Monthly Archives

May 2014

2014, جريدة النهار, مقالات

الكاتب ناقل الحقيقة / السبت في ٣١ أيار ٢٠١٤

أنت تكتب لتنقل ما اختزن عندك من حق، لنقل حقيقة نزلت عليك واذا كنت طاهرا لتحب حتى يحيا الآخرون بما استلموا. ما عدا ذلك حرب ايديولوجية أو تجارة مصالح. اظن ان من نسميه كاتبا بالمعنى العالي هو من شارك القراء حياته الروحية. انه رسول وان لم يكن فهو عابد نفسه.

الايديولوجيون لون آخر. يعتقدون انهم حملة رسالة. ما يحدّ هذا انهم حزبيون. الرسول شيء آخر. هو يذهب بالناس إلى الله أو ما يذكر به. من لم يكن بمقدار رسولا اذا تكلم يعكس ذاته بقوتها وضعفها اذ ليس عنده مضمون. من ليس عنده مضمون يحيا في حرب دائمة لما ينفعه لا لما ينقل الحقيقة أو المحبة.

كيف تسلم للحق؟ ما الحق؟ لا تعريف له كما لا تعريف للمحبة. اذا كنت فيهما تفهم الحقيقة مقولة حياة داخلية في النفس ثم تصير كلمة. الكلمة من الكلم أي من الجرح وبعد هذا تصير قولا مفهوما. لقد حذرنا الأقدمون من الكلام الكثير خشية ان نقول ما لا معنى له أي ما كان غير خارج من النفس.

أنت مسؤول فقط أمام الحق لأنه هو يحاكمك. اما الناس فوجوه يلعب بها هواها. أنت تسعى إلى نقل ما هو حق فيك وان لم يكن فيك تسعى إليه لتقول أو تخرس. أنت مسؤول كما يبدو لك الحق اذا تكلمت. مرجعك الحق وليس شيئا آخر عبر بك. اذا ضغط عليك ماضيك الفكري دعه جانبا واسلم نفسك للحقيقة. أنت لا تنجي نفسك. الله منجيك.

أنت ليس عندك شخصية مستقلة عن الله. صح انك تواجه الله أي انك آخر. ولكن ان اعتبرت ان لك فكرا غير فكره تكون جعلت نفسك إلها. اذا جئت من الله فكرا تكون مستقيما. لماذا هذا الإلحاح على اعتبار نفسك شيئا؟

«في البدء كان الكلمة» (يوحنا ١: ١) وفي الآخر كان الكلمة لأنه ليس من مزيد على قول الله. ليس الإنسان بخالق. ما كان غير الخلق أسلوب أو شرح. تبدو الحقيقة فيك احتدامًا لها. طوبى لك اذا تقبلتها وليس من مزيد. تظهر أحيانا مبدعا لأنك ابتلعت الحقيقة. طوبى لك، اذ ذاك. فرحك ان تأتي من الحقيقة لا ان تزيد عليها شيئا اذ ليس فوقها شيء.

هذا هو السر انك لست بشيء ان لم تأت من الحقيقة. انت تصبح شيئا ان قبلت ان تكون على صورة الله. انه لكبرياء رهيبة ان تظن انك شيء لمجرد انك تقول “في البدء كان الكلمة” وفي الاخير. يقول الادباء عن واحد منهم انه مبدع. هذا فيه غلو. في أحسن حال يكون أفضل ممن تكلم قبله اذ ليس بشر يأتي من لا شيء. ما هذا الافتخار ان نجيء من لا شيء؟

فخرك الوحيد ان تأتي من الحقيقة. ماذا يزاد على الحقيقة؟ أسلوب؟ هذا من البشرة. اما من جاء من الحقيقة فقد أتى من الله. نحن المسيحيين لا حرج علينا اذا قلنا ذلك لأننا لا نقول اننا من جوهر الله ولكنا نقول اننا نأتي من قواه. بالحب جعلنا معه منذ بدء حبّه كأننا جئنا من الأزل. هذا ليس مقولة فلسفية اذ الحب يحيا فيك ولا ينطق به.

انه من باب المبالغة الكلامية ان نقول عن كاتب انه مبدع. ما الاسلوب، ما قيمة الاسلوب؟ هذا افتخار بالبشرة وهي من هذا العالم. واما من افتخر فليفتخر بالرب. الكاتب ينقل حقيقة ليست له، تمتلكه واذا كانت عظيمة تجعله كاتبا عظيما.

Continue reading
2014, جريدة النهار, مقالات

الانتصار على الموت / السبت ٢٤ أيار ٢٠١٤

«آخر عدو يُبطل هو الموت» (1كورنثوس 1: 26). كل ما يخشاه الإنسان هو ما يقربه من الموت لأنه مفطور على محبة الحياة والحياة يشعر بها دائمة فيه. لذلك يخشى ما يهددها. وكل ما يسعى اليه هو ان يبعد عنه شبح الموت. لذلك تقول المسيحية: «المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت». لماذا آثر ان يذوقه ولم يكتف بالغائه بكلمة؟ ربما كان هذا لأن ذائقة الموت عند المسيح بدت الأفصح أي الأقرب منه للإنسان. موت المخلص كان مطرح القيامة قبل ان تعلن هذه عن نفسها في اليوم الثالث. في العمق قوة القيامة كانت كامنة في الصليب. تجلت في الفصح وفي عالم المعاني يوم الجمعة العظيم كان جزءا من الفصح ويوم الجمعة عيّد له المسيحيون في آسيا الصغرى في البدء.

نتيجة ذلك ان المؤمنين عيدوا للقيامة في أواخر القرن الأول بارتداء الثياب البيضاء في مآتمهم. الثياب السوداء اليوم نزلت الينا من النهضة الاوربية التي كانت عودة إلى الوثنية التي لم تعرف فكرة القيامة. لذلك طقوس يوم الجمعة العظيمة ليس فيها اللون الاسود الذي استعاره مسيحيو اليوم اجتماعيا من الوثنية. هكذا كان لون الحداد في المسيحية الاولى اللون الابيض. اية عائلة تجترئ بسبب ايمانها ان تخالف العادات المألوفة بارتدائها البياض يوم الجمعة العظيمة؟ التجدد في الكنيسة يحتاج إلى جرأة كبيرة تعود بنا إلى القديم، إلى الاصول.

ونريد هنا بالقديم الثابت والثابت قيامة المسيح التي بها نضرب الموت وليس فقط هذا الذي يحل فينا في آخر العمر ولكن كل ميتة، كل سقطة، كل انحدار وتخلف. الجديد قيامة المسيح وكل قيامة في المسيح.

نحن قياميون نحاول الانتصار على الموت وعلى شبه الموت في كل محطات الحياة وجوانبها، على البيولوجية بمعناها الشامل. لذلك كان الخطأ في التصور ان المسيحية تستلذ الألم تحببا منها بآلام المسيح. الألم عند المسيح نفسه كان يحتوي عنصر الانتصار على الموت. الخطأ الشائع ان المسيحية تمجد الألم. هي تقتبل الألم الموجود في كيان الإنسان لتتخطاه. ليس في المسيحية أي استلذاذ بالألم أو أية دعوة إلى التألم. هي ترى الألم الموجود لتغلبه بفرح القيامة.

الفرح غالبا ما كان عند الأكابر ثمرة لمعاناة مرتضاة محبة بالمسيح. اذا قادك الألم إلى فرح بالرب يكون من الرب. الألم خارج إطلالته على الرب ومشاركته لآلام المخلص ليس بشيء.

Continue reading
2014, جريدة النهار, مقالات

قلب الحاكم / السبت في ١٧ أيار ٢٠١٤

رئيس البلاد الذي الله يريده هو من كان حسب قلب الله. والباقي يزاد له. ان يكون كذلك يعني انه جمع كل فضائل الحاكم وانه لا يعوزه غير المثابرة عليها. هذا يعني اساسا ان يحكم حسب كلام الله. في هذه البلاد لا نكتفي بقبوله رئيسا صالحا. نريده حاكما. ربما كان هذا لأننا في نفوسنا نرتضي الحاكم العادل ولو استبد لأننا كنا مظلومين في عهود بادت.

لست اعلم لماذا منذ وقت غير بعيد اسمع نفسي عند الصباح أتمتم باليونانية «يا رب خلص الملك». وسرعان ما افكر ان هذه هي حاجتنا ولو صار هذا رئيس جمهورية. ربما لاعتقادي ان الله اذا لم يحكم عقول الرؤساء انما يحكمها آخر وهذا قد يكون خطيرا. وفي هذا البلد الناس يريدون ان يكون رئيس الجمهورية هو الأعدل والأطهر. ذلك لأن حسناته هي التي تنعكس في الحكم.

فيما أكتب هذه الأسطر وقع نظري على ورقة أعددتها لمقال آخر عنونته: «الكنيسة العذراء». لماذا أتى على فكري هذا النعت وهو في الكتاب المقدس؟ ألشعوري ان الطهارة نادرة في أوساطنا واننا نحتاج إلى قادة يذكروننا بها؟ هل السلامة تأتي دائما من الرأس؟ يبدو ان سكان هذا البلد يفسدهم كثيرا الحكام. ملاحظتي في الكنيسة ان الطهارة لا تأتي عند الكل من القناعة ولكنها تأتي من خوف العقاب. هذا هو وضع العامة ومعظمنا عامة. كان الرهبان الافرنج الذين درست عليهم يقولون لنا ان الخطيئة فظيعة ولكن إشاعتها أعظم. كانوا يسمون هذا عثرة عملا بقول السيد: «ويل لمن تأتي على يده العثرات».

في هذه البلاد وربما في كل بلد سلوك رئيسه قدوة. ربما لذلك شدد يسوع على ان خطيئة المسؤول مؤثرة وعظيمة. ربما تقلّد أنت الرئيس لاقتناعك بأنه مؤمن بما يفعل.

أنت لا تحب رئيسا الا اذا أحسست بأن له من خلال سلوكه علاقة بالله. أصحاب الخُلق العظيم هم عندك أصحاب الله.

العِلم عند الرئيس حسن ومفيد ولكن العِلم بلا أخلاق باطل. غير ان الأخلاق الحسنة لا تعوض عن العِلم. نحن في حاجة إلى هذا وتلك. ليس فقط في هذا الشرق الذي يعول على الأخلاق ولكن في كل بلدان العالم الفضيلة في الرئيس أهم من علمه لأن فضيلة الرئيس في الحقيقة هي الفاعلة.

نحن لم نبق في الجاهلية السياسية بحيث نأتي برئيس طيب ولكن لا عقل علميا عنده. السياسة باتت علما. مع ذلك لا نزال على هذا العمق الذي يجعلنا نرى ان أهم ما في الرئيس الحكمة والطهارة وان هاتين اذا توفرتا تمكنا به إلى حد كبير من حكم صالح. اذا كان الحكم يواجه صلاحنا أولا يكون ثمرة لقلب الحاكم.

الانسان قلب لذلك كان صلاح الحاكم أهم من علمه. الحاكم الصالح ولو لم يكن كثير العلم لا يؤذي. تعوض عن جهل الحاكم بمستشارين ولكنك لا تستطيع ان تعوض عن حاكم فاسد. الحكم ككل شيء فعال في هذه الدنيا قلب. الوضع الأمثل ان يكون عندك حاكم طاهر وفهيم معا. ولكن من كان عالما وبقي على فساده يفسد. العلم مهما عظم لا يعوض عن الأخلاق إن فسدت.

الحاكم العظيم من أعطى علمه وخبرته مع أخلاق الله. العلم ندرسه. الأخلاق تنزل علينا من فوق.

Continue reading
2014, جريدة النهار, مقالات

ربك الحبيب / السبت ١٠ أيار ٢٠١٤

أمرّ بالناس وأراهم متعَبين، إنهم منشغلون، بأنفسهم وكل نفس مثقلة إلى أن ينجيها الله. فقط إذا نظرت إليه تنجو من ثقلها. متعبة النفس إذا غرقت في ذاتها. التعزيات قليلة أو ركيكة إلى أن يُنهضك ربك من كبوتك. ولعل الضجر من النفس مصدره أننا ننظر إليها ونغرق فيها. متى تكون النفس مليئة، معزية؟ هل تتلفنا كثيرًا، كل يوم نتعب من رؤيتها على ما ألفته ولا نجد ما يغنينا فيها؟ هل الحياة ميتات، ضجر يومي أم ليس ثمة من قاعدة؟

أنت لا ترتاح في يومياتك الرتيبة. تستريح فقط إلى الفرح إذا جاءك وهو ينزل عليك. إذا لمست حنان الله في يومك تلمسه قريبا والمسيحيون يرون مسيحهم قريبا منهم ويجترئون أن يسموه أخا. أنت إن أحسست بقرباه تخاطبه كأنه معك في الغرفة. في وحي الكتاب المقدس تراه صديقا لك. تريده فوق كما هو وهو يريد نفسه معك أو فيك.

وإذا رأيته إليك تلمسه في الآخرين. «أنتم شعبي وأنا إلهكم»، هو يقول. هو يرى نفسه في الصلة وكلمته إليك لا تنقطع. تسكن فيك. تصبح إياك. تعاليه في سموه ولا يعني به انه ينقطع عنك وإذا اقترب تعرف قرباه وكأنه رفيقك. نحن المؤمنين حقا به نقول اننا معه وبه وفيه وإليه. لكل من حروف الجر هذه معناه ودلالته.

تعاليه لا يمنع معيته. إنه أعلى منا ومعنا بآن. والمقربون يقولون انه فيهم. قطعا يقولون انهم به.

من لا يعرف انه صار ابنا لله لا يفهم شيئا من هذا الكلام. من لا يعرف قرباه إلى الله لا يفقه شيئا في الحديث عن الله. ومسيحه قال لنا لستم عبيدا فيما بعد. إنكم أبناء أي أصحاب بيت الله وفيه تسرحون وتمرحون. وهو مسلم إليكم لترتبوه ولا يتحكم فيكم أحد لأن الرب وحده حاكمكم ولا يرجع أحد منكم إليه إلا بالحب.

أنتم شعبه ان عرفتم أنكم محبوبون. ليس لأمة من الناس امتياز. هو يصطفي من يشاء. وأبناء الشعب الإلهي هو وحده يعرفهم. انه هو يختار شعبه وهذا لا علاقة له بالأجناس. إنه يحب من يشاء. لا يضع البشر على ربهم شرطا. يقول لمن أحبه هو: «أنت ابني وأنا اليوم ولدتك». سره أنه يحبك هو ولا يسألك شيئا في هذا. وليس لك أن تسأله عمن اختار. أنت تسير معه إلى حيث يشاء. وإذا سرت معه ينزل عليك رضاؤه ولا تحيط بك ظلمة. فيه يكون حياتك إلى أن يرفعك إليه.

لك أن تسمي الله سيدا. هو يصبح هكذا عندك ان اعترفت بسيادته. والسيادة من عنده وقبولك إياها حب. أليس كل محبة سيادة؟ أن يكون ربك سيدا وعظيما وأن يكون محبا شيء واحد. إفهم شيئا أساسيًا أنك حبيب الله وان لم تفهم هذا أنت ظالم نفسك.

Continue reading