الحياة التي فينا هبة الله يعطيها ويأخذها وليس لصاحبها حق عليها بحيث لا يجوز له ان ينحر نفسه او يؤذيها وليس لأحد حق على حياة سواه. انت تستلم نفسك وتستلم الآخر من الله ويحيا كما يحيا وعليك وجب ارشاده وافتقاده وخدمته ورفع شأنه لتكون له حياة افضل فتصير انت تاليا جميل النفس. من هنا ان ليس لك حق بإماتته لو شاء منك ذلك لأنه لا يملك ان يضع حدا لعمره وقد سلم اليه وديعة. ومن هنا ان لا مسوغ للاجهاض لأن الام لا تملك جنينها ولا تملك انت مريضك لتجهز عليه مهما اشتد مرضه وليس لك سلطان على جثته. ولا تفكر انت عنه في غيبوبته ولو كاملة ففي هذا انتهاك لسر الوجود. ليس جسدك شيئا لتستعمله كما تشاء. انه بعض من شخصيتك. وليس هو ملكا للحاكم ليضربه ولا ملكا للقاضي ليعدمه، الجسد في حالة الخطاب الانساني او هو مطرح الخطاب فاذا لم تنشأ حالة انسانية بينك وبين الآخر يكون قضاؤك على جسد الاخر احتقارا لانسانيته وقمعا للحوار بينكما.
انت والآخر، انت وجسد الآخر تنموان معا الى فوق. اي ان الله يشدكما هو مع جسديكما اليه ويكون الجامع. فانت دائما في مسيرة الى الاعلى والآخر لن يكون معك الا في توقه الى الاعلى. فاذا لم تنجذبا معا الى الرب تبطل العلاقة الثنائية بينكما. تكون استغلالا او عبودية. اذذاك كان المستعبد والمستعبد كلاهما شيئا من الاشياء. فالعلاقة بين ذات وذات ولا تتحقق هذه الذاتية الا اذا انعطف الله عليها. فالذات في حقيقتها العميقة لا تنشأ الا بانفتاحها على خالقها وتاليا بانعطافها الى المخلوق. لأنها، عند ذاك، لا تقول انا فقط ولكنها تقول “نحن”. في المعية فقط تكتمل الانا. كذلك الجسد في انعتاقه من نفسه ومن عبوديته يصبح ممدودا الى احتضان الآخر واقتباله. وعند حصول هذه الثلاثية الجامعة بين الانا والانت وال”هو” الالهي يكون الانسان كله والناس معا الى ال”هو”. وتنفرط هذه الثلاثية بالقتل.
ومن الواضح اذا الغيت الآخر انك تلغي نفسك في الفعل ذاته وتنكر في الواقع هيمنة الله عليك وعليه. كل خطيئة جحود ولكنها جحود لصفة من صفات الله، لصبره او لرحمته او لحبه. القتل هو جحود لله مطلق لأنه نكران لوجوده باعتباره معطي الحياة. انت انما تلغي الآخر لأنك تعتبر ان واحدا من الناس يعرقل مشروعك او مصالحك او شهواتك او حريتك وما اليها جميعا. انك قررت ان تكون وحدك صاحب القرار وتظن ان قرارك هذا هو الذي يحييك وينفذ كلمتك ويؤمن سيطرتك. القتل في الاخير انعزال لتسقط ايهاماتك على الوجود وتعتبر نفسك الإله. انت في فكرك الواعي او اللاواعي بديل الله. في كل معصية انت بديله بمقدار. هنا انت بديله كليا.
راقني ما شاهدته في آخر فيلم انتج عن جان دارك انها بعد انتصارها على الانكليز في معركة اورليان حزنت على كثرة الدم الذي اهرق في صفوف اعدائها. وعلى اعتقادها ان السماء فوضت اليها خوض الحرب لم تطق كل هذا الهدر. فسّر لها القائد ان ليس من حرب بلا سفك دم. كان منطقها اخر. لست ادخل في هذا الجدل الذي جرى بين عذراء قديسة وقائد واقعي. اني احس دائما بالرهبة اذا تلوت المزمور الخمسين: “نجني من الدماء يا الله”. ليس احد منا بعيدا – ولو في الطاقة – عن تجربة كهذه.
# #
#
بسبب اهمية الدم ورد في الكنيسة القديمة ان الكاهن الذي يتسبب غير عامد بموت انسان يفصل عن خدمته الكهنوتية فورا. كذلك جاء في القوانين ان الكاهن او الاسقف الذي يصفع انسانا انما يجرد من الكهنوت فورا. علاقة الناس لغة او ما من علاقة. واللغة من اللوغوس الذي تكلم عليه انجيل يوحنا اي الكلمة. الصلة التي بينك وبين الآخر هي هذا الكلمة والا انتفيت ونفيته. هذا يطرح مشكلة المجازر.
ان ينبري قوم ليبيدوا قوما آخرين بسبب من الخوف يعني ان القتلة الخائفين يظنون انهم يثبتون انفسهم بالوجود وحدهم خارج المعايشة وذلك لأن المائتين مختلفون. هابيل يقتله اخوه لأن هابيل كان راعيا وكان قايين (او قابيل في الاسلام) ذا مهنة اخرى. الآخر ليس من بلدك او عرقك او دينك او حزبك. لذلك وجب ان يموت. ولكونه لا يستطيع ان يموت قانونيا تبيده انت بلا محاكمة والمحاكمة حوار. بطريقة ما، كل مجزرة مجزرة باسم الله أكان هذا معبودا في السماء ام معبودا في الارض. كل مذبحة “دينية” بمعنى ان العرقية او العقائدية السياسية دين. والدين بمفهوم ما لا يحتمل الخطأ ولا الخطائين. “ستأتي ساعة يظن كل من يقتلكم انه يقدم عبادة الله” (يوحنا 16: 2). هناك ليتورجية الابادة. هناك ابسال او تحريم باسم الله يستند الى ان الله يفوض الى “المختارين” إماتة من يحسبون انهم ليسوا لهذه الإله. منطق الابادة الجماعية ان الدنيا على لون واحد يجب ان تكون.
هذا يختلف كليا عن منطق الجيش الذي لا يقول انا ذاهب لاقتل. يقول اتمنى – لو كان ذلك ممكنا – ان اعيد الحق الى نصابه، ان ادافع عن وطني بلا قتل واحد وآسف اذا مات العدو. الجيش ليس عنده عدو. عنده خصم موقت ينبغي الا يؤذي والا يحتل لأن في الاحتلال اذى للنفس واذلالا. ولذلك كان القادة الكبار خير من قاد في زمن السلم لكونهم يكرهون الدم. فلسفة الجيش انه يحمل الامة كاملة وهي ليست جوهريا معادية لامة اخرى.الامم الراقية جدا لا تشحن مواطنيها بالبغض. وفي المثال الحربي للامبراطورية البيزنطية، هذه لا تعرف الحرب الهجومية، الجيش فيها درع السلم او قوة رادعة لا تلتمس القهر.
غير هذا منطق الميليشيا لأنها “جيش” فئة. انها لا تحمل القضية العامة. انها ازاء ميليشيا اخرى. والفئة لا قضية لها لأنها قامت تحديدا لتلغي. من هنا ان االحرب الأهلية، اية حرب اهلية كانت دائما معصية. بهذه الفلسفة وجب محاكمة الحرب التي دارت في لبنان. وما لم يتب كل فريق ارتكب مجزرة لا نكون تبنا الى الوطن اي الى الكلية الانسانية التي يحملها. ولا يكون الله غالبا الا اذا اعترف كل فريق للآخر في حضرة الوطن الكلي انه اساء.
في هذا المنطق لا اعرف اسوأ من القول الشائع عندنا: “عفا الله عما مضى”. فلا يغفر الله عنا وليس من طبيعته ان يعفو الا اذا رأى كل منا انه اجرم بالغاء الآخر او بتمني الغاء الآخر.
فالذي غمس يديه بالدم او الذي اشتهى موت الآخر او هجرانه او تهجيره او تحجيمه واحد في خطيئة الالغاء. كل مقتول كائنا ما كان معتقده بريء لانه كان نصيب الله، الله لا يريد احدا ان يقاتل باسمه. هو يعرف ان يميت من شاء. ما من احد وكيل الله في مجال الموت.
# #
#
من اراد ان يحيي الاخرين يموت هو. لذلك كان المسيح هو المحيي. ان “اسلامه” على الصليب ينسف بالكلية اي لاهوت قتل واي تقديس عسكري لأية ايديولوجية واي تحريم يقود الى العزل واية عقيدة انتقام واي احقاق لحق الله بالقصاص واية دعوة الهية تستخدم السيف. “اردد سيفك الى غمده لأن من اخذ بالسيف بالسيف يؤخذ”. متى 26: 51). لم يفوض الرب الى احد محاكمة احد في هذا المجال وهو وحده يدين سرائر الناس ويدعها حرة في المعصية وحرة في البر وهو لا يفصل بين الصالحين والطالحين ويشرق بشمسه الواحدة عليهم جميعا ويمطر عليهم وينعم على الكل عسى يأخذ كل منا ما قدر له ان يأخذ.
لست ارى امكانا لتربية الانسان على المسالمة ما لم يؤمن بالله. ان لم يكن الله موجودا فأنت اله. ان هذه الموجة المتصاعدة من القتل في كل مكان ما لها من تفسير الا عبارة الانسان لنفسه أكان فردا ام جماعية. طبعا الاحجام عن الجريمة يمكن تأسيسه على خوف العقاب. هذا في مجال العلاقات الفردية. ولكن حيث لا عقاب اي في نطاق الحروب الاثنية والطائفية فما من تعليل معقول الا ان الهك يلغي الإله الآخر واعني بذلك ان قراءتك لهذا الاله المجسم في مجموعتك او المعبر عنه بحركتها يلغي القراءة الاخرى او التجسيم الآخر والحركية الآخرى.
ما سمي المجتمع التعددي ان هو الا ثقافة التنوع اي اعتبار ان ثمة غير قراءة للإله الواحد او ان له اطلالات كثيرة في مجتمع واحد تؤلفه مجموعات صغرى. ما يسمى اليوم التربية على السلام قد يكون ملتبسا كثيرا اذ يكون في بعض المناطق من العالم قبولا للخيانة. لكن الفكرة بحد نفسها وطهارتها تنطلق من ان كل بلد يجب ان يعيش حرا ليتمكن من التعاون. وفي البلد الواحد ان كل مجموعة اثنية او دينية لها الحق في الخطأ وان الخروج من الخطأ هداية من ربك او ثمرة حوار وذلك انك تخطئني واخطئك وان لا مجال للخروج من التأزم الا اذا اقررت انا بدءا بحقك في الحياة لأتمكن من مكالمتك. معنى ذلك ان هذه المعايشة يجب ان تؤسس على شيء غير براغماتي ولست ارى غير الله اساسا.
مات الله فينا فصرنا الله. لذلك اجزنا كل شيء. هل يعود الله؟ اظن ان الانجيل عندما قال: “المجد لله في العلى وعلى الارض السلام “اراد ان تمجيدك الرب شرط لمحبتك السلام. والسلام اسم من اسماء الله في المسيحية والاسلام. متى يعطينا هو ان نحب هذه الصفة فيه؟
Continue reading