Monthly Archives

May 2011

2011, مقالات, نشرة رعيتي

أحد الأعمى / الأحد 29 أيار 2011 / العدد 22

يوحنا الإنجيلي كتب هذا الفصل الطويل عن المولود أعمى ليس فقط للحديث عن أُعجوبة صنعها يسوع ولكن ليقول من خلالها انه هو الذي يعطي النور وان عدم الاعتراف بالمسيح هو العمى بعينه. منذ مطلع الإنجيل الرابع الذي منه أُخذ هذا الفصل يقول الرسول: «النور يضيء في الظلمة والظلمة لم تُدركه… كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتيًا الى العالم». كل إنجيل يوحنا مليء بالحديث عن النور.

كان الاعتقاد السائد عند اليهود أن الانسان تصيبه مصيبة عقابًا له على خطيئة. يردّ السيد بقوله: «لا هذا أخطأ ولا أبواه». لا يرث الإنسان نتائج المعاصي التي ارتكبها والداه. يتجاوز السيد هذا النقاش بشفائه المولود أعمى. «عاد بصيرًا». في نهاية الحديث عن الشفاء يصبح هذا الرجل بصيرًا من الناحية الروحية إذ يؤمن بيسوع. الشفاء الجسدي كان طريقا للشفاء الروحي إذ قال ليسوع: «آمنتُ يا رب، وسجد له».

يُدخل الإنجيليّ بمناسبة هذه الأعجوبة نقاشًا لاهوتيا بين يسوع والفريسيين لأن الأعجوبة تمّت يوم سبت وهُم أَدخلوا على ناموس موسى أن الأعجوبة عملٌ ولا يجوز العمل يوم سبت، وكانوا قد سمعوا قول المعلّم: «ما كان الإنسانُ للسبت بل السبتُ للإنسان».

قضية السبت كما يفسّرها الفريسيون كانت من الأسباب الرئيسية لدفع الفريسيين إلى أن يحرّضوا الشعب لقتل السيد. الرب يسوع كان ضحيّة هذا التفسير الخاطئ للسبت، ضحية النظام المستبدّ الذي وضعه البشر وما جاء من موسى.

هناك جزء من النقاش، هذا الذي جرى بين أهل هذا الشاب والفريسيين. هل كان أعمى أَم لم يكن أعمى. رفضوا رفضا كليا واقعةً وهو أن الأعمى شُفي أي انهم دخلوا في الظلمة مع أنهم رأوا الحقيقة ولكنهم لم يريدوا أن يعترفوا بها لأنهم لو فعلوا هذا لأَقرّوا أن يسوع على الأقل نبيّ او هو المسيح المُرتجى. كانوا رافضين أن يُقرّوا بهذا لئلا يفقدوا نفوذهم في الشعب اليهودي ويضيع مذهب الفريسيين الذي

أدخلوه على العقيدة اليهودية الصافية. يجب ألا يكون هذا الغلام أعمى. يجب أن يُصرّوا على هذا حتى يُنقذوا أنفسهم.أمام الحقيقة ولو بدت لنا حقيقة يمكننا أحيانًا أن نهرب منها لأنها إسلام النفس الى المخلّص اي توبة كاملة عن خطايانا. أنت إمّا تكون مع يسوع اي مع كلّ ما علّمه ونادى به او تكون مع ظلام قلبك وظلام خطاياك.

إنجيل الأعمى هو الخيار بين أن نكون كليا للرب أو لا نكون. إن كنا جزئيًا له فهذا لا شيء. «لتكن مشيئتك». بهذا نخلُص لا بمشيئتنا نحن.

المسيح هو النور الكامل ولا نختار أجزاء من النور. أجزاء من النور هو العمى.

Continue reading
2011, جريدة النهار, مقالات

هل المسيحيون صليبيون؟ / السبت 28 أيار 2011

أسامة بن لادن وأيمن الظواهري كانا يسميان المسيحيين صليبيين مع ان العرب ما كانوا يعرفون كلمة صليبيين ولكن كلمة فرنجة ومسيحيو هذه البلاد عندهم هم النصارى. الدمج بين قومية المسيحيين وديانتهم لم يكن اذًا واردًا. الترادف بين المسيحية والصليبية بقي في عقل أهل القاعدة قائما الى يومنا هذا مع ان السيد بن لادن الذي عاش في بيروت ما لا يقل عن خمس سنوات كان يعلم ان كنائسنا لا سلاح فيها في الأيام التي قضاها معنا والدكتور الظواهري الذي عرف الأقباط في مصر كان يعلم ان الأقباط لا يقتلون احدا وما اقتحم الصليبيون مصر ولكنهم اقتحموا بلاد الشام وامبراطورية الروم. هل خاف اولو الأمر في الحركات الأصولية او الإحيائية حقا مسيحيا واحدا في ديار العرب؟

اعرف ان الذاكرة التاريخية شرسة، حادة ولكنها ذات علاقة ولو ضعيفة بالواقع. هنا ليس عندنا شيء من هذا. لقد بين امين معلوف في كتابه عن الفتوحات الصليبية ان الذين قاموا بها كانوا متوحشين اكثر مما يتصوره عقل ولكن ما علاقتنا نحن المسيحيين الشرقيين بهؤلاء وكنا ساندنا المسلمين في تلك الحروب وذبحنا الفرنجة في القدس وقمعونا في انطاكية. ما لم يفصل المسلم في ذهنه المسيحي عن الغرب يبقى محملا المسيحي المشرقي او العربي كل خطيئات الغرب منذ فجر المسيحية حتى اليوم ويبقى هذا المسيحي، بشدة او خفة، عميلا للغرب او حليفا او متواطئا حتى قيام الساعة. والكل يعلم اننا التماسا لوحدتنا المجتمعية الكاملة مع المسلمين اوجدنا مفهوم العروبة. مرة سألني مثقف مسلم كبير: لماذا لا تبقون على أرض المسيحية ونحن على ارض الاسلام فنحتنا مفهوما مشتركا وهو العروبة.

الناس يحتاجون الى ارض مشتركة يتكلمون منها. كيف نتكلم عن الاسلام والمسيحية لنلتقي والمسلم في قراءتي له ليس له ارض الا القرآن. ما قلت في هذا ان ليس عنده حب لوطنه ولكن ما أقوله ان اللصوق بين الإسلام والوطنية قائم عنده واننا في حاجة الى اختلاق ارض محايدة نسميها الوطن مفارق للدين لكي يأتي تفاهمنا مستندا الى معطيات واحدة لا يمكن ان تأتي من الدين.

#  #

#

الوطن يأتي من هذه الدنيا وتستند اليها لتسوسه. اما الدين فوحي اي ينزل عليك من السماء ولذلك لا تستطيع ان تبني الدنيا من الآخرة. وبخاصة لا تستطيع ان تقيم البلد على المعتقد المسيحي وعلى المعتقد الإسلامي بآن لاختلافهما. لذلك اجيب هذا الصديق المسلم الذي واجهني بسؤال وجيه: نحن مضطرون الى العروبة او كنا كذلك في مطالع القرن العشرين ولاسيما اننا حلمنا بانحسار العثمانيين عن بلادنا وكان هؤلاء قد اقتربوا جدا من العصر منذ اصدروا التنظيمات في منتصف القرن التاسع عشر. ولو بقيت العثمانية في آخر الحرب الأولى على حداثتها لما احتجنا الى استخدام مفهوم العروبة.

هناك سوء تفاهم بين المسيحيين والمسلمين في هذا الموضوع ناتج من التاريخ. فالاسلام في الجزيرة العربية اكتشف العروبة عند ظهوره. والارتباط قوي بينهما. والقرآن كتاب عربي كما جاء فيه. والعرب عندما اسلموا توحدوا في هذه الدنيا ازاء الفرس من جهة وازاء الروم من جهة اخرى واجتازوا القبلية التي كانوا عليها الى ملة ابراهيم أو الى الأمة التي الله مكونها وحافظها وكانت خير أمة اخرجت للناس. لذلك لا يسعك ان تطلب اليهم ان يميزوا في دنياهم بين عروبتهم وإسلامهم وتزول العروبة فقط في الآخرة.

اما المسيحيون فعند ظهورهم ما خلطوا بين دينهم ودنياهم بناء على قول معلمهم: «اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله». وتوا رأوا أنفسهم رومانيين وان لا علاقة لهذا بايمانهم ولا اختلاط بين هذا المدى وذاك. لذلك كانت تسمية المسيحيين صليبيين مضحكة وجاهلة ليس عندي وصفة تدل الناس كيف يتلاقون. لن أناقش النظام العلماني في هذا المجال الآن. غير ان ما لا بد من تذكير الناس به هو ان الدول الغربية علمانية بوجوه مختلفة وانها ليست دولا مسيحية وقد لا يمارس قسم كبير من شعوبها الايمان المسيحي.

لذلك اذا اختلفت هذه مع شعوب اسلامية فليست المسيحية هي التي تختلف مع شعوب مسلمة. ويكون جاهلا من اعتقد ان حكومات الغرب تناصر مسيحيا على مسلم في مناطقنا والأغلب انها تنصر المسلم في هذه البلاد بسبب من غناه. واذا كانت دعاوة الإسلاموفوبيا Islamophobie قد انتشرت في الغرب فلا تأثير لها على سياسة الدول لأن هذه عاشقة للنفط ومشتقاته. ونصرة الغرب للأنظمة العربية القائمة او نصرتها للمحتجين او الثوار كلها جزء من المصلحة الغربية او جزء من العداء القائم بين روسيا والصين من جهة والدول الغربية من جهة اخرى. اين الصليبية في هذا؟

الى هذا ماذا يفسر لك قتل المسيحيين العراقيين والمصريين ولا غبار على وطنيتهم؟ لا يقنعني احد بقوله ان القضية هنا وهناك سياسية. الفريق المسيحي العراقي والفريق المسيحي المصري لاعلاقة لهما بالسياسة. من يربي العرب لكي لا يقتلوا من كان على دين آخر. هل الآخر موجود في كليته، في آخريته، في اختلافه، في مقاومته الفكرية؟ هل بقيت العروبة أرضًا مشتركة نقف عليها من اجل الحب؟ تزعجني هذه العبارة: الإسلام براء من هذا السلوك. المواطن لا يهمه درس الأديان. يهمه الا يقتله انسان آخر، الا يذهب ضحية التمازج بين الدين والدنيا، الا يسود الأوطان دعاة دين واحد وان كانوا كثرا من هذه الديانة او تلك.

نريد السلام. الله هو السلام. المهم ان ينزل هذا على سلوكنا اليومي وان يصير في كل منا محبة مسكوبة بلا حدود.

أسامة بن لادن وأيمن الظواهري كانا يسميان المسيحيين صليبيين مع ان العرب ما كانوا يعرفون كلمة صليبيين ولكن كلمة فرنجة ومسيحيو هذه البلاد عندهم هم النصارى. الدمج بين قومية المسيحيين وديانتهم لم يكن اذًا واردًا. الترادف بين المسيحية والصليبية بقي في عقل أهل القاعدة قائما الى يومنا هذا مع ان السيد بن لادن الذي عاش في بيروت ما لا يقل عن خمس سنوات كان يعلم ان كنائسنا لا سلاح فيها في الأيام التي قضاها معنا والدكتور الظواهري الذي عرف الأقباط في مصر كان يعلم ان الأقباط لا يقتلون احدا وما اقتحم الصليبيون مصر ولكنهم اقتحموا بلاد الشام وامبراطورية الروم. هل خاف اولو الأمر في الحركات الأصولية او الإحيائية حقا مسيحيا واحدا في ديار العرب؟

اعرف ان الذاكرة التاريخية شرسة، حادة ولكنها ذات علاقة ولو ضعيفة بالواقع. هنا ليس عندنا شيء من هذا. لقد بين امين معلوف في كتابه عن الفتوحات الصليبية ان الذين قاموا بها كانوا متوحشين اكثر مما يتصوره عقل ولكن ما علاقتنا نحن المسيحيين الشرقيين بهؤلاء وكنا ساندنا المسلمين في تلك الحروب وذبحنا الفرنجة في القدس وقمعونا في انطاكية. ما لم يفصل المسلم في ذهنه المسيحي عن الغرب يبقى محملا المسيحي المشرقي او العربي كل خطيئات الغرب منذ فجر المسيحية حتى اليوم ويبقى هذا المسيحي، بشدة او خفة، عميلا للغرب او حليفا او متواطئا حتى قيام الساعة. والكل يعلم اننا التماسا لوحدتنا المجتمعية الكاملة مع المسلمين اوجدنا مفهوم العروبة. مرة سألني مثقف مسلم كبير: لماذا لا تبقون على أرض المسيحية ونحن على ارض الاسلام فنحتنا مفهوما مشتركا وهو العروبة.

الناس يحتاجون الى ارض مشتركة يتكلمون منها. كيف نتكلم عن الاسلام والمسيحية لنلتقي والمسلم في قراءتي له ليس له ارض الا القرآن. ما قلت في هذا ان ليس عنده حب لوطنه ولكن ما أقوله ان اللصوق بين الإسلام والوطنية قائم عنده واننا في حاجة الى اختلاق ارض محايدة نسميها الوطن مفارق للدين لكي يأتي تفاهمنا مستندا الى معطيات واحدة لا يمكن ان تأتي من الدين.

#  #

#

الوطن يأتي من هذه الدنيا وتستند اليها لتسوسه. اما الدين فوحي اي ينزل عليك من السماء ولذلك لا تستطيع ان تبني الدنيا من الآخرة. وبخاصة لا تستطيع ان تقيم البلد على المعتقد المسيحي وعلى المعتقد الإسلامي بآن لاختلافهما. لذلك اجيب هذا الصديق المسلم الذي واجهني بسؤال وجيه: نحن مضطرون الى العروبة او كنا كذلك في مطالع القرن العشرين ولاسيما اننا حلمنا بانحسار العثمانيين عن بلادنا وكان هؤلاء قد اقتربوا جدا من العصر منذ اصدروا التنظيمات في منتصف القرن التاسع عشر. ولو بقيت العثمانية في آخر الحرب الأولى على حداثتها لما احتجنا الى استخدام مفهوم العروبة.

هناك سوء تفاهم بين المسيحيين والمسلمين في هذا الموضوع ناتج من التاريخ. فالاسلام في الجزيرة العربية اكتشف العروبة عند ظهوره. والارتباط قوي بينهما. والقرآن كتاب عربي كما جاء فيه. والعرب عندما اسلموا توحدوا في هذه الدنيا ازاء الفرس من جهة وازاء الروم من جهة اخرى واجتازوا القبلية التي كانوا عليها الى ملة ابراهيم أو الى الأمة التي الله مكونها وحافظها وكانت خير أمة اخرجت للناس. لذلك لا يسعك ان تطلب اليهم ان يميزوا في دنياهم بين عروبتهم وإسلامهم وتزول العروبة فقط في الآخرة.

اما المسيحيون فعند ظهورهم ما خلطوا بين دينهم ودنياهم بناء على قول معلمهم: «اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله». وتوا رأوا أنفسهم رومانيين وان لا علاقة لهذا بايمانهم ولا اختلاط بين هذا المدى وذاك. لذلك كانت تسمية المسيحيين صليبيين مضحكة وجاهلة ليس عندي وصفة تدل الناس كيف يتلاقون. لن أناقش النظام العلماني في هذا المجال الآن. غير ان ما لا بد من تذكير الناس به هو ان الدول الغربية علمانية بوجوه مختلفة وانها ليست دولا مسيحية وقد لا يمارس قسم كبير من شعوبها الايمان المسيحي.

لذلك اذا اختلفت هذه مع شعوب اسلامية فليست المسيحية هي التي تختلف مع شعوب مسلمة. ويكون جاهلا من اعتقد ان حكومات الغرب تناصر مسيحيا على مسلم في مناطقنا والأغلب انها تنصر المسلم في هذه البلاد بسبب من غناه. واذا كانت دعاوة الإسلاموفوبيا Islamophobie قد انتشرت في الغرب فلا تأثير لها على سياسة الدول لأن هذه عاشقة للنفط ومشتقاته. ونصرة الغرب للأنظمة العربية القائمة او نصرتها للمحتجين او الثوار كلها جزء من المصلحة الغربية او جزء من العداء القائم بين روسيا والصين من جهة والدول الغربية من جهة اخرى. اين الصليبية في هذا؟

الى هذا ماذا يفسر لك قتل المسيحيين العراقيين والمصريين ولا غبار على وطنيتهم؟ لا يقنعني احد بقوله ان القضية هنا وهناك سياسية. الفريق المسيحي العراقي والفريق المسيحي المصري لاعلاقة لهما بالسياسة. من يربي العرب لكي لا يقتلوا من كان على دين آخر. هل الآخر موجود في كليته، في آخريته، في اختلافه، في مقاومته الفكرية؟ هل بقيت العروبة أرضًا مشتركة نقف عليها من اجل الحب؟ تزعجني هذه العبارة: الإسلام براء من هذا السلوك. المواطن لا يهمه درس الأديان. يهمه الا يقتله انسان آخر، الا يذهب ضحية التمازج بين الدين والدنيا، الا يسود الأوطان دعاة دين واحد وان كانوا كثرا من هذه الديانة او تلك.

نريد السلام. الله هو السلام. المهم ان ينزل هذا على سلوكنا اليومي وان يصير في كل منا محبة مسكوبة بلا حدود.

أسامة بن لادن وأيمن الظواهري كانا يسميان المسيحيين صليبيين مع ان العرب ما كانوا يعرفون كلمة صليبيين ولكن كلمة فرنجة ومسيحيو هذه البلاد عندهم هم النصارى. الدمج بين قومية المسيحيين وديانتهم لم يكن اذًا واردًا. الترادف بين المسيحية والصليبية بقي في عقل أهل القاعدة قائما الى يومنا هذا مع ان السيد بن لادن الذي عاش في بيروت ما لا يقل عن خمس سنوات كان يعلم ان كنائسنا لا سلاح فيها في الأيام التي قضاها معنا والدكتور الظواهري الذي عرف الأقباط في مصر كان يعلم ان الأقباط لا يقتلون احدا وما اقتحم الصليبيون مصر ولكنهم اقتحموا بلاد الشام وامبراطورية الروم. هل خاف اولو الأمر في الحركات الأصولية او الإحيائية حقا مسيحيا واحدا في ديار العرب؟

اعرف ان الذاكرة التاريخية شرسة، حادة ولكنها ذات علاقة ولو ضعيفة بالواقع. هنا ليس عندنا شيء من هذا. لقد بين امين معلوف في كتابه عن الفتوحات الصليبية ان الذين قاموا بها كانوا متوحشين اكثر مما يتصوره عقل ولكن ما علاقتنا نحن المسيحيين الشرقيين بهؤلاء وكنا ساندنا المسلمين في تلك الحروب وذبحنا الفرنجة في القدس وقمعونا في انطاكية. ما لم يفصل المسلم في ذهنه المسيحي عن الغرب يبقى محملا المسيحي المشرقي او العربي كل خطيئات الغرب منذ فجر المسيحية حتى اليوم ويبقى هذا المسيحي، بشدة او خفة، عميلا للغرب او حليفا او متواطئا حتى قيام الساعة. والكل يعلم اننا التماسا لوحدتنا المجتمعية الكاملة مع المسلمين اوجدنا مفهوم العروبة. مرة سألني مثقف مسلم كبير: لماذا لا تبقون على أرض المسيحية ونحن على ارض الاسلام فنحتنا مفهوما مشتركا وهو العروبة.

الناس يحتاجون الى ارض مشتركة يتكلمون منها. كيف نتكلم عن الاسلام والمسيحية لنلتقي والمسلم في قراءتي له ليس له ارض الا القرآن. ما قلت في هذا ان ليس عنده حب لوطنه ولكن ما أقوله ان اللصوق بين الإسلام والوطنية قائم عنده واننا في حاجة الى اختلاق ارض محايدة نسميها الوطن مفارق للدين لكي يأتي تفاهمنا مستندا الى معطيات واحدة لا يمكن ان تأتي من الدين.

#  #

#

الوطن يأتي من هذه الدنيا وتستند اليها لتسوسه. اما الدين فوحي اي ينزل عليك من السماء ولذلك لا تستطيع ان تبني الدنيا من الآخرة. وبخاصة لا تستطيع ان تقيم البلد على المعتقد المسيحي وعلى المعتقد الإسلامي بآن لاختلافهما. لذلك اجيب هذا الصديق المسلم الذي واجهني بسؤال وجيه: نحن مضطرون الى العروبة او كنا كذلك في مطالع القرن العشرين ولاسيما اننا حلمنا بانحسار العثمانيين عن بلادنا وكان هؤلاء قد اقتربوا جدا من العصر منذ اصدروا التنظيمات في منتصف القرن التاسع عشر. ولو بقيت العثمانية في آخر الحرب الأولى على حداثتها لما احتجنا الى استخدام مفهوم العروبة.

هناك سوء تفاهم بين المسيحيين والمسلمين في هذا الموضوع ناتج من التاريخ. فالاسلام في الجزيرة العربية اكتشف العروبة عند ظهوره. والارتباط قوي بينهما. والقرآن كتاب عربي كما جاء فيه. والعرب عندما اسلموا توحدوا في هذه الدنيا ازاء الفرس من جهة وازاء الروم من جهة اخرى واجتازوا القبلية التي كانوا عليها الى ملة ابراهيم أو الى الأمة التي الله مكونها وحافظها وكانت خير أمة اخرجت للناس. لذلك لا يسعك ان تطلب اليهم ان يميزوا في دنياهم بين عروبتهم وإسلامهم وتزول العروبة فقط في الآخرة.

اما المسيحيون فعند ظهورهم ما خلطوا بين دينهم ودنياهم بناء على قول معلمهم: «اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله». وتوا رأوا أنفسهم رومانيين وان لا علاقة لهذا بايمانهم ولا اختلاط بين هذا المدى وذاك. لذلك كانت تسمية المسيحيين صليبيين مضحكة وجاهلة ليس عندي وصفة تدل الناس كيف يتلاقون. لن أناقش النظام العلماني في هذا المجال الآن. غير ان ما لا بد من تذكير الناس به هو ان الدول الغربية علمانية بوجوه مختلفة وانها ليست دولا مسيحية وقد لا يمارس قسم كبير من شعوبها الايمان المسيحي.

لذلك اذا اختلفت هذه مع شعوب اسلامية فليست المسيحية هي التي تختلف مع شعوب مسلمة. ويكون جاهلا من اعتقد ان حكومات الغرب تناصر مسيحيا على مسلم في مناطقنا والأغلب انها تنصر المسلم في هذه البلاد بسبب من غناه. واذا كانت دعاوة الإسلاموفوبيا Islamophobie قد انتشرت في الغرب فلا تأثير لها على سياسة الدول لأن هذه عاشقة للنفط ومشتقاته. ونصرة الغرب للأنظمة العربية القائمة او نصرتها للمحتجين او الثوار كلها جزء من المصلحة الغربية او جزء من العداء القائم بين روسيا والصين من جهة والدول الغربية من جهة اخرى. اين الصليبية في هذا؟

الى هذا ماذا يفسر لك قتل المسيحيين العراقيين والمصريين ولا غبار على وطنيتهم؟ لا يقنعني احد بقوله ان القضية هنا وهناك سياسية. الفريق المسيحي العراقي والفريق المسيحي المصري لاعلاقة لهما بالسياسة. من يربي العرب لكي لا يقتلوا من كان على دين آخر. هل الآخر موجود في كليته، في آخريته، في اختلافه، في مقاومته الفكرية؟ هل بقيت العروبة أرضًا مشتركة نقف عليها من اجل الحب؟ تزعجني هذه العبارة: الإسلام براء من هذا السلوك. المواطن لا يهمه درس الأديان. يهمه الا يقتله انسان آخر، الا يذهب ضحية التمازج بين الدين والدنيا، الا يسود الأوطان دعاة دين واحد وان كانوا كثرا من هذه الديانة او تلك.

نريد السلام. الله هو السلام. المهم ان ينزل هذا على سلوكنا اليومي وان يصير في كل منا محبة مسكوبة بلا حدود.

أسامة بن لادن وأيمن الظواهري كانا يسميان المسيحيين صليبيين مع ان العرب ما كانوا يعرفون كلمة صليبيين ولكن كلمة فرنجة ومسيحيو هذه البلاد عندهم هم النصارى. الدمج بين قومية المسيحيين وديانتهم لم يكن اذًا واردًا. الترادف بين المسيحية والصليبية بقي في عقل أهل القاعدة قائما الى يومنا هذا مع ان السيد بن لادن الذي عاش في بيروت ما لا يقل عن خمس سنوات كان يعلم ان كنائسنا لا سلاح فيها في الأيام التي قضاها معنا والدكتور الظواهري الذي عرف الأقباط في مصر كان يعلم ان الأقباط لا يقتلون احدا وما اقتحم الصليبيون مصر ولكنهم اقتحموا بلاد الشام وامبراطورية الروم. هل خاف اولو الأمر في الحركات الأصولية او الإحيائية حقا مسيحيا واحدا في ديار العرب؟

اعرف ان الذاكرة التاريخية شرسة، حادة ولكنها ذات علاقة ولو ضعيفة بالواقع. هنا ليس عندنا شيء من هذا. لقد بين امين معلوف في كتابه عن الفتوحات الصليبية ان الذين قاموا بها كانوا متوحشين اكثر مما يتصوره عقل ولكن ما علاقتنا نحن المسيحيين الشرقيين بهؤلاء وكنا ساندنا المسلمين في تلك الحروب وذبحنا الفرنجة في القدس وقمعونا في انطاكية. ما لم يفصل المسلم في ذهنه المسيحي عن الغرب يبقى محملا المسيحي المشرقي او العربي كل خطيئات الغرب منذ فجر المسيحية حتى اليوم ويبقى هذا المسيحي، بشدة او خفة، عميلا للغرب او حليفا او متواطئا حتى قيام الساعة. والكل يعلم اننا التماسا لوحدتنا المجتمعية الكاملة مع المسلمين اوجدنا مفهوم العروبة. مرة سألني مثقف مسلم كبير: لماذا لا تبقون على أرض المسيحية ونحن على ارض الاسلام فنحتنا مفهوما مشتركا وهو العروبة.

الناس يحتاجون الى ارض مشتركة يتكلمون منها. كيف نتكلم عن الاسلام والمسيحية لنلتقي والمسلم في قراءتي له ليس له ارض الا القرآن. ما قلت في هذا ان ليس عنده حب لوطنه ولكن ما أقوله ان اللصوق بين الإسلام والوطنية قائم عنده واننا في حاجة الى اختلاق ارض محايدة نسميها الوطن مفارق للدين لكي يأتي تفاهمنا مستندا الى معطيات واحدة لا يمكن ان تأتي من الدين.

#  #

#

الوطن يأتي من هذه الدنيا وتستند اليها لتسوسه. اما الدين فوحي اي ينزل عليك من السماء ولذلك لا تستطيع ان تبني الدنيا من الآخرة. وبخاصة لا تستطيع ان تقيم البلد على المعتقد المسيحي وعلى المعتقد الإسلامي بآن لاختلافهما. لذلك اجيب هذا الصديق المسلم الذي واجهني بسؤال وجيه: نحن مضطرون الى العروبة او كنا كذلك في مطالع القرن العشرين ولاسيما اننا حلمنا بانحسار العثمانيين عن بلادنا وكان هؤلاء قد اقتربوا جدا من العصر منذ اصدروا التنظيمات في منتصف القرن التاسع عشر. ولو بقيت العثمانية في آخر الحرب الأولى على حداثتها لما احتجنا الى استخدام مفهوم العروبة.

هناك سوء تفاهم بين المسيحيين والمسلمين في هذا الموضوع ناتج من التاريخ. فالاسلام في الجزيرة العربية اكتشف العروبة عند ظهوره. والارتباط قوي بينهما. والقرآن كتاب عربي كما جاء فيه. والعرب عندما اسلموا توحدوا في هذه الدنيا ازاء الفرس من جهة وازاء الروم من جهة اخرى واجتازوا القبلية التي كانوا عليها الى ملة ابراهيم أو الى الأمة التي الله مكونها وحافظها وكانت خير أمة اخرجت للناس. لذلك لا يسعك ان تطلب اليهم ان يميزوا في دنياهم بين عروبتهم وإسلامهم وتزول العروبة فقط في الآخرة.

اما المسيحيون فعند ظهورهم ما خلطوا بين دينهم ودنياهم بناء على قول معلمهم: «اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله». وتوا رأوا أنفسهم رومانيين وان لا علاقة لهذا بايمانهم ولا اختلاط بين هذا المدى وذاك. لذلك كانت تسمية المسيحيين صليبيين مضحكة وجاهلة ليس عندي وصفة تدل الناس كيف يتلاقون. لن أناقش النظام العلماني في هذا المجال الآن. غير ان ما لا بد من تذكير الناس به هو ان الدول الغربية علمانية بوجوه مختلفة وانها ليست دولا مسيحية وقد لا يمارس قسم كبير من شعوبها الايمان المسيحي.

لذلك اذا اختلفت هذه مع شعوب اسلامية فليست المسيحية هي التي تختلف مع شعوب مسلمة. ويكون جاهلا من اعتقد ان حكومات الغرب تناصر مسيحيا على مسلم في مناطقنا والأغلب انها تنصر المسلم في هذه البلاد بسبب من غناه. واذا كانت دعاوة الإسلاموفوبيا Islamophobie قد انتشرت في الغرب فلا تأثير لها على سياسة الدول لأن هذه عاشقة للنفط ومشتقاته. ونصرة الغرب للأنظمة العربية القائمة او نصرتها للمحتجين او الثوار كلها جزء من المصلحة الغربية او جزء من العداء القائم بين روسيا والصين من جهة والدول الغربية من جهة اخرى. اين الصليبية في هذا؟

الى هذا ماذا يفسر لك قتل المسيحيين العراقيين والمصريين ولا غبار على وطنيتهم؟ لا يقنعني احد بقوله ان القضية هنا وهناك سياسية. الفريق المسيحي العراقي والفريق المسيحي المصري لاعلاقة لهما بالسياسة. من يربي العرب لكي لا يقتلوا من كان على دين آخر. هل الآخر موجود في كليته، في آخريته، في اختلافه، في مقاومته الفكرية؟ هل بقيت العروبة أرضًا مشتركة نقف عليها من اجل الحب؟ تزعجني هذه العبارة: الإسلام براء من هذا السلوك. المواطن لا يهمه درس الأديان. يهمه الا يقتله انسان آخر، الا يذهب ضحية التمازج بين الدين والدنيا، الا يسود الأوطان دعاة دين واحد وان كانوا كثرا من هذه الديانة او تلك.

نريد السلام. الله هو السلام. المهم ان ينزل هذا على سلوكنا اليومي وان يصير في كل منا محبة مسكوبة بلا حدود.

Continue reading
2011, مقالات, نشرة رعيتي

السامرية / الأحد 22 أيار 2011 / العدد 21

لما كان يسوع ذاهبًا من اليهودية الى الجليل كان لا بدّ له أن يجتاز السامرة، فأتى الى مدينة سوخار القريبة من نابلس. هناك بئر يعقوب القائمة حتى الآن وشُيّدت الى جانبها كنيسة أرثوذكسية. وجلس السيد عند البئر.

عند الظهيرة وصلت امرأة سامرية اي غريبة الجنس ومنحرفة عن الديانة اليهودية، وجرى بينهما حوار من أروع ما جاء في الأناجيل. طلب منها المعلم أن تسقيه إذ كانت حاملة جرّة، ولكنها استغربت طلبه إذ ليس من اختلاط بين اليهود والسامريين. تخطّى يسوع ما يفصل الشعبين ووعدها بأن يعطيها ماء حيا. لم تفهم أنه شيء آخر عن الماء الذي كان في البئر. قالت: من أين لك الماء الحي؟ إذ ذاك نقلها الى صعيد آخر: «من يشرب من الماء الذي أنا أُعطيه فلن يعطش الى الأبد. بل الماء الذي أُعطيه له يصير ينبوع ماء ينبع الى حياة أبدية». هذا اذًا ماء تختلف طبيعته عن هذا الذي في البئر. ماذا يكون؟ كيف يكون؟

رغبت في هذا الماء. لم يكن بوسع يسوع أن يعطيها للحال ماء من ملكوته لأنها كانت زانية. ولا تستحق عطاء من السماء اذا كانت مُصرّة على السلوك الذي كانت تسلكه. لذلك غير السيد مجرى الحديث إليها وقال لها: اذهبي وادعِ رجُلَك. اعترفتْ أنه لا رجُل لها ثم اعترفت لقومها أن يسوع نبيّ. وأرادت أن تدخُل نقاشًا لاهوتيًا. قالت: «آباؤنا سجدوا في هذا الجبل، وانتم تقولون ان السجود هو في اورشليم». المسيح أَبطل عقيدة السامريين الذين كانوا يسجدون في منطقتهم وأبطل السجود في أورشليم: «تأتي ساعة وهي الآن حاضرة اذ الساجدون الحقيقيّون يسجدون للآب بالروح والحق». تسجد قلوبهم إذا عرفوا الآب وابنه وروحه. الهياكل القديمة الآتية من موسى لم يبقَ لها معنى. وهيكل أورشليم لا يسكنه الله من بعد عودة اليهود من سبي بابل. سمّى يسوعُ بعد هذا نفسَه الهيكل. وبتنا نحن بعد قيامته امتدادًا لهذا الهيكل. «ألستم تعلمون أن أجسادكم هياكل للروح القدس؟».

انتقلت هذه المرأة بعد كلام السيد الى فكره والى السلوك الذي أراده لها، وبشّرت أهل السامرة بالمعلّم. ولما سأله السامريون أن يُقيم عندهم أقام يومين، وآمن به جمع كثير لما رأوه وخاطبوه. المرأة أوصلتهم الى المعلّم وأَقرّوا «نحن قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلّص العالم». فكرة أن المسيح مخلّص العالم لم تكن معروفة عند السامريين ولا عند اليهود. نزل عليهم مضمون الإنجيل، ثمّ بعد قيامة المخلّص عرف المهتدون الى يسوع أنه مخلّص العالم كلّه متخطيًا اليهود والسامريين وكل الشعوب. الروح القدس كشف للناس أن يسوع مخلّص العالم في موته وقيامته.

اكتشاف القلب ليسوع يجعلنا متعلقين به وحده ولسنا مكبلين بشيء او بموضع او بعائلة او بذاكرتنا او بخطايانا. يسوع يرفع عنا الأثقال ويجعل كلاّ منّا تلميذًا حبيبًا مُلقى على صدره وعظيمًا في الملكوت.

Continue reading
2011, جريدة النهار, مقالات

أين نحن من الحقيقة؟ / السبت 21 أيار 2011

لما سقطت الشيوعية أحست الولايات المتحدة ان العالم في حاجة الى قطب آخر تعاديه واحتسب ان هذا القطب يمكن ان يكون الإسلام فوطدت علاقاتها بدول إسلامية وانشأت حركات اسلامية موالية لها ولكنها ظنت ان الموالاة تدوم وبينت الأحداث سرعة التغير عند الأصدقاء في الحيز السياسي.

أهملت هنا ذكر الشخصيات الكبرى في العالم العربي الذين صادقوا الإدارة الاميركية واسماؤهم نشرتها هذه الإدارة في كتاب مطبوع. ان التحول الذي حدث عند أسامة بن لادن نموذج فقط عن سلوك مألوف. من هنا لا يسوغ ان نستغرب عنف الأصدقاء الذين يصيرون اعداء. لا شيء يكفي المقربين اذا طرأ عليهم ما يجعلهم غرباء عن الإخلاص الاول.

ليست غاية هذه العجالة ان افسر عداء اسلاميا لأميركا هي لغتها هذا العداء. ما اود ان اؤكده هنا ان ما يسمى عنفا ليس حكرا على احد في أطوار التاريخ. العنف له ظروفه وينتقل من جماعة الى جماعة. فقد مارس مسيحيو الغرب العنف او الظلم الاجتماعي بحق اليهود حتى الثورة الفرنسية. ومارسوه بحق المسلمين في محاكم التفتيش قانونيا حتى طُرد او هُجر المسلمون من الأندلس في آخر القرن الخامس عشر واضطهد الأرثوذكس الروسيون المسيحيين المؤمنين القدماء الذين انشقوا عن الكنيسة الروسية. وللمسلمين انفسهم لا لي ان يفحصوا اذا كان تاريخهم مجيدا دائما من هذه الزاوية.

ما اؤكده مؤقتا ان المذابح ذات الطابع الديني قامت بخاصة في اوساط ديانات التوحيد بمعنى ان الذين لا يعبدون الإله الأحد لم يقوموا بمجازر الا اذا استثنينا احيانا قتل الهندوس للمسلمين.

السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو هل من علاقة في عملية العنف بين المؤمنين في كل دين وكتبهم المقدسة ام نستطيع ان نفصل بين الكتب وأتباعها؟ السؤال صعب جدا وكل مجزرة يجب ان تُدرَس على حدة. ربما كانت اسباب سياسية بحتة. ما من شك انه طرأت في الهند احيانا اعتبارات انتخابية.

#   #

#

ما يثير هذا السؤال في ذهني هو لماذا تمر اجيال ولا يصطدم اهل هذا الدين بذاك والكتب المقدسة واحدة. السؤال المتفرع هو هل ان النصوص التي تبدو عدائية او هي كذلك لا تولد عداء فعليا والنصوص الهادئة السلامية الحاملة بذار المحبة لا تنشئ سلوكا محبا؟

الصدق والمنهج العلمي يفرضان علينا ان نبحث في الرباط بين النص والمسلك. هل كان هناك رباط حتى لا نسترسل بالقول المتسرع ان هذا الدين او اذاك كله محبة وسلام وسماحة لتنزع عنه نوازع غذت الفريق المعتدي. الإنسان يأتي من النصوص الهاما في كثرة من الأحايين ولا يأتي احيانا ولا يسوغ ان نسقط على الدين سلوك ابنائه دائما وبالضرورة قبل ان نفتش عن الأسباب المجتمعية والسياسية التي قد تفسر الحادث.

المجموعة العنيفة تأتي أو لا تأتي من المصادر المكتوبة ولكنه يكون نوعا من الفصام ان نقول ان هذه المجموعة تأتي من العدم العقدي او من جهلها للمصادر وان ما تم قد تم صدفة بسبب من انفعالات طارئة. ليس في حياة الشعوب من طارئ. ان تقول مثلا ان المسيحية كلها محبة وان المسيحيين القتلة في هذا الحادث لم يستلهموا المسيحية لا يفسر شيئا. ان نقول في حالة قتل قام به مسلمون الاسلام براء من هؤلاء لا يفسر شيئا. هذان الموقفان تفرّج على الدم. لذلك تبقى التربية الدينية وقبلها يجيء اللاهوت. ماذا تقول المسيحية في مناهلها وتاريخها سيء جدا باعتباره مليء بالدم. ماذا يقول الاسلام في تاريخه وتاريخه فيه بعض قتل.

لكون اهل الديانات التوحيدية ارتكبوا ولأن بعض المرتكبين ما كانوا اغبياء لا بد ان نفحص ما اذا كان هذا الدين او ذاك فيه بذور من العنف او فيه عنف واضح وهذا لا يصير الا بتفسير أي قَرّاء عليم الى اي دين انتمى. لأن الدين لغة. انا مثلا لا يذهلني ان عالما يابانيا يعلم العهد الجديد ولست أذكر ان كان بوذيا او شنتويا وله ان يفهم العهد الجديد كما يفهمه اي عالم مسيحي. الإنجيل نصوص تعرب. والقرآن تصوص تعرب. لويس ماسينيون في ايام دراستي في باريس اي في مطلع الخمسينات اعطى خلال سنتين تفسير سورة البقرة ولم يتهمه احد بالجهل او التحامل وكان يتبع تعليمه طلاب مسلمون.

التفسير لكل النصوص التأسيسية في كل ديانة تفسير تاريخي. لأن النصوص قد قيلت لناس عاشوا في زمن معين. وما كان مرتبطا عضويا في زمن لا يؤخذ معناه كاملا من الزمن المحدد. لذلك هناك مرونة في التفسير لا ترتبط فقط باللغة. المعنى المطلق هو في الله. لذلك ليست اللغة مطلقة. ان لم يكن عند المفسر حس تاريخي يعسر عليه جدا ان يلهمك اليوم عمق المعنى الإلهي. معنى ذلك ان ما أجيز في فترة من الزمن قد لا يجوز في فترة أخرى.

هناك اذًا تفهّم للنص الديني كما تفهم اي نص آخر في أدبيات العالم.

الى هذا كل ديانة لها روحها اي منهجها الفكري العام ولها تراثها وحيويتها والأقدمون فيها. من هذا المنظار ليست الديانات واحدة. ظروف انكشافها وتلقيها وأبعادها الفكرية ليست واحدة ولا معنى للقول انها تختلف بالأحكام فقط. فهناك المسيحية التي ليس فيها نظم شرعية ولا أحكام. هي شيء آخر عن كل منظومة دينية. هناك تقارب مع انظومات اخرى. ولكنها قائمة في ذاتها. هكذا الإسلام قائم بذاته وله روحيته وحركيته وتراثه وعمقه. والفروق بينه وبين اية ديانة اخرى ليست قليلة. ولكن القلوب والعقول النيرة تجعلك تتبيّن حقيقته من ذاته بلا تشبيه بغيره. المهمة تبقى كيف تكشف الحب فيه وانسانيته وسموه لا تجعله مندمجا بالمسيحية او اليهودية ولكن لتذوقه من صميمه وتتركز على ما يدعو فيه الى المحبة وتتركز بالطريقة نفسها على المسيحية لتحس بتجلياتها  وقدرتها على صنع قلوب طيبة تستطيب كل بهاء خارج حدودها.

Continue reading
2011, مقالات, نشرة رعيتي

عجائب الرسل / الأحد 15 أيار 2011 / العدد 20

كلمة «قديسين» الواردة في هذا الفصل تدلّ على جميع المسيحيين. لما كتب بولس الى أهل كورنثوس رسالته الأولى، سمّاهم قديسين لأنهم مقدّسون بالحق وبالمعمودية. هذه كانت الفترة الأولى من الانتشار المسيحي. وبعد أن وصلوا بالبشارة الى أنطاكية، سُموا فيها مسيحيين. في مدينة لدّة الفلسطينية القائمة الى الآن، وجد بطرسُ مخلّعًا أي مشلولا، فقال له: قم وافترش لنفسك، فقام للحال.

ثم يحدّثنا هذا الفصل عن صبية في يافا مرضت وماتت. دُعي بطرس الى بيتها وجثا على ركبتيه وصلّى وقال: يا طابيتا (أي يا ظبية) قومي، فقامت.

كانت ثمرة إقامة الرسول لإينياس في اللد ولطابيتا أن آمن كثيرون بالرب يسوع. هذا الأمر ليس فيه عجب، فقد قال السيد لتلاميذه: «طهّروا البُرص واشفُوا المرضى» (أي انه أعطاهم السلطان الذي كان له من الآب، و نقلوه بقوة القيامة).

هذه العجائب استمرّت في الكنيسة على أيدي القديسين الذين كانوا مثل الرسل يعملون بقوة القيامة. نحن لا نقول ان كل قديس أتت عن يده معجزة. ولكن نُسمي بعض القديسين مثل مار نقولا ومار اسبيريدون صانعي عجائب.

الفكرة أن الله قادر أن يشفي المريض خارج قوانين الطبّ لأنه ليس مُقيّدًا بقانون الطبيعة. لا نعرف كيف تحصل الأعجوبة، كيف يستعيد الأعمى البصر او المشلول الحركة. الشفاء يتمّ بمشيئة الله.

ليس عندنا مكتب طبّي يقرّر إذا حصلت أعجوبة أم لم تحصل. نلحظ فقط أن شيئا يفوق قدرة الطبيعة حصل ونمجد الله. هذا لا يعني أن نكون سريعي التصديق لكل ما يتحدّث الناس عنه. فأنت حُرّ أن تُصدّق اذا رُوِي لك عن أعجوبة، وحرّ ألاّ تُصدّق، ولا ينبغي أن يُكفر أحدُنا الآخر. ما عدا العجائب التي ذُكرت في الإنجيل أنتَ حرّ أن تُصدّق او ألا تُصدّق. ولكن إن رأيتَ ثمارًا فاشكر الله أنه أتى بشيء جديد.

ما عدا الشفاء، قام ربنا بأشياء أهم من كل المعجزات التي أتت عن أيدي الناس. تجسّدُه من العذراء، تحويله الخبز والخمر الى جسد الرب ودمه، قيامته من بين الأموات، التقديس الذي يحصل بعد توبة، هذه كلها تدلّ على أن الله يعمل العجائب باستمرار ويفتقدنا دائما برحمته.

الكل ابتدأ بقيامة المخلّص. نحن ينبغي أن نعرف أننا قياميون وننتظر الأعجوبة في كل وقت ونُقدّس أنفسنا بمداخلات الله في حياتنا حتى نعرف أن العهد الجديد لا يزال فاعلا.

Continue reading
2011, جريدة النهار, مقالات

مملكة المسيح / السبت 14 أيار 2011

الحوار بين السيد وبيلاطس درامي للغاية. بناءً على اتهامات اليهود سأل الوالي يسوع الناصري: أأنت ملك اليهود. لم يكن الحاكم مهتمًا للتهمة لأنها لا تهزّ عرش قيصر. تهمة لا توصل الى إعدام المخلص. الوالي، قاضيا، قال له أخيرا: ماذا فعلت؟ أجاب يسوع: «مملكتي ليست من هذا العالم». مصدرها ليس الأرض. مع ذلك اؤكّد اني ملك. وظيفتي تنحصر في هذا: «انا ما ولدت وأتيت العالم الا لأشهد للحق. فكل من كان من الحق يصغي الى صوتي».

في كل أمّة وفي الانسانية جمعاء انسان او بضعة أناس ليست وظيفتهم ان يحكموا اي ان يتعاطوا السياسة ولكن ان يشهدوا للحق. قال الناصري مرة: «من أجلهم (أي التلاميذ) أقدس ذاتي وهي تعني في الأصل اللغوي للكلمة اني مخصص لله او متخصص بشأن الله على صورته يقول المؤمن اي لي لغته لأنه نزل اليّ وساكنني لأني تواضعت امامه واما اذا بنيت لي برجا كما في بابل قديما لأصعد الى الله بقوتي مع بعض المستكبرين فإنه يهدم البرج ويبلبل ألسنتنا ومعناها انه يجعل في كل انسان نعاني تختلف عن المعاني الأخرى وليس لله مكانة في هذه اللغات ولا يملك الله علينا لأنه لم يبقَ هو ملك الألسنة كلها ولا هو الوحيد في القلب البشري فصار لكل انسان قلب اي بات القلب وكرا للأفاعي وتمزقت الأفاعي في القتال فيما بينها وصارت لهم ممالك كلها من الأرض وفي اللبنانية مزارع وبطلت الأنا ان تصير نحن. الأرض لا تنبت لله مملكة. لذلك قال يسوع النازل هو وكلماته من السماء لممثل روما الأرضية «مملكتي ليست من هذا العالم».

أنا والعالم ليس لنا لسان واحد الا اذا رأى هذا العالم انه مدعو ان يكون -على مداه- ملكا للسماء او سماء.

ربما كانت قلّة تعي انها جاءت لتشهد للحق وان لسانها لسان الحق فقط وربما لا تعي ان وسائل التخاطب عندها رسائل الحق بمعنى انها جاءت لتقدس ذاتها حتى اندماج لغتها بلغة الله، الأمر الذي يجعلها قائمة على قداسة الحق.

اعتقد ان كلام المسيح لبيلاطس «مملكتي ليست من هذا العالم» تعني ان الناصري جاء بلغة جديدة، بالكلمة وان عليك انت ان تتبعها وتتبناها لأنك ان لم تفعل لا تكون قد قبلت التغيير الكامل للتكوين البشري وانك تستعير فقط مصطلحات من كلام الناصري وقناعتك لا تأتي من حيزه في الحقيقة وتظن انها منه لأن لك دورا مجتمعيا او مكانة او نفوذا تبيح لك ان تكون مملكتك من هذا العالم ومكونة منه لتكون على حكمة هذا العالم وحذقه وتستمتع بذكائك الذي هو من هذا العالم وتحسب انه لك من الله لكون الله مصدر الذكاء.

#   #   #

وقبل ان يقول يسوع: «مملكتي ليست من هذا العالم» فكر بانتماء تلاميذه الى مملكته «ليسوا من العالم كما اني لست من العالم كرّسهم بالحق». ما هم عنه مسؤولون ان يشهدوا للحق لا ان يعملوا سياسة كما هيرودس والأحبار وبيلاطس. ان يشهدوا للحق هو ان يمتلئوا قداسة اي الا يكون فيهم غير لاهوت الله ولا على لسانهم الا ما جاء من الكلمة الذي كان من البدء اي قبل الكون وقبل سياسته.

«كما ارسلتني الى العالم فكذلك انا ارسلهم الى العالم» اي كما اني لست اقول شيئا من ذاتي اذ أخذت كل شيء منك كذلك لن يقولوا شيئا من ذاتهم ولكن مما أخذوه مني. ليس اهم هوية من ذاتهم. هم انا في اجتهادهم الأعلى وكأنهم من الأزل مثلي كما اني انا وانت قبل الأزل معا.

#…#   #

مع ذلك يقر بولس الرسول ان في هذا العالم حكمة ومنها حكمة الكلام غير انه يوضح ان العالم لم يعرف الله بالحكمة البشرية لأن المسيح «قوة الله وحكمة الله». هل يعني هذا ان ليس بين الحكمتين حوار وان لغة الإنسان الساقط سيبقى الى الأبد تباين بينها وبين لغة الله وان ثمة القديسين مفصولون عن الأثمة؟ السؤال صعب للغاية: ولكن اذا تبينا ان كلام الله هو سلطانه في العالم وان حقيقته هي الحقيقة فما من تسوية ممكنة بين الموقف الإلهي والموقف البشري الساقط في معظم الأحوال.

الإغراء الكبير ان تجعل كلمة الإنسان بديلة عن كلمة الله وهذه هي التسوية او هذا هو النزول من المستوى الفوقي الى ما هو تحت بحيث تستعير المنطق البشري لتغلف به المنطق الإلهي او تخفيه وتقنع نفسك بأنك حكيم وبأنك محب وانك تعمل كل هذا لمصلحة البشر.

ويسير منطق الحاصلين على حكمة الدهر هكذا. هكذا هم البشر وهذا ما يفهمون فلننزل اليهم. وتصير المسيرة في الواقع انك تتبنى حكمة هذا العالم حاسبا نفسك خادمًا للحقيقة. هذا هو الوهم الكبير فبرج بابل قد سقط وتبلبلت الألسنة وصرت انت من أهل الأرض وغطى ترابها القليل من النور الذي كان لا يزال فيك.

أما كيف تستخدم عبارات هذا العالم وأساليبه وزواريبه لتجعل الله ناطقا فيها فهذا عمل النعمة فيك وثمر السهر الدائم على طهارة موقفك. ان تكون بشرًا تائقًا الى الألوهة في كل التزام لك لتقديس اخوتك بالحق غير حاسب لنفسك اجرا وغير مجمل وجهك يجعلك متمكنا من حكمة هذا العالم غير خاضع لها.

كيف يتغيّر عالم الإثم؟ لا يتغير بفرط الذكاء وكثرة الأذكياء الذين حبل بهم بالإثم وولدوا ونشأوا في الخطيئة. يغيره الذين يجلدون أنفسهم بكلمات الحق كل يوم حتى لا تنثني الخطايا في جلودهم. فيكونون شهودًا للحق اي ليس من فاصل بينهم وبين الحق. العالم يخلص بقليل من الذكاء وكثير من الحق، الفقراء دائما الى بهاء القديسين حتى يتجلى الرب في الأكثرين فيدخلون مملكته الى مملكة هذا العالم.

Continue reading
2011, مقالات, نشرة رعيتي

السبعة / الأحد 8 أيّار 2011/ العدد 19

ما هو هذا التذمّر من اليونانيين والعبرانيين في الكنيسة الأولى في اورشليم؟ اليونانيون هم اليهود الذين تنصّروا وعاشوا مدة طويلة خارج فلسطين وتلقّوا شيئًا من الثقافة اليونانية وما كانوا قادرين أن يفهموا اللغة الآرامية التي كان يتكلّم بها سكان فلسطين بما فيهم المسيحيون الفلسطينيون. أمّا الذين يسمّيهم سفر الأعمال عبرانيين فكانوا يهودَ فلسطين الذين تنصّروا وما هاجروا فما كانوا يتحدّثون إلا باللغة القومية لأهل فلسطين أي الآرامية.

تذمّر اليونانيون على العبرانيين بأن «أَراملهم كُنّ يُهمَلن في الخدمة اليومية» اي في الإعاشة التي كانت توَزّع.

كان لكل من هاتين الجماعتين مجامع (المجمع هو ما نُسمّيه الكنيس اليوم) حتّى تستطيع كل جماعة أن تفهم الوعظ بلُغتها.

المعروف أن التوراة كانت تُقرأ فقط باللغة العبرية عند اليونانيين وعند العبرانيين، ولكنها كانت قد اندثرت. لذلك كان الوعظ يُلقى باللغة اليونانية او اللغة الآرامية حسب المعرفة اللغوية لكل شعب.

عند هذه المشكلة عَيّن الرسلُ سبعة رجال. قال معظم المفسّرين ان هذا الانتقاء كان تأسيس نظام الشمامسة، وسمّت الكنيسة القديسَ الشهيد استفانوس وهو مُسمّى بينهم شماسًا.

الرسل وضعوا عليهم الأيدي وهي عبارة تدلّ على عملية تقديس لعملٍ يتعلّق بالأسرار وليس تبريكًا بسيطًا. وتعيين إنسان يقوم بإعاشة الأرامل لا يتطلب وضع أيدٍ. واللافت في اختيارهم أن المُسمّى اوّلاً بينهم استفانوس كان «رجلا ممتلئًا من الإيمان والروح القدس» اي لم يكن أُميّا من جهة المعرفة الإيمانية، وقد دلّ على ذلك خطابه الذي ألقاه على اليهود الذين قتلوه رجمًا.

بعد هذا تقول الرسالة: «وكانت كلمةُ الله تنمو وعددُ التلاميذ (أي المسيحيين) يتكاثر في اورشليم جدا». كلمة «تلاميذ» أُبدلت بـ«مسيحيين» في ما بعد في أنطاكية. ثم تقول الرسالة: «وكان جمعٌ كثير من الكهنة يُطيعون الإيمان»، ويريد بذلك كهنة اليهود الذين أخذوا يؤمنون بيسوع، وهذا يفسّر أن الجماعة اليهودية اضطهدتهم بسبب من ذلك ما دفع أحد المسيحيين الكبار جدا أن يكتب الرسالة الى العبرانيين ليقوّي بالإيمان الكهنة المُهتَدين الى المسيح واليهود الذين كانوا تحت القمع.

Continue reading
2011, جريدة النهار, مقالات

الهدية / الجمعة 6 أيّار 2011

احذر الهدية ان كنت تخشى إغراء تبطنه ورحب بها ان أحسست ان المهدي يريد منها محبة او صداقة. من كانت لك معه معاملات ذات طابع تجاري يبغي مما يعطيك ان تسهل المعاملة حتى تتجاوز حدود القانون. حيثما تظهر الفائدة او تتوقع حدوثها يكون الشيطان صاحبها وتتعطل سلامة العلاقة وطهارة طابعها. هناك دائما ضغط على قرارك ان لاح لك في الأفق مال تجنيه وقبول لتشيئتك اي لإبطال العنصر الوجداني القائم في كل صلة وإبداله بعنصر لا تواصل فيه بين ذات وذات. قمة ذلك الرشوة التي هي تحكم الأقوى ماليا بقرارك او استعبادك لما يريده آخر فاذا بك تؤثر علاقة شيئية على علاقة حريتين.

المال اصلا من أقوى ما في الوجود لإلغاء الحرية اذ رآه المسيح ربا يعبَد اي يستعبِد وتبيد في سبيله حريتك. بهذا يفترق هذا الرب عن الرب الحقيقي. ان هذا الأخير يحررك بالحق وذاك المعبود لا حق فيه. فاذا قبضت المال الحرام تقبل تسليم حريتك لآخر وتكون قد أعلنت للخالق ان كلمته لا تسير حياتك اذ سفكت حياتك الحقيقية. لهذا أعلن ما انفقه عليك سيدا على قلبك وقابضا على روحك.

ما يقلقك حقا في كلام المسيح انك لا تستطيع ان تهرب منه مهما اخترت من مزاريب. فإما ان تعبد خالق الكون ومطهر نفسك من الدنس او لا تعبده. واذا ظننت انك قادر ان تجمع اندفاعك الى المال الى اندفاعك الى الله بواسطة بعض طقوس تمارسها تكون قد بلغت قمة الضلال. هنا الاختيار القطعي يفرض نفسه.

#   #

#

دائما الخطيئة تتلبس المبررات اذ تزكي نفسها اذ بقي عند الإنسان الخوف من هذا الإله الذي يعاقب او يخيف كالفزاعة ويأبى الإنسان ان يمحى كليا من الوجود. مبررات الرشوة كثيرة عند الموظف الصغير والمسؤول الكبير ولكن ليس هذا موضوعنا اليوم.

موضوعنا الهدية المالية اللاحقة للعمل. هذا الذي يخولها لنفسه بعد العمل إغراؤه ان يشترط عليك مبلغا من المال قبل الشروع بالتفاهم. ممكن ان تنشأ الرشوة هكذا. تتعلمها من سقوطك بالهدية غير المشروع وتسقط في ديانة اسمها عبادة المال فيما انت تلهو بديانتك الموروثة التي تصبح في عيني الله لا شيء.

#    #

#

الى هذا الهدية المختلفة وراء الصداقة. كثيرا ما قامت اي كثيرا ما كانت صادقة ودائمة للمحبة ولكن على الانسان ان يتفحص قلبه قبل اعطائها. هل هو منزه كليا في العطاء عن كل ضعف. ادعو هذا الى اليقظة ولست ادعو الى الغاء التواصل بالهدايا. احيانا من اهدي اليه شيء يجب ان يتحصن عند ضعف ممكن ظهوره فيه تجاه من أهدى.

هنا يدخل موضوع حجم الهدية. بين المثقفين معروف اهداء كتاب او ما له علاقة بالفكر. والمتعارف عليها هدايا الأعراس ولكن كثيرا ما يقتنع المعطي انه يتقبل ما يبادلها في حال اقام عرسا لأحد ابنائه اي ليس هناك صداقة كاملة او غير مخروقة ولكن هناك شك في صدق الإهداء لشيء ثمين جدا ما لم تكن هناك محبة جارفة او نسابة منفوخة بالثرى. فقط شيء كوقف لمؤسسة دينية او خيرية او مجلس بلدي يمكن اعتباره عملا لمجد الله. اما اذا دعمنا علاقة شخصية بعطاء مالي كبير فالشك فيه كثير.

في الحياة العائلية خطر الهدية كبير. الآباء يهدون ابناءهم وبناتهم غالبا بصورة مرضية ولكن احيانا لتأكيد عاطفة مشكوك بها. غير ان هذا بسيط مقابل الإهداء الزوجي. العائلة لو كانت قائمة على المحبة الزوجية تصير سعادة قصوى. ولكن اذا سادها التوتر ممكن ان تصير شبه مصح لا شفاء فيه فيبدأ التعامل النفعي فتبيع المرأة دلعا تشتري به فساتين فيطغى هذا النوع من التجارة ليغطي خللا يتحكم كثيرا الى ان ينزل الله نفسه ليحكم العائلة. قبل هذا تنقضي الحياة البادية مشتركة على هذا اللون من التجارة.

#   #

#

ليس لكوننا نخشى سوء الاستعمال للهدية يجب الغاؤها في اي مجال من مجالات الحياة اذ يحيي الإنسان ان يرى نفسه محبوبا ومفتقدا. من ابهى مشاعر الانسان ان يحس بأنه محضون من يهتم له في صدق ويبدي الوحدة بينهما. هكذا نقتنع ان المحبة التي سكبها الله فينا بالروح القدس لا تزال حية، فاعلة. اما التفسير المشوه للمشاعر العاطفية فقد يحصل ولكن نشفيه بالحس الطيب الذي هو دواء الوجود.

اعطوا دائما بكرم غير منتظرين شكرا ولا مبادلة شعور. قد يساء فهمكم وقد يبتزكم بعض. لا تقيموا وزنا لهذه. المحبة التي نشأت فيكم تكفيكم لتحيوا ويحيا بكم الآخرون. انتبهوا الا تلطخوا انفسكم بالتماس المودات. حسن اذا وجدت من نفسها، في مجانيتها ولكن اعرفوا اننا في الحب مجانيون دائما ابدا. ابطلوا الأخطاء التي قد ترافق الاهداء ولكن ثابروا على الأحسن لتظل نفوسكم بلا جفاف.

التبادل في الله، من اجل الله ينبوع للحياة. لا تخشوا العطاء الذي تعرفون انه منبثق من إلهام إلهي. تكونون قد أهديتم الله نفسه كما قدم المجوس هداياهم لطفل بيت لحم غير متوقعين الا الرضاء الإلهي.

وكما انتم مقدسون بالدعاء تقدسوا بالهدية المباركة التي تقدمونها للرب بواسطة الإنسان. من تحبونه جسركم الى الله.

Continue reading
2011, مقالات, نشرة رعيتي

توما / الأحد أول أيار 2011 / العدد 18

أراد الإنجيليون وقبلهم بولس أن يؤكدوا القيامة ليس فقط بذكرها لقارئ العهد الجديد ولكن بالإتيان بأمور محسوسة هي ظهورات السيد وعددها أحد عشر. أولى الظهورات تمّت عند دخول السيد علي التلاميذ مساء القيامة وهم مجتمعون خوفًا من اليهود إذ كانوا معرّضين للموت والسجن والتعذيب لانتمائهم الى هذا الذي رفعه اليهود على الصليب.

فبعد أن ألقى السلام عليهم «أراهم يديه وجنبه» حتّى لا يظنّوا أنه خيال، أي حتّى يتأكدوا أن هذا الذي عرفوه وشاهدوه مصلوبًا هو نفسه الذي دخل عليهم. هناك أهمية كبيرة على أن الجسد الذي علّقه اليهود على الخشبة هو ذاته الذي قام من بين الأموات ليكون الفداء قد حصل.

توّا بعد التسليم عليهم قال: «كما أَرسلَني الآب كذلك أنا أُرسلُكم». واضح انه دعاهم في بدء البشارة، ولكنه الآن ثبّتهم في الرسالة لأن إرسالهم مرتبط بقوّة القيامة. بعد هذا بخمسين يومًا بعث اليهم بالروح القدس ليمتلئوا من قوة القيامة ويُعطوا الناس هذه القوة.

في هذا الاجتماع الأول، ما كان توما معهم، فأخبروه بما رأوا، ولكنه كان يريد تأكيدًا فقال: «إن لم أُعاين أَثر المسامير في يديه وأَضع يدي في جنبه لا أؤمن». كيف عايش توما رفقاءه بعد هذا، هل كانوا يناقشون حول القيامة؟ بالتأكيد كانوا يُصلّون معًا حتى جاء الأحد اللاحق ليوم القيامة، هذا الذي نقيم ذكراه اليوم ونُسمّيه أحد توما أو الأحد الجديد، وهو اليوم الثامن بعد الفصح.

فيه أتى يسوع والأبواب مغلقة. المعنى أن يسوع لم تمنعه الجدران من الدخول الى القاعة التي كان فيها التلاميذ. لم يقل الكتاب ان السيّد اخترقها. تراءى يسوع بقوته وحلّ بينهم. لا يفسّر الإنجيل كيف كان الحلول. سلّم عليهم وتوجّه مباشرة الى توما قائلا له: «هاتِ إصبعك الى ههنا وعاينْ يديّ، وهات يدك وضعها في جنبي، ولا تكُنْ غير مؤمن بل مؤمنًا».

لا نعرف حقًّا اذا تغلّب توما على شكّه بتفتيش جنب يسوع وأثر المسامير أم أن كلام يسوع وحده أقنعه وأحجم عن التفتيش. المهم أنه قال له: «ربّي وإلهي». وكلمة ربّي واردة باليونانية بصيغة التعريف، والمعنى: أنت هو الرب وأنت ربّي. هي اعتراف من توما على أن يسوع هو الرب الوحيد. وحتّى لا يظنّ أحد أنه يُسمّيه ربّا بمعنى سيّد من الأسياد، أضاف توما أنت إلهي. هذا اعتراف أن يسوع الناصريّ هو الإله الحقيقيّ الكامل.

كان شكّ توما مفيدًا حتى يتكوّن عندنا اليقين بأن يسوع قام من بين الأموات وأنه بهذه القيامة تيقّن تلاميذُه أنه الرب والإله. شهادة توما هي من الشهادات القوية إن لم تكن الأقوى على أن يسوع قام حيًّا غالبًا الموت.

أعاننا توما على أن نؤمن دون أن نرى وأن نستحقّ سرور السيد بنا وهو القائل: «طوبى للذين لم يَرَوا وآمنوا». أَعطنا يا سيّد أن نكون مِن هؤلاء.

Continue reading