ألوهة الشوق / الأحد 18 تشرين الثاني 1962
نزوات لا تنقطع واشواق لا تنتهي هذا هو الإنسان. وإذا ارتوى الشوق ووقف جموح النزوة فما ذلك إلاّ إلى حين أو يتحول الشوق إلى آخر. الإنسان، في ضعته وارتفاعه، انصباب ميول الذين سبقوه وتأجج نزعات نفسه. حياتنا هي هذا الإمتداد أيًا كان الهدف.
وراء تنازع الأهداف ينبغي أن يكون ثمة هدف أعلى تنزع الحياة كلها إليه شاء الناس أم أبوا، علموا أم لم يعلموا. بالرغم من كل صراع وعلى تعدد المشارب، هذه الدنيا واحدة والتنافر الذي فيها لا يمزق وحدتها تمزيقًا كليًا ولا يستطيع ولكنه يحجبها. الله ما وراء الحجاب وإليه تسعى الخلائق في ارتقائها. إنه كامن في البشر الخاطئين، وفي أعماقهم حقيقة ولو حجزها الإثم فخفت صوتها أو كاد يختنق. نحن نقدر أن نقوم ضد الله المتخفي في القلوب ولكننا لا نفعل ذلك إلاّ بهذه القوى الفائضة منه على كل مجالنا النفسي. بقوة الله نقاوم الله كما أن الابن الذي كوّنه زرع أبيه قادر أن يشتم أباه. لهذا يرى الله أننا أبناؤه ويجعل شمسه على الأبرار منا والأشرار.
هذه القوى الجامحة من الألوهة القائمة في الكيان الإنساني إلى الله تذهب وليس لها مقرّ إلاّ فيه. يمكن أن تتبعثر وأن تتيه حينًا أو في كل حين. وهي في غليان إلى أن ترتضي الخالق مصبًّا لها. لماذا لا تشبع العين والأحاسيس لا تكتفي بما تستطيب؟ لماذا نتوق إلى ما أبعد من المتعة وأبهى من كل جمال تعرفنا إليه وأعمق من كل حقيقة تتجلى للعقول؟ أليس لأننا نشتهي الله متعة وجمالاً وحقيقة؟ أليس لأن الجزئي لا يُرضي أيّ نهم فينا؟ فنتوق ونحن في الجزئيات إلى الكل ونحن في المرئيات إلى ما لا يرى.
ميولنا في توقها إلى الله تتعثر في الطريق فنلتهي بما هو دون الغاية وإن كانت بالشوق إلى الغاية تسير. ميولنا إذا اعوجّ سيرها نصلحه ولكنّا لا نبيدها لأن من لا شوق له لا إله له.
لا ضرورة للتفتيش عن الله في أسباب الكون بل حسبنا أن نلمسه في امتداد الأشواق إلى اللانهاية.
Continue reading