Monthly Archives

January 2015

2015, جريدة النهار, مقالات

المستغرقون في اللذات/ السبت 31 كانون الثاني 2015

ليس من إنسان مستقر. القديسون وحدهم يعيشون في سلام. سبب ذلك ان أكثرنا يضطرب بسبب ما يحدث حوله. كل مضطرب بسبب ما يحدث فيه. بتعميق أكبر أقول انك في سلام ان لم تجئ من أحداث الدنيا ومن أحداث نفسك، ان نزلت من فوق.

كلنا في الدنيا. قلة ليست من الدنيا. انها من فوق. هذه وحدها لا تضطرب. عندما قال يسوع لتلاميذه: سلامي لكم، سلامي اعطيكم أراد ان يقول هذا سلام الله فيّ اعطيكم. ما كان من الناس فقط فيه هموم الناس أي الخلل الذي فيهم. قول يسوع لتلاميذه السلام لكم كان بعد قيامته أي عند تحرره من الموت. ما دمنا في الموت الروحي ليس عندنا سلام. وأنت اذا سلمت على الناس بعبارات السلام لا تعطيهم شيئا من عندك. تبلغهم سلام الله اذ قبل ذلك ليس فيهم قرار.

عندما تقول لإنسان السلام لك أو السلام عليك أنت لا تعني انك تعطيه سلامك اذ ليس هذا فيك. أنت تريد انك تبلغه سلام الله. ولكن لا ينتقل إليه بمجرد قولك. يجيئه من الرضاء الإلهي.

السلام نادر جدًا ولا يتوفر في الحقيقة الا عند القديسين. ولكن على المرء ان يسعى. في الحقيقة لست مصالحا الله الا في اليوم الأخير أي في آخر الأزمنة أو قبيل انتهاء حياتك لكونك تحت الخطيئة وهي عداوة الله. لست أعرف إنسانا في واقعه لا يعادي الله. انه قد لا يريد ذلك. ولكن كل خطيئة ترتكبها عمدًا عداوة لله لأنك في كل خطيئة تعلن نفسك ضمنا إلها اذ تعترف بنفسك حرا منه ومن كلمته.

مشكلة الإنسان الوحيدة هي الموت وبتعبير آخر هي الخطيئة. الموت الجسدي وحده ليس المشكلة الكبرى. فناء النفس في أحزان المعصية هو الموت. حزن المعصية فينا اكتشافنا عجزنا عن القداسة. بلا معصية نحتمل كل شيء. كل مسعى للاستقرار خارج الله ضرب من المحال لأنه اضطراب. الصعوبة الحقيقية عندنا اننا لا نصل إلى الله أو لا نسعى. بلا إله بماذا يتغذى الإنسان؟ ان التشديد على الإنسان وحده في الثقافة الغربية منذ القرن الثامن عشر كان بدء هلاكه. وجد الإنسان في نفسه أشياء جميلة ولكن هل كانت كل الإنسان؟

الإنسان وحيدًا، مستقلاً عن الله هو العزلة. كيف يأتي بنفسه من نفسه؟ اذا وجد نفسه مصحرا ماذا يفعل؟

كيف تتغلب على الموت وأنت في قيد الحياة، أي كيف تكون لك الحياة الحق مهما تقلبت عليك الأحوال الصحية أو النفسية؟ أين تكون في الحقيقة؟ من أي شيء يأتيك سلامك: من اللذة أم من المال؟ المشتهون الكبار يقولون ليس من فرح يأتي من اللذة. الفرح يأتيك من هذا الذي لا يعتريه فساد اذ كل ما يفسد يزول. هل سمعت المستغرقين في اللذات يتكلمون عن الفرح؟

Continue reading
2015, جريدة النهار, مقالات

زكا العشار / السبت 24 كانون الثاني 2015.

قصته في الإنجيل قصة المال وجباة المال وكل الذين يلتمسونه. لا أعرف خطيئة حذر منها يسوع كما حذر من خطر المال. هل انه رآه أشد من الأخطار الأخرى؟ قال عنه إننا نعامله كرب يسود علينا. ربوبية الملك الذي نملك عندما يقول السيد: «لا تعبدوا ربين الله والمال» تعني في اللغة البسيطة انك تعتبر المال مساويا لله.

كشف يسوع الناصري كيف يرى سلطة الخطيئة على الناس. هي شبيهة بسلطة الله علينا ان آمنا. لها قوة الله ان قبلناها لكوننا نؤلهها لنملك. اذًا الخطيئة بديل الله لمن شاءها.

العشارون جباة عند السلطة الرومانية ولكن يعشرون حسب شريعة موضوعة أي يجمعون من المواطن عشر دخله الأساسي. منهم كان متى الذي صار رسولا للمسيح والضريبة هم يحددون مبلغها اذ لم يكن في ذلك الزمن محاسبة تدل الجباة على دخل المواطن اليهودي. وكان شائعا انهم يحتفظون لأنفسهم بقسم من المبلغ الذي يجبونه. ما كانت سلطة تراقب الأرقام. الوضع كله كان يدفع الجابي ان يكون ظالما اذ كان وحده الذي يقرر المبلغ. ولانعدام الرقابة على الجباة كان المعتقد السائد انهم يسرقون من مال الضريبة.

من هؤلاء الكبار كان الرجل القصير الذي اسمه زكا وكان لفضوله يريد ان يعرف هذا النبي الجديد الذي تكلم عنه جميع الناس. كان هذا في أريحا. كيف لزكا ان يرى يسوع والجموع تزحمه؟ صعد إلى جميزة على الطريق التي كان الرب يجتازها. كان مشتاقا إلى رؤيته. فضول أو حب؟ المهم في النص ان زكا لما لم يتمكن من رؤية يسوع لازدحام الجموع صعد إلى جميزة ليراه.

فلما وصل يسوع إلى الشجرة قال للرجل: «اسرع سريعا يا زكا، لأني سأقيم اليوم في بيتك». كيف أراد يسوع نفسه ضيفا هكذا؟ المهم قول الإنجيل ان الرجل نزل مسرعا واستقبل الرب بفرح. هذا الرجل الخاطئ زكا كيف جاءه الفرح بالمعلم؟ كيف تاب فجأة؟ هذا سر رؤية الانسان ليسوع. رؤية يسوع تبدأ عند الخطيئة وتنقلب حياة جديدة. دخلت إلى هذا الإنسان الحياة الجديدة اذ قال: «سأعطي الفقراء نصف أموالي». تحول قلب الرجل. رأى يسوع هذا فقال: «اليوم وصل الخلاص لهذا البيت». وقمة الكلام قول الرب: «ابن الإنسان جاء ليبحث عن الهالكين ويخلصهم» ما قال: جاء ليبحث عن الذين تهددهم خطاياهم بالهلاك. قال ان الذين حسبوا هالكين ما بقوا هالكين بسبب من محبته لهم.

ما معنى ان الخاطئ تمحى خطيئته؟ المعنى ان الرب لم يبق محاسبًا له اذا تاب أي لا يرى خطيئته في ماضيه اذ لم يبقَ له حلف مع الخطيئة ويراه الآب إنسانا جديدا لانه غير عقليته. هذا معنى لفظة توبة في الأصل اليوناني أي اكتسب عقل المسيح. يراك الله في خلقك الأول قبل السقوط. ليس عند الله سجل حسابات. عنده فقط سجل توبات.

عندي شعور فيما أقرأ الكتاب المقدس بجملته ان للرب ميلا خاصا، فريدا إلى الخطأة اذا تابوا ربما لأن مؤلفي الأناجيل يحسبون أن الأبرار هم له. تحس ان كتبة الكتاب يميلون إلى الخطأة اذا تابوا ربما لأن الأبرار مقيمون دائما في الملكوت.

أظن ان أهمية زكا العشار عندنا، اننا نحس أنفسنا قريبين اليه وان كلا منا لم يبق يائسا من توبته مهما عظمت خطيئته لأن بهاء يسوع أنه يشعرك بأنه قريب منك في عمقك البشري حتى ينسيك خطاياك فلا تبقى حزينا بها ولكنك تنتقل إلى الفرح الذي نزل عليك بالتوبة.

دائما شدني الخطأة الكبار اليهم اذا تابوا لأنني اعرف ان الرجوع كان مستحيلا وان قدرة الله وحدها تجعله ممكنًا. التوبة الحقيقية سر. لا تعرف أنت كيف ذهبت عنك الخطيئة وكيف عاد اليك وجه الله. كل لقائنا بالله سر.

دائما كان يذهلني ما كنت أحسه عند قراءتي كيف ان الأبرار يفرحون حتى التهليل برجوع الخطأة وما كانوا يتكلمون الا قليلا عن بقاء القديسين في الطهارة مع ان هذه ليست من المسلمات. هذا سر الله مع محبيه. هذا سر عشقه لنا.

دائما كان يلفتني في أدب التقوى عندنا ان كبار الكتاب ما كانوا يمدحون الراسخين في الطهارة كما كانوا يتهللون لرجوع الخطأة. ربما لأن كل كاتب في القداسة يشعر نفسه خاطئًا.

الصلاة المألوفة عند المؤمن في كنيستي هي هذه: «ارحمني يا رب، يا يسوع المسيح، أنا الخاطئ». هذه نصر عليها اذ نعتبر هذا الدعاء أساسيا في معركتنا مع آثامنا. هذا الدعاء يتعلمه أولا كل من باشر في حياة الصلاة عندنا. وهو يتضمن اعترافين أولهما الاعتراف بيسوع مخلصًا ثم الاعتراف بنفسك خاطئا. بعد هذا يمكنك الدخول إلى سر المسيح.

وصلاة العشار هذه نتلوها على السبحة الأرثوذكسية التي لا يعرف عنها الكثيرون ويقول الأكابر عندنا انك اذا تلوتها تكون قلت كل شيء. وقرأنا من قال: ان دعاء اسم يسوع (يا يسوع المسيح ابن الله ارحمني انا الخاطئ) فيه كل الصلاة وكان بعض يقولون انه يغنيك عن كل صلاة أخرى. ولكنا لم نهمل نحن من أجله أي صلاة تعلمناها. وبقيت صلاة العشار حبا لنا كبيرا لاسيما لعلمنا ان الرهبان في كنيستنا يتلونها مئات المرات في اليوم على سبحة القماش التي يحملون. وفي أيامنا اتخذ بعض الشبان السبحة عن رهباننا وباتوا يحملونها ويتلونها. ورأيت بعضا منا يتلونها وما كانت معهم سبحة. هذا كان جديدا في أرثوذكسية هذه البلاد والجديد فيها كثير.

أية كانت معرفتك بالروحانية الأرثوذكسية تبقى صلاة العشار ملجأ أمينا لك في ضعفك وفي توبتك.

Continue reading
2015, جريدة النهار, مقالات

أسبوع الوحدة/ السبت 17 كانون الثاني 2015

الحديث عن الوحدة المسيحية في هذا الموسم كالحديث عن حريق لم نعطَ معرفة اطفائه. يؤلمنا جدا ونتوق إلى إطفائه والإطفاء بيد الله. والمحزن اننا صادقون في اللوعة والجرح قائم ولا أحد يتمسك بالانقسام كما لا أحد يعرف الدواء. هل الصلاة المشتركة للوحدة دليل عجزنا عن وضع مدماك في بنائها؟ كيف نكف عن الدعاء؟ هل نعطاه في الزمان الحاضر أو القريب ان صلينا كثيرا؟ كل ما في الدين طبعا رجاء ولكن الرجاء ليس عندنا أحلاما لأنه قائم على الوعد الإلهي.

نطلب الوحدة من الله لأنها رجاء أي لأنها قائمة فيه وليست معطاة في الراهن الكامل. في رؤية تقوم على المحبة هي محققة في المسيح وفي المتقدسين عند كل فريق. الطاهرون يرونها ولو ممزقين أي انها دائما في القلوب تسبق راهنها. ما يعزيني باستمرار ان أرى في هذا البلد الأرثوذكسيين الأتقياء يحبون الكاثوليك وهؤلاء يحبون أولئك. ذلك لأن الأتقياء من كل مذهب يعترفون بالأتقياء من كل صوب، لأن الانقسامات التاريخية ولو عرفها العارفون لا تصل إلى القلوب.

ما يعزيني حتى البكاء ان الطاهرين في كل كنيسة يحبون الطاهرين في الكنائس الاخرى وكل يرى نفسه واحدا مع الفريق الآخر بحيث يحس ان الآخر في قلبه والقلب يشفي فروق العقول. بمعنى حقيقي وعميق لسنا مفترقين لأننا في حسّ المسيح وعقله واحد وهناك السكنى. غالبا ما سنبقى ممزقين حتى نهاية الدهور ومع ذلك يجب ان نجتهد في سبيل وحدتنا.

كل دارس عنده وصفة لحل المشكلة والأقربون من الحل ليسوا بالضرورة أهل السلطة. قد يكون بابا رومية أو أي رئيس آخر صاحب حل ولكن لا تتصوروا انه يستطيع كل شيء في دائرته. المتقاعسون عن التوحيد كثر ولو كان الكثيرون منهم حسني النية. ولكن الكسل يحكم الكنيسة كما يحكم العالم.

في احساسي المجتمعي الراهن ان جرح الانقسام قائم في جسد الكنيسة وان جل ما تستطيعه في الواقع المؤلم ان تشاهد وتبكي. واجب الصلاة من أجل الوحدة قائم على عواتقنا والمحبة في أدنى مستواها الا تؤذي الآخر بكلام غير مسؤول وجدل تجاوزناه حقا من زمان. هذا لا يعني انه يجب ان تقبل الراهن. والأهم في الراهن المعيش ان تحب الآخر من كل قلبك على ما هو عليه من جهل وتعصب أحيانا لأن المحبة وحدها الدواء.

المحبة ان كثرت وتعمقت تملي على القلب ما يجب ان يقول. غير انها جدية لأنها تجهل كبرياء الطوائف. ان تنكسر طائفة في ادعائها التاريخي صعب عليها ولكنه خبرة أساسية للخلاص. المحشورون في طوائفهم بعد ان خسروا الرؤية خطرون على الناس وعلى طوائفهم. من قال لك الا تتمسك ولكن من قال لك ان تخسر الحرارة في محبة الآخرين؟

أنا متأكد كل التأكد ان القداسة ان عظمت في كل فريق منا قادرة على اتمام الوحدة اذ الله يلهم، اذ ذاك على الأذكياء من اللاهوتيين ان يتفاهموا. اللاهوتيون يريدون الوحدة. لا تشكوا بهم. ولكن العقول المثقفة تكون بطيئة أحيانا. ارحموا أصحابها وأنصتوا إلى ما هو حق عندها.

صلّوا وثابروا على الصلاة في مسعانا هذا لأنكم ان طهرتم أنفسكم بالأدعية الطيبة يستجيب الرب لكم. أنا ما قلت ان تنسوا الدراسة. صلّوا وادرسوا. هذان توأمان.

لا تنحصر صلاتكم في أسبوع الوحدة ولا تنقطعوا عن الدراسة. هذا يعني بتعبير آخر ان العقل والقلب معا هما في سعينا إلى الوحدة.

صح ان المستقبل في هذا لله أيضًا ولكن هيئوا المستقبل بالمحبة وتعميق التأمل اللاهوتي.

Continue reading
2015, جريدة النهار, مقالات

حبنا لله / السبت ١٠ كانون الثاني 2015

هل العالم حاضر يا رب اليوم أو غدا لاستقبالك أو يتلهى بنفسه حسب عادته ويضجر؟ ما كفر هذه الدنيا الا استلذاذ ذاتها لكفرها بما هو فوق؟ هذا هو الكفر ان نقيم الله في البعيد كي لا نشغل أنفسنا به. الكفر هو القول بأن السماء فوق فقط وان الأرض لا تحتاج إليها. هل تكون السنة جديدة بلا إله؟ دائمًا كان هاجسي هو هل الإنسان طالب الله أم ما هو حول الله؟ قد يكون الدين فقط لكثير من الناس أمور الله ولكن ليس الله ذاته أي عقائد وعبادات هي صور عنه. هل الرب محبوب حقًا بذاته قبل ان تصوره العبادات والمراسم؟ هل يهمك الرب مجردا عما حوله قبل ان تهتم بما حوله. الله والعالم، أنا والله، الله في الأديان هذا هاجس جميع الناس. ولكن الله بلا نسبة إلى أحد أو إلى شيء هل هو شغلي الشاغل؟

أعرف ان الله ينتسب ولكنه ينتسب بسبب من محبته. هل أنا أنتسب إليه ولو لم يكن محاطًا بشيء أو ما بدا معطيا لي شيئًا؟ صحيح ان الله متصل ولكنه يريدك له ولو أحسست انك لم تأخذ شيئًا. هل تراه لك كليا وحده بما أعطاك وبما لا يعطيك؟ هل تعرفه في فقرك، في عرائك. كتب الكثير في القرن الماضي عن حوارنا معه. لا أذكر انه كتب الكثير عنه وحده بحبه الأبدي لذاته ولنا في عرائه. أعرف ان الله جعلك غاية له في محبته ولكن هل عرفته غاية لك وما كان مسعاك ان تطلب شيئا لنفسك؟ مرة بعد المرة اطلبه لنفسه، لا تسأل شيئا لذاتك. اشكره هذا حسن، سبحه. هذا أحسن. انس نفسك في الصلاة وكن إليه لأنه المحبة الكاملة. لا تفكر ان صليت دائما في حاجاتك. فكر في حاجة الله إلى حبه إياك. الفلاسفة يقولون ان الله لا يحتاج. العاشقون يعرفون انه يقرب نفسه إليك. هو حر ان يربط نفسه بك ولو لم يكن بطبيعته محتاجا إليك. الله في محبته له منطقه. هو ليس حصرا فوق. انه هنا «معنا هو الله فاعلموا أيها الأمم وانهزموا لأن الله معنا».

هل تحس اذا جاء إليك انك بحاجة إلى شيء آخر؟ هل تعتقد حقا انك به تعيش؟ هل تحب الله وحيدًا؟ وحيدًا عن كل شيء آخر. هل تذوق ربك لحلاوته؟ المؤمنون الطيبون يقولون انه عظيم. أنا لا أنكر عليهم حقهم بهذا القول غير اني لم أتعرف كثيرًا إلى أناس يقولون انه قابل عشقهم له. يريدون ان يتحدثوا عن حبه هو لهم أي غالبا ما ينظرون إليه في وظيفته هذه. كثيرا ما بدا لي ان الكثرة توظف الله في مصالحها، في صحتها وصحة أولادها. أنا لا أنكر ذلك ولكني لا أحب كثيرًا ان تجعل الله موظفا عندك.

المسيحية قائمة على ان الله يحبنا. طبعا فهمها ان هذا منطلق لمحبتنا اياه. ولكن ما معنى ان نحبه؟ لست أذكر انه تكلم في الكتاب عن عشقنا له. هو قال: «من أحبني يحفظ وصاياي». لست أذكر ان الدين انفعالات في الله. هو طاعة. وهذه تكلف. ليس لي شيء على العشق الإلهي عند المتصوفين. هذا صادق وليس شعرًا وكم كنت اتمنى ان القائلين بالعشق يدعون إلى الطاعة. ذلك ان هذه هي المحك لصدق العلاقة بيننا وبين الرب. مرات كثيرة اشك في صدق العلاقة معه ان غالى القائلون بمحبته. اتمنى لو تكلموا عن طاعته. اخشى في استعمال عبارة محبتنا لله الا نكون قد وصلنا إلى الطاعة. الحب لله كلمة غير دقيقة أحيانا في الواقع الباطني.

المحبة لله تعني لي أولا الفقر إليه بمعنى انه الملجأ الوحيد وبوضوح أكثر اننا نحن له أكثر مما هو لنا. هذا تمييز يعرفه العاشقون. انه امتحان صعب ان نعرف اننا لله محبون. فما أيسر الكلام عن الحب. اعطى يسوع الناصري تعريفا عن ذلك بقوله: «من أحبني يحفظ وصاياي». العاشقون له تكلموا عن الطاعة أولا. كانوا يخشون الكلام في العاطفة لأنها تخفي أحيانا المحبة الفاعلةز

قد يعني الإلحاح على طاعة الله انك لا تهتم بالعاطفة نحوه. هذا غير صحيح لأن الذين تكلموا عن حب الصديقين له كثر ولكنهم آثروا الحديث عن الخضوع له لأن هذا ليس فيه لبس.

ان تحب الله وحيدا تعني انك لا توظفه لصحة أولادك أو لحصولك على مال. ان وصلت إلى الإحساس بأن الرب يكفيك وان كل شيء آخر زيادة تكون قد بلغت الكمال. ولكن حذار ان تظن ان محبتك للرب تعني انفعالا عاطفيا. هي قبل كل شيء طاعة لأنك في هذا تمتحن قلبك. ان تحب الله وحيدًا تعني انك تحبه ولو ظننت انه تاركك، وتعني انك له في المرض وفي الصحة واذا افتقرت من بعد غنى وبكلام أبسط اذا نظرت إلى وجهه وليس إلى منفعتك منه.

Continue reading
2015, جريدة النهار, مقالات

الظهور الإلهي/ السبت 3 كانون الثاني 2015

جاء من التاريخ وهو قبل التاريخ. ولد من مريم وهو خالق مريم. لأنه كان في البدء أي قبل بدء الخليقة. علاقتنا معه جاءت منه وأرادها منا أي من طريقه إلينا في الحب. نحن لسنا نعرفه إلا حبا.

أهم ما أراه في هذا الصباح انه مخلصنا من التفه، من الخطيئة. أليست الخطيئة هي التفه؟ أليس الوجود هو الحب والله مبدعه في تاريخ الفكر؟ اذا كان المسيح غير ما أعرفه في الحب فأنا غير موجود. أي ما عندنا من الخير والحق هو مكونه أو مترجمه. ذلك ان ارمياء قال: «روح أفواهنا مسيح الرب». كل عظمة في الدنيا، كل جمال ترجمته ولا يثبت جمال الا اذا استطعت ان تعيده إليه. واذا كنت أنت حاملاً جمالاً حقا فأنت منه مصبوغًا بصبغة الماء.

هناك على نهر الأردن سمع صوت الله يقول عن المسيح: «هذا هو ابني الحبيب». أنا لست هنا في وارد التفسير. جل ما أقوله ان الله في كتبنا ما سمى أحدا ابنا آخر. دعانا جميعا بعضنا مع بعض أبناء من باب الحب لا من باب اندماج بجوهر الله. هذا يكون شركا فنحن آتون من الله بالحب لا بجوهر أقنومنا البشري المخلوق. غير ان في المسيحية هذا الأمر اللافت ان يسوع الناصري دعي في كتبنا صادرا عن الله صدورا ونحن لسنا كذلك. نحن صنع يديه أي نحن مخلوقون بمعنى انه كان زمن ما كنا فيه.

كيف نكون مستنيرين بنور الرب ونحن مخلوقون؟ السرّ هو ان الله يعطيك نفسه فقط في محبته ولا يقسم جوهره. هذا سرّ لا يسوغ النطق به أو التأمل فيه. وفي التعريف الأرثوذكسي الأكثر وضوحًا أنت تتقبل النعمة الإلهية وهي غير مخلوقة ولا تصبح في الجوهر إلها ولكنك إله في مساهمة النعمة وهذا لا يفهمه إنسان.

ان ما حصل في نهر الأردن أعني سماع صوت الاب: «هذا هو ابني الحبيب» وظهور الابن في الجسد أي انكشاف الله للبشر في شكلهم كان التبيان الفصيح لعلاقة الله بنا. لقد أحبنا الله في المسيح لأنه جعلنا أبناء. وبهذا يقيم كل إنسان مؤمن به مسيحا آخر في وحدته مع يسوع الناصري.

أنت الإنسان تظهر ببشرة جديدة ان صرت مع المسيح أي بالمسيح ومنه. قبل ذلك أنت ابن امرأة. بعد ذلك أنت ابن لله. واذا ظهرت للناس يرون الله فيك. الله ظهر في كل مكان بما في ذلك الوثنية. ثم ظهر بالأنبياء وأخيرًا في حبه بيسوع المسيح.

هو ظاهر دائما بالذين يحبهم. هم يترجمونه. اتخذ كل واحد منهم لسانا له. لا تنحصر سكناه في الكتاب المقدس. انه جعل كلا من أحبائه كتابا له. لذلك تقرب أنت كل إنسان بالقدسية التي تقرب فيها ربك بكلمته. أنت لا تنقل إلى الناس كلماتك بل كلمة الله التي حلت فيك. اذا سمعوك يجب ان يحبوها وما لم يصلوا إلى هذا غالبا تكون أنت قد أخفقت. يستحيل عليك ان تظهر للناس ظهورا إلهيا الا اذا لبست المسيح أي اذا اتحدت به من عمق كيانك. ان تحدث عنه لا يكفي ليصل بك إلى الناس. ينبغي ان يحسوا انك اتخذته مخلصا لك ومرشدا كل خطوة في حياتك. اذا استطاعوا ان يحبوا الله من وراء عشرتهم لك تكون أتممت قصد حياتك. قبل هذا أنت في سعي. تكون قد وصلت اذا اتحد الناس بالله لأنك شهدت له أمامهم. بهذه الشهادة اليومية يكون الظهور الإلهي تم تفعيله فيك.

تفهم من هذا ان ظهور الرب للناس ما انتهى عند نهر الأردن. هذا كان تبريكا لكل الظهورات. يظهر يسوع فيك ان أنت أحببت الناس. عند ذاك هم يفهمون ان الرب يحبهم.

الله يظهر للناس بالناس. صح انه يبدو لهم بالكتب المقدسة. ولكن هذه الكتب انما ألهم الله بها قديسين ليكشفوها للبشر. الكتاب لغة اختارها الله لنفسه ولكنه يخاطب البشر بهذه الكتب أو اذا ناجى القلوب.

يظهر بالطريقة التي يختارها في كل ظرف حسب حاجة الناس. نحن أتباع يسوع الناصري نؤمن ان الله خاطبنا به ويخاطبنا اليوم بالإنجيل وبالأطهار. هذا شأنه واذا عرفت صوته لك ان تصغي. هناك ظهور إلهي خاص بكل إنسان اذا أحس بصوت الله. طهر نفسك لتسمع.

Continue reading