Category

2007

2007, مقالات, نشرة رعيتي

بعد اهتداء بولس/ الأحد 30 كانون الأول 2007 / العدد 52

في العهد الجديد إشارات على ان بعض المؤمنين ما كانوا يقبلون بولس ولا ما كان يسمّيه «إنجيله». وتضخّم هذا التيار في فرقة تهوّدت ورفضت بولس. في رسالة اليوم يؤكّد الرسول ان الإنجيل، اي التعليم الذي يبشّر به، لم يتسلّمه من إنسان اي لم يتسلّمه من رسول ولم يتعلّمه من إنسان بدليل ان معرفته للمسيحية تمّت على طريق دمشق لمّا ظهر له السيّد.

ما نعرفه عنه، قبل ان يكتب رسائله، أن حنانيا شفاه وعمّده: «وكان شاول (اي بولس) مع التلاميذ الذين في دمشق أيامًا» (أعمال 9: 19). ماذا تعلّم منهم في أيام قليلة؟ ما يؤكّده الكتاب ان الرسول «صار يكرز بالمجامع بالمسيح ان هذا هو ابن الله». هذا فعليا ما أخذه من البشر.

بعد هذا انطلق الى ديار العرب ونرجّح انها حوران وهكذا كانت تسمّى في الإدارة الرومانية. وليس من أثر الى كونه ذهب الى الحجاز. لا نعرف المدة التي قضاها في حوران، ولا بد انه التقى بمسيحيين.

لماذا عاد بعد ذلك الى دمشق وليس الى مكان آخر؟ لا ريب انه أراد ان يزداد علمه في المجموعة التي كانت هناك. ومكث في دمشق ثلاث سنين وما من شك انه كان يشارك في القداس الإلهي وبقية الصلوات ويستمع الى الوعظ الذي كان يُلقى فيها.

مع كل هذه العلاقات التي صارت تربطه بالمسيحيين كان واعيًا جدا، أن ما يعرفه جيدًا كان «بإعلان يسوع المسيح». وربما كان هذا أكثر من مرة اي ليس فقط على طريق دمشق. وأراد ان يؤكّد اتّصاله المباشر بالمسيح اذ ذكّر المؤمنين في غلاطية انه كان يضطهد كنيسة الله بإفراط وهو الذي ساهم في قتل استفانوس، اذ كان راضيًا عن هذا. وكأنه كان يوحي انه كان عدوًا شديدًا لإيماننا. هكذا كان فعلا. دعوته كرسول لم يرَ الا انها نزلت عليه من السماء ولم يكن مَدينا بها لإنسان. ويسمّي هذا ان الله أفرزه من بطن أمّه ليعدّه رسولا مع أنه لم يعرف يسوع حسب الجسد، ولا شيء يدلّ انه كان عائشًا في أورشليم لما كان السيّد فيها.

اهتداؤه اذًا تدخّل سماويّ لا شيء في حياته سابقًا يدلّ عليه غير انه كان مطيعًا لله وفق شريعة موسى وعلى مذهب الفريسيين. وكما كان كاملًا حسب الشريعة جعله يسوع كاملًا حسب الإنجيل.

الا أن في هذا الفصل قوله: «بعد ثلاث سنين من إقامتي في دمشق صعدتُ الى أورشليم لأزور بطرس». معنى ذلك ان بولس كان مقتنعًا انه لا بد له ان يعرض إنجيله على الكنيسة ليتأكّد صحّة تعليمه. انه أراد أن تمتحنه الكنيسة.

خمسة عشر يومًا قضاها في أورشليم كانت كافية ليتعلّم من بطرس حول يسوع قبل موته وقيامته ولكنه اكتفى ان يتحدّث في رسائله عن معنى هذا الموت وقيامته ربما لمعرفته ان الذين كان يكتب اليهم كانوا يعرفون عن يسوع اشياءَ كثيرة والحاجة كانت ان يجعلهم يتعمّقون في معنى الصليب والغلبة بالصليب.

وأخيرًا في هذا الفصل ذكر يعقوب أخا الرب الذي لم يكن من الإثني عشر ولكن هناك بيّنات تدل على انه أخذ يحتلّ مقامًا أساسيًا في كنيسة أورشليم لأنه كان نسيبًا ليسوع وصار أوّل أسقف على أورشليم.

Continue reading
2007, مقالات, نشرة رعيتي

الأسقف/ الأحد 23 كانون الأول 2007/ العدد 51

هذا هو المطران، الكلمة الأكثر شيوعا. ما وظيفته؟ هو رئيس الكنيسة المحليّة التي نسمّيها أبرشية بمعنى أنه يعلّم الإنجيل والعقيدة ويقيم الأسرار الإلهية ويختار الكهنة ويرسمهم وهم يلازمون رعاياهم بسلطانه وهم مندوبوه في رعاياهم. والقداس الذي يقيمه الكاهن فعليّ وشرعيّ ببركة الراعي ولذا يذكر فيه اسمه. وهو يأخذ سلطانه من المسيح بالانتخاب والرسامة. ويستمع الى الأتقياء العارفين الإيمان الذين لا يكتفون بأن الدولة تسمّيهم «روم أرثوذكس» على الهوية. الدولة تعرف الطائفة اي مجموعة تؤمن بالمسيح وتتناول جسده ودمه في الذبيحة الإلهية.

لك الحق ان تختلف مع المطران في رأي أبداه في عظة او في قرار إداري، واذا أصرّ المطران على التنفيذ فينفّذ وتبقى في نقاش بروح البنوّة بعد ذلك لأنه صاحب قرار وأنت صاحب رأي. العلماني الحكيم الورع المصلّي ينصاع له المطران اذا تبيّن انه على حق. فإذا لم يقتنع فالقرار للراعي. هذا يأتي من كونه الرئيس صاحب السلطة التنفيذيّة في كل أمر، واذا كانت هناك لجان أو مجالس فيتمّ النقاش في حضوره، ولكن ليس هناك من ديموقراطية عدديّة فلا تغلب الأصوات مهما تعدّدت صوت الراعي.

هذا هو تعليم العهد الجديد وكنيستنا. ولا يستطيع المطران أن يخلق أرثوذكسيّة جديدة إرضاءً لمشاعر الناس. غير أن كل هذا يتمّ بالثقة والاحترام المتبادل. وعند صدام يعرّض الرعيّة او الأبرشيّة الى فوضى عارمة، فالرجوع الى البطريرك والمجمع المقدّس لتكتمل روح الأخوّة وتنحلّ المشاكل.

أمّا قضايا الأوقاف فخاضعة ايضا لهذه القاعدة. وقد علّمت القوانين التي ورثناها من المجامع المقدسة أن الذي يرعى الشؤون الروحية يدير من باب أولى الأمور المادية التي هي الأوقاف. ولمّا دخل العرب بلادنا تركوا المسيحيين على قوانينهم ولم يعترفوا بغير المطران مرجعًا، وأيّد هذا العثمانيّون ثم الانتداب الفرنسي.

فقد أقام المجلس الملّي دعوى لفسخ إيجارة لشاطئ بحريّ بادعاء ان مبلغ الإيجارة فيه غبن للطائفة وأن المجلس لم يبدِ رأيه في هذه الإيجارة على عهد سلفنا الطيّب الذكر المطران إيليا (كرم) فخسر المجلس الدعوى بداية واستئنافًا على أساس أن المجلس الملّي آلية داخلية في الطائفة وأن الدولة لا تعترف إلاَّ بالمطران.

فبنظر الدولة وفي قانون البطريركيّة الأساسيّ، المطران هو الوليّ الوحيد على الأوقاف وذلك في كل رعيّة، وهو مقيّد للبيع والشراء بتوقيع البطريرك، ولا يسجّل أمين السجل العقاري أيّة عمليّة بيع وشراء ما لم تكن مقرونة بتوقيع البطريرك. فإذا كان هناك خوف من بيع يضع ثمنه المطران في جيبه، لا يمكن حصوله في الدولة. ونحن نفترض أن الذي يكلّلنا ويعمّد أطفالنا ويعطينا القرابين أقلّ ما فيه ألاّ يكون سارقًا.

وما جرينا عليه منذ تولّينا هذه الأبرشية أن المطران لا يُقْدم على عمليّة عقاريّة إلاّ بناء على طلب يُرفع اليه من مجلس الرعية، ثم يشاور الخبراء، والبيع لا يتمّ الاّ على أساس الاستبدال أي يُشرى عقار مقابل عقار.

الى هذا فالمطران خاضع للمجمع المقدّس فإذا ارتكب جرمًا أخلاقيًّا يُشكى الى المجمع المقدّس الذي يحاكمه. والقاعدة أنه أب وأن المؤمنين أبناء.

Continue reading
2007, مقالات, نشرة رعيتي

أحد الأجداد/ الأحد 16 كانون الأول 2007 / العدد 50

هذا الأحد نذكر أجداد السيّد وهم كل البشر من آدم الى ابراهيم ومن ابراهيم الى المسيح. والمقطع الذي نقرأه اليوم هو من الرسالة الى أهل كولوسي الذي هو مقطع أخلاقي الذي يكلل فيه بولس الرسول حديثه اللاهوتي ويستهلّه الرسول بقوله: «متى ظهر المسيح الذي هو حياتنا فأنتم ايضا تظهرون معه في المجد» ويقصد اليوم الأخير حيث يخطفنا يسوع بعد القيامة الى مجد السماء.

ولكن هذا الاختطاف يتطلّب منا ان نعيش هنا فضائل الإنجيل، ويذكر بعض الرذائل التي هي ضدها: «الزنى والنجاسة والهوى والشهوة الرديئة» التي هي متقاربة بالمعنى، ثم يذكر الطمع (بالمال) ويعتبره بولس رهيبا اذ يسميه عبادة وثن. ولا يستخف بجسامة هذه المنكرات انه لأجلها «يأتي غضب الله على أبناء العصيان». فإن الله لا يرحم الا اذا رغبت انت في رحمته، واذا لم ترغب فهو غاضب وتتعذب انت من غضبه.

ثم يذكّر المؤمنين بماضيهم الوثني حيث كانوا يرتكبون كل هذه المعاصي. واذا فعلوها من جديد بعد معموديتهم يكونون سالكين في وثنيّتهم القديمة. ثم يقول: «اما الآن» (اي بعد تنصّركم) فاطرحوا الكل (اي كل خطيئة) ويعدّد خطايا اخرى: «الغضب والسخط والخبث والتجديف والكلام القبيح من أفواهكم». وواضح عنده ان الغضب يأتي من البغض، وان المؤمن مدعو الى ألا يجرح انسانا بل عليه ان يضبط أعصابه لو ثار ويبقى على الأقل مهذبا، ثم له ان يصير لطيفا ويضم الى قلبه من أغاظه ويصلي من أجل الذي آذاه.

اما الخبث او الرياء فيعنيان انه لم يبقَ أخًا، وعليه ان ينظر الى المؤمن الآخر على انه أخوه في المسيح فيلازم الشفافية والصدق. ولذلك يكمل فكره بقوله: «لا يكذب بعضكم بعضا»، فالانسان الآخر له حقّ بمعرفة الحقيقة. يمكن ان تكتمها احيانا تربويا، ولكن اذا تكلمت فلا يجوز ان تبقى هوّة بين لسانك وقلبك. يجب ان يعرف الآخر قلبك فلا تقول ما لا تضمر ولا تقول عكس ما تفكّر به. ولماذا تكذب؟ أليس لأنك تخاف؟ وممن تخاف اذا كنت فقط تخشى الله؟ الكذب في حقيقته خوف من البشر، وانت قوي بالله.

ثم يعطي بولس اساسا لاهوتيا لاجتناب الخطيئة بقوله: «اخلعوا الإنسان العتيق» الذي كنتم عليه في الوثنية التي أنكرتموها، اما الآن فالبسوا الانسان الجديد اي المتجدد بالمعمودية حسب قوله في موضع آخر: «انتم الذين بالمسيح اعتمدتم المسيح لبستم» اي اتّحدتم به كاتحاد الثوب بالجسد. ثوب جديد بالمعمودية يعني انسانا جديدا يسكنه الروح القدس.

وهكذا يتجدد الانسان «للمعرفة على صورة خالقه». والمعرفة هي اتحاد بالله، وهذا الاتحاد يزيل الفروق بين البشر، فاذا كنتم في الله لا يبقى عندكم فرق بين اليوناني (اي الوثني) واليهودي (اي الذي كان يهوديا قبل تنصّره). ويرادفها قوله: لا ختان ولا قلف. فأن يختتن الصبي المسيحي لا يعني شيئا، والختانة لا تفيد بعد ان اقتبلنا المعمودية، وكذلك القلف (اي عدم الاختتان) عندما كان وثنيا لا يفيد. كذلك لا فرق بين بربريّ واسكيثي وهو اسم شعب كان يعيش في جنوبي روسيا. لا فرق بين الشعوب التي دخلت في المسيح.

وأخيرًا لا يميّز بين العبد والحر، فالعبد صار حرا بالمسيح، ويختم ان كل هذه الفروق لا أساس لها لأن المسيح هو «كل شيء وفي الجميع». لا يزاد على المسيح انتساب آخر لأنه كل شيء، ولا يدخل قلبك شيء آخر لأن «المسيح كل شيء وفي الجميع».

Continue reading
2007, مقالات, نشرة رعيتي

العائلات/ الأحد 9 كانون الأول 2007 / العدد 49

الإنسان المسيحي متصل بأبيه وأمه وذويه وأولاده ومستقل عنهم جميعًا. وهو متصل بالمحبة ومنفصل بالفكر والقرار. فقد يكون لأخيك رأي ولك انت رأي. عند ذاك لا تناصر. انت تنصر أخاك او قريبك اذا كان بجانب الحق. اما اذا كان مخطئًا فأنت لست معه ولكنك عليه.

أنت فقط أسير الحقيقة، واللحم والدم لا يعنيان الحقيقة. أنت عاشق الحقيقة ولست عاشقًا شيئًا آخر. أنا أفهم أن تقول: لي ابن عم محتاج. اعطيه بامتياز. فالعطاء المادي او بذل النفس ينشئ لك عائلة جديدة ليس فيها استبداد اللحم والدم والعروق. فإن ناصرت أخاك في كل الأحوال لا تستحق المسيح.

أنت فقط من عائلة المسيح وهي مفتوحة لكل الناس، لمن هو من دمك ولمن هو من غير دمك. أنت تأتي بالناس الى المسيح، واذا ذهبت اليهم تعرف انك بهم واصل الى المسيح.

الكنيسة تتعرف الى العائلة الصغرى المؤلّفة من زوج وزوجة وأولاد. تكلّل الزوجين وترشدهما وتعمّد الأولاد وتحافظ على الوصية: أكرم أباك وأمك. وإكرام الشيوخ يحفظ الشيوخ ويعزّيهم. ولكن الكنيسة تقيم وزنًا للقربى الأبعد. أنت مرتبط بهذه القربى عاطفيا فهذا جيّد، ولكن لا تهتم الكنيسة بالعشائر اي بمجموعة بيوت متفرعة من جد واحد، ولا تشجّع على تأسيس رابطة عائلية. فكل العيل عيال الله.

يجب كسر الرباط الضيّق اذا كان يأسرنا ونفتح قلوبنا للجميع. من هذا المنظار كان العمل الكنسي عمل أفراد وليس عمل مجموعة بيوت. انت معمّد فأنت موجود بالاستقلال عن أهلك. ومجموعة البيوت او العيلة الواسعة لا قرار لها، ولا هي تعين الكاهن او القندلفت، وليس لها تمثيل لأن كل إنسان قائم بنفسه ولا عبرة لأزمان مضت كانت تأخذ بعين الاعتبار التجمّع العائلي لأن هذا التجمّع لا وجود له كنسيا.

اذا كنت فهيمًا ففهمك يفرض نفسه، وإن كنت تقيًا فيشاهدك جميع الناس، وتُسند المسؤوليات في اي موقع للتقيّ الفهيم مستقلًا عن أخواله او أعمامه او جدَيه او بنيه وبناته. وفي الكنيسة يكون الإنسان نشيطا او كسولا، ويؤخذ النشيط ويُهمَل الكسلان.

الشيء الأخير المتصل بهذه التأمّلات انك نشيط في الكنيسة بإيمانك اولا، وبصلاتك ومحبتك ثانيا، وهذه لا تتطلّب اي تعيين في أية حلقة من حلقات العمل الكنسي. وقد تكون في دائرة من دوائر العمل، ويختارك المطران لصفاتك الحسنة او ما يعتبره كذلك. في المحيط الكنسي المحب المقدس تجري مشاورات غايتها اختيار الانسان الصالح في المكان الصالح. وقد يخطئ الأسقف الخيار. ليس في الأمر كارثة لأن الصالحين يتغلّبون على السيّئين بالموعظة الحسنة والنصيحة والإرشاد. المحبة ترقى الى كل موقع.

Continue reading
2007, مقالات, نشرة رعيتي

قدرة الرب/ الأحد 2 كانون الأول 2007 / العدد 48

رسالة اليوم على عادة بولس تُنهي التعليم اللاهوتي لتصل بنا الى الروحانيات والأخلاقيات التي يجب ان نتحلّى بها، فيدعو الى ان ننظر الى قدرة الرب الذي يُلبسنا سلاحه الكامل حتى نستطيع ان نقف ضد مكايد إبليس. فاذا تشددنا بالرب نكون ضد «ولاة العالم» ويريد بذلك الأرواح الشريرة الذين يسودون عالم الظلمة، ظلمة هذا الدهر.

توضيحا لذلك الكلام، يدعونا بولس الى ان نحمل السلاح الكامل «لنستطيع المقاومة في اليوم الشرير» وهو أيّ يوم يهاجمنا إبليس فيه «حتى اذا تمّمتم كل بِر تثبتون». كل بر هي الفضائل الإنجيلية التي تبيت في قلوبنا. ويعود الى القول أن اثبتوا «ممنطقين أحقاءكم بالحق» الذي ينزل علينا بالنعمة. وحتى نتمكّن من هذه النعمة.

هنا يعطي بولس كلمات عسكرية تشبيهًا بقتال الحرب فيدعونا الى ان نلبس درع البِر الذي يأتي عند بولس، في غير رسالة له، من الإيمان. ثم يقول: «أنعِلوا (كنعل الجندي) أقدامكم باستعداد إنجيل السلام، هذا الذي انتم تؤمنون به. يقول «انجيل السلام» اذ المسيح الذي هو مضمون الإنجيل هو السلام. ثم يعطي سلاحا آخر الذي هو «ترس الإيمان». هذه هي أسلحة الجندي الروماني والعسكر في ذلك الزمان، ويوضح انكم بترس الإيمان قادرون ان «تطفئوا جميع سهام الشرير» (السهم كان آلة حرب)، هذه السهام «الملتهبة»، ثم يذكر آلتين حربيّتين «خوذة الخلاص وسيف الروح»، ويحدد ان سيف الروح هو كلمة الله.

وبهذا يصوّر بولس الرسول على ان كل مسيحيّ جندي للمسيح، حامل كل أسلحة الروح وهي تُختصر بكلمة الله التي بشّر بها اهل أفسس المرسَلة اليهم رسالته، وطبعا من أفسس قرأ هذه الرسائل كل الكنائس التي في آسيا الصغرى. رسائل بولس كانت تُستنسَخ وتُرسَل من كنيسة الى كنيسة وتُقرأ في القداس الإلهي حتى عمّت العالم المسيحي ودخلت شيئا فشيئا في كل كنائس العالم وهي تُقرأ الى جانب من رسائل تلاميذ آخرين مع أعمال الرسل وبعدها يُقرأ الإنجيل الذي انتقل مخطوطًا الى كل كنائس العالم قبل ظهور الطباعة.

كان بولس يختم رسائله بالدعوة الى الأخلاق المبنية على التعليم الإلهي الذي كان يشكّل القسم الأكبر من مضمون الرسائل. فإننا نحن نؤمن ان لا أخلاق مسيحية الا اذا كانت مبنيّة على معرفتنا للتعليم اللاهوتي.

ليس هناك أخلاق اصطلح عليها البشر في هذا المجتمع او ذاك. فكل الفضائل الإنجيلية مؤسَسة على ما علّمَنا إياه المسيح عن نفسه وعن الثالوث المقدس، فاذا امتلأنا من معرفتنا لله كما وردت في الإنجيل تتحوّل هذه المعرفة الى سلوك. عندنا اولا ايمان يعمل بالمحبة تؤتينا الأعمال الصالحة التي نتنقّى بها. شرطان هما أساسيان للخلاص: الإيمان العامل بالمحبة، والمحبة مترجمة أعمالًا هي أساسيّة للخلاص.

Continue reading
2007, مقالات, نشرة رعيتي

يوحنا الذهبي الفم/ الأحد 25 تشرين الثاني 2007 / العدد 47

في هذا العام مرّت ألف وستمئة سنة على وفاة القديس يوحنا الذهبي الفم. في هذه النشرة المتواضعة جعلنا له هذه الذكرى ولا سيما ان الكنيسة الأرثوذكسية في العالم كله تقيم القداس المعروف باسمه في معظم آحاد السنة والأعياد.

هيكل هذا القداس كان معروفا في أنطاكية حيث وُلد قديسنا ونقله معه الى القسطنطينية لمّا نُصِّب بطريركا عليها، وأحب قدماؤنا هذا النص وزادوا عليه. نتقدس به ونرتقي الى الله.

يوحنا جاء الى المسيح بالغًا اذ كان الكثيرون يعتمدون آنذاك راشدين لخوفهم من ان يرتكبوا خطيئة بعد المعمودية. هو معروف بأنه كان واعظًا كبيرًا لمّا كان كاهنًا في انطاكية وبطريركًا في القسطنطينية (استانبول حاليًا). كان يرتجل مواعظه، وبعض الكتبة يسجّلون ما يسمعون. وكلها محفوظة لدينا أجزاء كثيرة. وعظه كان مؤَسسًا على الكتاب المقدس، وكان الكلام شعبيا وبسيطا.

كان قديسنا نحيلا، متقشّفًا وشجاعًا جدًا. حادث هام في تاريخنا ان شعب أنطاكية المسيحي حطّم تمثال الامبراطور بسبب زيادة الضرائب. وأرسل الجيش لقمع الأهالي وضربهم. فطلب يوحنا من نسّاك الجبل ان ينزلوا لحماية الشعب، وكانوا يتوسلون الى العسكر حتى منعوهم من تعذيب الأهالي وعفا الملك عن المدينة.

ذاع صيته في الامبراطورية فأرسلت الملكة إفدوكسيا ضابطا كبيرا ليخطفه ويأتي به الى العاصمة ليُجعل بطريركا عليها. بعد فترة من الزمن غيّرت رأيها في القديس وأرادت إزعاجه، فقال في القداس في حضورها: «ايضا هيروديا (والمقصود هي) ترقص وتضطرب، ايضا تطلب رأس يوحنا (اي هو) على طبق» مشيرًا الى حادثة قتْل يوحنا المعمدان. فقررت نفيه الى جنوبي البلد، وكانت الشماسة أُولمبيا ترسل له طعاما. ولكن قبل رحيله أوصى المؤمنين ان يعترفوا بالبطريرك الذي يليه. ثم أُعيد ثم نُفي مرة ثانية. وكان ان ضابطا اصطحبه وجعله يمشي وراء الفرس الذي كان الضابط راكبا عليه. وفيما كانا يسيران، قال القديس يوحنا للفارس: «بالقرب من هنا كنيسة. هل من مانع أن تأخذني اليها؟»، ففعل. ولما وصل قديسنا الى المائدة فتح باب القربان وتناول منه وقال: «الحمد لله على كل شيء» وسقط.

عندئذ قالت الإمبراطورة إفدوكسيا التي اضطهدته: ائتوني بجثمان يوحنا لأتبرّك به. وهكذا نُقل جسده الى القسطنطينية وكان ذلك السنة الـ407.

تذكرون أن الكنيسة تعتبره واحدا من الثلاثة المعلّمين المسمّين بلغتنا «الثلاثة الأقمار» وهم غريغوريوس اللاهوتي وباسيليوس الكبير ويوحنا.

لقد مات حبا بالمسيح شبْه شهيد بسبب العذابات التي تحمّلها، ولكنه حيّ بالقداس الإلهي الذي تركه لنا وبمواعظه الكثيرة التي كثيرا ما تحتوي على تفاسير جميلة ودقيقة للكتاب المقدس. مثال لنا بالحماسة ليسوع وللحقيقة ومواقفه القوية تجاه الامبراطورية. هذه كانت مكوّنات أساسية في قداسته.

Continue reading
2007, مقالات, نشرة رعيتي

الأسير في الرب/ الأحد 18 تشرين الثاني 2007/ العدد 46

يستهل هذا الكلام بولس بتسمية نفسه «الأسير في الرب» اذ كتب من سجنه في رومية. قال «أسير في الرب» وكأنه يقول انا لست في السجن الا ظاهرا وفي الحقيقة انا في المسيح، ويبيّن للمؤمنين في أفسس السلوك المسيحي بتأكيده «التواضع والوداعة وطول الأناة». اذكروا ان السيد قال: «تعلّموا منّي اني وديع ومتواضع القلب». اما طول الأناة فألا يضيق صدرك بخصومك والضاغطين عليك والغليظة طبائعهم فإنهم كثر. ولكثرة الثقلاء والكذابين وما الى ذلك، طلب ان يتحمّلوا بعضهم بعضا بالمحبة. هناك صعوبة ان تحتمل الآخر على سوء طبعه وأخلاقه، فإذا تشنّجت بسببه تتركه او تطرده ولا تنحل مشكلة. ولهذا تحتاج الى الفضيلة الكبرى أعني المحبة وقد جعلها الاولى بين الخصائل الحميدة.

ثم يبيّن كيف تنكشف المحبة. انها تنكشف في «حفظ وحدة الروح برباط السلام». هو الروح القدس فيكم. هذا اذا حل يجعل في نفوسكم السلام، ومَن حَمَلَ السلام يرتبط بالسلام. ولكن هذا لا يحل مداراة للآخر لدوافع اجتماعية. هذا تدبير أمور الحياة الدنيا. ثم يؤكّد اساس السلام في الطائفة بقوله: «انكم جسد واحد وروح واحد». الجسد هو جسد المسيح الذي تكونونه. انتم كيان المسيح الظاهر، والروح الواحد تصيرون اليه لأن الروح القدس يسكن فيكم. ويصعد بولس في الإيضاح فيعلن ان الرب (يسوع) واحد. لا تنزل عليكم إلهامات ونفحات إلاّ به. يمكن ان تتنزّهوا في الفلسفات والأفكار، ولكن مرجعيّتكم الواحدة هي المسيح، وتقيسون كل شيء بالإنجيل. وكل ما جاءكم من مطالعاتكم والأحاديث التي تستمعون تحكّونه على محكّ الانجيل فإما يثبت او ينهار.

ويؤكّد الوحدة بأن المعمودية واحدة وتجعلنا معا جسد المسيح. ثم يعلو حتى يقول «إله واحد للجميع واحد هو فوق الجميع وبالجميع وفي جميعكم». الإله الذي يذكره هنا هو الآب. هو يوحّد الجميع بإيمانهم به ويبقى فوق الجميع بآن ولكنه يبقى بالجميع اي بواسطة المؤمنين المنضمّين بعضهم الى بعض وهم أدوات العمل الإلهي. هذا معنى عبارته بالجميع. اما في الجميع فلكونه يسكن في الجميع. غير ان الجماعة لا تنفي وجود الفرد وأصالة الفرد وعطاؤه. «لكل واحد أُعطيت النعمة». هذا عنده صبر وذاك رجاء او تواضع او حلم.

أُعطيت النعمة للجماعة وأُعطيت للفرد فلا يذوب أحدنا في الآخر ولا ينقسم عنه، ويجب ان نشكر الله على النعمة التي أعطاها لأخي وكنتُ انا ضعيفًا فيها. نعطى النعمة على مقدار موهبة المسيح. كل شيء يأتي منه ويوزع النعمة حسبما يتقبلها الانسان الفرد ولا يقاومها.

قبولنا النعمة يجعلنا اولاد الله. هو باستمرار يكوّننا بنعمة روحه القدوس ولا يمنعها عن أحد. ولكن الانسان المطيع بقدر ما يرث العطاء الإلهي يتقدس ويصير شريك الله بالقداسة. التواضع والوداعة وطول الأناة والمحبة التي ذكرها الرسول في بدء هذا الفصل هما جوانب مختلفة من مشاركتنا حياة الرب.

Continue reading
2007, مقالات, نشرة رعيتي

الوثنيون واليهود/ الأحد 11 تشرين الثاني 2007 / العدد 45

عندما يقول بولس ان «المسيح سلامنا» في رسالة اليوم، يريد بذلك الوثنينن واليهود الذين آمنوا. هم جماعة واحدة في المسيح لأن كلا منا في الإيمان والمعمودية هو فيه. والعداوة التي كانت بين الأمتين تحوّلت الى محبة لأن المسيح هو سلام كل منا في نفسه وسلامه مع الآخر.

المسيح في جسده اي في جسده المصلوب نقض العداوة التي كانت قائمة بين الشعوب «وأبطل ناموس الوصايا في فرائضه» اي ناموس موسى الذي كان يأمر بالختان وقيام الهيكل ومحظورات طعاميّة كلحم الخنزير وبعض الحيوانات الأخرى. فلم يبقَ من ناموس عتيق على أحد. وبتنا «انسانا واحدا» بقبول سلام المسيح فينا.

هذا تمّت المصالحة فيه ومع الله أبيه، وهذه المصالحة جعلتنا كنيسة واحدة «في الصليب». فلما مات المخلّص من اجلنا انتفت العداوة لكوننا جميعا متحدين بدمه ودمه يجري فينا بالمناولة الإلهية. وهذا السلام الذي يتحقق فينا في الذبيحة نحمله حبا للكل ولم يبق بعيد (اي وثني متنصّر) او قريب (يهودي متنصّر) لأن فينا روحا هو الروح القدس الذي نتوصل به الى الآب.

ثم يتوجّه الرسول الى من كانوا من الأمم بخاصة ويؤكّد لهم انهم ليسوا غرباء ونزلاء بل «مواطني القديسين الذين استلموا الإيمان اولاً في اورشليم» ويقول انهم اهل بيت الله. وهذا البيت اي الكنيسة مبنيّ على اساس الرسل والأنبياء. لذلك لنا العهد القديم والعهد الجديد معا. «وحجر الزاوية هو يسوع المسيح الذي به ينسق البنيان».

حجر الزاوية هو ما نسمّيه في البيت العقد «حجر الغلق» الذي تستند اليه وحده كل البناية اذ ليس بين الحجارة مادة تجمعها، وتُرفع الحجارة اولاً على قفص من خشب، وتتماسك الجدران بحجر واحد يؤتى به بعد ان وُضعت الحجارة احدها الى الآخر فتستند الى حجر الغلق وتبقى متماسكة.

كل حجر يبقى بسبب التماسك، والحجارة، مجموعة بعضها الى بعض، تبقى متراصة بسببٍ من حجر الغلق.

واذا ارتفع البناء كله على هذه الوحدة المعمارية، يكون هيكلا مقدسا في الرب. انت مستند في الكنيسة الى أخيك بالمحبة، وكل الحجارة مستندة على ما سُمّي في الرسالة «حجر الزاوية». اذًا في هذا الرب الواحد والموحد «تُبنون معا مسكنا لله في الروح» اي الروح القدس، واذا كان الروح فيكم يصوّر هو المسيح فيكم ويقودكم المسيح الى أبيه.

هذه هي احدى الصور عن الكنيسة عند بولس الرسول. الكنيسة فقط محبة نازلة إلينا من عند الثالوث وتجعلنا واحدا يسكن في قلب الثالوث المقدس، وما من أسرار وخِدم اليه ووعظ وبشارة الا لتوطد المحبة في قلب كل واحد. المحبون ليسوع هم الكنيسة، وهي المكان الذي نتروّض فيه على المحبة. وليس من مبرر للعداوة اذا اختلفنا مع احد الإخوة بسبب المزاج او اية مشكلة مهما استعصت لأنه واحد معنا في ما هو أعمق من المشاكل والمصالح الدنيوية. لذلك طلب بولس في موضع آخر ألا نسُوق أحد الإخوة الى المحاكم ولكن أن نستمع الى ما يقوله الروحانيون لو اختلفنا.

هكذا نعيش الوحدة كل يوم والى الأبد، وبها يتمجّد فينا الآب والابن والروح القدس.

Continue reading
2007, مقالات, نشرة رعيتي

أحيانا مع المسيح/ الأحد 4 تشرين الثاني 2007 / العدد 44

هذه من الرسائل التي كتبها بولس من سجنه في رومية فيبدأ هذا المقطع بتركيزه على ان الله غنيّ بالرحمة, وكونه رحيمًا وكثير المحبة حين كنا أمواتا بالزلاّت أحيانا مع المسيح اي بموته وقد عبره الى القيامة.

وحتى لا نظن أنّ لنا أيّ فضل في حياتنا الجديدة عاد فأكّد: «انكم بالنعمة مخَلّصون». ليس من إنسان يصنع الخلاص لنفسه. هو يتقبّل النعمة التي تنزل عليه من فوق.

وحتى يقوّي تأكيده هذا قال: «وأقامنا معه وأجلسنا (اي الآب) معه في السماويات في المسيح يسوع». نحن كنا فيه لما قام من بين الأموات وكنا رفقاءه في صعوده الى السماء. وذلك ليس لأننا شيء هام ولكن بهاءنا الروحي الذي سنكسبه في قيامتنا انما هو نتيجة «غنى نعمته» الذي أظهره «باللطف بنا في المسيح يسوع». وخشية ان نحسب اننا من جهودنا صرنا الى ان نستحق الملكوت، عاد فأكّد اننا «بالنعمة مخلّصون بواسطة الإيمان». الإيمان عطية الله واذا كان عندنا انفتاح على الله نُعطى الإيمان نعمة.

ويستمر بولس في تأكيده النعمة ويقول ان الإيمان هو نعمة الله. واذا قال ان النعمة تنزل عليكم بمشيئة الله يؤكد ايضا انها ليست من الأعمال «لئلا يفتخر احد». انت تطيع الإيمان ولا تفتخر بأعمالك مهما عظُمت. القداسة فيك عمل الله.

نحن صنع الله، وعندما افتدانا ابنه يكون خلقنا خلقا جديدا في المسيح يسوع. نحن خلائق جديدة خرجنا من أحشاء المسيح أبناء لله لنقوم بالأعمال الصالحة. بولس لا ينكر أن توجهنا بعد المعمودية ان نقوم بأعمال البِر، ولكنه لا ينسب لنا قسطا في عمل البِر مستقلا عن النعمة. كان انسان هرطوقي في افريقيا الشمالية يدعى بيلاجيوس يعلّم اننا نخلص بالأعمال وتصدّت له الكنيسة. بولس ينهي هذا المقطع من رسالته الى أهل أفسس ان الله أعدّ لنا الأعمال الصالحة لنسلك فيها.

ليس اننا مسيّرون نعمل آليا أعمالاً صالحة. ولكنه هو الذي بمحبّته لنا يدفعنا الى الأعمال الصالحة التي لا تتم بإرادتنا المحضة. إرادتنا تتقبل النعمة التي تدفعنا الى العمل الصالح المهيَّأ لنا في السماوات والمقدّم لنا لنقوم به في حريّتنا التي هي بدورها تعبير عن محبة الله لنا منذ الخلق لنصير مشاركي حريته، وقد قال بعض آباء الكنيسة ان صورة الله فينا هي الحرية التي هي بالدرجة الأولى حرية من الشر. فقد قال السيد «من يعمل الخطيئة عبد للخطيئة» وإذا انصاع الإنسان الى الخطيئة يصير أسيرًا لها ويفقد حريّته شيئا فشيئا.

يحزنني اني لا أسمع كثيرا كلمة «نعمة» في المجالس الأرثوذكسية، وينسب أصحابها القيام بالعمل الصالح الى جهودهم ويستكبرون. أحيانا أسمعهم يقولون: نشكر الله على نعمته ويقصدون الخبز او المال او الصحة. النعمة هي اولا التقديس والباقي يزاد لنا. مَن يشكر لأنه تخلّص من خطيئة او عادة سيئة او عيب وارتفع بالقداسة؟ لنقرأ اذًا كثيرًا هذا الفصل من الرسالة الى أفسس لنرتفع عن حسن الظن بأنفسنا الى وجه الله الآب.

Continue reading
2007, مقالات, نشرة رعيتي

من شؤون الكنيسة الأولى /الأحد 28 تشرين الأول 2007 / العدد 43

في العهد الرسولي كما ورد في أعمال الرسل (الإصحاح 25)، ظهرت مسألة بدت شائكة: هل الوثني الذي آمن بالمسيح يجب ان يقبل أولاً شريعة موسى بكل فرائضها، أم يقتبل مباشرة المسيحية؟ وكان أوضح موقف في هذا ما أشار اليه سفر الأعمال بالآتي: «قام أناس من الذين كانوا قد آمنوا (بالمسيح) من مذهب الفريسيّين وقالوا انه ينبغي ان يُختتنوا ويوصوا بأن يحفظوا ناموس موسى». فعقد التلاميذ مجمعًا في أورشليم وقالوا للجمهور المجتمع: «أن تمتنعوا عما ذُبح للأصنام وعن الدم والمخنوق والزنى». ومعنى ذلك انهم لم يذكروا شيئا عن أمور الناموس بما فيها الختان.

مع ذلك لم يبدُ ان المشكلة انتهت اذ يذكر بولس، سنوات بعد المجمع الرسولي، أن أناسًا غالبًا جاؤوا من أورشليم الى غلاطية ونادوا بأن الوثني المهتدي يجب ان يختتن اي ان يمرّ باليهودية قبل اعتماده.

جاء بولس وأكّد بطلان هذا وكأنه يقول ان قرارات المجمع الرسولي إلزامية. شرح السبب بقوله: «حاشى لي أن أفتخر الا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به صُلب العالم لي وأنا صُلِبتُ للعالم». المعنى ان فداء المسيح لنا يقوم مقام كل شيء عتيق، فإن الناموس كان الى وقت وهو ناقص، فاذا جاء الكامل يزول الناقص. لقد تم الخلاص بالمسيح فما حاجتنا الى هذا الأمر الرمزي الذي هو الختان وكان رمزًا للعهد القديم الذي قطعه الله لإبراهيم. فقد صرنا في العهد الجديد القائم على دم يسوع وقيامته. وأوضح معنى الصليب للمؤمن بأن هذا بدوره مصلوب، والختان من أركان هذا العالم الذي صُلب المؤمن إزاءه.

ويزيد الرسول الأمر وضوحا بقوله «ليس الختان بشيء ولا القلف (او الغرلة) بل الخليقة الجديدة». اما اليوم فاذا شاء الوالدان ان يختنا صبيا ولداه دون ان يعطيا لهذا معنى دينيا اي فقط لسبب يعتبرانه صحيا فلا مانع لذلك، ولكن نعلم منذ وقت يسير ان العلماء لا يعتبرون الختان اليوم ذا فائدة صحية.

ثم ينهي بولس المشكلة بقوله: «لا يجلب عليّ أحد أتعابا فيما بعد فإني حامل في جسدي سمات الرب يسوع» اي المشقات التي تحمّلها من صيامات ورجم وغرق في البحر وإهانات من الأمم. هذه علامات الصليب في جسدي فلماذا الختان؟

المصلوب والقائم من بين الأموات هو كل شيء ونحن نحيا له وهو يحيا فينا. لذلك كان المهم أن يصير كل واحد «خليقة جديدة» وهذا يبدأ بالمعمودية التي تستمر فينا بالعمل الصالح اذ كلما انقطعنا عن الخطيئة نموت مع المسيح ونحيا معه.

غير ان المعمودية يجب ان تكتمل فينا بالفهم والوعي اي ان ندرس مسائل الإيمان وان نشترك بالأسرار الإلهية ونحس بالنعمة التي تنزل علينا. فالموعوظيّة التي كانت عند البالغين في العهد الأول كانت شرطا للمعمودية. واما وقد قبلت الكنيسة معمودية الأطفال، فالموعوظية اي تعلّم الإيمان نقوم بها بعد المعمودية والا كانت هذه مجرد اغتسال بماء.

المعمودية هي التي تحقق فينا موت المسيح وقيامته وهي تتجدد فيك روحيا ان انت قرأت الكتاب الإلهي ودرست كل ما نؤمن به ونعمله. انت مسيحي بالفهم، بإدخال السيد الى فكرك والى سيرتك لئلا تكون قد تعمّدت باطلا. المؤمن كمسيحه قائم دائما من بين الأموات.

Continue reading