Monthly Archives

March 2013

2013, مقالات, نشرة رعيتي

مشلول كفرناحوم/ الأحد 31 آذار 2013 / العدد 13

كفرناحوم إلى الشمال الغربي من بحيرة طبريا هي في الجليل الذي كان المسرح الأساسي لبشارة يسوع. كان السيد آنذاك في بيت لأحد الأتباع. أتى الناس إلى الرب بمن سمي مخلعا اي مشلولا بلغة اليوم.

كان الرب يعلّم. كان التعليم نشاطه الأساسي وكان يرافقه الشفاء عند وجود مرضى.بعد ان نقب الأربعة حاملو المريض السقف دلّوا المريض بسرير. السقف في ذلك المكان كان من خشب فوقه طين ويسهل نقبه. توًّا قال الرب لهذا المريض: «يا بني مغفورة لك خطاياك». هو ورفقاؤه ما كان همهم هذا الأمر. الأولية عند يسوع كانت المغفرة.

قال الكتَبَة: «هذا يتكلّم بالتجديف. لعلّهم كانوا في هذا القول صادقين لكونهم لم يعرفوا ان يسوع يحمل قوة الله ويعبّر عن فكر الله. قالوا: «من يقدر أن يغفر الخطايا الا الله وحده؟».

كلام كهذا فيه جرأة لأن اليهود لم يكونوا عالمين ان هذا هو ابن الله ولم يعرفوا ان بشريا يمكن ان يكون ابن الله. كان طبيعيا ان يظنّوا ان في هذا القول تجديفًا كاملا. التجديف كان في هذا ان يسوع وهو عندهم بشر محض. قبل مجيء المسيح إلى العالم وقيامته من بين الأموات لم يكن ممكنًا أن يؤمن يهودي بأن الله له أن يأخذ صورة إنسان. اعتبار ان الله له أن يتّخذ شكل بشر كان يفوق كل عقل يهودي. هذا ما قاله أحد صراحةً في العهد القديم. لذلك كان من الطبيعي أن يتهموا المخلّص بالتجديف. وكان طبيعيًّا أن يعرف يسوع هذا. «لماذا تفكرون بهذا في قلوبكم؟ سألهم: ما الأيسر أن يُقال مغفورة لك خطاياك أم أن يُقال قم واحمل سريرك وامشِ؟ لم يجب هو كلاميا عن السؤال الذي طرحه. أجاب بإتيانه فعلاً، بأمره المريض أن يقوم ويسير تأييدًا لقوله: مغفورة لك خطاياك.

أكّد السيد سلطانه على شيئين: على الجسد أولا وعلى الغفران ثانيا. والغفران شيء جديد لم يعرف اليهود في نظامهم الديني ان بشريا حامله. إذًا لا بدّ عندهم أن يكون الناصري قد استحدث شيئًا في الفكر اليهودي (إذا لم يكن مجدّفًا) وهو ان الله يفوّض بشرًا غفران الخطايا.

هذا ما قاله يسوع عن نفسه. أيكون هذا البشري نازلا من عند الله؟ هذا لم يشاهده أحد في هذا الشعب من قبل. لم يعرف اليهود فكرة ان الرب فوّض نبيًّا أمرًا كهذا. قوّة الله عندهم لم تكن تنتقل إلى نبي. هل يسوع الناصري نبي؟ أعجوبة يسوع أتت دعمًا لقوله انه يغفر الخطايا. كان هذا صعبًا عليهم لأنهم ما كانوا يعلمون ان الله قادر أن يفوّض إنسانًا قدرةَ الشفاء.

حضور الله في جسد هذا النبي الجديد (يسوع) كان أمرًا مستَغربا. من هو إذًا هذا الذي يتصرّف وكأن الله فوّضه قدرة إلهية؟ أليس دور يسوع الناصري في شفاء المرضى شيئًا خارقًا، جديدًا؟ إزاء هذا هل من مخرج سوى الإنسان؟

Continue reading
2013, جريدة النهار, مقالات

باب السماء / السبت 30 آذار 2013

ينقضي عمري بين خيبة وخيبة. أجل هناك تعزيات ولكن قليلها يأتي من البشر. للبشر منافعهم من دنياك أو استعلاؤهم عليك. وقلما تستطيع ان تغير الشائع. وقد تكتشف أشياء ضدك في ما يبدو مودات. فالكثير من الدنيا منسوج من نفاق. «أهكذا تنقضي دوما امانينا» إلى ان يوارينا ربك عن هذا الوجود وبعد عبور الوجود نصير «نسيا منسيا» وفي هذا رأفة من ربك ورحمة.

وحسنات الناس قليلة وتبدو لك ممزوجة في كذبهم. وفي أحايين كثيرة لا تقدر ان تفرق بين كذبهم والصدق وتحيا مقدرا صدقهم ومنتظره وتبقى لك نخبة صغيرة جدا تعزيك لأنها لله وأنت تسعى ان تكون له. يقول داود: «كل انسان كاذب» ويكملها بقوله توا: « بماذا أكافئ الرب عن كل ما أعطاني»؟ ما علاقة الكلمتين؟ اذا كان كل انسان كاذبا لا انتظر شيئًا حسنًا من انسان. ولكني أنا أعرف نفسي مؤمنًا أي انسانًا من نوع لا كذب فيه، صادقًا ليس فقط في ما أتصرف ولكن في عمق كياني وألمي – وهذا ليس بمشكلة- ان أرى الناس على سلوكهم وأبقى صامدًا في حضرة الرب أو بسبب من حضرة الرب على لساني وفي عينيّ.

لم يبق لي ألم من كون بعض من القوم يكرهني – وأنا لست أتكلم هنا عن نفسي- ولكنها القاعدة. وليس لي ان أقول ان في هذا حسدًا فمن أنا لأدين ومن قال ان عندي حسنات تستدعي الغيرة؟ الناس هكذا. المحبون منهم قلة وأنت تتعامل وهذه القلة إلى ان يأخذك ربك من موت إلى حيث لا تسمع شيئًا من الكذب. حسنة السماء الكبرى ان الله صادق ويراك على ما أنت عليه ويقرئ السماويين صدقك وتنسى كذب أهل الأرض.

أتوقع ان يتساءل من يعرفني من قرائي عما يراه حزنًا في كتابتي. الله يفرح من يشاء ويرفع الحزن عمن يشاء. ولكن الرب لا ينشئ فيك فرحًا غير مؤسس على الحقيقة ويطيب لك ان تفرح في البشرة التي أنت عليها ولكن بشرة الناس من تراب وكثيرًا ما كانت رائحتها رائحة تراب إلى ان يرفعك ربك إلى الملكوت. وضعنا في هذه الأرض ان نجاور فيها القذارات إلى ان نغادر هذه الأرض في  موت. «كل انسان كاذب» لأنه يحاول ان يخفي القذارات فيه ليبيض صفحته عند الناس. أما كيف يراه الله فهذا هاجس الكبار في حياتهم الروحية. وهم يتكلمون على هذه الرؤية يحيون بها.

#   #

#

قدرك في هذا الوجود ان تحيا وحدك او مع قلة من الطيبين الذين يفرحون لتقدمك على معراج الحياة الروحية، هذه مقولة غريبة عن الأكثرين واذا اتقيت ربك أنت وحدك. الناس يتقون بعضهم بعضا ويرجئون استرضاء الله اذ يحسبون انهم يعيشون من خيرات الأرض. قد يختلط بسبب من هذا الاختلاف فيك حزن اذ لا ترى الملكوت مقبلا على الناس ومعظمهم لا يهتم له ولا يحزنون لأنفسهم كما لا يحزنون من أجلك لأنهم «استوفوا أجرهم».

لا تنتهي الخيبات ولكنك انت لا تفنى في صدمة حلّت ولا تتوقع دائما فناء الصدمات. انت مشلوح على خشبة الصليب التي وعدت بها وكثيرا ما يطلع لك في هذا الشليح تعزيات. واذ ذاك تنتقل من قيامة الى قيامة. انبعاثنا مع المسيح يتم عند صلبنا كما كان له. ونعانق صليبنا لعلمنا انه درب قيامتنا. حياتنا في المسيح تأتي من تعب العالم ثم من صلاتنا اي تبدأ بصليب يجعله المؤمن مكانا لقيامته.

وهذا درب الحياة كلها اذ لا حياة الا من موت لك في دنياك واعني بهذا زوال المجد العالمي وزوال كل افتخار ونكران كل مجد. يكللك ربك بمجد منه اذا رأي رأسك قابلا للإكليل. والسقوط يزيل عنك كل مجد ويجعلك في قاع الهوان والذل.

«لا حياة الا من موت» تعني رفضك للمجد اذا أتى وسعيك فقط الى المجد الإلهي وما في دنياك الا المجد الباطل نؤتاه من الفخر الزائل. أحس كثيرا ان الناس لا يؤمنون الا بدنياهم لكونهم بدلوا دينهم بدنياهم بمعنى انهم احسوا انهم يفيدون من دنياهم لأن آخرتهم مرجأة او يرجئونها وتاليا لا يتمتعون بها الا بالأمل وليست هي في قبضتهم.

حزن الكثيرين انهم لا يلتمسون شيئا من السماء في أولاهم ويحسبون ان الدنيا فارغة من بركات السماء او انها تفتح باب السماء قليلا.

الملكوت ان لم يكن منه شيء فيك لن تراه. لن يكون لك في الآتي ما لم يبدأ معك وفيك هنا. ألم تقرأ قول الكتاب «ملكوت الله في داخلكم» (لوقا 17: 21) أنت سماوي الآن او لن تكون. المسيح أتى وآت.

Continue reading
2013, مقالات, نشرة رعيتي

من إنجيل اليوم/ الأحد 24 آذار 2013/ العدد 12

«أراد يسوع الخروج إلى الجليل» الذي كان المسرح الأساسي لبشارته. هناك وجد فيليبس فقال له اتبعني، فصار من الاثني عشر. هذا كان من بيت صيدا اي من الجليل، من جوار بحيرة طبريّة.

يقول الكتاب انّ بيت صيدا كانت مدينة أندراوس وأخيه بطرس. بعض التلاميذ كانوا يجمعون بعضهم بعضا الى يسوع وكان الاعجاب ينتقل. فيليبس بدوره وجد نثنائيل.

هذا يبدو أنه كان منكبّا على دراسة الكتب المقدسة اي العهد القديم. ولكون فيليبس كان يعرف أن هذا العلم هو علم التوراة، قال ان هذا الذي كتب عنه موسى في الناموس (أي كتُب موسى الخمسة) والأنبياء قد وجدناه، وسمّاه يسوع بن يوسف، وهذا اسمه الرسميّ لأن الإنسان يُنسب الى أبيه او المظْنون أباه. وكان يُعرف باسم يسوع الناصريّ بالنسبة الى المدينة التي عاش فيها.

كانت الناصرة محتقَرة ربما لأن بعضًا من أهلها كانوا من الأمم أي وثنيين. ربما بسبب من هذا قالوا: أَمِنَ الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح؟ جواب فيليبس كان: تعال وانظر. لستَ في حاجة الى مناقشة عن هذه المدينة او تلك. تعال وانظر هذا الشخص الجديد في أقواله وأفعاله. الخبرة تدحض كلّ ظنّ. الآراء المسبقة قد تُضلّل. تعال واختبر هذا الرجل. «لم يتكلّم إنسان مثل هذا الانسان» هذا ما قاله بعضُ يهود. أي لم يظهر إنسان بهذه الجاذبيّة الروحيّة التي تشدّنا اليه. اليوم، وبعد انتقال يسوع الى السماء، «تعال وانظر» تبقى حقيقة راهنة اذ لا يُشبّه إنسان بمثل هذا الإنسان. لم يسلك أحد بهذا البهاء الروحيّ الذي كان عليه يسوع الناصريّ. ولذلك اذا أردت أن تصبح إنسانا سويّا عليك أن تحاول السلوك الذي سلكه، وأن تردد الأقوال التي قالها. أنت لك هذا اذا شئت.

القول الذي يحدّ كلّ قول: «إنكم من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن البشر». صورة المسيح مستلقيا على الدرجات الواصلة بين السماء والأرض هي صورة الوسيط الوحيد بين الله والناس. وهذا مضمون دور هذا القائم في السماويات والأرضيات. هذه رسالة المسيح الكبرى أنه الرابط الوحيد بين الإلهيات والإنسانيات، بين السماء الهابطة على الأرض والأرض الناهدة الى السماء. المسيح في طبيعته كائن سماويّ وكائن أرضيّ. هو مخلّص الأرض كلها لأنه سماويّ كليا. هو الذي جعل الأرض مسكنًا للسماء فأهّل أهل الأرض أن يصعدوا وراء مسيحهم الى فوق. السماء بكل ما فيها من نِعم الروح القدس تهبط على الأرض لتجعلها سماء.

هذا الالتحام بين ما هو لله وما هو للإنسان جعله المسيح وحده ممكنا فسكن روح الرب الإنسانية بالمسيح يسوع.

Continue reading
2013, جريدة النهار, مقالات

أحد الأرثوذكسية / السبت 23 آذار 2013

الأرثوذكسية لا تعني، لغة، طائفة من طوائف لبنان. هي كلمة يونانية تدل عند معتنقيها الأصليين على الذين يؤمنون انهم في ديانتهم على استقامة الرأي أو على سلامة ما استلموه من الأوائل ولا يقابلهم باليونانية الهراطقة اي الذين انحرفوا عن الرأي المستقيم ولكن يقابلهم الآخرون كما نقول في اليونانية ايضا. من يسمون انفسهم الارثوذكسيين اذا أصروا على استعمال اللغة لا نسميهم في اللغة اليونانية بما يقابل الكفار بالعربية بل نطلق عليهم اسم الآخرين. فالمسيحيون اذا كتبوا في التاريخ ربما نعتوهم بالانحراف عن الإيمان القويم ولكنهم في الاستعمال الكنسي المألوف عندنا يقولون عنهم آخرين. لعل في هذا احتراما للناكري العقيدة المظنونة سليمة.

أنت اذا نعت إيمانك أو مضمون إيمانك بأنه عقيدة فتريد انه هو العقيدة بأل التعريف المطلقة والا فلست بجدي. لمجرد استخدامك لهذه اللفظة تكون مخطئا للموقف النافي لها.

يلفتني في هذا البلد إصرار الناس لسبب وطني ان يؤمنوا (بتشديد الميم) جميع الناس على عقائدهم و«صلبانهم وبيعهم» كما فعل المسلمون الأوائل باحترامهم حرية الآخرين وهذا إقرار بحق حريتهم اي بحرية بقائهم في الخطأ لا اذا احببنا ان نسند هذه الحرية إلى كون هؤلاء هم حسب المصطلح القرآني كلهم ملة ابراهيم بناء على فهمنا الآية القرآنية «كنتم خير امة أخرجت للناس». ربما بني هذا الموقف على انك ان كنت على النصرانية أو اليهودية أو الإسلام المحمدي لست مختلفا عن الآخر لكون ابناء ابراهيم كلهم واحد. هل هذه فكرة التساوي ضمن النعدد التي اظنها -بعبارة عصرية- مقولة قرآنية.

يزعجني اعتراض بسطاء الناس أو المتعصبون بتفاهة على قولنا: هذا مستقيم الرأي وهذا آخر. الكنيسة التي انتمي اليها عندها هذه اللياقة في الاستعمال الأدبي الا تسمي الآخر منحرفا أو هرطوقيا. في اليونانية لفظة هرطوقي لا تحمل الشتم أو السباب. المراد بها الآخر.طبعا انت مضطر ان تقول ان هذا الذي لا يقول قولي هو آخر. لي ان اضمه إلى صدري بالمحبة الأخوية ولكنه مضموم وليس هو أخًا في حين ان المستقيم الرأي هو انا حسب قول المتصوفة المسلمين. «أنا من أهوى ومن أهوى أنا، نحن روحان حللنا بدنا».

لماذا هذه اللياقة بغير محلها الا استطيع ان اسمي الآخر آخر. يجب ان اقول اننا واحد ونحن ليس عندنا معيار واحد نقول به اننا واحد.

أفهم اني واحد مع كل انسان ولكن هذا هو محبة. ونحن مختلفان اذا قلنا شيئين مختلفين. من قلل من أهمية الاختلاف فكأنه يقول ان الاختلاف ليس بالاختلاف وانا اقول له اني احب من اختلفت معه بالقدر عينه الذي احب فيه من كان واحدا معي في العقيدة لأن الحب معطى لمن يؤمن مثلك ولمن لا يؤمن مثلك. بولس الرسول لم يميز في المحبوبية بين الذي كان على عقيدتك ومن لم يكن عليها.

الا نستطيع ان نفهم اننا نضجنا بالمحبة حتى لا نشعر ان علي ان اقتل المختلف. اما آن الأوان لأخذ القريب والبعيد في ضمة واحدة إلى صدري. ستبقى البشرية مجموعة ناس بتصادم عقائدهم وهم قادرون ان يحبوا بعضهم بعضا لأنهم هم الباقون امام عيني بعظمتهم وهوانهم.

هل نحتاج إلى تصنيف البشر في عقائدهم حتى تتفاوت محباتنا لهم. فاذا كان لون الوجوه لا يستوقفني لأحب الناس ولا تستوقفني لغاتهم وأحزابهم. لماذا أقف عند التباين بين عقائدهم. اما قصد يسوع الناصري بقوله: «تحب قريبك كنفسك» انك انت امامي وحسبي ان أراك لأحبك ولا أسألك عن قناعاتك الروحية لأضمك إلى صدري لأني لا أضم إلى صدري الا ربك الكامن فيه.

قال بولس لا بد من الانشقاقات بينكم (1كورنثوس 11: 18) وعلى هذا انتم مجتمعون في المحبة التي أنزلها الله عليكم بمجانية محبته. الفرقة بين الناس ليست ناتجة بالضرورة من سوء نياتنا. انها ثمرة اختلاف العقول وهذا الاختلاف معقول فينا على استمداد أنفسنا من العقل الإلهي.

لن تتوحد الأديان. انها تعابير وتجملها تعابير وهذه لن تذوب احداها بالاخرى ولا تعاد الواحدة إلى الاخرى. كل قولة قائمة بذاتها وهي شبه كيان مستقل في العقل. والعقول تبقى متصادمة أو مختلفة ولو تآلفت احيانا. اذا لم تقل قولي لك ان تحب الله واجتمع اليك في المحبة اذا اجتمعت اليه وهذا اهم من ان نجمع على قول واحد. ولكن في الكنيسة القول واحد لأن الإيمان واحد.

كانت الكنيسة في المجامع تسعى إلى ان تأتي العقيدة واحدة في تعبير واحد لأن الكلمات الواحدة تؤكد المضمون الواحد. فإذا انت تلوت دستور إيمان واحد معي تبدي ان لنا عقيدة واحدة. لذلك نصر على ان نعبر عن الإيمان بكلام واحد للتأكد من سلامة الإيمان.

Continue reading
2013, مقالات, نشرة رعيتي

الغفران للناس / الأحد 17 آذار 2013 / العدد 11

حتى يغفر لكَ الآبُ السماويّ زلاّتك يشترط أن تغفر لجميع الذين آذوك. الغفران غفرانان: عموديّ ينزل من الله الينا اذا استغفرناه، وأُفقيّ اذا غفرنا للناس وهذا في إنجيل متى شرط لغفران الرب لنا زلاتنا.

هذا مقطع من العظة على الجبل يعرج فيها متى من الغفران الى الصوم. هذان أمران يبدوان متلازمين. فإذا انتقل السيد الى الحديث عن الصوم يكلّم اليهود عن صوم طوعيّ كانوا يمارسونه ويقع الفريسيون منهم بالرياء فتصبح وجوههم عابسة، منقبضة ليدلّوا على أنهم صائمون ولا سيما أن هذا صوم طوعي.

جاء يسوع ليقول: «اذا صُمتَ فادهَن رأسك واغسل وجهك لئلا تظهر للناس صائما بل لأبيك الذي في الخفية». غالبا يشير السيد الى صوم تطوّعيّ. هذا يراه الآب أنه صلة بينك وبينه. لا يستعظم الإنسان بعمل تقويّ تطوّع له. هذا عمل خفيّ منك للآب الذي يراه ولا يعطى فيه فضلٌ لك. اليوم، وإن انتقلنا من الصوم الطوعيّ الفرديّ الى صوم الجماعة ولا سيما الصوم الأربعينيّ المقدس، تبقى الصلة بيننا وبين الله.

ولكن بعد أن صار الصوم تركيبا كنسيّا يبقى أنه صلة وجدانية بينك وبين الرب وليس عليك أن تتبجّح به. ولكن في الأوساط المؤمنة، لك اذا قُدّم لك طعامٌ غير صياميّ أن تقول انك صائم فلا تأكل. واذا دعتك الى الطعام عائلة مؤمنة، لا تذهب الى وليمتها إلا اذا كنت عارفا بأنها متقيّدة بنظام الصوم، اي لا تقبل وليمة من عائلة غير مصلّية وغير متقيّدة بقواعد الصوم. وفي كل حال، زمان الصوم تتقيد فيه بقواعده ويكون واضحا لمن يدعوك أنه يحترم التزامك بقواعد التقوى.

توا بعد هذا الكلام يجيء كلام الرب عن حُب المال، ويقول السيد: «لا تكنزوا لكم كنوزا على الأرض… اكنزوا لكم كنوزًا في السماء» بالإيمان المستقيم والعمل الصالح. وينهي المقطع بقوله: «حيث تكون كنوزُكم هناك تكون قلوبُكم».

المال تتعاطاه من أجل المعيشة، ولا تحبّه. «أَحبب الرب إلهك من كل قلبك». هذا وحده تحبّه بحيث تحبّ كلامه ووصاياه وتعمل بها. قلبك ليس لهذا العالم وغناه ومجده. قلبُك الله وحده يسكنه و إياه تسمع وإياه تطيع ولا تجعل في قلبك شريكا له. اجل انت مدعوّ الى محبة كل الناس.غير أن هذه ناتجة من محبتك لله. إن لم يكن الرب موحّد قلبك وقلوب الآخرين، تكون في حالة عبودية للناس. انت مُحبّ لكل إنسان لكون الرب ساكنا فيه، لأن الله يجعلك أخا له لكونك فهمت أن الله أب لك وأب له.

في الأخوّة البشرية المرتكزة على الله، ليس أحدنا عبدًا للآخر. نعرف الآخر المختلف أخا لإيماننا بأن الله أبونا جميعا. أنت اذا غفرت لأخيك تدفعه الى الشعور بأن الله أبوه وأبوك معا، فتنكشف لك بآن أُبوّة الله وأُخوّة الآخر.

Continue reading
2013, جريدة النهار, مقالات

الرجل والمرأة في الله / السبت في 16 آذار 2013

لماذا تصوم؟ لأنك فقير الى الله وفي المصطلح المسيحي لأنك جائع اليه طعاما حسب قول ابنه: «أنا هو خبز الحياة. من جاء اليّ لا يجوع» (يوحنا 6: 34). هل كلام القرآن: «أنزل علينا مائدة من السماء تكون عيدا لاولنا ولآخرنا» (المائدة 114). رأى ماسينيون المستشرق ان هذين القولين مترادفان. هذا التعييد الدائم حوّله النساك الأوائل الى صيام دائم فيه شبه الانقطاع عن الأكل لحسبانهم انهم يغتذون من الذكر. لم يعرفوا التفريق القائم في اللاهوت الغربي بين الطبيعي وفائق الطبيعة. يذهلك اذا قرأتهم ان تفهم انهم لم يقبلوا المألوف وانهم لم ينظروا الى مدى إمساكهم وقونه على انهما من الخوارق.

دائما يذهلني لما أقرأهم انهم لم ينظروا الى الطبيعة البشريّة وقدرتها مع انهم اوصوا بعدم الغلو. ولكن اذا نظرنا نحن المعاصرين الى ما تمموه نراه غير قابل للتصديق. بالمقاييس العلمية كان يجب ان يموتوا ولم يموتوا. بمعاييرنا اخترقوا كل قواعد العلم حتى لنتساءل لماذا قاموا بكل هذا؟ هل كان كل هذا التقشف ضروريا؟

اذا كنت تعرف ان كل ديانات هذا الشرق نشأت بعبادة الجنس (أفروديت، عشتار، عشتروت) تفهم ابتعاد آبائنا عن هذه العبادة وتفهم تشديد الأوائل على العفة ومراقبتهم الشديدة لوظائف الجسد. لماذا كانوا مثلا يقولون انك ان لم تقمع الشراهة لا قدرة لك على بلوغ اية فضيلة؟ ألم يقل فرويد هذا في تحليله النفسي بلا رجعة منه الى اي دين؟ قال آباؤنا قبل علماء اليوم ان كلّ اللّذات متماسكة. عرفوا بخبرتهم الروحية ما كشفه العلم المعاصر. بهذه الخبرة قالوا ما قالوه عن ترابط اللذات وعندما كافحوا لذة الطعام او حاربوا غلوها كانوا يكافحون كل اغراء جسدي لارتباط الكل بالكل.

يؤذيني جهل المسيحية عند الذين يتهمونها بأنها ضد الجسد وهي ضد استفحاله او تفلته من كل قيد. أليس الجسد برز بالدرجة الأولى في الفن المسيحي؟ أليست العناية الطبيّة بالجسد كانت فائقة في البلدان المسيحية الراقية. اما الاستغراء في الجسد فليس حكرا على البلدان المسيحية. أليس كتاب الأعاني كتابا يستغرق قارئه في الجسديات وهو ليس لمؤلفين مسيحيين؟ أليس قول الدعاة ان الشرق روحاني والغرب جنسي قولا اقله انه قليل الصدق او غير دقيق.

عند هذا لا بد ان نقول اننا لم نستورد عبادة الجنس من الغرب. ألست تستغرب ان الغزل طاغ على الشعر العربي منذ القرن السادس الميلادي وان ليس له أثر في الألفية الميلادية الأولى في آداب الشعوب المسيحية.

واذا عدنا الى العبادة ففي الوثنية الشرقية (فينيقية وبلاد ما بين النهرين) وفي ممارسات الحب في هذا الشرق عينه كزواج الأخ بأخته في مصر القديمة لم تعف شعوبنا أكثر من غيرها. في الواقع الأدبي الذين أبدعوا الغزل هم الشعراء العبران ومن بعدهم ظهر الغزل العربي «والشعراء يتبعهم الغاوون» (الشعراء 224).

التغني بالجسد بدأ في هذا الشرق لما كانت اوربا في أدبها عفيفة. الكتابة المتهتكة عربية قبل الف سنة من اليوم ولم تشرف عليها سلطة او رقابة في حين ان المسرح كانت الكنيسة الكاثوليكية تكافحه في الغرب.

#   #   #

من الخرافات الواردة على لسان النقاد المعاصرين ان الكنيسة كانت دائما ضد الجسد. الحق ان الكنيسة ضد الزنى وليست ضد الحب الانساني الكامل قائما بين الرجل والمرأة. لست اعرف تعظيما للزواج كذلك الذي أعرفه في حفلة الزواج في الكنيسة المسيحية. صلاة الإكليل عندنا شعر. لك ان تفهم الزواج عقدًا ولكن هذا هو الحد الأدنى من الترابط بين الرجل والمرأة. بعد هذا تسمع في حفلة الإكليل انه صورة عما نسميه الرباط السري (اي القائم في سر الله) وهذا السر منعكس في لقاء العروسين.

ليس في المسيحية عقد بحت. كل شيء فيها سر إلهي اي عهد بين الله والانسان والعقد الله مبدؤه او عاقده. ليس في المسيحية نطاق ديني إلهي محض ونطاق مدني بحيث يكون كل شيء إلهيا وانسانيا معا. كل هذا بنيناه على صورة الإله المتجسد واذا قلنا ان الانسان جاء من الله نقصد انه جاء على صورة ما سيكون المسيح عليه اي إلهًا متجسدا.

نحن لسنا على صورة المسيح في تأنسه الإله وحسب ولا علـى صورته البشرية وحسب لأن هذه مثل صورتنا. نحن على صورة الإله المتجسد اي مؤهلون لاكتساب النعمة الإلهية الأزلية. على مثال المسيح نحن من الله جئنا واليه نعود وولكنه هو اتخذ جسدا ونحن كنا في جسد. وكما عاد هو الى ابيه بجسد قيامته نعود نحن اليه بالموت اولا بالقيامة الاخيرة ثانية. وموتنا بدء تذوق لقيامتنا.

#   #   #

الرجل والمرأة واحد ولكن في الله. ليس اني انكر وحدة وحدة الجنس فيهما. غير ان هذا لا يتجلى في عمقه و مداه الا اذا كان في الله. ليس من فاصل عندنا بين الصعيد الطبيعي والصعيد الفائق الطبيعة. الرب رابط هذه الطبيعة بما يتعداها، بما يرفعها الى ان تصبح لغة الله وأداة الله.

يتكلّم علماء النفس عن التكامل بين الجنسين. الحقيقة انه ان لم يكن تكاملا في الله قد يصبح خصومة او عداوة حتى الانفكاك. يتكلم العلماء عن توتر بين جنسين. المهم ان نعرف ان التجاذب بين الجنسين يهدده عداوة بين الجنسين يبدو كثيرا في الحياة الزوجية.

التجاذب الطبيعي لا تسنده قواه وحدها اذ هناك بين الجنسين رغبة التسلط فالانشداد الطبيعي قرينه التباعد الطبيعي الذي يصل الي التنافر حتى القتل. الرجل ليس ضمانة للمرأة ولا هي ضامنة له في طبيعتها. كل شيء هنا تربية في الأقل وروحانية في الأكثر. الإنسان ليس بآلة. انه يكونها ان لم يحركه الروح. يبدأ الانسان جسدًا اي كيانًا طبيعيا ويجعل الله فيه بعد ذلك دعوة.

الانسان ثمرة الله بالدعوة او ليس بشيء. يصعد من هذا التراب. وترابه يتوهج بضياء إلهي اذا أشرف الله عليه وقبل هو هذا الإشراف.

#   #   #

الانسان اسم يطلق في الدعوة على الرجل والمرأة اذا اجتمعا. وقد عرّف سفر التكوين الانسان على انه الرجل والمرأة معا. نية الكاتب في هذا السفر ان يبين ان الرجل والمرأة اذا كانا معا هما الانسان الكامل. ولكن الخطر الاعتقاد انهما يصيران ذلك بمجرد اجتماعهما. انهما يجتمعان للحب او للحقد. ليس من حب منبثقا من مجرد الطبيعة. الحب يأتي من القلب وهو ليس بذاته فقط. ينشئه الحب الإلهي. اذ ذاك يصبح القلب سليما لسكنى الله فيه.

هذا ليؤكد للمرة الأخيرة ان الرجل والمرأة اذا ظنا انهما يصيران معا بحسب الطبيعة يكون هذا رؤية ناقصة. الله يجعل الذكر انسانا بحبه للمرأة والمرأة انسانا بحبها الرجل. الله يبقى خالقا بعد الخلق اي مجددا له. نحن في حضن الله دائما او نموت من قلة الدفء.

الدفء في الله وحده. قبل بلوغنا الله حقا كل شيء صورة. ما من شيء الا بتحقيقها في هذا العالم منذ الآن ان رأينا انفسنا قائمين في حضن الله.

Continue reading
2013, مقالات, نشرة رعيتي

استقلال الذات/ الأحد 10 آذار 2013 / العدد 10

كلنا يعلم أن الإنسان مرتبط بعائلته وعمله وبيئته ووطنه والعالم، بالشمس والقمر وكل ما يشغله من ماضيه، بجسده وصحته وأمراضه، بمشاكل الدنيا التي يتحسّسها ولا سيما بوطأة الحال الاقتصادية. إنه وريث ماضيه، متخوّف مِن آتيه او ممتد إليه بالرجاء.

الإنسان يبكي لأنه في عوز، في جفاف العاطفة، في النقصان على أنواعه. انه في حال التكوّن الدائم او الانفراط او كليهما، قصبة تذرّيها الريح عن وجه الأرض. يتّكل على ذويه والأصدقاء لاحتسابه أنه يبقى في عطفهم. يمتد من الآخرين الى ذاته، وقد لا يؤمن كثيرا بذاته اذ يحسب انه قائم برضاء هذا وذاك. هكذا إنسان القبيلة الذي يذوب في الجماعة ويردد ما تقول. الفرد تحميه الجماعة او هكذا يظن. هذا يُعفيه من مواجهة نفسه ورؤية مسؤولياته، ويردد أقوال من يلوذ بهم ويشاركهم مشاعرهم على الأقل تعبيرا. الاندماج بالآخرين قولا او فعلا يريح الفرد. لا يبقى عليه ان يحاكم ذاته اذ قد يكون في ذلك حكم على ذاته. أن يذوب أحدنا في الآخر يريحه. الانسان مغرى بالهروب لأن الرؤية رؤية الذات التي قد تكون قبيحة.

ويهرب الى عائلته أو الى قبيلته أو الى مهنته أو الى حزبه. وبسبب من هروبه الى هنا وهناك لا يعرف له مركز. هذا هو تشتّت النفس او ضياعها. وفي الضياع الكبير تلفٌ لطاقات كبيرة. حتى تجمع أشياء كثيرة في نفسك، يجب أن تعي نفسك واحدة قادرة أن تتخذ في ذاتها أُمورًا من الحياة عديدة.

هذا يعني أنك تجيء من نفسك وأنك تراها واحدة. أما إذا لم ترَ وحدة ذاتك، تتناثر فيك الأشياء وتتصادم الى أن يجمعك الله اليه في احتضان.

ما من شك أن الإنسان الذي في الكون ممتدة قدراته الى كل الآفاق، وتُوحدها المحبة إن هي نزلت عليه. بلا المحبة الإلهية تنسكب علينا تظلّ نفسنا مبعثرة، مشتتة. اذا لم تتمحور حول الرب تبقى مكسورة او مهتزّة. هذا قانون الانهزام لكل نفس اعتراها الضعف على رجاء أن ينهض ربها بها.

الاستقلال عما هو خارج عن كياننا شرط ليقوى كيانُنا بالرب. روحه الساكن فينا يصبح سندا لكياننا. هو الذي «يشفع فينا بأنّات لا توصف». اذا سكن روح الرب فينا، يصير كل كياننا مشدودا الى الرب ويبدأ استقلالنا عن المخلوقات وعلى ما يشدّنا الى هذه الدنيا التي تحاول كل قواها أن تسيطر علينا.

غير أن النفس لا تستقلّ عن العناصر الضاغطة علينا ما لم يسكنها الروح القدس. هذا ينبغي أن نقبله سيّد النفس لتزول عنها كل سيادة اخرى. والروح فينا يحرّكنا بقوته ويطرد عنا كل عدوّ، وتبدأ، اذ ذاك، هيمنة الله.

الله فينا نذوق أنه أَمسى كل شيء في حياتنا.

Continue reading
2013, جريدة النهار, مقالات

أبواب الصوم / السبت 9 آذار 2013

ماذا نطلب فيما نقرع أبواب الصوم؟ نمسك لكي يطعمنا الرب رحمته الغنية أي اننا نتوسل إليه رحمة تغذينا. كل جهدنا فيما نسلك الطريق إلى الفصح ان نقتنع اننا قادرون ان نتغذى من الطعام السماوي وان الرب يهيء جوعنا إليه. ينبغي ان نشتهي الطعام السماوي فيلبي الله شهوتنا إليه. لا نشبع الا اذا تقنا إلى الرب نفسه غذاء. هل الحرمان الإرادي من طعام الدنيا إلى اشتهاء «الخبز النازل من السماء» وهو كل غذاء إلهي؟ والله يغذينا بكل كلمة تخرج من فمه وكلامه هو إياه.

دون ذلك أطعمة تدخل إلى الفم ولا تأتينا بالخلاص «لأن الأطعمة للجوف والجوف للأطعمة والله سيبيد هذا وتلك». أظن ان أهم ما في الصوم قناعتنا بأن كل ما يدخل إلى الفم يفنى مع الجسد.

تباينت مؤخرا أنظمة الصوم عند المسيحيين. تفاوتوا في كمية الطعام وفي أنواعه ولكنهم اتفقوا على ان أمرا أساسيا في حياة الانسان ان يسود شهواته فلا يأتي منها. المسيحية تنقذك ان أطعتها من الشهوة الضارة وتقيمك في الاعتدال البنّاء. ليس الصوم عندنا نظام حِمية ولكنه سيادة الانسان على جسده واندفاعه إلى الخبز السماوي أي إلى كلمة الله فيحيا منها ويبقى ملازما ربه في كل عمل صالح.

المهم ان يتعلم الانسان من صومه ان الطعام يزول مع الجسد. «ليس ملكوت الله طعاما وشرابا». كل حياتنا ضرورية لنتعلّم فيها ان ملكوت الله برّ وقداسة. ماذا تتعلم من الإمساك عن الطعام؟ هذا هو الأمر الاهم في فترة الصيام. ماذا تتعلم لخلاصك؟ كل شيء في المسيحية ارتقاء إلى الله أو ليس بشيء. كيف نتدرج من «نظام حمية» إلى ان نحمي أنفسنا من الخطيئة ونشاهد وجه الله واذا لم ندرك هذا الوجه نكون تهنا في الباطل.

يذهلني هؤلاء المسيحيون الذين يتساءلون عن أهمية الصوم وهم لم يختبروه وقال لهم الاطباء تؤذون أنفسكم ان اكلتم لحما كل يوم أو معظم أيام الاسبوع. يطيعون الطبيب لو نصحهم الا يكثروا من استهلاك اللحوم حرصا على صحتهم ولا يكترثون لإمساك ينفعهم جسديا وروحيا. ثم هم يقيمون فارقا بين دعوة يسوع إلى الصيام الواضحة في ترتيب الكنيسة لهذا العمل الروحي العظيم.

#   #

#

الابتعاد عن الصوم بذريعة ان الرب يسوع لم ينظمه ولكنه دعا إليه بالمبدأ هو استخفاف بكل وجود الكنيسة القائمة بأمر المسيح وبأنها تتولى شؤون الخلاص على الأرض.

ادعاء البعض ان الصوم غير ملزم لأن الرب يسوع لم يحدد له نظاما أو أياما ادعاء مرفوض لأن المخلص يترك لنا المبدأ لنبني عليه وهو لم ينظم الكنيسة بكل تفاصيل إدارتها بل ترك هذا للتلاميذ وخلفاء التلاميذ أي للزمان اللاحق لتأسيس الكنيسة ولموته وقيامته والعنصرة. الكنيسة حية وتدبر الأزمنة في حكمتها بما ينفع المؤمنين وليست هي قانونا جامدا أو ذات شكل متحجر. يسوع اعطانا كلمته الحية ولم يضع أنظمة وما يسمى قانونا كنسيا ليس كالقانون الوضعي قابلا للتطور الدائم فهناك في الكنيسة ما يتغير وهناك ما لا يتغير. ما كان في الكنيسة إلهيا حقيقة هو ثابت. ما كان ذا طابع تاريخي محض قابل للتطور.

ليس من حياة بلا شكل. كيف تغير الشكل اذا اقتضى الامر ولا تضرب الحياة التي يحملها؟ ان دقة الاشكال الكنسية يجعلها وارثة للإله ووارثة للتاريخ بآن. فلا تضرب ألوهية المؤسسة اذا تجاوزت شيئا من تاريخها. التاريخ ايضا يحمل الله. الأبدي يطل على الزمني فلا تعدل الزمني إلى درجة طغيانه على الأبدي. من هذا المنظار لا تقدر ان تعدل نظام الصيام بحيث تلعب بالأبدي الذي يتضمنه. هذه هي حكمة الكنيسة ان توفق بين الثابت والمتحرك فلا يطغى الواحدعلى الآخر. فإذا رأت الكنيسة مثلا ان في الصوم عنصرا ثابتا اذا زال تزول به المؤسسة كلها لا تقدر ان تذهب بالتطوير إلى اللانهاية.

امر تطوير المؤسسات دقيق جدا. لقد درس العلماء الأرثوذكسيون امر التطوير في نظام الصوم واعرضوا عنه. أنا كنت حاضرا هذه الجلسات في جنيف إعدادا للمجمع الكبير الذي كان مكلفا درس تعديلات في الأنظمة الأرثوذكسية. رفضنا آنذاك المس بنظام الصوم. الشعور الذي كان سائدا عند المجتمعين من أساقفة وعلمانيين ان الصوم في شكله الارثوذكسي الحاضر كان أمرا استطابه المجتمعون.

لا شيء يمنع ان يتغير الوضع الآن وللكنيسة المستقلة الحق في تعديل الأنظمة العامة. وقد قمنا بهذا أثناء الحرب في لبنان ولكن المؤمنين بقوا محافظين على نظام الصيام كما هو متبع في كنيستنا.

أي مقاربة لوضع الصيام وانظمته لا تكون سليمة ما لم تقترن بنهضة روحية قائمة على الكتاب الإلهي والتراث. الحديث عن تطوير الصيام ينبغي ان يقوم على فهم للصيام عميق فلا يأتي نظاما طعاميا بديلا عن النظام القائم بل مقرون بنهضة روحية شاملة.

الصيام شهوة للفصح، للنور المنسكب علينا بقوة. كل اقتراب من هذا النور العظيم يقتضي إمساكا عن الزلات واندفاعا إلى الضياء الإلهي الذي اذا تسربلناه نكون قد غلبنا العالم. الصوم جهد يدلنا على انسكابنا غير المشروط في هذا الضياء الذي يزيل كل عتمة عن ثنايا النفس ويدعوها إلى ان تكون مشروع نور كبير.

Continue reading
2013, مقالات, نشرة رعيتي

الأطعمة للجوف/ الأحد 3 آذار 2013 / العدد 9

يعلن الرسول الحرية المسيحية الواعية بقوله: «كل شيء مُباح لي». وحتى لا يفهم المسيحيون أن هذه استباحة كل شيء، دقق في هذا المعنى بقوله: «لكن لا يتسلّط عليّ شيء». الإنسان يمارس شهوات شرعية مثل شهوة الطعام في اعتدالها، ولكن يدرك أن بطنه ليس له سلطة عليه. لذلك أتى بهذه القاعدة العميقة المعنى: «الأطعمة للجوف، والجوف للأطعمة».

ثم يوضح بولس أن الطعام خادم للجسم وليس مطلقا. واذا جعلته عظيم الأهمية، مطلقا، تصير عبدًا وتُعرّض نفسك للزنى. علاقة الجسد والشراهة تمتد الى الزنى أحيانًا. لذلك بعد أن ذكر الرسول الأخطاء الناتجة عن الشراهة، يقول قد يُسبّب هذا انحرافًا في السلوك، انحرافًا عن العفّة.

وهنا يجب أن نذكر أن الجسد للرب ويكتمل بالعفّة. على هذا يستند بولس ليقول ان الجسد للرب والرب للجسد.

ثم يسمو بالتأمل ليؤسس هذا التعليم أن أجسادنا هي أعضاء المسيح ويقول: «أفآخُذ أعضاء المسيح وأَجعلُها أعضاء زانية؟». كيف وصل الرسول الى هذا التأكيد؟ يتكّل على تعليمه القائل ان أجسادنا هي أعضاء المسيح. فإذا اتصلنا بزانية نكون قد جعلنا أعضاء المسيح التي فينا أعضاء زانية.

هذه الوحدة بالزانية يؤسسها على أننا أخذنا أعضاء المسيح وجعلناها واحدة مع أعضاء الزانية اذ نصير معا في الخطيئة جسدًا واحدًا، وبنى هذا على قول سفر التكوين عن آدم وحواء انهما جسد واحد.

يرى أن الاقتران بين الذكر والأُنثى يجعلهما جسدًا واحدًا أفي الشرعية كان هذا أَم في الانحراف. ولكون الاقتران بزانية زنى، يُحذّرنا منه حتى يصل الى التأكيد: «ان كل خطيئة يفعلها الانسان هي في خارج الجسد. اما الزاني فإنه يخطئ الى جسده». هذا أقوى تأكيد عند بولس على قدسية الجسد. بولس لا يقبل ثنائية الجسد والروح. كلاهما مقدّس، والخطيئة الى النفس كالخطيئة الى الجسد.

ثم يكشف الرسول صحّة تعليمه بقوله: «ان أجسادكم هي هيكل الروح القدس». المعمودية مع الميرون عندنا تُوضح بصورة جلية قداسة الجسد. ويقوّي الرسول هذا التعليم بقوله: «ألستم تعلمون أن أجسادكم هي هيكل الروح القدس الذي فيكم؟».

قداسة الجسد مكشوفة للمسيحيين بنوع خاص لأن المسيح اشتراهم بدمه. وهذا نالوه فعليا وشخصيا بالمعمودية والميرون. كيان المسيحيين تَقَدّس بدم يسوع على الصليب، وهذا انسكب عليهم بالمعمودية.

ينتج من هذا أنهم مَدعُوّون الى أن يُقدّسوا الله في أجسادهم وأرواحهم بالروح القدس والعمل الصالح.

Continue reading
2013, جريدة النهار, مقالات

الوحدة الداخلية / السبت في 2 آذار 2013

ان تستوحد، لغة واصطلاحا معا، هي ان تلتمس وحدتك بالله. هو الذي يهبك وحدتك به. فان انعزلت عنه لا تظن انك قد وصلت الى وحدتك. خارجا عن ربك انت مبعثر او مشتت او في كثرة داخلية اي توزع باطني. وانت لا تصير الى كل هذا الا لكونك خشيت اللصوق به، ذلك اللصوق الذي يجعلك متحدا به عن طريق المحبة.

المحبة تفترض اثنينية ذاتك وذات اخرى. الاثنينية طريقك الى الوحدة التي هي تجاوز العدد. وحدانية الحب تجعل الاثنين واحدا في اللامنظور وغير المحكي. المحبة هي المقولة الواحدة التي تتجاوز انت بها العدّ حتى يصح قول الحكمة: «نحن روحان حللنا بدنا». في الوظيفة امسى الروحان روحا واحدة… ولكنهما تتوقان الوحدة. ليس المهم تعدد الكيانين بعد ان توحدا في الحب. المهم الحركة الوظيفية وان ترى ويرى الناس انكما امسيتما فكرا واحدا بمعنى التحرك الروحي الواحد.

من هذا القبيل يواجهنا السؤال: ما هو التوحيد في الله. شغلني السؤال كثيرا حتى اهتديت الى هذا ان وحدة الله في ذاته وانه يفيض كيانه علينا بسبب من حبه لذاته وللكائنات التي أبدعها. لا يسوغ ان ننسب اليه ان محبته مبدعة ان كانت هذه فقط صفة فيه. يجب ان تكون ذاته هي المحبة ليبدع. المعنى المتحدي هو هذا: ان الرب لا يتصف بالحب. انه هو الحب لأن الحب عند الخالق كيانه وعند المخلوق فيض هذا الكيان.

هذا لنقول ان الحب داخلي ويأتي من النفس وتتكون هي به. ليس هو تراكم ناس جمعتهم المصلحة. هؤلاء يتشتتون او يتخاصمون في العصبة التي تبدو جامعة لهم. التلاقي في مدى واحد لا علاقة له بالمحبة. هي تلاقي قلوب قد يكون اصحابها بعيدين بعضهم عن بعض. والتلاقي الكبير كثيرا ما يصل الى الوحدة والى التوحيد حتى الانصهار. وهذا يسكبه الله على قلوب تتقارب واذا تقاربت كثيرا يصبح هو وحدتها.

#   #

#

استهللت هذا المقال بعنوان «الوحدة الداخلية». المتراكمون بعضهم على بعض اي المتلاقون في مكان واحد ليسوا متحدين بالضرورة. الوحدة تنبثق من القلوب اذا تقاربت واذا عظم التقارب يصير وحدة. هذه نعمة من الله يهبها من يشاء ولا يقوى شيء عليها.

فاذا انسكب الرب برضاه على ناس يلهبهم حبا ويصيرون نفسا واحدة على تعدد اجسادهم. الوحدة ليست حزبا اية كانت طبيعته او مضمون قوله فالتفسخ كان دائما يكمن في وحدة الحزب او الثورة. اذا تاقت الكثرة الى الواحد تصبح روحا واحدة ويزول العدد وقوة العدد. البشر ليسوا واحدا بسبب من تجمعهم لأن كل انصهار من هذا النوع مؤقت اذ لا عمق فيه وما من دائم الا الحب والحب لا يصدر من تراكم الناس وتلاقيهم ولكن من روح علوية جاءتهم وجعلتهم واحدا.

فالتنظيم اي تنظيم لا يؤلف وحدة وجود او وحدة تعاون. هو قسري بطبيعته لأنه املاء. وما من تنظيم في التاريخ المعاصر لم ينفرط. ان آية جماعة لم تتحد حتى تصير كنيسة او شبه كنيسة يجذبها الخصام. الطوابير السياسية او العسكرية لا فعل لها الا اذا سيرتها أوامر. هذه هي الطاعة الكذوب في الانسياق الى الخوف.

هذه الدنيا لا تقوم لها قيامة الا بالعنف اي بالبغض وتستمر الشعوب بالحروب انتصرت او انغلبت اذ في بدء الانسانية كان القتل وبقي الحاكم الرئيس للعالم. الخطيئة فاعلة في كل مكان حتى يظهر من يدعو القلة الى التوبة. والمجتمعات تتمزق باستمرار. لذلك قال داود النبي: «نجني من الدماء يا الله، إله خلاصي». متى يعي الانسان ان لا حياة له الا اذا جلس حول مائدة الرب. النخبة الروحية القليلة هي الخالصة والنعمة التي تحمل تخلص البشر اذا احبوها.

واذا صفا هؤلاء بالاسترحام والتوبة يبدأ الكون الجديد الذي تنحته النعمة وحدها ويحييه اللطف الإلهي النازل علينا من الروح.

#   #

#

النعمة تدعونا بإلحاح الى ذاتها واذا عانقتنا فنحن الى روح جديدة في كل انسان والى عالم جديد يكونه الأبرار. اما الاشرار فيبيدون انفسهم ويدمرون العالم.

العالم الجديد ينشئه الله بحبه لخلائقه. هو لا يريد ان يبقى وحده. فالله يمد نفسه الى خلائقه لينشئ بهم كونا جديدا. وما لم نهتد الى هذا الكون نبقى عتاقا حتى نهترئ. واذا تجملنا كثيرا يصبح كل منا انسان الله اي حبيبه. غير ان هذا يفترض ان نجدد انفسنا من الداخل. الانسان داخله. ومن داخله تستمد بهاءك وأهل الداخل يصيرون امة الله ويعمرون الكون الجديد. ليست الاشياء الظاهرة مهمة عند هؤلاء. هم ساعون الى عمقهم الذي الله ساكنه.

المسعى ان نصير جميعا متكونين من داخل نفوسنا اذا الله سكنها. هذا معنى قولنا اننا امة الله التي تكونت حجارتها كلها من الرب الذي يبني عالم القلوب.

ما من عمارة روحية لهذا العالم بمواد العالم. وخارج الكون الداخلي ليس من شيء. ولكن ليس من عالم داخلي فيك الا هذا الذي ربك بانيه. وتبنيه مع الذين يحبون الله. هؤلاء يعملون مع ربك ليبنوك. فأنت تبنيك يدا الله وهما نعمته. والله لم ينته خلقه في اليوم السادس. ما كان هذا الا اشارة لاستمرار الخلق. وهذا لا يعني مجموعة الناس والخلق وحسب. ان هذا يعني خلق ربك لقلبك. والقلوب اذا تحابت تصبح الكون الجديد.

Continue reading