Monthly Archives

November 2004

2004, مقالات, نشرة رعيتي

العيد يقترب/ الأحد في 28 تشرين الثاني 2004/ العدد 48

دخلنا صيام الميلاد في الخامس عشر من تشرين الثاني. نبقى اربعين يوما ننتظر ميلاد الرب ونرجو ظهوره في احداث الدنيا، في تاريخ الناس وفي قلوبنا لئلا يفوت الدنيا وجهه وتبقى قلوبنا فارغة من دواخلها. الزمان في ظاهره زمان إمساك لمن أَلِفَ هذا الصوم ليكون لنا جميعا زمن توبة. “ما احلى الرجوع اليه”. ويتعالى نداؤنا اياه في الخدمة الإلهية اي اننا نستبق البركات ونذوق معاني العيد قبل ان يحل يوم الخامس والعشرين من الشهر القادم.

            نستقبل يسوع طفلا ليّنا، طريئا، فقيرا. معنى هذا لنا انه يريد نفوسنا لا خشونة فيها ولا تَصلُّب ولا عناد ولا رغبة كسر لأحد. هذا عيد لحلاوة النفس وليس فقط لهدايا الأطفال. الطفولة البكر طفولة النفس في براءتها من الخبث وبساطتها في المواجهة. طفولة داخلية ضد الخطيئة التي تعقدك وتربكك وتكبلك. والمسيح ولد فقيرا ومات عاريا، يملك الدنيا ولا تملكه. وجهه دائما الى الآب طيلة خدمته البشارية وفي اللحظات الأخيرة من مكوثه في الجسد لأن الآب يعضدك في المحنة ويقيك شر التجارب وينشلك من الضيقات. تتعامل هنا مع الناس جميعا ولكنك لا تستطيع ان تتعاطى علاقاتك بهم اذا أسروك بمنافعهم ومنافعك. استقلالك عنهم من اجل حسن العلاقة لا يعطيكه الا الرب برحمته وقوّته. ان يكون الله وحده مرآك ومبتغى روحك هو الضمانة الوحيدة لتقدر على محبة البشر وسلاسة المعشر والصبر على الكيد والضغوط. واذا قويت الفضائل فيك يكون المسيح مولودا فيك، واذا اديت صلاتك تكون باحثا عنه. انت تنشد وجهه وحده ولو طابت الوجوه. واذا قلت له في وسط ما يعتريك من ضيق: “تعالَ ايها الرب يسوع” يقول لك: اتكئ على صدري كما فعل التلميذ الحبيب في العشاء السري. بعد هذا لا تحتاج الى متكأ.

            حوّل هذا العيد من ذكرى في الطقوس الى لقاء معه في داخل نفسك لئلا يمر عيد على عيد وانت فقط في التسليات الاجتماعية والطعام والشراب في بيتك. المطلوب ان تصير انت بيت يسوع وان تأكل جسده وتشرب دمه ليس فقط في الأسرار الإلهية ولكن في كل كلمة يصورها في ضميرك لئلا تأتيك فقط الكلمات التي تأتي من ضجيج العالم، وتصغي الى الكلمات التي تخرج من فمه لتحييك.

            المهم ان تصير انت خزانة لكلماته محفورة في ثنايا القلب ليعبر العيد الآتي الى حضور للمسيح فيك دائم. واذا حل، حقيقة، فيك لا يأتي العيد الا دعوة اليك الى الإخلاص ودوام الطاعة. ما وُضع العيد في يوم من ايام السنة الا ليصير فيك ديمومة حضور. غير ان الديمومة تفترض منك دوام الإصغاء الى ما تسمع. وهذا يعني ان كان في بيتك إنجيل ان تبادر بفتحه او تستمر على قراءته. نفسك قاحلة بلا هذا الماء الحي الذي يصير فيك ينابيع يرتوي بها الآخرون.

            انتظر العيد ولكن بحركة. لست انت مولدها. دع يسوع يحركها بحضوره. لا فاعلية لنفسك ما لم يصبح هو وحده حركتها. تَفَحَّصْ قلبك ترَ اذا كنت جائعا الى الحبيب او عطشان اليه. والجائع يركض الى الطعام والعطشان الى الماء. لا تمت جوعا ولا تمت عطشا.

            ربما مضت الأعياد السابقة كنت فيها في تسليات الزينة واللباس والأطعمة. يسوع لا يسكن الظاهر. اجعل من الميلاد الآتي ترحابا عندك بالمخلّص اي طاعة لكلماته والتماسا لحضوره الدائم فيك، لئلا يبقى قلبك باردا كمغارته فيصبح هو دفء كيانك وانت في التجلّي.

Continue reading
2004, مقالات, نشرة رعيتي

دخول السيدة إلى الهيكل/ الأحد في 21 تشرين الثاني 2004 / العدد 47

لا نعرف شيئا عن والدة الإله قبل أن يجيئها جبرائيل ليبشرها بولادة المخلّص. لذلك دخولها إلى هيكل أورشليم وإلى قدس الأقداس فيه ليس مذكورا في الكتاب ولكن في احد الأناجيل المسمّاة “منحولة” أي التي لم توافق الكنيسة على قانونيتها. مع ذلك أقامت الكنيسة هذا العيد وهو غير مؤسَّس في الواقع. يسمّيه العلماء عيدا فكريا أي أرادت الكنيسة أن توحي إلينا بأن الله اختارها منذ طفوليتها لتكون والدة المخلّص.

            ولما لم تجد الكنيسة أساسًا لحادثة الدخول نقبل معناه، ومعناه أن مريم اختارها الآب وصارت هي قدس الأقداس الذي كان رئيس الكهنة يدخله مرة في السنة ليكون في حضرة الله. مريم صارت اذًا في حضرة الله منذ طفوليتها.

            ولما كان ممنوعا أن نقرأ في الكنيسة نصا منحولاً، غير رسمي، اعتمدنا في صلاة السَحَر الفصل الذي يتحدث فيه لوقا عن لقاء مريم وأليصابات حيث يبدأ الحديث عن أن اليصابات أم المعمدان “ارتكض الجنين في بطنها وامتلأت اليصابات من الروح القدس”. وسلّمت على مريم بقولها: “مباركة انت في النساء ومباركة ثمرة بطنك”. هذه الكلمات إذا أضفناها إلى كلام رئيس الملائكة تؤلف صلاة معروفة في الكنيسة: “افرحي يا والدة الإله العذراء مريم الخ…”.

            عند ذاك قالت مريم: “تعظم نفسي للرب” إلى آخر النشيد الذي نرتله في كل صلاة سَحَر آية آية ونقول بين الآيات “يا من هي أكرم من الشيروبيم وارفع مجدا بغير قياس من السيرافيم…”. وهو يعتمد بلا شك على عيد رقاد والدة الإله حيث بانت مريم في انتقالها إلى الملكوت أعظم شأنا من الملائكة.

            في رسالة العيد المأخوذة من الرسالة إلى العبرانيين مذكور “قدس الأقداس”.

            في لقاء مريم اليصابات نجد عدة تأكيدات بعضها ذو طابع عقائدي. ولا سيما قول اليصابات للعذراء: “من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إليَّ” أي إن أم يوحنا المعمدان تعترف بأن يسوع هو الرب. والتأكيد العقائدي الثاني قول مريم: “ها منذ الآن تُطوّبني جميعُ الأجيال”. مريم تتنبأ بأن الأجيال المسيحية القادمة سوف تقدّسها. هذا الكلام الإنجيلي يبني اعتقادنا على إنها الأولى بين القديسين. ثم يدحض موقف الذين لا يطوبونها. فنحن اذًا إنجيليون أي موافقون للكتاب عندما نخاطبها وندعوها شفيعة لنا أي مصلية أمامنا ومعنا إلى الله وابنه. فاستقامة الرأي التي نحن عليها هي في جوهرها أننا موافقون للإنجيل وأننا لا نحرّفه ولا نزيد عليه شيئا.

            إن الشيء الأساسي في المسيحية الأرثوذكسية أن المؤمن ليس وحده ولكنه شريك في الصلاة والمحبة مع أولئك الذين انتقلوا إلى الملكوت. فإذا كنت في الكنيسة فلست منعزلاً عن أجواق القديسين الذين سبقوك إلى الحضرة الإلهية. الله يجعل من المؤمنين الراقدين والأحياء كنيسة واحدة هي جسد المسيح أي كيانه الحي الممتد منه رأسًا إلى كل أحبائه وكل منهم في المعمودية عضو من هذا الجسد الكلي الشامل.

            وإذا كنا إخوة للمسيح لكونه “اشترك في اللحم والدم” تصير مريم أمّنا جميعا إذ قال وهو على الصليب للتلميذ الحبيب دالاً على مريم الواقفة هناك: “هذه أمك”. والمعنى طبعا أنها حاضن لنا جميعا كأمنا الطبيعية وأنها تسهر على الكنيسة وأنها في وسطها كما كانت مع التلاميذ والإخوة وحاملات الطيب في العليّة لما انحدر الروح القدس بشكل ألسنة نارية.

            لا ينبغي أن ننسى أن مريم أم وعذراء معًا. نحن نتقبل بفرح أمومتها وتصبح كل نفس عذراء إذا أَخلصت للمسيح واحتضنته بالإيمان والحب. دور مريم تجاهنا مستمر بأمومتها العجيبة وبكونها تغذي العذرية الروحية فينا أي استعدادنا لنتقبل كلمة الله زرعا فينا ولا نتقبل زرعا آخر. وإذ ذاك نكون ليس في هيكل أورشليم القديم ولكن في هيكل الله الوحيد الذي هو يسوع.

Continue reading
2004, مقالات, نشرة رعيتي

المجد الباطل/ الأحد 14 تشرين الثاني 2004 / العدد 46

إذا تكلمنا على المجد الباطل فمعنى ذلك ان هناك مجدا حقيقيا. فقد قال السيد للفريسيين: «انكم لستم تستطيعون ان تؤمنوا لأنكم تطلبون مجدا بعضكم من بعض، والمجد الذي من الإله الواحد لستم تطلبونه» (يوحنا 5: 44). هناك مجد ينزل عليك من فوق ان كنت من المؤمنين، وهناك مجد يأتيك من مالك أو مركزك السياسي أو من سيارتك. نقول باطل لأنه فارغ ليس فيه شيء بنظر العارفين بالله.

هناك أشياء عظيمة كالعلم تصير من المجد الباطل إذا افتخرت بها. أي شيء مخلوق لا يجوز الافتخار به. أية فضيلة فيك لا يجوز الافتخار بها، فلا تنسبها إلى نفسك وإذا أحسست بها تشكر الله. إذا أحس الإنسان بفراغ يسعى إلى الحياة الاجتماعية السطحية حتى لا يشعر بأنه ملغى من الوجود.

عند النساء الطعام الفاخر الذي تُعدّه وتُقدّمه في السهرات يمكن ان يغذي المجد الباطل. الثياب الثمينة يمكن ان تكون سببا للاعتزاز مع ان آخرين قد صمموها أو خاطوها.

أمام هذا، كيف يمكن ان يميز الإنسان إذا كان يحب المجد الباطل أم المجد الإلهي؟ التمييز هو في هذا: إذا كنت تعيش ليراك الناس ويروا سيارتك أو قصرك أو إذا كنت تفتش عن رضاهم فأنت واقع في المجد الباطل. أما إذا كنت ملحّا على ان يراك الله ويرضى عنك فأنت في المجد الحقيقي.

الفرق بين الناس ليس بين بائع خضار وصاحب معمل كبير. فالبائع الصغير يمكن ان يكون منتفخا ومالكُ المعمل متواضعا. السؤال هو هذا: هل أنت تطلب الله أم تطلب نفوذك ومقامك وتمجيد الناس إياك؟ أن تظن ان حجمك يزيد لأنك قابلت موظـفا كبيرا أو وزيرا، فمعنى ذلك انك غير مقتنع بوجودك المستقل الذي لا يزيد حجمه الا إذا اتصل بالأطهار. من أَمَّدك بخُلُق كريم وشدد إيمانك وعزّاك تعزية بالروح فهذا يكون قد أعطاك كنزا يفوق كل ثروات العالم. ما ينزل من الله عليك فوحده ذو قيمة.

ما هو الذي لا يتغير فيك إذا قَلَّتْ مواردك أو ساءت صحتك أو خسرت مكانة اجتماعية؟ إذا رأيت ان شيئا منك لا ينتقص إذا زالت عنك هذه الأمور، فأنت في الخط المستقيم طالب رضاء الله. أما إذا حزنت حزنا شديدا لكونك خسرت شيئا، فمعنى ذلك انك تطلب هذه الدنيا.

من الدنيويات التي صارت متحكمة ببعض الأوساط «العالية» انها تقتل الوقت بالسهرات الطويلة. يذكرني هذا بعشاء دعيتُ إليه في الولايات المتحدة. فابتدأنا عند السادسة والنصف وانتهى العشاء بعد ساعة وودعنا وانصرف كل منا إلى برنامجه المسائي. يقال لك في لبنان ان العشاء يبدأ في التاسعة وتحضر في الوقت المعين وتنتظر الآخرين ساعة أو أكثر. وقد لا يبدأ العشاء قبل العاشرة والنصف أو ما بعد ذلك ولا ينتهي الا عند منتصف الليل أو بعد هذا، أي انك تنفق ما لا يقل عن ثلاث ساعات لا تستطيع ان تقرأ بعدها كتابا ولا تنام مرتاحا. كل هذا مجد باطل.

إزاء هذا بساطة العيش في الفضيلة. ومنها ألاّ تدّعي معرفة كل شيء والا تبحث بما لا تفهم وخصوصا الا تُردّد ما قرأته في الجريدة. فان كنت غير عارف فالصمت أولى، وإذا كنت عارفا كثيرا فقد لا يكون سامعوك قادرين ان يفهموا فلا تفلش معرفتك لان هذا مجد باطل أيضا. وفي كل حال الصمت يوفّر عليك الغلط.

ولكن هذا السلوك الخفر لا ينزل عليك الا من التواضع بحيث لا تحس انك شيء، وإذا شعرت بمواهبك فأَعِدْها إلى الله. عند ذاك ينزل عليك مجد الله فإذا بك كائن إلهي وأنت لا تَعرف.

Continue reading
2004, مقالات, نشرة رعيتي

«البطرشيل»/ الأحد 7 تشرين الثاني 2004 / العدد 45

ليس قصد هذه الكلمات أن أبين من الكتاب أن الفاعل يستحق أجرته (لوقا 10: 7) وان خادم المذبح يأكل من المذبح (2كورنثوس 9: 13). هذا تعرفونه وقد استغرق هذا وقتا طويلا ليفهم المسؤولون ان راتبا للكاهن كافيا هو من الأمور التي تصرفه عن التسول ولا سيما إذا لم يكن عنده دخل من كرم أو ايجارة بيوت. وقبل الشروع بالراتب من وقت قريب نسبيا (ربما نهاية الحرب العالمية الأولى) كان الكاهن معوزا بصورة عامة ويستند إلى «البطرشيل» أي إهدائه مبلغا إذا قام بخدمة روحية كالعماد والإكليل أو سواهما. وسمي هذا الدخل باسم البطرشيل الذي يضعه الكاهن حول عنقه أثناء إقامته أية صلاة.

هناك رعايا فهمت ان دعمها الحقيقي للكاهن هو راتب كافٍ. مع ذلك لم تمنع مؤمنا إذا شاء ان يهدي راعيه ما يشاء تعبيرا عن محبته له. لم نعمم نحن هذا في هذه الأبرشية لاعتبارات نفسية وربما كانت هذه العلاقة بين المؤمن وراعيه توطيدا للصلة الروحية بينهما. ولا شيء يمنع ان تكون الهبة كثيرة ولا هي محددة في معظم الأحوال والأماكن. والمبدأ ان نترك للمؤمن حريته الكاملة فيدفع إذا شاء ولا يدفع إذا شاء، فالكاهن يقوم بتعميد ابنك وهذا لك فرح عظيم أو يكللك وهذا فرح أيضا. وانه لمن المحظر على الكاهن ان يتذمر لقلة المبلغ لأن هذا يؤذي المؤمنين كثيرا. فالبطرشيل إذًا دفع ظرفي ويتغير حسب المواسم وحجم الرعية بحيث يصير رمزيا في رعايا الزيجات فيها قليلة والمعموديات تاليا قليلة.

وضع المطران شبيه بوضع الكاهن. والمتعارف عليه انه لا يتقاضى راتبا من صندوق الأبرشية ولم اسمع عن زملائي انهم «فوتروا» ثمن جبة أو حاجات أخرى. وقد يقوم أحيانا بإحسان. وقد اعتاد بعض المؤمنين ان يدعوا المطران إلى مشاركتهم في مناسباتهم العائلية.

هنا أريد ان أؤكد لكل المؤمنين ان لا شيء يضطرهم ان يدفعوا للمطران شيئا إذا هو لباهم وليس لمأتم أو اكليل أي تعرفة، ولذا أستغرب سؤال من سأل: كم علينا ان ندفع؟ ليس على واحد منكم ان يدفع شيئا. الا انها مناسبة هنا لأوضح ان الدعوة إلى أية خدمة فيها طرفان: الداعي والمدعو. وليس على الداعي ان يتضايق إذا لم يلبه المطران فقد يكون لهذا أسباب هو يعرفها. فقد يدعوه مؤمن من دوما ويكون هو في الشويفات. وقد يكون مريضا وليس عليه ان يشرح ذلك لأحد. ومع أني كلمتكم غير مرة ان صلاة الكاهن كافية، مع ذلك ألبي دعواتكم الا عند الضرورة القصوى.

لا يدخلن في نفوسكم انكم تعوّضون الاكليريكي عن تعبه. مطلوب منه التعب. ولكن من أَعطى فليعطِ متهللا ليكسب نفسه عند الله. وبقدر ما يكون كريما يحس انه ابتعد عن محبة المال وانه قام بعمل مشاركة.

فكرة الراتب أو «البطرشيل» هو ان تساعدوا الخادم الروحي الا يفكر بجني المال حتى ينصرف لخدمتكم انصرافا كليا. فإذا عرفتم ان وقفكم المحلي فقير فزيدوا عطاءكم الشخصي حتى لا يحزن إذ لا يستطيع ان يكفي عائلته. أهمية العطاء انكم به تسترضون الله وتظهرون محبتكم.

Continue reading