الحسد / الأحد 18 تموز 1993/ العدد 29
ما أكثر الذين يسوّدون صحيفة الناس حسدا. ان نفوسهم هم المعقدة لا تريد ان تعترف بالخير الذي يصدر عن سواهم، يحبون ان يلتمعوا هم وحدهم، لذلك اذا سمعوا من يمدح احد الناس يقولون: ولكن. ويفضلون الا يظهر الخير إطلاقا ان لم يكن عن أيديهم. لذلك يموتون في عزلتهم. لم يقدروا ان يجعلوا لأنفسهم شركاء في الخير، في الرؤية. في انزوائهم هذا المميت لا يفرحون بالحق ولا يرجون الا ان ينتفخوا حتى تبدو انجازاتهم وتُحسب لهم. يعيشون لا من محبة الغير ولكن من الإطراء.
يحتاطون أنفسهم بالضعاف لأنهم لا يحتملون المواجهة. المواجهة ان يكون الوجه للوجه اي ان أعترف بك وتعترف بي. ان اعترف بك يعني ان انتظر صدور الحقيقة عنك، ان تكون من رأيك، ان اتنازل عن موقفي اذا تبينتُ خطأه. ان اتنازل لك يعني انك موجود. ان تكون انت موجودا يعني اني انا لا املأ الساحة وحدي.
الحسود في عقله وفي تعامله يزيلك من الوجود. ولهذا كان الحسد مقرونا دائما بالغضب فإن الصراخ درجة من درجات العقل. انا ألغيك بصوتي. لذلك كان اليهود يصرخون لما هتفوا لبيلاطس: اصلبه، اصلبه. انت تصلب من تحسده. تعطل عمله او لا ترغب اليه في عمل. وكلما فعل الحاسد ذلك توغل في انعزاله. يقول الإنجيل عن موت السيد انهم «كانوا قد اسلموه حسدا» (مرقس 15: 10). انه كان قد أثبت للشعب ان الفريسيين والمستلمين الكنيسة اليهودية ليسوا بشيء امام الله. صار هو في وجدان الودعاء وحده الأمة. بطلوا هم ان يكونوا الأمة. لذلك كان لا بد له ان يموت. لا مجال للحاسد ان لم يتب الا ان يموت فقعا، ان يتلاشى من الداخل، ان يزول في كل مجال روحي.
غضبُ الله علينا ان الكنيسة مكان الحسد الكبير، ان نشاطها يقف او يتعرقل لأنهم لا يدعونك تعمل. لا شيء يجعل الكنيسة في حالة خراب مثل حسد بعضنا بعضا آخر. يعرقلونك لأنهم يُقصون كل الناس ما خلا فئة الأزلام الذين يرددون لهم شعائرهم ويلتفون حولهم.
إمكان الخلاص الوحيد ان يلهم الرب الحسود ان يكتشف ان الدنيا تتسع له ولسواه وان الخير ينزل عليه وعلى سواه وان لكل منا موهبة مختلفة على مقدار النعمة التي نزلت. الكنيسة هي جمال الكل مجتمعين ونشاط الكل متشاورين. شرط ذلك التواضعُ وهو تلك الفضيلة التي تجعلك تعلي الكل وتفضلهم على نفسك. ذلك ان الحسد نتيجة الاستعلاء. الاستعلاء هو أن تكتفي بنفسك وأن تظنها كافية للوجود. أن تستعلي وتنتفخ هو ان تحس بأن الآخرين قُصر وغير اكفاء وانه يمكنك ان تهملهم الى تفاهتهم.
الحاسد يجب ان نبكي من اجله لا ان نبكيه، ان نحيطه بصلاة حارة ليفتح نفسه التي جفت. المأساة ان يتوغل في حقده والمأساة الثانية ان نهمله الى حقده بحيث نكون قد وقعنا نحن انفسنا بالعزلة. الصلاة وحدها تُسقط حاجز العداوة وتوحي بان الآخر هو اليك كتنفسك. الآخر رئتك الاخرى. هو يعلمك الثقة به وبنفسك، اريد تلك النفس التي تكون قد بلغت الوداعة.
Continue reading