Monthly Archives
من اشد الصعوبات في حياة أبرشية مؤلفة من قرى العصبية العائلية، وقد عرّف العصبية ابن خلدون بقوله انها «التناصر بين ذوي الأرحام»، وعندنا في الجبل هذا يعني المنحدرين من جد واحد قد يكون والد الوالد أو جد قديم. وهذا معروف بلغة الجبل بالأجباب أو الجباب. وهي جمع الجب أي البئر. وحاولت وأنا أتعاطى الأجباب كل يوم ان افهم سبب تسمية الفرع العائلي جبا ففهمت ان البئر سميت جبا لأنها قُطعت قطعا. ولعل التسمية العامية تعني الفرع المقطوع.
عندنا مجموعة بيوت من عائلة كبرى اسمها عند العرب قبيلة أو عشيرة وبين أفرادها تماسك وتعاضد حتى حد العصبية وهي مسافة كبيرة أو صغيرة تقيمها أنت بينك وبين الآخرين وتتحكم بالعاطفة. ومن الواضح في الجبال انك اقرب إلى أهل جبك منك إلى الجباب الأخرى ما لم تظهر مودة تقوى على الشعور العائلي.
لست أريد اليوم ان أكلمكم عن الأذى الكبير الناتج من العصبية العائلية في سلبياتها أكان هذا في حياتنا الوطنية أم حياتنا الكنسية. فإذا لم تقم علاقات ود بين العائلات فالرعية موجودة ظاهرا ولا يراها المسيح واحدة. ويصعب التعامل كثيرا مع وضع كهذا. نحن دعاؤنا إلى الله ان يجعل المحبة في قلوبنا فيبقى التماسك البناء ومن تعابيره الإحسان إلى فقراء العائلة ولكن ليس من تعابيره التمظهر وطلب المجد والسيطرة على احد. يعني هذا ان نحسب الكنيسة مجموعة قبائل تتقارب أحيانا أو تتباعد في روح هذه الدنيا وفي انفعالات لا عقل فيها. والانفعال لا ينشئ التآلف والتآزر الضروريين لكل عمل مشترك.
ولعل الأهم ان يحس المرء انه شخص وليس جزءا من قبيلة وعلاقته بالأشخاص الآخرين باعتبارهم أعضاء في جسد المسيح. إذا كنت معمدا فأنت ابن الله الآب ولا تجيء من لحم ودم ولكنك تجيء من النعمة الإلهية، وكل إنسان آخر أخوك. وقد تتعاون مع الغريب في العمل الكنسي، وليس من غريب لأن دم المسيح الذي اخذته أنت بالمناولة الإلهية اخذه ذاك أيضا وصرتما من دم إلهي واحد.
أمام العائلية البغيضة يسأل المؤمن نفسه: ما هو فكر المسيح؟ هل كان السيد يولي أهمية ما للعائلة حتى هذه الصغيرة المؤلفة من والدين وأولادهما؟ هو تكلم على المحبة بحيث اعتبر ان الله الآب هو وحده أبونا جميعا. وأكد وصية موسى: «أكرم أباك وأمك». وقال ان والد الابن الشاطر تحنن عليه وكشف صعوبة العلاقة بين هذا الوالد والابن الآخر. انه لم يقل مرة: ابن خالك أو عمك أقرب إليك من الغريب. وإذا كان الغريب أحوج إليك من النسيب، فتهمل النسيب وتخدم من كان في حاجة إليك.
إلى هذا نقرأ ان السيد اجتمع إليه جمع. «ولما سمع أقرباؤه خرجوا ليمسكوه لأنهم قالوا انه مختل». وبعد هذا ضاقت الحلقة «فجاء حينئذ إخوته وأمه ووقفوا خارجا وارسلوا إليه يدعونه». أي ان هؤلاء الأنسباء ما أرادوه ان يبشر. فعلم السيد بهذا وقال عن مؤيديه: «ها أمي وإخوتي» (مرقس، الإصحاح 3). هنا لم يقم يسوع أي وزن للقرابة الجسدية.
وفي موضع آخر يقول: «جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه والابنة ضد أمها… وأعداء الإنسان أهل بيته» (متى10: 35 و36). والمعنى ان ذويك ان كانوا ضد يسوع فأنت ضدهم ولا يجمعكم الا المسيح. هذا اللحم والدم كلاهما إلى التراب.
Continue readingهي مجالس لمعاونة الكاهن في خدمة المؤمنين على صعيد الثقافة الروحية وفي مجال تنمية الأوقاف تعزيزا للكاهن وتعزيزا للإخوة المحتاجين.
الأعضاء في هذه المجالس يعيّنهم المطران تعيينا بعد المشاورة مع أهل التقوى، وينص القانون انهم يكونون من المؤمنين المصلّين الفاهمين بشيء من العمق الأمور التي يجب بحثها. ولذلك أتى مجلس الرعية مستقلا عن كل حزبية محلية كانت أم غير محلية.
ومن الواضح ان المطران لا يسأل أحدا عن انتمائه السياسي لأن المطران ليس عنده لائحة بالموالين لهذا أو ذاك من الناس أو المنخرطين في عقيدة سياسية. هناك من يدلّه على من عنده حماسة روحية وخلق جميل. والمطران ليس خصما لأي زعيم أو نافذ ولا يناقش أحدًا في انتمائه الحزبي ويعتبر المؤمنين جميعا إخوة ويأمل الا تتجاوز الخصومة السياسية ولو شريفة اعتاب الكنيسة والا تخل بالمناقشات، فالمسيح يوّحد المؤمنين ولو اختلفوا في شؤون الدنيا. وهو ينظر إلى المحازبين من كل صوب والملتصقين بهذا وذاك من النافذين على انهم أبناء له، لهم جميعا المحبة نفسها والرعاية نفسها.
فأنت لك ان توالي من تشاء وأي حزب تشاء إذا كان لا يقول شيئا ضد العقيدة المسيحية. كذلك ينظر المطران إلى الزعماء في القرية أو في ما هو أوسع من القرية -إذا كانوا أرثوذكسيين- على انهم أبناؤه أيضا ولكنه يريد منهم الا يعتبروا الكنيسة نطاقا لنفوذهم أو تدخلهم لأن في هذا خلطا بين أمور الله وأمور الدنيا ولأن هذا التدخل من شأنه ان يغذي الانفعالات والتشنج.
من الطبيعي ان أحافظ على مجلس الرعية حتى انتهاء ولايته وهي أربع سنوات إذا لم يرتكب هدرا. ونحن نراقب حساباته. وإذا ارتكب احد من الأعضاء خطأ كبيرا فيستغنى عنه هو. ولكن إذا كان الأداء جيدا فلا يكون المطران على هذه الخفة التي تجعلنا نحل المجلس لكون عدد من أعضائه لا يروق هذا أو ذاك من الناس. المجلس ليس مجلس عائلات. انه مؤلف من أفراد نعيّنهم وفق المعلومات التي تردنا من بعد المشاورات. وليس من مشاورة واحدة في العالم يمكن ان تأتي تامة، مصورة للوضع الحقيقي. الاستنساب يلعب دوره في كل تشاور.
المجلس جيد نسبيا وليس مطلقا. لذلك، حفاظا على الكنيسة، يتعاون الجميع معه حتى يحل محله مجلس آخر عند انتهاء مدته. ان مقاطعته فيها أذى كثير لأن فيها انقساما. فأنت تحتمل أداء ناقصا -وكل أداء هو كذلك- بانتظار الأفضل.
وما يهون على الجميع الأمر هو ان المجلس ليست له صفة تقريرية ولكن صفة استشارية. غير أننا لا نستطيع ان نكون في كل مكان. فما كان استشاريا يصبح في الحقيقة تقريريا حتى يبدو الغلط فننقحه.
على هذا الأساس لا يجوز ان «نحرد» من المجلس أو ان نقاطعه ماليا لأن هذا يؤذي الكنيسة ويقلل من مداخيلها ويضعف عملها. أنت لا تعطي المجلس مالك ولكنك تعطيه للكنيسة، التي هي أمّنا جميعا. وإذا قاطعت فأين تكون مشاركتك وكيف تكون أخا؟ ليس احد يضغط على أمه ليفقرها. وليس لأحد ان يفرض رأيه على الجماعة. انه يبديه. وافترض أننا محبّون بعضنا بعضا فلا يكون المجلس حربا على أحد. ولكن بالمقابل لا يحارب احد المجلس القائم.
اما إذا رأى بعض الإخوة انه حسن ان يؤتى بواحد أو أكثر من واحد ليتحسن الأداء فنحن منفتحون للرأي المصيب. أنت تجاهد من الداخل وتناقش داخل المجلس. وليس من كارثة إذا لم نأخذ هذا أو ذاك. كما انه لا يأتي احد بأعجوبة لو قبلناه. ليس المجلس مكانا للنزاعات ولا لسوء النية كما انه ليس بمعصوم. نحن لا نمارس الإكراه، ومن الطبيعي ان نرفض ان يمارس احد علينا الإكراه.
لا يمكن لأية هيئة في العالم ان تكون مؤلفة من قديسين. المصلحة تقضي بأن نرتضي الموجود. والإصلاح وارد والإلحاح على الإصلاح وارد. وقلبنا مفتوح لأي اقتراح تحسين حتى تبرز المحبة.
Continue reading«ما أَحبَّ مساكنك يا رب القوات» (المزامير) وقوله: «يا رب أحببتُ جمال بيتك»، ان كانا يعنيان البهاء الإلهي القائم في هياكلنا، إنما يتضمنان ان القذارة وانعدام الترتيب ليسا شيئا محببا.
الكنيسة مكان وضع الله اسمه فيه ومُسِح بالميرون عند تكريسه وصار مدى يتجلى فيه وملأته الصلوات سنين كثيرة عشرات أو مئات. وأقيمت فيه بنوع خاص الذبيحة الإلهية الأمر الذي دفع المؤمنين إلى الخشوع والارتفاع الروحي. هذا مكان من أمكنة الملكوت.
ورأينا الأجيال البارة ترممه وتحسنه وتحفظه من السقوط والتصدع وأي أذى يأتي من الطبيعة. وسلك الناس وهم يشعرون ان المحافظة على بيت الله جزء من الأمانة لله. وتقدمنا كثيرا في رعاية الهندسة المعمارية البيزنطية. غير ان معابدنا متفاوتة في نظافتها فهناك كنائس قليلة ليست نظيفة حتى النهاية.
الهيكل وهو المكان الأهم، النظافة الأساسية فيه نظافة المائدة والمذبح. والمائدة مجللة بأغطية واحد منها ظاهر لا تمسه يد إذ لا يضع الكاهن عليه يده. ولا يوضع عليه سوى الإنجيل. ثم لا بد من الانتباه إلى الشمع حتى لا يسقط منه قطرات. وإذا حل شيء من الوساخة فواجب الكاهن ان يزيل هذه الوساخة. كل شيء قابل للتنقية. أية قطعة من قماش قابلة لنقاء كامل.
إلى جانب ذلك ارض الهيكل التي لا ينبغي ان نرى عليها فحما أو بخورا ساقطا ولا أثر لمن يمشي عليها.
هذا كله من مسؤولية الكاهن. يوكل من يشاء للقيام بهذا العمل. له ان يستعين بمن تؤهله مواهبه للإشراف على هذا الموضع السامي. ان هاجسا من هواجس الكاهن ان تكون الأواني الكنسية الموضوعة على المذبح لائقة كليا بالله وغير منفرة للمؤمنين وكذلك الأغطية المتصلة بهذه الأواني.
الكاهن وحده مسؤول مباشرة عن هذه الأدوات المطلوب ان تكون كالبلور لئلا يشكك خادم المذبح إخوته العمانيين ويحسبوه مهملا للخدمة. هذه تربية للكاهن حتى يفهم ان أمور الله كلها تجري بترتيب ولياقة وإتقان.
يتصل بهذا جمال الألبسة الكهنوتية التي يستخدمها في الذبيحة الإلهية والصلوات فلا تبقى ممزقة ولا تعتق كثيرا لأنها جزء من جمال الخدمة.
جبة الكاهن وما إليها ينبغي ان تبقى نظيفة دائما وكل ثيابه. هذا بعض من حبه للترتيب. طبعا نحن لسنا طلاب أناقة ولا الإكثار من هذه الأقمشة فهذا إسراف لا يتجانس مع التقشف. المظهر اللائق وان لم يكن فضيلة الا انه ينسجم مع فكرة اللياقات الخارجية التي يجمل بالإكليريكي ان يتحلى بها. قد يكون هذا أحيانا صورة عن طلبه اللياقة في كل شيء.
Continue reading