Category

1993

1993, مقالات, نشرة رعيتي

التوبيخ / الأحد 5 أيلول 1993/ العدد 36

من الخطايا االشائعة عندنا سؤ الظن. كيف نرتكبها «والله فاحص القلوب والكلى بعدل» (مزمور 7: 9). من وقت الى آخر يسألني واحد سمع وعظي: «لماذا قصدتني»؟ جوابي اني لم اقصد احدا. الكلمة الإلهية هي فحصتك وهذا خير. العلاقة بين الناس تقوم على الثقة اصلا، على بساطة المسيح كما يسميها بولس. ألم يقل الكتاب: «لا تحكموا حسب الظاهر» (يوحنا 7: 24). لا احد يدخل حقيقة الى قلب الآخر. انت لك ما تسمع وما عليك التأويل. «والله يدين سرائر الناس» (رومية 2: 16). اجل، يمكن ان يضللنا ظاهر الكلام. لنا ان نحلل وان ندرس دوافع التصرف عند الآخرين ولكن انى لنا ان نعرف النيات؟ الله وحده يكشف قلوب الناس في اليوم الأخير. ان من شك بالنيات ينتحل صفة الديان التي حصرها الله بنفسه.

ان من رمى الناس في الجحيم يرمي نفسه في الجحيم، يقع في الخطيئة التي ينسبها الى الآخرين. لك انت ان تفحص قلبك وانت تراه تحت حكم الله. انشغل بنفسك ولا تشغل نفسك بالآخرين. غض الطرف عن معاصي الناس وسلمهم الى الله اي خذهم بدعائك. هذا ينفعك وينفعهم. لا تكن قاسيا لئلا تجلب عليك غضب الله.

«ان وقع احد في فخ الخطيئة، فأصلحوه انتم الروحيين بروح الوداعة. وحذار انت من نفسك لئلا تجرَّب انت ايضًا» (غلاطية 6: 1). الوداعة لها وحدها حظ في تقويم الآخرين. ماذا يقول بولس بعد هذا؟ يقول: «ليحمل بعضكم أثقال بعض وأتموا هكذا العمل بشريعة المسيح» اي احتمل بصبر خطايا الناس لأنك بهذا وحده تعطيهم فرصة ليصلحوا انفسهم.

فتش عن ان يصلحك الناس. اقبل النصيحة ولا تنجرح. لا تقل لأحد: «لماذا وبختني امام الناس؟» من انت لتكون فوق اللوم؟ لا تنفعل اذا اراد احد الإخوة تقويمك ولو اضطر ان يقول هذا بحضرة آخرين. اذا كان لائمك على حق فاقبل ما يقول لأن الحقيقة تنجيك. لا تسأل عن نية لائمك. ربما كان يحبك ويريدك في الخير. اذا كان منصفا لا ترفض النصيحة مهما قسا عليك. قد يكون شديد اللهجة. ليس كل انسان طريئا. اللهجة ليست مهمة. الأهمية في القول الصادق العادل.

لا تعتبر نفسك فوق الحق. هنا ايضا يقول الرسول: «ان ظن احد انه شيء، مع انه ليس بشيء فقد خدع نفسه». الحق يمكن ان يأتيك من صغير. الحكمة قد تهبط عليك من افواه المجانين. تقبل النصيحة بكل تواضع لأن المهم ان تعلو، ان تتنزه عن الشر. كن شاكرا لمن وبخك. لا تحزن لأن الموبخ قد يكون رسول الله اليك. «علّم الصديق فيزداد قبولا» (امثال 9: 9).

اختر ابا روحيا او صديقا ليكشف لك سيئاتك. هكذا يفعل من يحبك فإن حبيبك يريدك على اعلى مستوى من الخير. غيرك يستطيع ان يكون موضوعيا في فحصك. وانت اذا اخطأت تكون انفعاليا. صديقك او ابوك الروحي يجردك من اوهامك. اما انت فخطاياك تزجك في بحر من الاوهام. خطيئتك تعمي بصيرتك. اما الصديق الروحي فيعرف كيف يجب ان تتوجه.

اختر لك من يربيك. كل انسان مهما ظن انه سلك في طريق البر يحتاج الى من يربيه مهما بلغ من العمر. وان لم تجد مرشدا فاجعل كتاب الله لك مرشدا. سلطه على اعمالك واعمال قلبك حتى يصير قلبك موافقا لكلمة الله. فاذا قدرت ان يمحصك الكتاب كما تمحص النار المعادن تصير بلا لوم. ليس احد منا تائبا بالعمق الذي يريده الله منا. لذلك جرد نفسك من الأقنعة. اعرضها للنور بلا خوف. فاذا لم تقبل توبيخ الكلمة الإلهية تكون محبا لخطاياك. حب الخطيئة موت والتجرد عنها قيامة من بين الأموات.

Continue reading
1993, مقالات, نشرة رعيتي

هذا الصيف/ الاحد 1 آب 1993 / العدد31

هذا الصيف وغيره موسم الانفلاش. الكثيرون يعتبرون الصيف حقبة من السنة لا يخضعون فيها لانضباط. لا يرى بعض ان القداس اساسي. يحتجون بأن نزهة في الجبل تعفيهم من لقاء الرب في الذبيحة وان ارتياد البحر يأخذ منهم كل النهار. لعلهم لم يقرأوا شيئا عن مضار الشمس وعن تسببها بسرطان الجلد اذا غالوا.

طبعا عندنا مشكلة في ان يوم الرب هو الذي جعلته الامم المسيحية يوما للراحة مع ان شيئا في الإنجيل لا يذكر ذلك. افهم ان تكون الراحة اساسية بعد اسبوع متعب. غير ان الإنجيل هو الذي جعل الذبيحة يوم أحد فيبقى ان نصلي باكرا جدا في الصيف او ان نسعى الى كنيسة ارثوذكسية في طريقنا الى المياه او قمم الجبل.

اما عن ثياب البحر فماذا اقول او ماذا اقول عن اختلاط الجنسين في ما يشبه العري؟ انا ليس عندي حلول والأطباء يقولون ان السباحة رياضة ولا أنفع. طبعا الصادقون يقولون ان هذه الثياب المختصرة جدا فيها اغراء او بعض إغراء. فليحمل كل انسان مسؤوليته وليراقب داخل نفسه وليتصرف كراشد.

هذا ليس كل المصيبة. فالعري صار الوضع المألوف عند الكثيرات وأريد ان اكون ساذجا لأردد قول النساء انها مجرد ازياء ولكن لا احد في العالم مقتنع بذلك فإن صدقت المرأة لا بد ان تقول ان في الأمر فتنة وان الفتنة تروقها. وغالبا ما تروق الأعين وان معظم العيون نهمة. من يقتنع بأن التي ترتدي المقصّر والمضيق لا تسعى الى ذلك عامدة؟ هل هي مقتنعة بأنها لا تعرض محاسنها عرضا وانها غير مسؤولة عن إثارة الرغبات عند الرجل؟

والشعراء تغزلوا بالمكشوف من بدن المرأة بحيث امكنك ان ترى توافقا كاملا منذ القرن السادس عشر في اوربا بين الأعضاء المكشوفة واياها في الشعر.

لماذا لا يكفي المرأة جاذبها الروحي والأدبي اعني الجانب العميق فيها حتى يلقى قلبها قلب الرجل وفكرها فكره؟ لماذا تريد ان تشتريه بجسدها كأنها غير مؤمنة بشخصيتها؟ لماذا تريد ان يختارها من اجل جسدها اي ان يكون خياره لها غير حر، غير مسؤول؟

واذا سمحت لنفسي على سبيل التمرين العقلي ان اتساهل مع فتاة عزباء تفتش عن إثارة لأنها يئست من عمق شخصيتها،  فلا افهم ان تلبس متزوجة هي دون الكهولة او في الكهولة هذه الثياب المنحسرة الملتصقة بها وكأنها غير محجوبة. الا تؤمن بأن جسدها بعض من شخصيتها التي يحبها زوجها وبأن هذا الجسد لغة بينها وبينه؟

لماذا تجعل بدنها خطابا بينها وبين رجل غريب؟ الا تدرك ان شهوة الغريب تتأجج او يمكن ان تتأجج بسببها وكأنها تدعوه ان يتفرس بها. كل شيء يدل ان هذا مستطاب لديها. لماذا يهمّها بعد زواجها ان يقول عنها الناس انها جميلة؟ أليست العيون تلامس كاليد؟ أليست في هذه الملامسة المدعوة، فاحشة؟ ان تفعل هذا وان تدعي العفة لتناقض مفضوح. ربما ادركنا زمنا لم تبقَ فيه الحشمة جانبا من جوانب العفاف.

Continue reading
1993, مقالات, نشرة رعيتي

الحسد / الأحد 18 تموز 1993/ العدد 29

ما أكثر الذين يسوّدون صحيفة الناس حسدا. ان نفوسهم هم المعقدة لا تريد ان تعترف بالخير الذي يصدر عن سواهم، يحبون ان يلتمعوا هم وحدهم، لذلك اذا سمعوا من يمدح احد الناس يقولون: ولكن. ويفضلون الا يظهر الخير إطلاقا ان لم يكن عن أيديهم. لذلك يموتون في عزلتهم. لم يقدروا ان يجعلوا لأنفسهم شركاء في الخير، في الرؤية. في انزوائهم هذا المميت لا يفرحون بالحق ولا يرجون الا ان ينتفخوا حتى تبدو انجازاتهم وتُحسب لهم. يعيشون لا من محبة الغير ولكن من الإطراء.

يحتاطون أنفسهم بالضعاف لأنهم لا يحتملون المواجهة. المواجهة ان يكون الوجه للوجه اي ان أعترف بك وتعترف بي. ان اعترف بك يعني ان انتظر صدور الحقيقة عنك، ان تكون من رأيك، ان اتنازل عن موقفي اذا تبينتُ خطأه. ان اتنازل لك يعني انك موجود. ان تكون انت موجودا يعني اني انا لا املأ الساحة وحدي.

الحسود في عقله وفي تعامله يزيلك من الوجود. ولهذا كان الحسد مقرونا دائما بالغضب فإن الصراخ درجة من درجات العقل. انا ألغيك بصوتي. لذلك كان اليهود يصرخون لما هتفوا لبيلاطس: اصلبه، اصلبه. انت تصلب من تحسده. تعطل عمله او لا ترغب اليه في عمل. وكلما فعل الحاسد ذلك توغل في انعزاله. يقول الإنجيل عن موت السيد انهم «كانوا قد اسلموه حسدا» (مرقس 15: 10). انه كان قد أثبت للشعب ان الفريسيين والمستلمين الكنيسة اليهودية ليسوا بشيء امام الله. صار هو في وجدان الودعاء وحده الأمة. بطلوا هم ان يكونوا الأمة. لذلك كان لا بد له ان يموت. لا مجال للحاسد ان لم يتب الا ان يموت فقعا، ان يتلاشى من الداخل، ان يزول في كل مجال روحي.

غضبُ الله علينا ان الكنيسة مكان الحسد الكبير، ان نشاطها يقف او يتعرقل لأنهم لا يدعونك تعمل. لا شيء يجعل الكنيسة في حالة خراب مثل حسد بعضنا بعضا آخر. يعرقلونك لأنهم يُقصون كل الناس ما خلا فئة الأزلام الذين يرددون لهم شعائرهم ويلتفون حولهم.

إمكان الخلاص الوحيد ان يلهم الرب الحسود ان يكتشف ان الدنيا تتسع له ولسواه وان الخير ينزل عليه وعلى سواه وان لكل منا موهبة مختلفة على مقدار النعمة التي نزلت. الكنيسة هي جمال الكل مجتمعين ونشاط الكل متشاورين. شرط ذلك التواضعُ وهو تلك الفضيلة التي تجعلك تعلي الكل وتفضلهم على نفسك. ذلك ان الحسد نتيجة الاستعلاء. الاستعلاء هو أن تكتفي بنفسك وأن تظنها كافية للوجود. أن تستعلي وتنتفخ هو ان تحس بأن الآخرين قُصر وغير اكفاء وانه يمكنك ان تهملهم الى تفاهتهم.

الحاسد يجب ان نبكي من اجله لا ان نبكيه، ان نحيطه بصلاة حارة ليفتح نفسه التي جفت. المأساة ان يتوغل في حقده والمأساة الثانية ان نهمله الى حقده بحيث نكون قد وقعنا نحن انفسنا بالعزلة. الصلاة وحدها تُسقط حاجز العداوة وتوحي بان الآخر هو اليك كتنفسك. الآخر رئتك الاخرى. هو يعلمك الثقة به وبنفسك، اريد تلك النفس التي تكون قد بلغت الوداعة.

Continue reading
1993, مقالات, نشرة رعيتي

السرقة / الاحد 25 نيسان 1993 / العدد 17

السرقة تبدأ بشهوة ما يقتنيه الغير. “من القلب تنبعث المقاصد السيئة والقتل والزنى والفحش” (متى 15: 18). دواؤها التنزه عما لا نملكه والاستقلال عما نملكه. فإن تملكنا هذا الذي عندنا حتى العبودية فنحن معرضون لاشتهاء ما عند سوانا ايضا. العيون النهمة تدفع اليدين الى السطو والنهب واذا أردنا شيئا واقتحمنا المكان الذي هو فيه فنحن مستعدون للقتل اذا دافع من اعتدينا على موجوداته وعن نفسه.

نحن لا نعرف كيف تكونت ثروة هذا وذاك. ان حصلّها بطرق غير شرعية فله من يدينه. واذا قررنا ان نقيم توازنا بيننا وبين من أثرى بالحرام نقع في الخطأ الذي ارتكبه هو. نحن ليس شأننا ان نقيم العدل بيننا وبينه. العدالة الاجتماعية شأن المجتمع كله وشأن الدولة بخاصة.

المال الحلال هو الذي يأتيك بالعمل او بالإرث. “هناك ستة ايام يجب العمل فيها” (لوقا 13: 14). فالانكفاء عن العمل خطيئة الا اذا اضطرتك عليه البطالة. اجل هناك أوضاع تغري في اية مسؤولية مالية انت فيها. هذا كان وضع يهوذا الذي “كان سارقا وكان صندوق الدراهم عنده، فيختلس ما يلقى فيه” (يوحنا 12: 6). انت موظف شركة مثلا أرسلتك في مهمة فقدمت لها فواتير كاذبة. انت متعهد بناء وقبضت ثمن المواد ولم تضع في البناء المواد المتفق عليها. او انت أهملت صيانة مطلوبة منك. ليست السرقة فقط ان تدخل الى بيت وتنهبه ولكن ان تأخذ بالارتكاب ما ليس لك او ان تؤذي الآخرين بإغفال يجلب عليهم خسارة.

ان تحرم الناس ظلما مما لهم حق فيه هذا ما يحدث كثيرا : العامل الذي لا تدفع له الحد الأدنى او تبقيه على الحد الأدنى وانت قدير، الخادمة التي تستغل فقرها لأنها لبنانية في حين انك تدفع الأضعاف للخادمة الأجنبية كل هذا نوع من انواع السرقة. وقد تنبه لهذا الكتاب الإلهي في قوله: “ها ان الأجرة التي حرمتموها العملة الذين حصدوا حقولكم قد ارتفع صياحها، وان صراخ الحصادين قد بلغ أذني رب القوات” (يعقوب 5: 4).

كفاحنا لروح السرقة واستغلال الفقراء يكون بتربية انفسنا على العمل وعلى حب العطاء. بهذا المعنى قال بولس: “من كان يسرق فليكف عن السرقة، بل الأولى ان يعمل بيديه بنزاهة لكي يحصل على ما يقسمه بينه وبين المحتاج” (أفسس 4: 28).

تربية النفس على الا تشتهي الا الحاجة الضرورية، ان تذوق الحياة مع المسيح على انها الثروة الحقيقية، ان تتقشف في سبيل العطاء، ان تصلي من اجل البقاء على عفة النفس كل هذا يدنينا من الاستقامة. الا يغير المال رأيك في شيء، الا يجعلك متزلفا، الا تخشى مخلوقا، ان تكره الكذب فوق كل شيء، كل هذا من مقتضيات الطهارة. لقد كب يسوع كل أمجاد العالم وقدر ان يقول: “لا تستطيعون ان تعبدوا ربين الله والمال”. العفة عن طلب المال بصورة غير شرعية شرط اساسي لمحبة الله.

يستطيع الانسان بعد إنفاقه على اولادهالصغار ان يعيش هو وزوجته بمتاع قليل. هكذا فقط يعصم نفسه ويصير فقيرا الى الله.

Continue reading
1993, مقالات, نشرة رعيتي

الكذب / الاحد 11 نيسان 1993/ العدد 15

لعل الخطيئة الأكثر تفشيا في بلدنا الكذب. له تعريف بسيط وهو ان تقول غير الواقع لمّا يكون عليك ان تشهد للحقيقة، ان تقول للآخر ما كان من حقه ان يعرفه الا اذا كان هناك خطر على حياة انسان وهذا ما سمح به الآباء الشرقيون. ازيد على ذلك انه مسموح اخفاء الحقيقة ان كان هناك خطر على صيت انسان فليس عليك ان توافق على النميمة اذا جاء من ينسب الى احد الناس سيئة او فاحشة انت تعرف بها. ذلك انه ليس من حق احد ان يكشف عورات الناس الا اذا استدعتك المحكمة وطلبت جلاء واقعة.

الكلام الذي غالبا ما تسمعه في اوساطنا ان هناك كذبة بيضاء لا تؤذي احدا. الحقيقة ان تغيير الحقائق يؤذي الكاذب نفسه لأنه يعلمه الجبن ويثبته في الخوف ويقزم شخصيته. الحقيقة تسكن فيك كما الله لأنه هو الحقيقة والله كشف نفسه بيسوع المسيح ولم يصمت. وجه الله فيك الحقيقة التي تبديها. هذه يجب ان تبِين كأنك بها تنقل الله. ولا ينبغي ان تفصل بين الباطن والظاهر. ففي احد كتبنا القديمة ان اليوم الأخير يحل عندما يكون الظاهر كالباطن. المسيحيون لا يخشون احدا. لا يخافون الموت ولذلك يرفضون الباطنية التي تقول انه مرخص لك ان تكفر بالله ان كان هناك خطر على نفسك. الإنجيل يطلب ان تؤدي الشهادة امام الأمم ولو كان ثمن ذلك الموت. «اذا شهدت بفمك ان يسوع رب، وآمنت بقلبك ان الله أقامه من بين الأموات، نلت الخلاص» (رومية 10: 9).

القاعدة هي الشهادة. ولذلك يسمي الكتاب المسيح «الشاهد الأمين الصادق» (رؤيا 3: 14). واخلاق يسوع تنعكس في المؤمن: «الشاهد الأمين لا يكذب» (امثال 14: 5). ويجعل العهد الجديد الصدق اساس التعامل بين الناس فيقول: «لا تكذبوا بعضكم على بعض» (كولوسي 3: 9)، ويربط احيانا الكذب بشهوة الادعاء: «فلا تفتخروا ولا تكذبوا على الحق» (يعقوب 3: 14). ويلح الكتاب ليس فقط على استمرارنا بالصدق ولكن على ان نبغض الكذب، ويحض على الا نصغي الى كلام كذب.

غير ان الكلمة الإلهية رأت بُعدا في الكذب قلما نفكر به، فلم تحدده فقط بالكلام الغاش ولكن بالمواقف المناقضة للحقيقة، ولذلك قالت ان هناك ليس فقط من يقول كذبا ولكن من يصنع كذبا (رؤيا 22: 15). فأن نتبع رجلا كذابا ونواليه ونظهر اننا من انصاره، ان نسكت حيث يجب الإفصاح، الا نقاوم مشروعا مغلوطا، ان نغالي في المديح، ان نمدح للكسب او الاسترضاء، ان نتصرف كأننا متلهفون لواحد ونحن لسنا بمتلهفين لنخدعه، كل هذا كذب في العمل. ولهذا قال هوشع: «احاط بي افرايم بالكذب» (12: 1).

هذا كله مصدره الشيطان الذي قال عنه يسوع: «انه كاذب وابو الكذاب» (يوحنا 8: 44).

من انتابه هذا الضعف يضرب جذوره، يحاول الا يخاف. هذا يأتي عن تقوية الثقة بالله حتى اذا تدعمت به لا تخشى عقاب البشر. واذا كذبت فاستغفر وتروض على الصدق المرة تلو المرة ترَ أنك قادر عليه لأنك اصبحت قويا بالمسيح.

في غياب الصدق وانتشار الباطنية لا يقدم احد على معاملة. الكذب يقوي الشك عند الصادقين فيحجمون عن التعامل. القاعدة ان يكون «كلامكم نعم نعم ولا لا» وان تشرِّف الوعود التي وعدت بها وان تحس ان الصدق يحررك من الجبن ويجعلك مرجعا في القوم ويدفعهم بدورهم الى قول الحق وسلوك الحق.

Continue reading
1993, مقالات, نشرة رعيتي

القاعدة الاخلاقية / الأحد 28 آذار 1993 / العدد 13

يدور في اذهان الناس ان الوصايا العشر تحتوي كل الاخلاق المسيحية. الحقيقة انها نموذج وان ثمة خطايا كثيرة لا تذكرها هذه الوصايا. اضف الى ان الوصية الثانية: «احفظ يوم السبت لتقدّسه» هي امر طقوسي يهودي ولم نبق مرتبطين به فالرب بقيامته حررنا من يوم السبت. وإقلاعنا نحن عن العمل يوم الاحد ليس وصية الهية. هو ترتيب كنسي، والاصل فيه إقامة القداس الالهي. في العهد القديم نفسه القاعدة الاشمل هي هذه: «احبب الرب الهك حبك لنفسك» (لاويين 19: 18). هذه اتخذها يسوع: «احبب الرب الهك بكل قلبك وبكل نفسك وبكل ذهنك. تلك هي الوصية الاولى والكبرى». وبعد هذا اضاف: «والثانية مثلها: احبب قريبك حبك لنفسك» (متى 22: 37-40). ثم في إيجاز كلي يقول: «بهاتين الوصيتين ترتبط الشريعة كلها والانبياء». الاخلاق في تعليم يسوع هي المحبة.

ولكن ما الرباط بين هذه الوصية الجديدة والوصايا العشر؟ هنا يوضح بولس: «مَن احب غيره اتمّ الشريعة». فان الوصايا التي تقول: «لا تزنِ، لا تقتل، لا تسرق، لا تشته» وسواها من الوصايا، مجتمعة في هذه الكلمة: «أحبب قريبك حبك لنفسك”. فالمحبة لا تُنزل بالقريب شرًا، فالمحبة اذًا كمال الشريعة» (رومية 13: 8-10).

قد يبدأ الانسان بالمحافظة على الشرائع ثم اذا عرف يسوع يفهم ان قدرتنا على إتمامها تأتي من نعمة الله. فحتى لا تكون الوصايا سيفًا مصلتا فوق رأس الانسان ينبغي ان تنبع من القلب الذي استضاء بنور المسيح. هذا هو العهد الجديد الذي تحدث عنه ارمياء بقوله: «وأُسكنهم في الطمأنينة، فيكونون لي شعبًا وأكون لهم إلهًا، وأُعطيهم قلبًا واحدًا… وأقطع معهم عهدًا ابديًا اني لا ارجع عنهم» (32: 37-40). فلكون الروح القدس ساكنًا فينا ونعرف الطمأنينة التي لنا من الله ننفّذ كل كلمة منه. فاذا صارت كلمة فينا تنبع هي بالعمل الصالح.

نحن صرنا في ملكوت المسيح وفي سيادته علينا، في ذوقنا لحبه لنا نعمل ما يرضيه وهذا يعطينا الفرح. عند ظهور الملكوت بالمسيح اعطانا يسوع شرعة الملكوت المكثفة في انجيل متى في ما يُسمى عظة الجبل الواردة في الاصحاحات ال5 والـ6 والـ7 وما يقابلها في انجيل لوقا.

هذه تبدأ بالتطويبات: «طوبى للمساكين بالروح». يسوع لا يأتي بشريعة لا يعرف العهد القديم اصولها. انه جاء ليكمل تلك. ان يسوع يحقق النبوة ويصل بها الى كمالها. يجعلها ممكنة بالحب الذي هو اعطاه. يسوع يملأ الشريعة القديمة ويربطها بسر الحب. كانت وصية فوق الانسان. الآن تأتي من الانسان الذي أسلم نفسه للسيد.

يسوع يصل الى الجذور. «سمعتم انه قيل للأولين: «لا تقتل…» أما انا فأقول لكم: مَن غضب على اخيه استوجب حكم القضاء». كذلك: «سمعتم انه قيل «لا تزنِ،» اما انا فأقول لكم: مَن نظر الى امرأة بشهوة، زنى بها في قلبه». المسألة ليست ان نمتنع عن شيء خارجي بل ان نطهر القلب كي لا يميل الى السوء.

من هنا ان الاخلاق المسيحية تقوم على ترويض الانسان نفسه على ان تحب السيد وان يراقبها حتى تمتنع عن الخطيئة وتحب الخير. اذ ذاك، الوصايا تنبع تلقائيًا من القلب المتطهر.

Continue reading
1993, مقالات, نشرة رعيتي

الأخلاق المسيحية / 21 آذار 1993 / العدد 12

ها «رعيتي» الينا من جديد بعد ان حجبتها محن كثيرة. تنشر عشية الظهور الالهي لتقول لكم عيدًا طيبًا يحل الثالوث فيه في اعماق قلوبكم بالمحبة. سنأتيكم فيها بكلمات الحلاوة الالهية، بأخبار كنيستكم لتصبح هذه النشرة صلة بين الاخوة والمجال الذي تعبرون فيه عن خلجات نفوسكم في توقها الى الصالحات وفي سعيها الى ابرشية تتجدد باتنعمة والجهد.

نحن مقبلون على تجديد مجالس الرعايا لتصبح كما يريدها المسيح مكان مجد له و دراسة لكلمته، مدى للعبادة الحسنة حتى تحافظوا على «وحدانية الروح برباط السلام» (افسس 4: 3). وسنحاول توزيعها على كل بيت ليصير بكل افراده مجتمعين كنيسة صغيرة تبني عائلة الآب. واذا شكلنا هذه المجالس كما اراد المجتمع الانطاكي المقدس وفق القانون الاساسي للبطريركية نتمكن من عقد مؤتمر الابرشية خلال هذه السنة ومه ينبثق مجلس الأبرشية الملي الذي أرجو ان يساعدني بالثقة والحب على تسيير اموركم كلها.

ومما لا ري فيه ان من فوائد الشدائد التي حلت بنا استرجاع الهوية الأرثوذكسية تلك التي جعلتنا نفتخر بانتمائنا الى كنيسة المسيح وهي ملتقانا ومصدر نمونا في الحقيقة. هذه الكنيسة ان احببناها ندرك بها ان المسيح هو «قبل كل شيء وبه قوام كل شيء» (كولسي 1: 14) والكنيسة كما تعلمون، هي في عباداتها والأسرار المقدسة انكشاف وجه السيد في محبته المذهلة لنا. انها تعصمكم عن كل فكر باطل وعن كل بدعة وكل اغراء.وكلما نزل احدنا الى اعماقها يفرح ويفرح به الكون. فبالايمان الارثوذكسي والشهداء ومواكب القديسين نطل على الجمال ويدخل الينا الملكوت منذ الآن.

قد تشاهدون فينا ضعفنا وتشهدون عندنا خللاً ونقصًا. ولكننا سنتعاون لتقويم ما اعوج حتى تصبح كل رعية عروسًا للمسيح بهية.وسوف تتآزرون محليًا وعلى صعيد الابرشية لئلا يبقى فينا اثر للمنازعات او للتشنج او للشك. قولوا لنا ما يجب عمله. اكتبوه ومن كان على حق نستمع اليه لأن من قال لنا الحق يكون الروح القدس ناطقًا فيه. لا ينفي ان تظل جماعة من جماعاتنا مكانا للفوضى او للاهمال او للجهل. واذا تسلحتم بالغيرة والمعرفة  فيخرج منكم روحانيون كبار وكهنة ورعون.

تعاونوا والكهنة تعاونًا صادقًا لأنهم يقربون عنكم ذبيحة الحمد. فان من سهر على نفوسكم يستحق الاكرام.اقصدوهم وكلموهم عما يتعبكم. واذا مرض احدكم او حزن او رأى نفسه في اهمال فليذكر كاهنه بانه يريد منه عزاء . لا تتذمروا بل بثوا شكواكم فان في الحسرة والانغلاق ذبولاً للنفس.

«اناشدكم، ايها الاخوة، ان تتحملوا كلامي» (عبرانيين 13: 22) عددًا بعد عدد ما مكنني الله من ذلك عسى ان تجدوا في موعظتي ما يبلسم الجراح. ووزعوا هذا الكلام على كل أخ لئلا يفوته افتقادنا له بالمسيح.

Continue reading