هوذا الآن وقت مقبول /الأحد 27 أيلول 2009 / العدد 39
يريد بولس في الرسالة الثانية الى أهل كورنثوس أن يسعى المسيحيون فيها الى تفعيل النعمة، ألّا يُهملوها. لا ترجئوا خلاصكم يقول. الآن، الآن يوم خلاص. الآن وقت مقبول. قد يُداهمك اليومُ إن أجّلت توبتك والاهتداء الى وجه الرب. الى هذا يضيف انه لا يرتكب خطيئة لئلا يَلحق خدمته عيب. الرسالة لا تنتقل الى الناس إن كان الرسول يخالف شريعة الله لأنّ الناس يريدون أن يتعلّموا من سلوكه.
والبرهان على طهارة بولس الصبر الكثير، الضيقات في الكنائس ومن غير المؤمنين. وقد عدّد آلامه في موضع آخر وهنا يذكر الجلْد والسجون والأتعاب والسهر (في الصلوات والوعظ وعمل الخيام الذي كان يعيش منه لئلا يثقل على الكنائس). وهذا كلّه ناتج من الطهارة عنده ومن المعرفة. ومن المحزن اليوم أن قوما بيننا لا يطلبون المعرفة في الكاهن (كيف يعظ الجاهل؟). ثمّ يـصعد الرسول ويذكر طول الأناة فيه والرفق بالمؤمنين وهذا كلّه ثمر الروح القدس. من لا ينزل عليه الروح الإلهي أنّى له أن يرشد؟ أليس العمل من داخل النفس؟ أليس هو تجلّيات لها؟ ويعود ويـؤكّد أعـمال الروح القدس في المؤمنين، ويبدأ بالمحبة اذا كانت بلا رياء، صادقة. انها شرط لظهور كلمة الحق. المسيح كلّه حق و”المسيح قوّة الله وحكمة الله”.
ولكن النعمة لا تعمل وحدها. تستخدم أسلحة البِرّ في المؤمن يصوّبها من كل جهة، في كل حديث، في كلّ تعامل. يواجه كلّ موقف. يقبل الصيت الحَسَن والصيت السيء. وهذا الأخير يأتي من المؤمنين اذا كانوا ميّالين الى اليهوديّة والى فرض الختان على الوثنيين اذا أقبلوا الى المسيحيّة. “ليس الختان بشيء ولا الغرلة بل الخليقة الجديدة”. لا يهمّنا المجد العالمي. أعداؤنا، أعداء الرسالة يقولون اننا مضلّون ولكنّا صادقون. يروننا مائتين ونحن في الحقيقة أحياء. نبدو حزانى ونحن فرحون.
يؤكّد الرسول صدْقه ويؤكّد أنه حيّ، يُحييه الرب ويُحيي الآخرين به، ويؤكّد فرحه وهو لا يملك في الدنيا شيئا بل يؤكّد، على رغم فقره المادّي، أنه يُغني كثيرين. وأخيرا يقول “كأنّا لا شيء لنا ونحن نملك كلّ شيء”. حقيقتنا أن عندنا المسيح الذي يُغنينا عن كلّ شيء. نحن في الواقع لا نملك من الأرض شيئا ولكنّا أغنياء بالله. بـولس لم يـكن عنـده شيء إطـلاقًا وكفـاه أنـه كان يعمل خيامًا ليـأكل. لم يـسأل عن اطمئنان في الأرض. كل القضيّة هي أيـن تـجـعل طمأنيـنـتك. هـل هي في الـله او في المال؟ الفـقر الاختيـاري قـوّة كبيـرة لتجـعل حياتك بمنأى عن متغيّرات هذا العالم. انت لا يغيّرك شيء.
الثورة المسيحية الكبرى أنها قلبت معايير الناس. هؤلاء يسيطر عليهم شغف المال وشغف السلطة والتعلّق بأمور الجسد. ونحن غرباء عن هذه كلّها. نحن نحيا بالمسيح ويجعلنا في السماء ولو كانت أجسادنا على الأرض. نحن نبدو كتلة بشريّة ذاهبة الى التراب، وفي حقيقتنا نحن جسد المسيح اي مداه او امتداده. والسماء هي عرش الله، وقلوبنا هي هذا العرش. المكان الوحيد الذي نسكنه هو المسيح. كذلك هو يسكننا.
واذا كنت أرضيا وجاءك المسيح فمع تـجوّلك في الأرض تصير إنسانًا سماويا، غير منفصل عن السيّد.
Continue reading