Monthly Archives

March 2005

2005, مقالات, نشرة رعيتي

المخلع/ الأحد 27 آذار 2005 / العدد 13

الأحد الماضي ابتهجنا باستقامة الرأي التي نحن عليها. عبارة “استقامة الرأي” تترجم الى العربية الكلمة اليونانية “الأرثوذكسية” وهي تعني اننا أخذنا ايمان الرسل ولم ننحرف عنه وما شوهناه. ان المسيحية الاولى كما أتت من الإنجيل هي التي ندين بها. وعندما يقول إنجيل اليوم ان المسيح كان يخاطب الناس بالكلمة أراد ان يسوع كان يردد كلمات الأنبياء وموسى والمزامير ويفسرها للناس وما أتى بدين جديد.

          غير ان للناس حاجات يظنون انها خارج نطاق الكلمة مثل الصحة. الذين جاؤوا اليه لما كان يعلّم في كفرناحوم التمسوا منه شفاء لقريب لهم او جار كان مخلعا او مفلوجا، ولصعوبة وصولهم الى المعلم كشفوا السقف وهو مثل السقوف التي عرفناها في القرى كناية عن تراب موضوع على خشب. قاموا بكل شيء للوصول الى يسوع لإيمانهم بقدرته على الشفاء. لم يستجب فورا يسوع لطلبهم. هو كانت له رغبة اخرى فقال للشاب المريض: “يا بني مغفورة لك خطاياك”. هذا تأكيد لم يقم به ابدا نبي في اسرائيل ولا ربّاني (حاخام).

          شفى يسوع المريض بعد هذا وأكد بذا انه له سلطانا ان يغفر الخطايا اي ان له سلطان الله.

          كل مريض منا في جسده له ان يطلب الشفاء ولكن له اولا ان يطلب مغفرة خطاياه. هذا أهم. هناك هرمية في المطالب. لذلك قال السيد: “اطلبوا اولا ملكوت الله وبره والباقي يزاد لكم”. من منا مقتنع ان الخطيئة ليست مصيبة كبرى فقط ولكنها هي وحدها المصيبة. وهذه ليس لنا خلاص منها ما لم نقترب من يسوع ليلمسنا بنعمته ويضمنا الى صدره.

          هذان الاسبوعان اللذان قضيناهما في الصوم هل اردنا فيهما الدنو من يسوع، من شخصه، من وجهه، من أعماقه ام كانت لنا مجرد تغيير للأطعمة؟ الطعام الصيامي والإمساك عن كل طعام مجرد وسيلة ترويض لنرتمي على حضن المسيح لنصير ابناء الآب. طبعا يجب ان نستغفره ونستغفر الإخوة على الدوام لنذوق المحبة. هذا غايته ان نستلم سلام المسيح.

          الى جانب الإمساك واضح ان هذه الفترة فترة صلاة مكثفة، نحاول فهمها جيدا لنلتحق بالمعاني ونطيعها. وتتراوح المعاني بين الطلب والشكر والتسبيح وسط تلاوات انجيلية وتلاوات من العهد القديم وغاية كل صلاة ما طلبه بولس: “ليكن فيكم الفكر الذي كان في المسيح يسوع”.

          هذا يقودنا الى ان صلاتنا لن تجعل فينا فكر المسيح ان لم نقرنها بقراءة تأملية، هادئة، عميقة لكلمة الله. ذلك ان الكلمة هي التي تجعلنا نفهم الصلاة. والقراءة تحتاج عند الكثيرين ان يتحولوا عن إهمالهم للإنجيل وان يأخذوه ويفتحوه ليستطيبوه فيأكلوه. ان لم يحصل هذا فنحن مع ذواتنا ونأتي من أهوائنا وأمزجتنا ولا نأتي من الكلمة التي من سمعها يحيا بها.

          الكلمة شفت المخلع وهي اليوم تشفي مخلع الروح اي ذاك التي كسرته خطيئته او جعلته مفلوجا بالمعنى الروحي. نحن فينا تشوش فكري او اضطراب لكوننا نسمع الكلمة من مصالحنا او شهواتنا. متى نسمع فقط كلمة الله؟ وهي كافية للجواب عن كل سؤال تطرحه النفس في فوضاها او انحطاطها او تحيرها.

          هذا الموسم هو الموسم الأمثل لنسمع ما يقوله الله لنا في كتابه والخِدَم الإلهية ليقوِّم اعوجاجنا ثم يجمّل سلوكنا بحيث يفرغ قلبنا مما ليس موافقا ليسوع فنرى المخلّص وحده سيد القلب.

Continue reading
2005, جريدة النهار, مقالات

الاستقلال الثالث / السبت في 26 آذار 2005

غدًا يعيد الاخوة الذين يتبعون التقويم الغربي للفصح متجاوزين الحزن ورانين الى القيامة. قلوبنا إليهم في السلام والحب ودعاؤنا ان تتنزل عليهم النعمة من السماء لتبريكهم وتبريك الأرض بهم. من هذه الأرض رقعة صغيرة اسمها لبنان يعتريها ألم كثير ورجاؤنا اليوم ان يرفع عنها الحزن ليؤول هذا الحزن إلى تعزيات كبيرة. وهذا يعني ان الأذى يجب ان يكف والمؤذون يعرفون أنفسهم. متى يرفع الرب القهر عن الفقراء والمسلوبي الحرية حتى نلتمس من الله قيامة البلد.

«قيامة لبنان» عبارة استعملتها كثيرًا بعض من وسائل الإعلام وهذا من زمان طويل. غير ان القيامة هنا صورة المراد بها ان يصير بلدنا كبير الايمان بما دعا الله اليه الشعوب جميعًا من استقامة فكر وسلوك دروب الحضارة في العمل الدؤوب. القيامة تأتي بها رياضة روحنا على طهارة تتناول الجماعة والدولة والأفراد كل يوم لأننا لا نحصد من البلد الا ما زرعناه فيه. وأنا كلي رجاء اننا سنتجاوز المحنة الحاضرة ليس فقط إلى الاستقلال ولكن إلى اكتشاف بعضنا بعضا.

نحن اليوم في وهج التطلع الى الزمن الآتي كأن اثقالاً كثيرة ارتفعت عن كاهلنا. هناك شعور بأن تحررًا للنفوس حصل وبأن كثيرًا من المخاوف زال، كأن اعجوبة تمت والأعاجيب لا ينبئ بها شيء. اللغة التي أخذت بمجامع القلوب هي اننا نريد ان نكون أنفسنا كما أنت أنت ولست أخاك أو لست زوجتك وهذا بلا عصبية تفرد لأن التفرد لو أصاب كيانك الروحي الشخصي يقتله وإذا أصاب البلد يلاشيه.

في الفلسفة الحديثة أنت لست فردًا منعزلاً. انك شخص بمعنى انك تتكون في التواصل، في التوجه بحيث يكون الوجه إلى الوجه فتنوجد بالآخر وينوجد هو بك. الوجود هو ان تعتبر نفسك اياك لكونك واحدًا مع الآخر. ويبدو ان هذه هي المعجزة التي تحققت بيننا فتواصلنا.

تبقى هناك خطايا أولاها خطيئة الذين لا يحسون في أنفسهم وجودًا الاّ بالتبعية في أي مجال كانت. تكون في العائلة إذا قهرك والدك وأذلك واستتبعك، في العلاقة بما يسمى زعيمًا في المحلة أو القرية بحيث تلغي دماغك لتجيء من دماغه فيكفيك هذا شر الفكر وشر التحليل. ضد هذا كله المشاركة التي لست فيها صدى لصوت آخر وفيها جلاء الحقيقة بسبب من شورى. والشورى لا تعني حصرًا جمع الأفكار والأقوال بتسوية ترضي الجميع اذ يكون القوم، عند ذاك، عصابة. الشورى تتضمن دائمًا مرجعية الحق. الله هو التنقيح. وهذا ما يتجاوز الآلية البرلمانية في الوضع السياسي.

من هنا ان أفلاطون ما كان يقبل ان تكون الديموقراطية مجرد حكم الديموس أي الشعب من حيث هو جماهير ولكن من حيث هو حكم الأفضلين. ولذلك كان الحكم الديموقراطي الحد الأدنى للوصول إلى ما هو خير الشعب. طبعًا ليس عندك في السياسة مقياس للامتياز الإنساني ولكنك تسعى ولا وسيلة لك الا مجالسة المنتدبين عن الأمة في ندوة الأمة. وإذا كان طريق تشكيل المجلس هو الانتخاب فلا يعني هذا منازلة بين أصحاب المنافع ولكنها تعني التسابق بين أهل الفضل والمعرفة والطهارة والاّ جاءك المجلس صورة عن الجماهير والجماهير لا يجوز لها ان تحكم. العقل الوضاء، الحر، العالم، النقي له الحكم لأنه صورة الله.

في هذا التوجه إلى الأفضل وفي محبة لبنان الكبيرة وكدت أقول في محبة لله ينبغي ان نذهب إلى الانتخابات بعد ان يوضع قانونها. ما من شك في ان القوانين تتفاوت في صلاحها للوطن من أجل وحدته والوحدة لا تعني ان يجيء مجلس بلا مواجهات فيه. فالمواقف مختلفة على كل صعيد وهذه هي حال كل شعب في تاريخه وفي تطلعاته. والحقيقة تولد من احتكاك الأفكار ومن اختلاف في رؤية كل الأمور ما خلا الاستقلال الحقيقي للبلد. والواضح اننا بلغنا ما يسميه الكثيرون الآن الاستقلال الثاني أي بلغنا رؤية بلد يوحده أبناؤه في طلب خيراته.

ربما كانت المعجزة التي انبثقت من الألم في اننا وعينا في عمق النفس وليس في ترداد الشعارات ان المسلمين والمسيحيين واحد بحيث زالت الشكوك في اخلاص اية فئة للوطن، وفق ما يقول الكتاب: «إذا كانت عينك بسيطة فجسدك (أي كيانك) كله نيّر» والبساطة هي الرؤية العظيمة التي تعني انك لا ترى في الآخر ظلمة فلا تظن مثلاً ان فئة أخرى هي دونك في الإخلاص للبنان. اعتقادي أو رجائي انه لم يبق من شرخ بين المسلم والمسيحي على هذا الصعيد. فالمسلمون انتهوا إلى لبنان الواحد النهائي وكلمة النهائي هي لهم ومن بعد استعمالهم لها دخلت الطائف والدستور. وعلى المسيحي ان يتصرف على الأرض بهذه القناعة. والمسيحيون لا يحتاجون إلى شهادة في حسن السلوك الذي جعلهم يؤمنون منذ اعلان لبنان الكبير السنة الـ1920 بأن هذا البلد يحافظون عليه كحدقة العين. وقد خبر المسيحيون ان ليس من دولة بما في ذلك اسرائيل تخطب ودهم.

ويعلم الجميع بتحليل بسيط إذا قرأوا ان المسيحيين ليسوا على تلك القوة العددية أو غير العددية التي تجعلهم يرجحون كفة اسرائيل على العرب. ان البابا الحالي طلب من اتباعه من المسيحيين في الارشاد الرسولي ان يفهموا انهم جزء من هذا العالم العربي. والمسيحيون الذين ليسوا من اتباعه موقنون بذلك منذ الفتح العربي. وقادة الفكر العربي على مفصل القرنين التاسع عشر والعشرين كان معظمهم مسيحيين. وأي اغراء حصل لهذا الفريق أو ذاك في فترة الحرب الأهلية العصيبة مرّ كالغيم ولم يترك أثرًا في النفس. وعقلاء المسيحيين فهموا نهائيًا انهم يعيشون على الأرض العربية. ولست في حاجة هنا إلى أن ابين أن اللاهوت المسيحي في هذا الشرق مناهض بطبيعته لكل عنصرية وتاليًا هو مناهض للعنصرية الصهيونية. فاذا أقررنا ان اللبنانيين جميعًا خصوم للكيان الاسرائيلي الهجين واللاإنساني لا يكون لبناني واحد في تزاوج مع اسرائيل أو تطلب نفسه الفناء في كيان عربي أوسع من حدود لبنان ولعل هذا هو ميثاقنا الجديد غير المكتوب.

أجل، هذا النفي وذاك لا يصنعان أمة ولكنهما يصنعان ثقة والأمة تبدأ بالثقة.

من بعد هذا نفتش عن النور الذي تقول كنيستي غدًا انه غير مخلوق. الكنيسة الأرثوذكسية في العبادة التي تقيمها غدًا تعلن أزلية النور الذي ينزل على الإنسان. غير ان هذا يجب ان يترجم سياسيا والعمل السياسي اقتراب من الحقيقة الإلهية، ذلك ان هذه الحقيقة تعيشها أنت على الأرض مع ناس كما هم الناس أي ان الحقيقة تصبح محبة والمحبة تصبح خدمة في واقع الوجود. ماذا يقربنا من الأزل. هذا هو السؤال السياسي بامتياز أي من قبل ان يتشوه هذا الكون بالخطيئة؟ كيف لا تكون الحياة السياسية خطيئة. كيف لا تكون مجدًا باطلاً، تناصرًا بين أفراد أو أحزاب أو طوائف.

هذا السؤال الجلل يعني كيف نعمل معًا لتكتمل في الوطن انسانية الإنسان. لا يكفي ان نقول بنهائية لبنان. هذا هو الحد الأدنى ولو كلفنا اكتشافه كثيرًا. نحن نبغي الحد الأقصى وهو أن نجعل مؤسسات الدولة وقوانينها في خدمة المواطن ابتغاء ازدهار له لا ينقطع. ماذا يعني هذا؟

أنا يأتيني كل صباح ناس من رعيتي ويثبت زائري بما لا يقبل الشك انه هو أو أحد أعضاء عائلته مريض ويحتاج إلى دواء أو يثبت حاجته إلى أقساط ابنه في المدرسة أو الى دفع مبلغ الايجارة للشقة التي يسكن. ويزين لي ان هذه حال كل الطوائف.

لبنان سيدخل منطقة النور إذا اقتنع ان حاجته الأولى هي الى العدالة الاجتماعية التي تساعده على الإخلاص الوطني وإلى انه ليس بمغبون أو مقهور. هل نحن مصممون على انتخاب نائب نقتنع انه ساع الى العدالة الاجتماعية أولاً وله ان يستمد نفوذه بسبب من هذه الخدمة لا بفضل مآتم وأعراس يحضرها. متى يترك قادتنا الحديث الإنشائي ليقوموا بتغيير اجتماعي شامل يرفع عنا كابوس البؤس فاليأس فالهجرة.

هذا الشعب لا ينقصه الذكاء ولا معظم نوابه ينقصه الذكاء. ماذا نعمل، كيف نعمل للاتيان بمندوبين لنا يطهرون الدولة. لا يعني هذا أن اصلاح الحكم ينتج منه بالضرورة شعب جديد، يشتهي عظمة الانسان وتاليًا عظمة الأمة. هنا أناشد المرجعيات الدينية أن يكون هاجسها الاول تنقية النفس البشرية. حاجتنا الى قديسين في كل الطوائف.

أنا عشت في طفولتي ومطلع شبابي الشعب اللبناني الذي كنت ألمس في معاملاته استقامة وعرفت بالخبرة الشخصية قضاء عادلاً وعالمًا وشبه نظام في الادارة. نحن لسنا في تكويننا شعبًا سيئًا ولكنا نحتاج اليوم إلى ارشاد عظيم تقوم به المسيحية والإسلام أي إلى نفحات روحية تقوّم الفرد فتقوم به الدولة. العمل في الهيكليات والعمل المجتمعي يبدأ من الشخص. وغير صحيح ان في تكوين بلدنا شحًا في الموارد ان كنا صادقين لكن استغلالها يحتاج إلى فكر وإلى صدق وإلى سهر موصول. الاستقلال الثالث هو الاستقلال عن «الشطارة» في بساطة الفضيلة في النفس وفي الكيان المجتمعي.

Continue reading
2005, مقالات, نشرة رعيتي

الأم/ الأحد 20 آذار 2005 / العدد 12

شرف المرأة ان الله وهبها ان تكون أُمًا للمخلّص. فاتضح لنا بسبب هذا ان ولادة الاولاد كريمة، مقدسة. في هذا تتابع المرأة كالرجل عملية الخلق، تمدّ الخلق الى الأمام والى الآتي. ويحيط الرب المرأة بعنايته في حبلها ووضعها لأنه خالق الخلق وحاضنه، واذا قامت المرأة برعاية اولادها في الإيمان والفضائل تلعب دور الأب الروحي بمقار وتُقدّس نفسها بعد أن وهبها ربها قدرة على العطاء عظيمة. ذلك انها في تكوينها حاضن وفي ذهنيتها تبقى حاضنا الى الأبد اية سن بلغ وليدها كأنه لا يزال عندها يحيا على حرارة هذا الحضن وكأنها مسؤولة على الدوام عن إحاطته بأقصى ما عندها من عناية، كأنها تأبى ان ينقطع حبل السرّة.

هذا لا يعني ان كل أُم على اعلى نوعية من الصلاح، وقد تخطئ الى ولدها بالإهمال او القسوة، وتتصرف هذه او تلك من النساء بروح الاستيلائية والاستبداد والجهل التربوي المقترن كثيرا بالأمية المتفشية عندنا. فالعلاقة لا تستقيم دوما مع الوالد او الوالدة. وهناك ما يسمّيه علماء النفس «قتل الأب» في تهجم شعوري وخلاف. وقد نعيش خلافا مع الأم ايضا.

ولكون الله عارفا بالتشنجات الممكنة في البيت قال: «أَكرمْ اباك وامك». انه اكتفى بالإكرام لأنه اراد التعامل ولم يفرض حبا لاهبا للأهل. وما من شك في ان الطبيعة توجّه الشعور بالدرجة الاولى إلى من أتى بعدنا ومنا ولا توجّهه بالمقدار نفسه إلى السلف.

الحديث عن الأم والأب حديث عن التربية، وغير صحيح انها فطرة. هي شيء ندرسه اذ كثيرا ما نسيء التربية، ولذلك الأم تتعلم ايضا أمومتها عن طريق القراءة والندوات حتى لا تقع في هذه الهرطقة الشائعة اليوم انه لا يجوز ان تقول لابنك: لا. هناك عندنا تأديب، وفيه دائما حزم حتى الشدة بلا عنف. الذين يخشون قول «لا» لأنهم يخافون التعقيد في اولادهم لم يفهموا ان أب البحث عن العقد النفسية فرويد لم يقل كلمة ضد التأديب. فالولد ليس غصنا ينمو نفسيا من ذاته. هناك حركة إنماء وتقويم من قبل ذويه لأننا في الجنس البشري حواريون بحيث ننشئ اولادنا بفكرنا وسهرنا كما هم يعطوننا الكثير بطراوتهم في الطفولة او نضجهم اذا بلغوا.

قد تزداد العلاقة صعوبة اذا بلغ ذوونا الشيخوخة وكنا معايشيهم تحت سقف واحد. هنا قال بولس: «لا تزجر شيخا». الأم-الشيخة لها حق علينا بالانتباه الكبير والرعاية الصحية وقضاء وقت الى جانبها بمحبة فائقة لئلا تحس بالعزلة واننا لا نردّ لها ج

ميل صنعها او انها مهجورة لضعفاتها الجسدية او العقلية.

من مشكلاتنا حتى التعقيد اذا كنا ذكورا ان نلتصق بأمهاتنا اكثر من التصاقنا بزوجاتنا او ان نُخضع زوجاتنا لأمهاتنا فلا نكون قد قطعنا حبل السرة وبتنا اطفالا غير ناضجين. هذا امر ينبغي ان نسهر عليه روحيا وربما على صعيد التحليل النفسي. ينبغي ان نجاهد في سبيل اكتساب البنوّة السليمة ليبقى كل من الوالد والوالدة على عرشه.

Continue reading
2005, جريدة النهار, مقالات

انتفاضة ساحة الشهداء / السبت في 19 آذار 2005.

الاثنين الماضي لما احتشدت الجموع غاضبة مسالمة في ساحة الشهداء، كان أول يوم في صيامنا ونذكر فيه كلام إشعياء النبي: «أليس الصوم الذي فضلته هو هذا: حل قيود الشر وفك ربط النير وإطلاق المسحوقين أحرارًا وتحطيم كل نير؟» (58: 6). شيئا كهذا كانت تطلبه الجماهير التي احتشدت. لماذا عيل صبرها فانتفضت بعدما رقدت رقاد أهل الكهف؟ يظن أهل الغرب ان الشرقي ساكن ويبقى مكنونا في اللاتاريخ. كذب شباننا وصبايانا وأطفالنا والكهول هذه القراءة لأنهم لم يطيقوا ميتة رفيق الحريري. شناعتها فتوحدوا تلقائيا به اذ أحسوا ان ثمة من يبيت السوء لبلدهم حاقدًا ومتشفيًا وراغبًا في تفتيته.

شعروا ان الرجل ضحية فداء. ذلك ان في المفاصل الكبرى في حياة الشعوب قوة تدفع الى ذبح تنبعث بعده الأمة التي كان يحب ويحمل. كان لك ان تخالف الرئيس الراحل في هذه النقطة أو تلك من سياسته أو في جل سياسته. وفي خلافك معه كان يفرض نفسه عليك قويا، فريدًا. مهما يكن من أمر تحليلنا لعمله، رأينا بعد اخفاق كامل للدولة ان قوى البغض متربصة بنا حتى حولوا اغتيال مروان حماده وقدروا على اغتيال الشيخ الرئيس فقمنا توًا من الذل وجئنا الى ارادة الحياة من موت شهادة.

بات تاليًا رفيق الحريري منشئًا للانتفاضة التي كان رمزها الاحتشاد في ساحة الشهداء والطرق المؤدية اليها والطريق الى هذه الطرق كان القلب. والقلب لا يجيء الاّ من الله اية كانت المناطق التي تحرك منها الناس وأتوا من كل المناطق والذين لازموا بيوتهم شاركت قلوبهم المحتشدين لإيمانهم جميعًا بأن شيئًا جديدًا في لبنان يحدث شبيهًا بقيامة. أولاً لم يخافوا مع انهم أخيفوا. وفي هذا شهادة أيضًا بالمعنى العالي من الكلمة. ولم يدينوا أحدًا ونحن نقول كل يوم في الصوم: “هبني ألاً أدين اخوتي”. وعلى هذا اجتمع أهل هذا الحي وأهل ذاك، لان الصراع ليس بين اللبنانيين وان لم يكونوا على الحدة نفسها في قراءة الحدث.

ما هو ثابت ان النسبة العظمى من هؤلاء أتت بهم حماستهم وقناعتهم ان أمورًا كثيرة يجب ان تتغير في البلد لينال استقلالاً بات مطموسًا من أهل الخارج وبعض من أهل الداخل والمناداة بالحرية خرجت من أفواههم كما خرجت من نفوس المشاهدين الاعلام المرئي. وفي يقيني ان بعض الملتزمين ايديولوجيًا في الحي الآخر تمنوا لو أتيح لهم ان يشهدوا في الساحة التي سفكت فيها دماء لبنانيين في الحرب العالمية الاولى. بدا للكثيرين ان قلب أهل بلدنا كان واحدًا على رغم كل انحزاب.

ليس الفكر النظري الهادئ هو الذي يصنع بلدًا. البلد ثمرة ا لحب والحب لا شرك فيه. كان يحق لكل انسان ان يقول للبنان: «اني أزوجك نفسي» وأعلن رغبتي في أن ارفع علمك وأنشد نشيدك أو أضع ألوان علمك على خديّ لأقول ان وجهي مكون منك واني أطل بك على العالمين ولا أطيق ان يشارك في سريري أحد لأن الوطنية هي العفة ولذلك لا مكان لاختلاس النفس – الزوجة لئلا ينكسر العهد.

كل هذه الجموع كانت زوجة واحدة للبنان. وبرهان ذلك ان أحدًا لم يأت بطائفته في جيبه ليشعر بالشهادة ويؤديها. هذا مذهل لأنه جديد. كنت ترى الشابة السافرة والشابة المحجبة جنبًا الى جنب وكنت تسمع لهجات المناطق كلها تقول يقينها بالحرية بلا خشية لإيمانها ان الاستقلال مفتاح من مفاتيح الكرامة فنبدأ به ثم نعمر البلد بالإخلاص والفهم كما أشاده رفيق الحريري بالعمران وكثير من الحب.

وإذا استتب لنا ان نحكم أنفسنا بأنفسنا وقادة نختارهم نحن ولا يخشون الحرية ويتسلحون بالمعرفة قد نكتب نهضة جديدة في حياة العرب لأننا وان حيينا بأنفسنا لا نحيا لأنفسنا ولكن لأخوة لنا يسهمون معنا في بناء حضارة هذا المشرق العربي كما كنا نعرفه قبل ان يخترعوا لنا شرقًا موسعًا.

أما وقد ختمت الشهادة وعبر كل فريق عن رأيه يكون البلد كله دخل في مواجهة فكر سماها البعض حوارًا تجمعت عناصر منه كثيرة أولها الانسحابات التي تجري، ودعاؤنا ان تقتنع سوريا بأن هذا خير لها ولنموها ولصداقة بيننا تتجدد بسرعة اذ تبدو بهذا الجلاء المساواة في الكرامة بين البلدين. هذا إذا جاءت أدوات الحكم عندنا صورة عن النفوس المتوثبة للحرية. نحن لسنا فقط نتمنى الندية بيننا وبين دمشق ولكنا نريد عظمة الشام في دنيا العرب.

الطرف الآخر حزب الله الذي يتهمه الغرب باطلاً بالإرهاب، وهنا أود ان أقول اعجابي بكل قادة الحزب الذين اسمعهم على الشاشة، من حيث المعرفة وآداب النقاش ونباهة الفكر والنفس. من أين يأتون بهذا المستوى لست أعلم. هل يختار الحزب النخبة أم يتروضون روحيًا وعلميًا الله أعلم.

للشعب اللبناني حق عليهم لأنه آزرهم وبارك للمقاومة التي كانوا فيها الأبرزين. وللبنان الحق هو بلد صغير ان يكون لجيشه أنصار كما كانت المقاومة تسمى في الحرب العالمية الثانية في الاتحاد السوفياتي. ليس من مساءلة تتعلق بشرعية المقاومة. غير ان هذه هي سلاح حزب له خياراته أي من طبيعته له تحالفاته وخصوماته. في أوروبا المناهضة للنازية كانوا يأتون من كل الاحزاب ولكن لم يكن أحد يحمل هويته الحزبية في جيبه. ليست المشكلة في قوام المقاومة كما يرى القرار الدولي 1559. السؤال هو في احتمال ان يكون الحزب – وهو حزب – في جبهة أحزاب لا في جبهة اخرى وتكون مقاومته يحملها الشعب اللبناني كله. غير ان هذه الاشكالية مرجأة الآن. وأنا أطرحها من ناحية منطقية لا على صعيد التزام سياسي وليس عندي التزام.

أرجو ألا تمر بنا أحداث تدخل الى الحلم الاضطراب. انا واثق من ان المسلمين والمسيحيين الذين تكاتفوا في ساحة الشهداء لن يستطيع أحد منهم ان ينسى ان كتفه كانت الى كتف أخرى وان هذا رمز للتعاضد في ما بيننا في الأزمنة الآتية، غير ان هذه الوحدة تتطلب سهرًا كثيرًا لأن أعداء وحدة البلد كثيرون. ولكن زين لي وأنا أرصد شاشة التلفزيون يوم الاثنين ان معجزة الوحدة تمت في القلوب وينبغي ألا تدخل الى هذه القلوب الهشاشة أو الشك.

لعل كل هذه الهموم التي أتحدث عنها رأتها السيدة بهية الحريري في خطابها الكثير الاتزان العقلي والكثير الحرارة في آن. استمعت اليه ثم قرأته ويحتاج الى تأمل دائم منا بعدما فرض نفسه ميثاقًا جديدًا لعيش كريم. هي أحبت ان تحيي كل الأطياف من غير ان تحجب التزامها وولاءها الوحيد للوطن ووفاءها لأخيها الذي بات بلا منازع حاملاً الوطن في تاريخه المقبل.

طبعًا يحتاج هذا الخطاب الى تدقيق كبير لنستمد منه نورًا يحيينا. ولعل بعضًا من أهميته ان هذا وذاك من المسؤولين المختلفين أحبوا منطوقه وتبنوه.

من كلمة البهية أقول عن بلادي ما قاله زاهي وهبي عن حبيبته: «مباركة كمواسم خير / نقية كدموع الأمهات/ مقبلة كمطر طال انتظاره / أترقبك كصلاة استقساء». لبنان آت. هكذا يجب ان نرجو لنستحق جباله وسهوله والبحر. ولكنه لن يأتي ان لم نعمره في كل مجال. في الحب أولا، في الفكر ثانيًا والعمل.

فيما نصوم نحن نقبل غدًا على أحد نسميه في عبادتنا: «أحد استقامة الرأي». هذه دعوة في جهاد الامساك الى ألا يبقى فينا خبث أو زغل أو أحقاد وألا نهمل الوطن فيما يكبر في كل مستويات الكبر. لا يكفي ان نطلب الحرية. يجب ان نصونها في حياة نقية. في تفان في سبيل البلد لا يبخل.

كانت ساحة الشهداء رمزًا. المهم شهادة الحياة في الصدق، في تضامن أهلنا جميعًا على الخير، بلا أي لون من ألوان الفرقة.

الوطن ممكن. وإذا كان ممكنًا

علينا ان نرجوه. وإذا أحببنا وجوده لا بد ان يولد كل يوم من نور وضعه الله فيه.

Continue reading
2005, مقالات, نشرة رعيتي

الصوم / الأحد 13 آذار 2005 / العدد 11

اليوم أحد مرفع الجبن الذي ندخل يوم الاثنين الذي يليه الصيام المبارك. ونرجو الله أن يمتعكم ببركاته وعمق معانيه على قدر مشاركتكم الخِدَم الإلهية المختصة به. ومن صام منكم سوف يحس في نفسه باللمسات الإلهية التي يلمسه الله بها بالكلمات الإلهية أقراءات كانت أم أناشيد أم مزامير. كل شيء موضوع في هذه الخدم حتى نتدرج يوما بعد يوم إلى الأسبوع العظيم المقدس الذي هو المرحلة قبل الأخيرة من الذروة الفصح.

          ولكن خشية ان يظن المؤمن ان ما يقوم به هو إبدال طعام بطعام فقط أرادت الكنيسة ان نغوص على ما هو أعمق فقرأت علينا اليوم فصلا من عظة الجبل كما وردت عند متى، فصلا يتضمن ثلاثة محاور نركز الصوم عليها في عقولنا وقلوبنا.

          المحور الأول الغفران إذ يقول السيد: ان غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أبوكم السماوي أيضا. ان الغفران يؤهلك ان تصوم مع ناس تحبهم اذ تكون قد غفرت لهم خطاياهم. الصوم صوم الجماعة والجماعة في المحبة التي تبذلها والمحبة التي تتلقاها هي الواقفة معا بنوع خاص يوم الخميس العظيم في ذكرى العشاء السري. ولهذا نفتش عمن أحزناه لنستغفره وندخل الصوم مطمئنين.

          المحور الثاني الفرح اذ يقول: لا تكونوا معبسين كالمرائين… فاذا صمت فادهن رأسك واغسل وجهك. لا تتأفف من الصيام ومما يبدو لك صعبا فيه. انه صعب على الطفل والمريض. كل منهما معفى من الصوم. فرحك ناتج من انك تسعى مع الرب وإلى الرب. أنت انعزلت عن الخطيئة وطلبت البر. هذا وحده يكفي ليجعلك في فرح.

          المحور الثالث. لا تكنزوا لكم كنوزا على الأرض. احد مرامي الصيام ان توفر ثمن ما لا تأكل لتعطيه من كان في حاجة اليه. فاذا كان الصيام مع الجماعة، فهو اولا مع الجماعة المحتاجة. هذه اذا انت اعطيتها تحفظ لك ذلك السماء. ولهذا يقول: اكنزوا لكم كنوزا في السماء. المال الذي تبذله هنا يجيِّر لك وديعة في السماء إلى جانب كل وديعة روحية. انت لا تقدر ان تصوم اذا لم تحبب الآخرين، ولا يسعك ان تحبهم الا اذا شاركتهم اموالك.

          اذًا غفران أولاً حتى ينوجد الآخر أمامك ومعك. ثانيا) الغفران يعطيك فرحا. ثالثا) اذا كنا نصوم كجماعة نقوم بحاجات بعضنا البعض. فاذا اعتبرنا المال كنزنا فقلبنا فيه كما قال السيد. واذا اعتبرنا الآخر كنزنا فقلبنا عليه.

          هذه المدة الطويلة التي نتقشف فيها ونتعب جسديا نفيق فيها روحيا، نعي ضعفاتنا وحاجاتنا واولاها حاجتنا إلى يسوع.

          الإمساك والصلاة فيه سلاحنا الأمضى لنواجه التجارب ونبعدها عنا. اذا كنت ممتنعًا عن الطعام وبعض ألوانه وهاجمتك التجارب تتذكر انك في حالة حرب روحية فكيف تجمع بين كونك محاربا غالبا وبين ان تطيع نداء الشهوات فيك. من عظمة الصوم انه يقيم تناقضا في عقلك بين جاذبية الله وجاذبية الخطيئة.

          مع ذلك انت معرض للسقوط. ليس الإمساك ضمانة للبر. لذلك لا بد لك من التنبه الكبير حتى تعي حالتك كصائم وتعي حالتك كمواجه للتجارب. لا تتحير بين الرب وعدو الرب. انت حليف المسيح في هذا الزمان المبارك إلى ان ترى قيامته.

Continue reading
2005, جريدة النهار, مقالات

الحرية / السبت في 12 آذار 2005

كتبت هذه السطور قبل ان أشاهد صورة الحشد الكبير في ساحة رياض الصلح وأرجو قبل دفع المقال إلى الجريدة ان نكون جميعًا اقتربنا من سلامة الرؤية وصدق القلب. «الوفاء لسوريا» يتضمن الشكر لها عندما يستقيم استقلال كل بلد وتتوطد عزته بعد ان يكون قد أعز البلد الآخر في الحرية. من ضد الوفاء؟ الاحتلال الأجنبي من معه؟ من نادى بالاحتلال؟ هل يشتهي أحد بعث 17 أيار وقد اسقطه رئيس جمهورية مسيحي ماروني؟ التحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري صرخة مستمرة ايضا في ساحة الشهداء وكأن الخطابين على مسافة مئة متر او ما يزيد تجاوبا وكأن الناس مختلفون لا في ما يقولون ولكن في ما لا يقولون. في قراءتهم للآخر وقراءتهم لأنفسهم.

السؤال الملح على كل الناشطين هو ماذا يؤكدون في الحقيقة. الخطاب السائد ولو اختلف النغم وما تساوت الحرارة ان «الحق الحاضر» هو ان يتكل لبنان على جيشه. وليس معنى هذا عند واحد ان البلد يفقد بذا انتماءه العربي. مبادرة كريمة كانت تأكيد الرئيس بشار الاسد ان الجيش السوري ينسحب إلى البقاع تنفيذا لاتفاق الطائف مع احترام القرار 1559. إذا كانت سوريا تحترم فهل نحن لا نحترم؟ كيف يختلف عن سوريا الأوفياء لسوريا؟ كيف يختلفون عن الحكم اللبناني الذي يؤكد – في هذا المجال – ما قالته سوريا؟ وإذا كان الامر كذلك فأين الفرق، حقيقة، بينهم وبين طرح الرئيس السوري. أين المباينة، أين الـ nuance؟ هل هم أكثر اشتدادا من المراجع الرسمية؟

يبقى ان لبعض الحق في التساؤل عن تحرك الجارة «حتى يواري جارتي مأواها». اللافت في هذا ان الانكفاء إلى ما وراء الحدود ستقرر تاريخه لجنة عسكرية مشتركة. أفهم ان الاجهزة الامنية السورية جزء من الجيش السوري وانها في حكم المنطق متوارية. غير اني استغرب ان يبقى الانطواء الكامل معلقا على مجموعة عسكرية لا على السلطة المدنية في البلدين. هذا يذكرني بكلمة لرئيس الوزراء الفرنسي كليمنصو في الحرب العالمية الأولى: «الحرب مسألة جدية إلى حد انها لا تترك للعسكر». الجلاء مسألة جدية جدا حتى لا يتخلى عنها كبار المسؤولين في الدولتين. في هذا القرار ترك لبنان في ضبابية كاملة في حين ان سوريا تعرف دائما أوانها.

كيف يترجم البلدان احترامهما الدولي على الأرض؟ المؤسف ان الطائف لم يتحدث عن مهلة لانحسار الجيش السوري عن البقاع. لقد أكد المسؤولون عندنا ان بقاء هذا الجيش أمر موقت. اليس من ترادف بين الموقت والسريع حتى لا نقع في تحذير القولة الفرنسية الشائعة: «ان الموقت وحده يدوم il n y a que le provisoire qui dure». لقد أكدت سوريا على لسان رئيسها الأسبوع الماضي ما مفاده ان حضورها (السياسي، الاقتصادي، الثقافي كما افهم) قائم عندنا ونحن لا ننكر عليها القراءة التاريخية لدورها.

«الحق الحاضر» كما يقول بطرس الرسول هو اننا، نحن اللبنانيين، مجمعون على خمسة. أولا – ان التوطين غير وارد عند أحد وقد نص الدستور على ذلك. ثانيا – ان أحدا ليس مستعدا لأن ينحر البلد ببعث 17 أيار ومعنى هذا اننا لن نوقع سلاما مع اسرائيل قبل سوريا وهذا من مضامين وحدة المسارين. وفي هذا الخط نفسه لا يستجدي أحد حضور قوة أجنبية عندنا وانا اؤيد الصرخات التي سمعتها الان ضد تدخل الأميركي في شؤوننا. ثالثا – اننا جميعا مع المقاومة وان ليس عندنا اليوم ميليشيا في لبنان. رابعا – ان هذا الحي وذاك من شباننا وكهولنا يلح على سرعة التحقيق في الجريمة التي اودت بحياة الرئيس رفيق الحريري (والاصوات كانت هي اياها هنا وهناك). خامسا – اننا نرجو انتخابات نزيهة عادلة ولا يتهم أحد منا بالخيانة.

في ظل الثقة هل تصر جماعة على انسحاب سوريا «كتابا مؤجلا» (سورة آل عمران الآية 145)؟ هل من غضاضة ان نستعجل بالخير اي ان نسود بيتنا الوطني الواحد بعد صبر طال؟ ان اجلا مسمى كما يقول في سورة العنكبوت أفضل في العقل من اجل غير مسمى. إذا قبلنا للانسحاب النهائي بأجل مسمى تكون المسافة بين الموالاة والمعارضة آخذة بالتضيق. يبقى ان نفهم ما قاله سيادة الرئيس بشار الأسد عن «احترام» القرار 1559. فمنذ صدوره لم تتحفظ عنه سوريا جوهريا. السؤال الحقيقي هو هل تعني كلمة «احترام» شيئا على الأرض؟

اللافت ان سوريا تعاملت مع الطائف كأنه كتب السنة الـ 2005 فوعدت بتطبيق مرحلة اعادة الانتشار حتى البقاع وتركت تاريخ الانسحاب الى الشام دون تحديد وقت وبذا كانت امينة لحرفية الطائف. غير ان للطائف نصا وروحا كما قال دائما نوابنا الذين وافقوا عليه. لا يمكن ان تطبق اتفاق الطائف اليوم كأن 15 سنة مرت عليه لم تكن ذات دينامية تدفع سوريا إلى الانسحاب الفوري. ما هي روح الطائف؟ هي انهاء الحرب بعد ترتيب أمسى دستورا تطمئن اليه القلوب ويكون دور سوريا مساعدتنا على تخطي تداعيات الحرب وبسط السيادة اللبنانية على الارض والسهر على تأليف جيش لبناني متماسك يحمي المؤسسات. ان مرور 15 سنة كانت كافية لتمكين ما أمكن من مؤسسات وصدور قوانين وتقوية جيشنا وتوحيده. ومن المفترض ان هذه الفترة الطويلة قد مكنت السوريين من مساعدتنا على حفظ السلام الأهلي الذي في ظله تنبت دولة متجددة. وحتى لا أظلم الطائف قد اقنع نفسي بأن اهمال الذكر لتاريخ الخروج من وادي البقاع ربما عنى اننا لم نرغب في استباق الامور حتى يبقى المجال مفتوحا لفحص تقدمنا العمراني والمؤسسي. خمسة عشر عاما انقضت لا تفسح في المجال الا القول بأن المهمة العسكرية السورية قد انتهت.

ما هذه العبارة التي يطلع بها بعض اركان المعارضة عن الخروج المشرّف؟ إذا كنا دولتين مستقلتين وشقيقتين في آن فالبقاء مشرف في حينه والخروج مشرف في حينه. هذه عمليات بين اخوة. قلنا قبل اليوم ان لبنان لا يملك وسائل ضغط. هل كان الحاح بعض ضغطا أم تعبيرا عن رجاء وذلك تطبيقًا لنص اشرفت عليه العرب؟

بعد استماعي الى كل الخطباء لا أستطيع ان اتبين اليوم فرقا لسانيا بين الفريقين سوى ان أحدهما ينتظر المشيئة السورية للخروج الكامل والاخر يطلب الخروج الفوري. في العمق الوجداني لست المس عداء للشعب السوري او للحكم السوري. الكلام تناول مدة بقاء العسكر والاجهزة الامنية فلم يكتب سطر واحد ضد سوريا من حيث هي شعب او دولة. لست ارى عنصرية عند أحد ولا ارى تباينا في المودة لسوريا. جهة تغازل كثيرا وجهة أكثر تحفظا في الغزل. إذا كانت سوريا تريد حقا ان تخطب ود اللبنانيين لن يكون عليها ان تكون على مسافة واحدة من الاطراف اللبنانيين. تختار الذين يحبونها حقا وفي هذه المرحلة التاريخية الحرجة تدني نفسها من الصالحين في كل معسكر وتعيش من جديد شهر عسل مع الخيرين من مواطنينا.

غير ان الأخبار أتت بتصريحات ديبلوماسيين سوريين بان الانسحاب الكامل لن يتعدى أيار. وعند ذاك يصير الطائف و1559 سقفا واحدا لهذا الانسحاب ونبقى مختلفين مع 1559 في ما يتعلق بحزب الله. بعدما بينت ما تراءى لي من نقاط التفاهم بين اللبنانيين لم يبق الا نقطة التوضيح لتاريخ الانكفاء الكامل للجيش السوري ما عدا قضايانا الداخلية من تأليف حكومة واجراء انتخابات.

الظروف الموضوعية مؤاتية إلى نوع من المشاركة الفكرية أو السجال الحر في موضوعات شتى هذا إذا تحررنا من الظن في الاخر وادانة نياته. ننطلق من مسلّمة منهجية ان ليس عندنا من ارتهن للخارج ونتكلم على ما يؤتي البلد حرية كاملة خصوصا ان البلد غير منقسم طائفيا. صورة هذا التوحد نرى لها رمزا في ساحة الشهداء اذ تلا المسيحي الصلاة الربانية (أبانا الذي في السموات) ومسح وجهه بيديه كالذي يكون قد تلا الفاتحة. ربما فهم المسيحي بوضوح كامل أو ناقص ان المسلم انما لا يمسح وجهه بكفيه ولكن بالكلمات الالهية التي نزلت عليهما.

متى تتنزل علينا الكلمة الالهية لنصبح شعبا واحدا يسعى إلى صالحه بالحسنات والاخلاص والفهم. كل شيء يدل على اننا تقاربنا ولو اختلفت أماكن الحشود واننا في اشياء كثيرة نقول القول الواحد. أجل السياسة فيها أقوال كثيرة ولكن ما يجعلها فنا إنسانيا انك فيها تحترم الاخر وتصغي اليه فأنت تتكون به ومنه وهو كذلك اذا احببتما الحق.

Continue reading
2005, مقالات, نشرة رعيتي

مرفع اللحم/ الأحد 6 آذار 2005 /العدد 10

من محبة الكنيسة الأرثوذكسية للصيام والاستعداد له كأنه موسم ننتظره بفرح جعلت لنا اسبوعا يسبقه ندخل فيه جزئيا بالإمساك اذ نمتنع عن اللحم محافظين على البياض. هذا هو اول يوم من هذا الأسبوع يسمى مرفع اللحم اذ في اليوم الذي يليه نرفع اللحم عن الموائد.

          غير ان الكنيسة لا تريدنا ان نركز على الأطعمة تركيزا رئيسيا رفعتنا إلى الفضائل في فصل إنجيلي مركز على الفضائل الا وهو إنجيل الدينونة حسب رواية متى. يبدأ الكلام هكذا: “متى جاء ابن البشر في مجده”. نحن اذًا مأخوذون من الصوم الذي يبدو فترة تعب إلى آخر التاريخ، إلى المجد الذي سيسطع عند المجيء الثاني للرب. ولا يدخل احد إلى مجد يسوع الا بالدينونة التي تعلنه نقيا او تعلنه قذرا قد احب قذارته في هذا العالم.

          تحضر الناس إلى السيد الديان. اجل يسوع محب، لطيف، حنون، ان محبته هي التي تدين. فأنت تقبلتها في دنياك او رفضتها. اقتبالك لها في هذا الدهر يضمك اليها في اليوم الأخير، ورفضك لها هنا يستمر رفضا لها هناك. اي ان أعمالك التي كانت مع الرب في تجانس تلقيك عليه، والتي كانت معه في نفور تبعدك عنه. الله عادل وليس عنده محاباة للوجوه. انت ترتفع إلى السماء لأنك كنت في هذا العالم تسعى اليها. وانت تُستبعد من السماء لأنك اردت ان تبقى بعيدا. لا يخترع لك يسوع سماء ما كانت فيك ولا جحيما ما كانت فيك.

          ما القول الذي سيقال للخراف اي للذين كانوا من حظيرة المسيح؟ يقال لهم انهم مبارَكون وان المُلك أُعِدّ لهم. ثم يقول: “كنت جائعا فأطعمتوني وعطشت فسقيتموني الخ…”. عنى السيد بهذا القول انه بعد صعوده إلى السماء ترك لنفسه صورا عنه. انهم هم الذين احبوا بقية الناس فعليا، في الحياة اليومية وأحبوهم في الاوضاع التي كانوا فيها. فاذا لقيت جائعا لا تقرأ له كتابا او تقله معك في سيارتك ليتنزه. تعطيه رغيفا. انت معه في حاجته. واذا زرت مريضا لا تعطيه خبزا فإنه لا يحتاج اليه. تعطيه عزاء وحرارة المشاركة.

          غير ان الكتاب يقول اكثر من هذا. فعندما يقول السيد: “كنت جائعا فأطعمتوني” يوحد نفسه مع الجائع، يدمجه بنفسه. فالجائع والعطشان والسجين والمريض إخوة يسوع. واذا كنت اليهم تكون إليه.

          بعض الوعاظ يقولون ان يسوع لا يسألنا عن الصلاة اذا صليناها. الجواب ان صلاتك انما ثمرتها العمل الصالح. هو لا ينطلق منك الا اذا كنت متحدا مع يسوع يوميا واذا دعوت اسمه. انه تكلم على الصلاة في مواضع اخرى من الإنجيل. في الدينونة التركيز على الآخر. لقاؤك اياه هو امتحان صدقك في المحبة، وذلك كله ينطلق من قول المعلم: “احبوا بعضكم بعضا كما انا احببتكم”.

          اما الخطأة فيقول لهم: “اني جعت فلم تطعموني وعطشت فلم تسقوني…”. هم يردون: “متى رأيناك جائعا او عطشان الخ…”. وجوابه القاطع لهم: “بما انكم لم تفعلوا ذلك بأحد هؤلاء الصغار فبي لم تفعلوه”. الخطيئة التي ينسبها اليهم خطيئة الغفلة. انتم اهملتم الآخرين. هذه هي اساءة كبرى انكم لم تكونوا، بسبب الإغفال، إخوة لإخوتكم. انه لم ينسب اليهم افعالا سيئة ارتكبوها. ينسب اليهم افعالا لم يقوموا بها. الآخَر موجود وخطئيتك انك لم تره ولم تره في ظرفه. فقد تتحدث بصورة جذابة إلى جائع او تناقش معه سبب جوعه قائلا مثلا لماذا لم يكن عمل تقتات منه في حين انه يحتاج إلى رغيف. الظرف الذي يكون فيه الآخر أمر مهم جدا. تدخل انت في وضع الآخَر. هكذا يحس انك تكون معه فيصبح هو ايضا معك وتصبحان كلاكما في المسيح.

          عندئذ فقط ترفع الدينونة عنك. انت تدخل في حركة الصيام لكي تحب، لكي تشارك الفقراء والحزانى، لكي تفهم حاجاتهم لأنك تصبح صائما كالفقير ولا تنس ان يسوع كان فقيرا. الصيام إمساك من اجل الحب.

Continue reading
2005, جريدة النهار, مقالات

إلى البقاع وما بعده / السبت في 5 آذار 2005

هل لي ان أحلق فوق استقالة الحكومة لافهم قليلا ما جرى في عمق النفس عند المحتشدين في ساحات بيروت؟ مجرد محاولة للفهم ابتغاء استشراف. من الواضح كثيرا ان شبيبتنا ابدت شجاعة غريبة ازاء الخطر الذي كان يهددها. هناك أكثر مما سمي تساهل الجيش ازاء المتظاهرين. هناك الجيش آمن بانه يستحيل على ضميره اهراق دم لبناني وان في نفس الشبيبة تعلقا بهذا الوطن شديدا قد يفتح صفحة في تاريخنا واعدة. هل بعد انقضاء الاحداث تبقى الوطنية اللبنانية لحمة شبابنا، هدايته من الانتماء الطائفي السياسي الى وجه لبنان الواحد؟ التاريخ ينشأ احيانا من حدث والحدث إذا راج ينشئ شعبا ذا تطلعات جديدة ونوعية تكثف الوجود.

هل نحن شهود على ولادة وطن جديد مؤمن بانه يأتي من القيم ومن وحدة ابنائه الراسخة في القيم رغبتنا في دولة مستقيمة ورقي شعبنا المؤسس من جديد على تربية قوامها الصدق والعدل في دوائر الحكم والتعامل المجتمعي.

اما «الحق الحاضر» الذي يدعونا العهد الجديد إلى الثبات فيه فهو انسحاب الجيش السوري إلى البقاع أو الحدود أو ما بعد الحدود في إطار التحرك الاقليمي أو الوضع الدولي أو كليهما. غير ان الواقع لا يحتمل التسويف ولا تأويل النصوص ولا التذاكي. شيء ما يجب ان يحصل سريعا يتمايل بين الطائف والقرار 1559. لقد انتهى العهد السوري في لبنان. جل ما يبقى ترتيب انحساره او اختفائه بأجمل ما تكون عليه اللياقات. وتلعب لعبة اللياقة إذا كنت انت اياك وانا اياي بحيث يلازم كل اخ بيته ويقوم بزيارات الحب لأخيه عند احتدام الشوق.

ان الذكاء الشامي مدعو الى ان يقرأ ان مرور خمس عشرة سنة على طائف تجمد لا يطوف يكون قد فرغ من حقيقته لأنك تكون أطلقت صفة القدسية على نص يرتجف ككل نص غير منزل. معنى هذا الكلام ان الشعب اللبناني اختزن خلال هذه المدة الطويلة طاقات تفجر يجب التعامل معها واننا تاليا في دينامية ظهرت حقا في ساحة الشهداء وساحة النجمة لا يمكن تعميتها. انت يجب ان تقرأ لئلا ترمى خارج التاريخ. والقراءة البسيطة هي ان نريد علاقات حب متزن، عميق يحفظ لكل حبيب كرامته.

ان استراتيجية السلام التي نحن منها مع سوريا يجب ان يؤيدها العرب تأييدا فاعلا لنبقى نحن والسوريين صامدين معا امام اسرائيل كل في حدود بلده اي ليظل كل من البلدين يسير اموره الداخلية وفق تراثه وتنظيمه القانوني. نحن قراءتنا للأمور ان لا مبرر اطلاقا للحضور السوري عندنا حتى السلم في المنطقة لان هذا لن يأتي قبل حلول كل العقد القائمة بين تل ابيب والسلطة الفلسطينية وهذا قد يستغرق سنوات طولى ينفد فيها صبر اللبنانيين ولا تكسب دمشق به شيئا. ليس من مشكلة امنية عند الجارة الكبرى ولن تكون بانسحابها. كذلك لن يهدر لبناني دم لبناني آخر بلا تدخل خارجي. لقد فهمنا اننا لن نخوض حرب الآخرين على أرضنا إذا كنا مصونين دوليا. والكلام الذي يقال اليوم ان لبنان أمسى في صميم هموم الامم لاعتقادنا انه نموذج حرية لكل هذا الشرق. هذا يتطلب استقلاله الكامل في دنيا العرب وهو اليها ينتمي.

هذا يتطلب جمهورية اثبت البرلمان انه واحة حرية فيها ورجاؤنا ان تتوطد الحرية وتنمو في ظل قانون للانتخابات يتمثل فيها الشعب تمثيلا كبيرا في دولة مدنية روحا واسلوب عمل.

ما يعرقل تلاقي قلوبنا هو جهل التاريخ فلبنان لم يكن يوما سنجقا سوريا سلخه عن امه الاستعمار. للتذكير فقط لم تكن سوريا الحالية مستقلة منذ الألف الثالث قبل الميلاد حتى الانتداب الفرنسي ولم تكن متضمنة لبنان لينسلخ عنها. لقد انشئ هذا البلد بعدما اجتمع ابناؤه في وفد واحد في قصر فرساي واعطي – بعد مماطلة سنتين – شكله الحقوقي في أول أيلول السنة 1920. الدول هي في تشكلها القانوني. واما ان نكون حضاريا ومجتمعيا أقرب الدولتين احداهما الى الاخرى فهذا له تعابيره الحياتية والمعاملاتية في إطار تحدده النصوص وتبقى العاطفة عاطفة.

واما ان نبقى مع سوريا في علاقة حميمية خاصة، فريدة فهو امر نقول به نحن اللبنانيين ولا يقول به حزب البعث الحاكم الداعي الى امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة بحيث لا فرق عنده نظريا بين قرباه من مصر او من موريتانيا وقرباه من لبنان.

أما نحن فحريصون على علاقة مميزة بالقطر السوري في رؤية براغماتية قائمة على اجتماع مصالحنا الاقتصادية وعلى مشاركتنا الثقافية. وإذا كان لكل بلد التماعات باهرة فهي تنفع البلد الشقيق. كل شعب منا مميز بفطنته والحكمة والمواهب. كذلك أهلنا في فلسطين والاردن. هذه الميزات الاناسية تيسّر التعامل ووحدة الحركة وإذا اقتربت الأنظمة كلها الى الحرية لا شيء يمنع ان نحاول وحدة ما في ما سمي بلاد الشام قد تكون شبيهة بالوحدة الأوروبية.

أنا واثق كليًا من ان السوريين الطاهرين لا يرون ضرورة لبقاء جيوش لهم عندنا لا تنفعهم ولا تنفعنا. أما الأمن عندنا فهو مسؤوليتنا أو صح قول القائل اننا لسنا راشدين. وإذا لم نكن راشدين فنحتاج الى رعاية أو وصاية ونحن، اذذاك، نختار الأوصياء. منطلق كل الكلام اليوم ان من رعانا رعانا مشكورًا وثلاثون سنة رعاية في حياة شعب كافية لبلوغه النضج.

مقولة احتضان شعب لشعب أو حكم لحكم تذكرني بما كان يقوله غاندي لمن سأله لماذا تكافح الانكليز قال لأني أحبهم، لذلك أريدهم ان يعودوا إلى بلادهم لأن إقامتهم في الهند تفسدهم. ان نمو السوريين وعظمتهم وبلوغهم أعلى مستويات الحضارة لا تتم الا إذا لازموا القطر السوري ملازمة حصرية حتى يمن الله عليهم بما هم يعتقدون به أي الوحدة العربية المحققة في كل الأقطار. أما نحن فلا خوف منا على أحد.

وحتى تسير الأمور سيرًا حسنًا فعلينا ان نحافظ على كل عامل سوري لا يزال يعمل بيننا. هذا لا علاقة له بالمشكلة السياسية وجاءنا ليرتزق. بسبب من ذلك وبسبب من انسانيته هو عزيز. وأنا مخجول جدًا مما سمعته من أذى لحق بهذا أو ذاك من العمال. نحن لسنا على خلاف مع أي شعب من شعوب الأرض كما لا خلاف بيننا وبين الحكم السوري إذا قرأ اتفاق الطائف كما نقرأه وأخذ يطبقه بجدية. هناك علاقة ثنائية لا بد من تصويبها الى ان نقتنع جميعًا أن الحضور السوري بات بلا نفع لأي منا وقد آن الأوان لينتهي بلا مماطلة ولا تسويف.

هذا اتجاه شعبنا كله في حقيقته. وإذا كان لسوريا صداقات لبنانية فهي تستطيع ان تعيشها من دمشق وأريد بها الصداقات الصافية الطاهرة. من هذه الزاوية ليس من بلد في العالم لا يعيش على درجة من الحرارة جواره. لسنا من هذا نشتكي. هذا ضغط الحب. غير ان الحب يهدده الشك أحيانًا. فلنرتب الوضع معًا غير مسائلين المبدأ خصوصًا ان القلوب قذف الله فيها سلامه.

Continue reading