروه القبر. اذ ذاك يقول الإنجيل: «بكى يسوع». والواضح هنا ان يوحنا الرسول الذي ملأ كتابه من الحديث عن ألوهية السيّد أراد أن يؤكّد ناسوته ربما ليدلّ على أن يسوع سوف يموت بناسوته كما ترضى ألوهيّته ان يموت. وفهم اليهود بعد بكاء المخلّص انه كان يحب لعازر ثم قالوا: «ألم يقدر هذا الذي فتح عيني الأعمى أن يجعل هذا ايضًا لا يموت. فانزعج يسوع ايضًا في نفسه وجاء الى القبر وكان مغارة قد وضع عليها حجر». هكذا سيوضع الرب في مغارة يسدها حجر. لعلّ يوحنا لمح أن السيّد ايضًا سيوضع في قبر بابه من حجر. اذ ذاك قال يسوع: «ارفعوا الحجر» فقالت مرثا «يا سيّد قد أنتن لأن له أربعة أيام» كانت تعرف قوة يسوع ولكنها لم تفهم مع ذلك ان النتانة يمكن بإرادة الله الا تحصل. قال لها يسوع وهو في حالة الاضطراب والبكاء: «ألم أقل لك أن آمنت ترين مجد الله»، هذا المجد الحال عليّ والساطع بي وبعملي. «فرفعوا الحجر». عند قبر يسوع رفعت قوة الله ممثلة بملاك الحجر عن قبره.
صلّى يسوع للآب وطلب اليه ان يوحي للجموع ان يؤمنوا بأنه هو الذي أرسله. وما قال هذا في معجزات أخرى مع انه كان يريد في غير معجزة أن يؤمنوا. «ولما قال هذا صرخ بصوت عظيم لعازر هلم خارجًا«. فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطات بأقمطة ووجهه ملفوف بمنديل. فقال لهم يسوع حلّوه ودعوه يذهب».
بعد هذا لا نعلم الى اين ذهب. نقرأ فقط في الإصحاح الذي يلي ان العائلة صنعت عشاء للسيد وكان لعازر أحد المتكئين. ثم جاء في تراث الكنيسة انه عاش هنا او هناك وصار أسقفًا ومات لأن جسده بقي جسدا بشريا قابلا للموت بخلاف جسد يسوع الممجّد الذي لم يتسلّط عليه الموت بعد قيامته.
وتكتمل الرواية في الحديث عن رؤساء الكهنة والفريسيين الذين عقدوا مجمعًا ليتشاوروا بالمصير الذي كانوا يعدّونه للمسيح خاشين ان يؤمن به الجميع وخافوا على انه اذا كان هذا هو المسيح الحق الذي سيحرّر فلسطين من الاستعمار الروماني ويأتي هكذا باستقلالهم عن الاستعمار، خافوا ان يصطدموا بالمستعمر فقال قيافا رئيس الكهنة في تلك السنة: انه خير لنا ان يموت انسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها. ويؤكّد يوحنا الإنجيلي ان كبير الأحبار هذا «تنبأ ان يسوع مزمع ان يموت عن الأمة كلها وليس عن الشعب فقط بل ليجمع ابناء الله المتفرقين (اي البشر كلهم) الى واحد فمن ذاك اليوم تشاوروا ليقتلوه». بعث لعازر كان في رؤية يوحنا البشير سببا من أسباب قتل المسيح الى جانب الأسباب الأخرى التي ذكرت في محاكمته.
ان الإنجيل أراد أن يبيّن في إقامة حبيبه لعازر ان يسوع له سيادة على الحياة والموت. وقالت العبادة التي نقيمها في كنيستي اليوم: «ايها الموت ان المسيح قد سباك الآن بواسطة لعازر» وتابعت من اجل منفعة كل مؤمن: «أتوسّل اليك ايها المحب البشر ان تنهضني انا الميت بالأهواء».
سيعبر المسيح الموت. وقد جعل بعث لعازر بموته صورة عن موته هو وعن قيامته. ولذلك كان لا بد له ان يدخل اورشليم في احد الشعانين الذي نقيم ذكراه غدًا.
لقد ألّف المسيحيون العرب خارجا عن العبادات الطقوسيّة أناشيد شعبيّة عن إقامة لعازر يرتلونها في بيوتهم فجاءت نشائد فرح اذ المسيحيون لا يتفجّعون عند موت المخلّص نفسه بل يغيرون التحيّة العادية التي نحيي بها بعضنا بعضا كل صباح ومساء فنقول المسيح قام ويجيب من نحييه: حقا قام وينتظرون خلال الأسبوع العظيم فرح القيامة موقنين انهم لا يموتون الى الأبد.
Continue reading